|
الزواج المدني
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 6160 - 2019 / 3 / 1 - 19:55
المحور:
ملف 8 آذار / مارس يوم المرأة العالمي 2019 - دور وتأثير المنظمات والاتحادات النسوية في إصلاح وتحسين أوضاع المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين
ا أثارت الوزيرة - ريا الحسن - قضية الزواج المدني كمطلب يساهم في تحويل الدولة والمجتمع إلى الشكل المدني المطلوب ، ولكن وقبل ذلك لا بد من الأعتراف بان الزواج في أصله مدني ، حتى من قبل أن تنزل الرسالات والرسل . فالزواج هو لفظة مركبة من عنصرين ( زوج ) وقد أستخدمها القرآن الكريم للدلالة على هذا المعنى في قوله : ( وزوجناهم بحور عين ) الطور 20 ، وهو يعني الإقتران بين عنصرين ليشكلوا خلية واحدة ، والذي يطلق عليه عرفاً في معنى الزواج هو كذلك بلا ريب ، فالزواج في أصله التاريخي والمعرفي هو علاقة صحيحة بين - ذكر وأنثى - ، غايتها تأسيس أسرة وتكوين حياة من طرفين ، وبهذا التعريف يخرج الزواج من كونه فعل من إنتاج الدين ، إنما جاء الدين ليؤكد على صحة هذه العلاقة ويشجعها ، وهذه الحاجة تجدها عند كل الكائنات الحية ، ولذلك لم نجد في الدين غير الكلام العام الذي يجري في السياق وليس في التأسيس ، ولم يقترح الدين صيغة معينة على ضوئها يصح بها الزواج ، بل أعتمد على الصيغة البشرية التقليدية في ( الرضا والقبول ) من الطرفين أعني الذكر والأنثى ، وهي نفس الصيغة القديمة المعتمدة لدى عامة التكوينات البشرية ، هو إقرار من طرفين ذكر وأنثى ( رضا وقبول ) ، وعلى هذا يصح الزواج ويعتمد ويصح ما ينتج عنه كذلك من نسل وذرية . ولا تشذ عن هذه القاعدة جميع العقود المقترحة لدى المؤوسسات الدينية لجميع المذاهب والطوائف ، لكن الشيء الذي تميز به القرآن الكريم إنه حرر هذه العلاقة ونظم طريقة التعاطي معها ، فلم يجعل منها علاقة معاملاتية وحسب تشبه تلك المعاملات التجارية في البيع والشراء ، ولهذا لم يعتمد في تأسيس علاقة الزواج على صيغة العقود التجارية ، بل قدم مذكرة تحرير تحت بند - الميثاق الغليظ - ، ومعناه الإتفاق بين الطرفين أعني الذكر والأنثى على كيفية الحياة ، وكيفية إدارة شؤون البيت ( البعولة ) والرعاية والحماية وكل ما يتعلق بتكوين الأسرة ، وفي حال تم الإتفاق على كل هذه البنود يتم التوقيع فيحصل الرضا ويتم القبول . هذا في القرآن ولكن عامة المسلمين لم يلتزموا بهذه الصيغة ، وجعلوا من الزواج مجرد واحد من العقود التجارية التي يركزون فيها على المهر والقيمة المادية ، دون النظر إلى طبيعة التكوين الأسري ومايجب فيه ومايلزم ، وحين طرحت موضوعة الزواج المدني في لبنان عجت المنابر بصراخ رجال وإنتهازيين محرفين للكلم ، معتبرين الزواج المدني تعد لا يلتزم بشروط الزواج التقليدية وهذا منهم ترويج ودعاية ووهم كبير . فالزواج المدني كغيره يجب أن يسجل في الدوائر الرسمية ويعتمد في المؤوسسات الحكومية ذات العلاقة ( السجل المدني ) ، وهو يعتمد في إقراره على شهود وكاتب عدل ، لكنه ليس زواجاً على النمط التقليدي القديم ، وهو بذلك يبتعد عن تلك المباركة الزائفة لرجال الدين ، والزواج المدني بصيغته المقترحة زواج قانوني وشرعي ، وهو مستوف لجميع الشروط ولا ينقصه من هذا الجانب أي شيء . وأما الضجة المفتعلة ضده فمردها سياسي وليس ديني ، وكما قلنا فالتاريخ والقانون يؤكدان على صحة إجراءات الزواج المدني ، وكما يقولون لا مشاحة في التسمية ، لكن بعض رجال الدين ولغاية لا نفهمها لديهم ، يصرون على مواجهة كل ما من شأنه التخفيف من أعباء وتبعات الزواج والعسرة ، التي يحصل عليها البعض جراء التعسف بالمطالب والمبالغة في الإسراف والترف . الزواج المدني ليس سفاحاً وليس هو علاقة غير مشروعة ، بالعكس هو زواج شرعي يخلو فقط من وجود رجال دين ، ومع إن وجودهم في الحقيقة لا فائدة منه ولا طائل وليس ضرورياً ، لأن الأصل المقترح للزواج المدني هو في التخفيف من أعباء الزواج التقليدي ، الذي يكلف المال والجهد ويزيد من العنوسة وحتى في المخالفات والخطايا ، ولهذا قال في الأثر عليه السلام : ( إن جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ) ولم يقل من ترضون ماله وحسبه ونسبه أو ماشابه من هذه الصفات الزائلة ، لأنه إنما يتحدث عن القيمة وليس عن القشور ، والشيء الممنوع في الدين هو كل ممارسة خاطئة من قبيل الإغتصاب أو الخيانة أو التعدي على القصر ، هذه الأشياء التي يجب محاربتها والوقوف بوجهها ، وليس ما يخفف على الناس تبعات باطلة ومجحفة وغير ذات شأن ، ولهذا نقول : إن السيدة ريا الحسن وزيرة داخلية لبنان ، أكمل في عقلها من كثير من المتبجحين والذي يخلطون بين القبيح والحسن .. راغب الركابي
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة مفتوحة إلى الأخ الرئيس برهم صالح رئيس الجمهورية
-
داعش تعود من جديد
-
أمُنيات 2019
-
الدولة الفاسدة
-
تظاهرات في فرنسا
-
لإحتفال الدولي بنهاية الحرب العالمية الأولى
-
العلاقة بين الفكر والسلطة
-
القوي الأمين
-
القانون المخروم
-
زمن التوافه
-
مقابر المسلمين
-
الحكومة العتيدة
-
رسالة مفتوحة منا للأخ السيد مقتدى الصدر
-
أوهام الإنتخابات
-
دفاعاً عن الدكتور خالد منتصر
-
الإستفتاء في كردستان
-
جدل في تونس حول حقوق المرأة
-
ما بعد الموصل
-
بمناسبة عيد الفطر
-
داعش في طهر ان
المزيد.....
-
لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟
-
ماسك: كان من السهل التنبؤ بهزيمة أوكرانيا
-
وسائل إعلام: إسرائيل كانت تدرس شن هجوم واسع على إيران يوم ال
...
-
احتجاز رجل بالمستشفى لأجل غير مسمى لإضرامه النار في مصلين بب
...
-
برازيلية تنقل جثة -عمها- إلى البنك للحصول على قرض باسمه
-
قصف جديد على رفح وغزة والاحتلال يوسع توغله وسط القطاع
-
عقوبات أوروبية على إيران تستهدف شركات تنتج مسيّرات وصواريخ
-
موقع بروبابليكا: بلينكن لم يتخذ إجراء لمعاقبة وحدات إسرائيلي
...
-
أسباب إعلان قطر إعادة -تقييم- دورها في الوساطة بين إسرائيل و
...
-
الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات
المزيد.....
-
مئة عام من مركزية الجسد في الحراك النسوي المصري: تطور سؤال -
...
/ نظرة للدراسات النسوية
-
لماذا أصبحنا نسويات؟ حكايات وتجارب النسويات، من الحيز الشخصي
...
/ نظرة للدراسات النسوية
-
في مناسبة الثامن من آذار .. يوم المرأة الفلسطينية
/ غازي الصوراني
-
الجمعية النسوية السرية للإطاحة بالنظام الذكوري المستبد
/ سلمى بالحاج مبروك
-
المرأة والاشتراكية
/ نوال السعداوي
-
حركة التحرر النسوي: تاريخها ومآلاتها
/ هبة الصغير
-
ملاحظات أولية حول الحركة النسائية المغربية على ضوء موقفها من
...
/ زكية محمود
المزيد.....
|