أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: الفصل السابع 4














المزيد.....

تاجرُ موغادور: الفصل السابع 4


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6168 - 2019 / 3 / 9 - 20:32
المحور: الادب والفن
    


عندما صار المرسى وراء ظهره، كانت شمسُ الظهيرة ما تنفكّ على حدّتها. وفي التالي، لم تعد ثمة ظلالٌ، تكفي كل أولئك المنتشرين في المكان؛ إن كانوا متسوقين أو تجار أو سماسرة أو عمال بحر. أحد هؤلاء الأخيرين، كان من المفترض أن ينهي بعض الأمور، المتعلقة برحلة إيابه إلى القارة العجوز، ثم يلحق بصديقه الدمشقيّ إلى منزل القصبة. ولقد ودّ " جانكو " موافاة صديقه القبطان إلى باخرته، التي تنهض شامخة بين قوارب الميناء ـ كما حال الفيل في المرعى، تتراكضُ قدّامَ قوائمه آكلاتُ العشب من عجول وظباء.
هكذا رمى أيضاً الهمومَ وراء ظهره، مُقبلاً على مشهد المدينة البحرية، المقدّر له أن يُضحي من مواطنيها بعد نحو ستة أشهر من وصوله إليها على متن أول باخرة ترسو في مياهها. شمس الربيع المتوهّجة، راحت عندئذٍ تداعبُ الألوانَ البيضاء والزرقاء لنوافذ وشرفات المنازل، المشرئبة برؤوسها من خلف الأسوار، مخلّفة عليها أشعتها المذهّبة والمترجرجة. هنالك، أين حط صفّ من النورس وقد لاحَ مثل حبّات عقدٍ من اللؤلؤ. وكان على هذه الطيور أن تهبّ فجأة، لتمضي محلّقة مذعورة، حينَ دوى على حين غرّة طنينُ دقات ساعة برج القصبة، المعلنة انتصاف النهار. كعادته في هكذا حالة، كان " جانكو " يمدّ يده إلى ساعته، المعلّقة بسلسلة فضية، كي يطمئن على دقّة زحف عقربيها. دويّ من نوع آخر، كأنما شاء أن يصدى في أذنه مجدداً، ليرفع الرأسَ تلقائياً إلى شرفة الدور الثاني من منزل " مستر كوين ": كان في تلك اللحظة يمر إزاء واجهة منزل صديقه، المطلة على الساحة الصغيرة، المحتفلة بحضور حلقة الموسيقا والغناء وهيَ تقدّم عرضها لزبائن مقهى الأرملة الإيطالية.
" هالو يا صديقي..! أراك عائداً لوحدك؟ "، نزل صوتُ امرأة القبطان من عليائه على رأس تاجرنا. وقالت له لاحقاً، آنَ رافقته في الطريق إلى منزله، أنها كانت قد ميّزت شخصه من خلف نافذة قاعة الاستقبال، وذلك قبيل خروجها إلى الشرفة. لم تكن هذه هيَ المرة الأولى، تتنكّبُ فيها " رومي " ساعد صديقها، المتقمّص هيئة مواطنيها النصارى. أضف إلى ذلك أنّ ملامحه الدقيقة، الناصعة كالثلج، كانت خليقةً بإيهام الآخرين بأنه " كَاوري ". وكما أشرنا فيما سلف من سيرتنا، سيُصبح مألوفاً في موغادور، الطربوشُ العثمانيّ المعتلي رأس " جانكو "، برغم حقيقة انتشاره في الولاية الجزائرية المجاورة قبل وقوعها تحت الاحتلال الفرنسيّ.
" شعرتُ بالإرهاق، هناك في المرسى، فقررت العودة للدار مع أجير بائع السمك "، قال لصديقته يومئ إلى الغلام وكان هذا يسير في المقدمة على مبعدة يسيرة منهما. ثم أردفَ موضّحاً: " أما رجلك، فإنه سيأتي إلى منزلي حال الفراغ من مشاغله ". تلقت كلامه دون تعقيب، فيما كانت تحدق بعينيه عن كثب. برغم طول فترة تعارفه معها نسبياً، بقيَ على حاله شعورُ الاضطراب؛ في كلّ مرةٍ يتلقى فيها نظراتها، المقدودة من لهيب العينين الآسرتين، الجامحتين.
ولكن، في المقابل، ماذا تفعله عينان سوداوان في نفس امرأة القبطان: ألم يقل " مستر كوين " نفسه، ذات مرة، لصاحب تينك العينين، أن النساء الأوروبيات عادةً ما يتولهن بهما؟ إنّ التاجر الغريب، في حقيقة الحال، ما كان يُدرك تأثير وسامته في نساء الوسط الراقي أولئك؛ وما كان الأمرُ ليعنيه، طالما أنه بقيَ بمنأى عن معاشرتهن. إلا صديقته هذه، " رومي "، وكان يشعر فعلاً أنها مشرقية الهوى بقدَر ما صار هوَ مؤخراً أقرب لعقلية أهل الغرب.
سارَ إذاً برفقة سليلة الإفرنج، كما لو كان أسيراً تحت الحراب المشرعة لأسلافها، وخِلَل دروعهم المرسوم عليها شارة الصليب. بيدَ أنه، ولا غرو، أسيرٌ سعيدٌ لا يرغب بشيء أكثر من هكذا صُحبة. بلى، كان يعد نفسه محظوظاً بصداقة كلا الزوجين، الخالية من أيّ غرضٍ مصلحيّ؛ هم الأغرابُ، ثلاثتهم، في مدينةٍ تجارية ـ كموغادور ـ لا تعرف سوى لغة المساومات والمبادلات والسمسرات.. مدينة، لا تعي بدَورها مقدار تأثير سحرها في أولئك الأغراب.
لقد كاد أن يسلوَ صديقه الأول، الرابي، بما كان من انشغالهما كليهما في أمورٍ خاصة. وكان من المؤمل أن يلتقي " جانكو " اليومَ بذلك الصديق، ما لو قبل هذا دعوته لتناول الغداء. وستكون فرصة مناسبة، كي يقدم له تهانيه بحصوله على منصب زعيم الطائفة اليهودية في موغادور والمعزز بظهيرٍ سلطانيّ، جعل من حقه الحلول بمحل الحزّان الراحل. بذلك، لم ينل خصوم الرابي سوى مرارة الخذلان والخيبة؛ بالأخص ابن عمه، المتحالف مع تاجر السلطان، " كره كوز ". هذا الأخير، بحَسَب أقاويل انتشرت مؤخراً، عانى من ضربة ضافية حينَ خسر في البورصة أموالاً طائلة مما قد يعرّضه لخطر الإفلاس ثم مصادرة الأملاك.
ما أن ولجَ " جانكو " داره بمعيّة صديقته، وصارَا خارج ردهة المدخل، إلا وأنظارهما ترتفعان معاً نحوَ شرفة الدور الثاني. كانت " ميرا " منتصبة هنالك، بقامتها المشيقة وجسدها المائل للسمنة على أثر الحمل. عند ذلك، استعاد هوَ في ذهنه ذكرَ تاجر السلطان، وما زُعِمَ عن شبهة وضعه ربيبة الصيّاد المغدور هذه في عُهدة الدار كي تكون عينه المتربّصة بصاحبها الأول، الرابي: " ولكن، ألا يُمكن أن يكون لخليلتي يدٌ أيضاً في اغتيال بوعزة؛ كونه سامها سوء المعاملة مع شقيقها المسكين؟ ". لقد اقتحمت هذه الفكرة رأسَ صاحب الدار، بينما يستعيد بصره من تلك الناحية، أين كانت " ميرا " تتطلع إلى القادمين بعينين شبيهتين بما لدى الجناة أو أولئك العازمين على ارتكاب جريمة قتل.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاجرُ موغادور: الفصل السابع 3
- تاجرُ موغادور: الفصل السابع 2
- تاجرُ موغادور: مستهل الفصل السابع
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 10
- أسطورة آغري لياشار كمال؛ الملحمة ومصادرها
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 9
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 8
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 7
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 6
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 5
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 4
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 3
- تاجرُ موغادور: مستهل الفصل السادس
- تاجرُ موغادور: الفصل الخامس 9
- تاجرُ موغادور: الفصل الخامس 8
- تاجرُ موغادور: الفصل الخامس 7
- تاجرُ موغادور: الفصل الخامس 6
- تاجرُ موغادور: الفصل الخامس 5
- الرسالة
- تاجر موغادور: الفصل الخامس 4


المزيد.....




- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...
- حديث عن الاندماج والانصهار والذوبان اللغوي… والترياق المطلوب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: الفصل السابع 4