أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: الفصل السادس 7















المزيد.....

تاجرُ موغادور: الفصل السادس 7


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6159 - 2019 / 2 / 28 - 20:46
المحور: الادب والفن
    


" رومي "، كانت قد شددت في بداية السهرة على أن استضافتها له في دارها ستبدأ منذ الليلة. ولكنه كان ضيفاً لديها، فعلاً، مذ وقت عودتهما معاً من المعسكر. كذلك فكّرَ، وكان على وشك أن يدس جسده في السرير الوثير. حجرة النوم، المخصصة له، كانت تقوم في الدور الثالث ويفصلها جانب من الرواق عن كلّ من حجرتيّ المضيفين. وقد انتصبت في الرواق، في فجوات الجدران، تماثيلٌ حجرية؛ حارسة لأحلام أهل الدار. نوم الزوجين، منفصلين، لم يكن من ضمن ما عرفه سابقاً عن شيمة النصارى الأجانب في مدينته الأولى: " ربما لأنني لم أتجاوز في زياراتي لهم، آنذاك، صالات الاستقبال وحجرات الطعام ". ثم استعاد، وهوَ تحت اللحاف المظهّر بالحرير الناعم الملمس، بعضَ وقائع السهرة. فلما مسّت شغافَ قلبه صورةُ المضيفة الجميلة، فإنه تقلّب على الفراش في نزق كي ينتزعها من ذهنه. ما ساعده على النوم، في آخر المطاف، كون رأسه غدا ثقيلاً؛ هوَ غير المعتاد على تلك الأنواع من المشروبات الروحية القوية، التي قدّمت في حفل العشاء: " آه رومي، رومي يا ملاكي! ".
حينَ أحس بحركة في الحجرة، فتحَ عينيه على ضوء النهار الساطع. لوهلةٍ ظنّ أنها خادمة ما، مَن أزاحت ستائر النافذة العريضة، المطلة على صحن الدار، ثم وقفت هنالك لا تريم. فكم أدهشه أن تكونَ سيّدة الدار، هذه المتطلعةُ إليه وقد علا وجهها الابتسامُ وكما لو أنها كانت ترافقه في مركب الحلم. وكانت " رومي " متألقة بهيئة مبهرة، فوق ما حباها به الخالقُ من فتنة، لتبدوَ مثلما رآها في يوم وصوله للدار على أثر إيابها من حمّام القصبة. خاطبته من مكانها: " بونجور "؛ وكان قد اعتاد على تحية الصباح، الفرنسية، في خلال الأيام الثلاثة المنصرمة. ثم عاجلته بالقول، كأنما حزرت فكرته الأولى: " لعلك ظننتني إحدى خادمات المنزل، حتى أنك طفقت تتطلع إليّ لحظات دون أن تتعرّف عليّ؟ "
" صباح الخير، يا سيّدتي. هذه ليست المرة الأولى، تتمكنين فيها من تخمين ما يجول في فكري "، تكلم وكان في غاية الحرج نتيجة وجوده في السرير تحت أنظار امرأة غريبة. ندّت عنها باقتضاب: " حقاً..؟ ". ثم لاحَ أنها فطنت أيضاً للوضع، فقالت لضيفها أنها ستنتظره على مائدة الفطور في صحن الدار. فأسرعت تغادر الغرفة، وهيَ تجر على الأرضية المرخّمة أذيالَ ثوبها الحريريّ، الرقيق المرهف.
مع أن تصرفات المضيفة كانت طبيعية وبريئة من أيّ شبهة، إلا أن مجرد وجودها في حجرة النوم قد بلبل خاطره. لم يستعجل فوراً في النهوض من السرير، بل بقيَ في وضعية الجلوس، مسنداً وجهه بين يديه. فكرة معذّبة، راحت بعدئذٍ تلحّ عليه وترهقه: " برغم تجاوزي الثلاثين، لم أقع بالحب سوى مرة واحدة. أجل، كنتُ غلاماً غراً لا يعي معنى كلمة الحب، لما عرَّفتني عليه بشكل مبهم تلك المرأة المغربية؛ امرأةُ أبي. والآن، ها أنا ذا أكاد أكرر ذلك الجرم مع كل ما أبديه مخلصاً من حرص وتحفّظ ". مع ذلك، لم يمتنع عن مخاطبة نفسه بينما يتناهض من السرير: " آه، لكم أنا في حاجةٍ الآنَ لإعادة قراءة ‘ رباعيات الخيّام ‘..! أميرنا، كان معتاداً في مجلسه على ترديد أبيات الرباعيات، المداورة حول الغرام والمُدام، الخطيئة والندم، الموت والبعث. سأسأل صديقي القبطان عن الكتاب، وما لو كان يقتني في مكتبته نسخة منه مترجمة للتركية أو العربية ".
على مائدة الفطور، علم من سيّدة الدار أنهم استدعوا زوجها في المرسى من أجل إجراءات تتعلق بباخرته المحتجزة بعدُ: " لقد أيقظوا المسكين مبكراً، ولم يكن أصابَ سوى ساعات قليلة من النوم. ودمدم متذمراً، أنها ربما حركة خبيثة من الباشا، كونه يعلم بأن حفل العشاء امتد حتى ساعة أذان الفجر "، اختتمت حديثها ضاحكة. في باطنه، تمنى الضيفُ لو أن الرجلَ يعود بسرعة كيلا يبقى منفرداً مع امرأته. ثم آبَ إلى رشده، مفكّراً: " إنها إنسانة مهذبة وطيبة، وما شطط تصرفاتها إلا لكونها من بيئة نصرانية الأصل. فإنها لن تعيد سيرة امرأة العزيز؛ ثم أينَ مني حُسن نبينا يوسف عليه السلام! ".
خاطبته المضيفة على حين فجأة، متسائلة: " كأني بك غير مرتاح في منزلنا، أو أن ثمة ما يُشغل ذهنك؟ ". ألقى عليها نظرة خاطفة، قبل أن يجيب: " بل إنني على خير حال، هنا في منزلكم الكريم. ولن يبقى همّ أمامي، بعدَ حصولي على مسكن الرابي، سوى البدء في العمل بالتجارة "
" رائع، ولا أخالك إلا موفقاً في عملك أيضاً. صناعة الأثاث، أعتبرها فناً قبل أن تكون حرفةً "
" أشكرك، يا سيّدتي. وأول طقم أنجزه، سيكون هدية مني لدارك الجميلة، المؤثثة بفن ورقيّ "
" تدعونني، سيّدتي، طوال الوقت؛ فكيفَ لي أن أقبل منك هدية كصديقة؟ "
" إننا معشر المسلمين، هناك في مدن المشرق، لا نخاطب حتى زوجاتنا بأسمائهن "
" حقاً؟ يا لها من معلومة مثيرة وطريفة! "، قالتها مطلقة ضحكتها من جديد. جاراها في الضحك، وفكّر أن عليه طرح التحفّظ جانباً لو أراد ألا يثير سخرية مضيفيه النصارى. فلما فاجأته على الأثر، بسؤال عما لو كان بنفسه متزوجاً، فإنه أجاب نفياً بهزة من رأسه وقد تجهّم وجهه.
في الأثناء، هبّت نسمة هيّنة في أنفه، معبّقة برائحة زهر البرتقال. شجيرات البرتقال، الموزعة بانتظام حول نافورة الفسقية، كانت إذاك تحتضن العديدَ من الطيور، وتبدو من اهتزاز أغصانها كما لو أنها طَرِبة لأصوات القبرات بوجه خاص. العصافير أيضاً، راحت تتنقل بحرية تحت مائدة الفطور وفوقها، فتنقر حبيبات الخبز ثم تلقي برؤوسها إلى وراء كي تتمكن من ابتلاعها. كلب الدار، وكان من النوع الصغير الحجم، دأبَ على طرف عينيه وهز ذيله وهوَ يتأمل بفضول الضيفَ الغريب. لم يكن الكلبُ قد ألِفَ الضيفَ، بعدُ. وفي المقابل، لم يُبدِ الرجلُ ما يُمكِّن الحيوانَ الأليف على التشجّع لمحاولة التقرّب منه.
قالت له المضيفة، وكانت على ما يظهر قد لحظت نظراته لكلبها: " أنتم المسلمون، إذا لم أكن مخطئة، تعتبرون الكلبَ حيواناً نجساً لا يجوز تربيته في المنزل؟ ". وكان عندئذٍ يشرب القهوة، المقدّمة بعيد الفطور مباشرةَ. راحَ يرشف من الفنجان، مبتسماً لفكرةٍ طرأت لرأسه على خلفية سؤال المضيفة. فأجابها، متسائلاً بدَوره: " أنتم المسلمون؟ وأنتِ؛ ألا تعدّين نفسك مسلمة مع أنّ جدّك الأول تحوّل إلى ديننا، طواعيةً؟ ". ابتسمت أيضاً، ثم ردّت خصلات شعرها العسليّ إلى وراء أذنيها: " طواعية بالطبع، فيما لو أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أن المرء يستحيل عليه العيش في هذه البلاد لو لم يكن مسلماً! "، قالتها بنبرة ساخرة.
وكان يبغي تذكيرها بالوضع المميّز ليهود السلطنة المراكشية، وبالأخص مَن يعيشون في موغادور، حينَ ظهرَ فجأةً القبطانُ عند مدخل الردهة، المفضية لباب الدار. هتفَ هذا، حالما خطا باتجاه ضيفه، مستعملاً كلماتٍ من اللغات الفرنسية والتركية والعربية: " بونجور، كارداش..! لا بأس؟ ".













#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 6
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 5
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 4
- تاجرُ موغادور: الفصل السادس 3
- تاجرُ موغادور: مستهل الفصل السادس
- تاجرُ موغادور: الفصل الخامس 9
- تاجرُ موغادور: الفصل الخامس 8
- تاجرُ موغادور: الفصل الخامس 7
- تاجرُ موغادور: الفصل الخامس 6
- تاجرُ موغادور: الفصل الخامس 5
- الرسالة
- تاجر موغادور: الفصل الخامس 4
- تاجر موغادور: الفصل الخامس 3
- تاجر موغادور: مستهل الفصل الخامس
- تاجر موغادور: بقية الفصل الرابع
- تاجر موغادور: تتمة الفصل الرابع
- تاجر موغادور: الفصل الرابع/ 4
- تاجر موغادور: الفصل الرابع/ 3
- الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 5
- الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 4


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: الفصل السادس 7