أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الإله بوحمالة - نواب الأمة: حفريات في ترسبات قديمة















المزيد.....

نواب الأمة: حفريات في ترسبات قديمة


عبد الإله بوحمالة

الحوار المتمدن-العدد: 1530 - 2006 / 4 / 24 - 09:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يحدث في التاريخ البرلماني ـ حسب علمي طبعا ـ أن تقاذف النواب بالأحذية والكراسي مثلما يحدث في برلمانات دول أخرى..
ولم يحدث أن أسرفوا في التقاذف بالسباب والشتائم واللعنات المهينة الحاطة من كرامة وسمعة بعضهم البعض. كما لم يحدث أن تباصقوا على الوجوه أمام عدسات الكاميرا، أو تلاكموا أو تشابكوا بالأيدي، باستثناء حالات قليلة لا نقيس عليها.
لكن برلماننا، بدوره، مليء بالظواهر غير السليمة وبأشكال من السلوكات والتصرفات المنحرفة، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي.
في هذه القراءة نتوقف قليلا لنتأمل بعض النماذج والأمثلة غير السوية من النواب ومن سلوكاتهم وممارساتهم التي تشوه صورة العمل النيابي التشريعي، في محاولة أولية لتسليط شعاع من الضوء يكشف جزءا من مكامن الخلل والنفص والانحراف..
ربما تتجه الأحزاب السياسية مستقبلا، إلى التدقيق أكثر في التزكيات التي تمنحها لمرشحيها، فلا يتسلل من بوابة العمل النيابي أناس مستنفعين ليس لهم إلا أغراض وطموحات ومآرب شخصية.
ثم، وبشكل مسبق، نشير إلى أنه مادام ليس لزاما على كل واصف للأشجار الشائكة أن يذكر الأشجار المثمرة التي بجوارها؟.. ومادام ليس لزاما على راصد الأعشاب الطفيلية والنباتات الضارة أن يتوقف بالضرورة للتنويه بالورود والإخبار بالسنابل العامرة؟. فإننا لن نتوقف عند النماذج السوية من بين النواب الذين يؤدون دورهم ومهمتهم على أكمل وجه وبأمانة، فهذه النماذج موجودة بكل تأكيد وليست بحاجة إلى أي إطراء من أي نوع كان، بل يكفي في هذا الصدد أن نقول "إن الأشياء بضدها تعرف".

ـ هذا السباق المحموم: فقط من أجل المقعد.. فقط من أجل الحصانة :

قد لا نكون مبالغين إذا قلنا بأن نسبة كبيرة من النواب الذين وصلوا إلى البرلمان على امتداد تجربته، يمكن اعتبارهم من الأثرياء الكبار وأصحاب رؤوس الأموال فعلا ممن بلغوا شأوا كبيرا في تحقيق المجد الاقتصادي والمالي وحققوا الثراء والغنى لأنفسهم وعائلاتهم.
وبالتالي فإن الصراع المرير الذي يخوضه هؤلاء النواب من أجل الحصول على مقعد بالبرلمان، بغرفتيه الأولى والثانية، يحكمه في الغالب هم البحث عن الحصانة وامتازياتها قبل أي هاجس مادي.
وتمثل صفة النيابة ومقعدها بالنسبة لبعض النواب، بسبب سمعته الماضية أو مستواه الاجتماعي والثقافي المتدني أو مكانته العائلية وأصوله المتواضعة، رد اعتبار للكرامة والكبرياء الشخصيين في وسط سياسي أو سلطوي لا يفلح الثراء المادي الواسع دائما في رفعهما وتلميعهما بالقدر الكافي.
أما البعض الآخر، فيسعى خلف هذه الصفة عن إصرار وتخطيط لأن ميزة الحصانة البرلمانية فيها تمثل بالنسبة له ذرعا واقيا لأنشطة مشبوهة أو كسب حرام أو غير مشروع أو تجاوزات قانونية أو فساد مالي يمارسه بالفعل، أو ينوي ممارسته في المستقبل بعد الفوز بالمقعد.
فالحصانة وإن كانت لا تجنبه إمكانية الوقوع تحت طائلة القانون، إلا أن مسطرة رفعها الطويلة وإجراءاتها، تشكل فرصة للمناورة إن احتاج الأمر إلى ذلك في لحظات الخطر.

ـ هذا السلوك الرعوي: المساومة دائما.. الترحال أبدا:

قد يكون الانتقال من فريق نيابي إلى آخر في بعض الحالات، اختيارا سليما يلجأ إليه النائب بوعي وإرادة بناء على معطيات لم يتأت له إدراكها أو اكتشافها إلا من خلال الاحتكاك المباشر والوقوف عيانيا على حقيقة الأمور.
لكن الترحال المتكرر المبني على طموحات شخصية مدفوعة بما يروج داخل البرلمان من استقطابات ومساومات، أسلوب انتهازي موجود ما في ذلك شك، وقد أشاع هذا الأسلوب، على امتداد التجارب السابقة، جوا من المزايدة والبيع والشراء، وأصبح ظاهرة سلبية تلازم العمل النيابي والممارسة السياسية الحزبية داخل البرلمان.
وتتميز هذه العينة من النواب الذين يدمنون الترحل والتجوال بين الأحزاب بكونهم:
أولا ـ لا ينضبطون للمبادئ ولا يؤمنون بالتوجهات والأفكار الحزبية، ولا يرون في الانتماء السياسي أو الدفاع عن برامج أو مشاريع مجتمعية أية فائدة ما لم يلمسوا ذلك لمس اليد، أي ما لم يحصلوا على امتيازات أو تسهيلات أو تعويضات أو مناصب...
ثانيا ـ إنهم يحاولون دائما التملص من العمل الجماعي الموجه، ويصعب جدا التقاؤهم مع الآخرين أو التقاطع معهم في هامش وفاق أو نقطة وسط.
ثالثا ـ إنهم لا يستسيغون أن يظلوا طوال الوقت موضوع مراقبة أو وصاية من طرف الحزب أو أطره أو إعلامه.
وقد كان مثل هؤلاء النواب في تجارب سابقة، يتقدمون للانتخابات كمستقلين أو لا منتمين، حيث أن أهدافهم الشخصية تفرض أن تبقى تحركاتهم دائما تحت الظل وغير مكشوفة ولا قابلة للمساءلة أو الاستفسار.

ـ هذا النائب المستوزر: وكأن الغرفة أضيق من الباب:

يكون بعض النواب أحيانا من المقاولين وأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة ممن يملكون الشركات والمقاولات والمصانع والعقارات الموزعة على جميع أنحاء الوطن وبالخارج.
ويلج هذا النوع من النواب عالم السياسة من بوابة الترشيح للبرلمان، ويكون هدف النائب من هذه العينة في الأغلب تعزيز سلطته المالية وإسنادها بسلطة سياسية نافذة عبر البحث عن فرص الاستوزار. كما يهمه، في حالة لم يتأت له ذلك, أن يتقرب ما أمكن من مراكز القرار الاقتصادي والسياسي ويقف عن كثب على لحظة صناعة القرارات وتشكلها ليستفيد منها أولا بأول.
وقد يتعدى ذلك بالمشاركة في هذه اللحظة وتوجيهها بما يتماشى مع مصلحته وطموحاته. علاوة على أن البرلمان أو الوزارة يسعفانه في تلميع صورته وتوسيع مجال تداول اسمه كشخصية عامة ومعروفة.

ـ هذا الهدر النيابي: كأنهم برلمانيون.. كأنهم أشباح.

لا يسمح النظام الداخلي لمجلس النواب بالتغيب المتكرر وغير المبرر عن الجلسات. ومع ذلك يكشف النقل التلفزيوني المباشر لوقائع الجلسات الأسبوعية عن استفحال ظاهرة التغيب وفراغ المقاعد إلا من عدد ضئيل من النواب.
وتنص المادة 60 من هذا القانون على ضبط حضور النواب بأي وسيلة ممكنة بما فيها المناداة عليهم بالأسماء، كما تنص على نشر لائحة المتغيبين في النشرة الداخلية للمجلس.
لكن النواب، كل النواب بلا استثناء، يحسنون اختلاق الأعذار التي تبرر تغيباتهم. غير أن بعضهم يتفنن في ذلك ويتقنه، بل ويدمن عليه، مستفيدا من عدم صرامة المجلس في تطبيق قوانين الحضور والزجر على الغياب، أو متحايلا على هذه القوانين برسائل الاعتذار المتوالية والرخص والشواهد الطبية والتعلل المستمر بالظروف الطارئة والسفر وبعد المسافة بالنسبة للأقاليم البعيدة عن العاصمة.

ـ هذا الحضور الصامت: كأنه غياب.. أو قريب من الغياب.

يصمت النائب البرلماني في معظم الحالات لأنه يفتقر إلى ثلاثة أشياء أساسية من الضروري أن تتوفر في من يرى نفسه مؤهلا لخوض غمار هذه التجربة :
ـ أولا، إلى لغة سياسية واضحة وملكة تعبير سليمة بجمل مفيدة لطرح السؤال وإيصال الفكرة والمعنى البسيطين دون فذلكات منمطة وخشبية ودون تقافز مخل بين عبارات عربية فصيحة وأخرى فرنسية وثالثة عامية متكسرة، ودون اللجوء في معظم الحالات إلى كتبة يدبجون أسئلة قد لا يحسن قراءتها وتهجئتها.
ـ ثانيا، إلى حجة مدعمة بالأرقام والوثائق والمعطيات، مبنية على اطلاع جيد على أصل المشكلة وتفاصيلها ميدانيا ومن أفواه الناس الذين يعيشونها.
ـ ثالثا، إلى قناعة بجدوى دوره كنائب ممثل للشعب، وقدرة على مواجهة الحكومة بدون عقدة نقص أو خوف أو قهر وشعور بالدونية.

ـ هذه الأمية وما شابهها: كأن التشريع تصفيق أو تكملة عدد.

الأمية درجات كما هو معروف، وإذا كانت أمية الأرقام وكتابة الاسم والتوقيع قد انقرضت، أو هي على وشك ذلك بين صفوف النواب، فإن هناك مستويات أخرى من الأمية لا تزال تضرب أطنابها بينهم.
ـ هناك الأمية السياسية بجميع أبعادها وتجلياتها، بدءا بجهل النائب لحقوقه وواجباته الدستورية وكيفية ممارستها، وانتهاءا بعدم إدراكه لأهمية دوره وطبيعته بالنسبة للمواطنين الذين يمثلهم، وللمؤسسة التي يتواجد بها وللحزب السياسي الذي ينتمي إليه وللديمقراطية التي هو جزء من أدواتها.
ـ ثم الأمية الثقافية المتعلقة باللغات والمعلومات والخبرات، فنائب لا يملك ثقافة عامة.. ولا يحسن لغة أجنبية.. ولا يستطيع أن يكون فاعلا حينما يسافر إلى الخارج في إطار ما يعرف بدبلوماسية البرلمانات أو تبادل الزيارات أو لجان الصداقة البرلمانية.. ولا يتابع مستجدات الساحة السياسية والاقتصادية العالمية وتطوراتها.. لا يمكنه أن يؤدي دوره كاملا مهما كانت درجة التزامه بالعمل الجماعي في إطار الفريق، ومهما كانت قيمة توجيهات الحزب ومراقبته وتأطيره.
ـ ثم هناك، الأمية التواصلية ممثلة في عدم قدرته على ربط اتصالات وتطوير علاقات، وعجزه عن المشاركة في بناء صورة المؤسسة التشريعية بالشكل الذي يبرز قيمتها ومكانتها داخليا وخارجيا.

ونختم بهذه الأسئلة:
ـ ما هو دور النائب أو المستشار، إذا كان أقصى ما يطمح إليه في سعيه للبرلمان هو الحصول على امتيازات الحصانة والنفوذ والعلاقات الشخصية والتعويضات المجزية؟
ـ ما هو دور النائب الذي يفترض أنه يمثل المواطنين، إذا لم يكن في مقدوره إيصال صوتهم إلى الجهات الحكومية وطرح مشاكلهم أمامها ومطالبتها بحلها؟.
ـ ما هو دوره إذا كان يقضي مدة انتدابه غائبا عن الوجود سواء فيزيقيا أو معنويا..
ـ وأخيرا كيف يمكن لنائب شبه أمي، إن لم يكن أميا بالفعل، أن يكون لصوته ودوره تلك الأهمية والخطورة في قبول أو رفض برنامج حكومي أو تمرير سياسة اقتصادية أو اجتماعية أو الاعتراض على ميزانية أو قبول أخرى.. كيف يمكنه أن يشرع لمستقبل أمة.. ويحدد مصير وطن.. ويصنع مستقبل أجيال في ظل أميته تلك؟.



#عبد_الإله_بوحمالة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أكاديمية الآلهة
- الأنظمة العربية.. طبعة مزيدة ومنقحة
- الفساد.. ينزل من أعلى
- عم.. يتنافسون؟
- خطاب التشغيل في المغرب: الهروب بلغات متعددة
- من المعارضة إلى المشاركة_تحولات السلوك السياسي الحزبي في الم ...
- الأحزاب السياسية في المغرب
- تخلف جهل.. وحضارة جهالة


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الإله بوحمالة - نواب الأمة: حفريات في ترسبات قديمة