أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - فضيل ابراهيم مزاري - النظام السياسي الجزائري في مواجهة الحراك الجماهيري: المأزق السياسي واشكالية الاستمرار والتغيير















المزيد.....


النظام السياسي الجزائري في مواجهة الحراك الجماهيري: المأزق السياسي واشكالية الاستمرار والتغيير


فضيل ابراهيم مزاري

الحوار المتمدن-العدد: 6159 - 2019 / 2 / 28 - 10:15
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    




لقد شكلت المظاهرات الشعبية في 22 فيفري 2019، في مختلف المحافظات الجزائرية، وكذا مظاهرات الطلبة يوم 26 فيفري 2019 على مستوى مختلف الجامعات الوطنية مأزقاً سياسياً حاداً أمام السلطة السياسية في الجزائر، خاصة وأن الجماهير الشعبية تحركت بوتيرة واحدة وبنظام محكم ومطالب معينة ذات طابع سياسي خالص، والمتمثلة في انهاء عمر حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والجماعة السياسية الموالية له؛ فالمتغيرات الحاسمة في هذه المظاهرات هو القدرة الكبيرة للجماهير الشعبية على تعبئة نفسها ذاتياً من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أولاً، وكذا انضباطها المحكم في تجمهرها في الشارع ثانياً، وشموليتها لكل المحافظات والجامعات الجزائرية ثالثاً، وتوحيد توقيت خروجها رابعاً، وتوحيد المطالب السياسية المرفوعة خامساً، وتنوع المتظاهرين من شباب وشابات، رجال ونساء، وحتى شيوخ، وكذلك من فئات طبقية مختلفة سادساً. فهذا الحدث السياسي الذي كان يُعبر بالأساس على رفض المجتمع الجزائري على استمرارية ترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة، جاء نتيجة الانحلال السياسي الكبير الذي يعيشه النظام السياسي الجزائر منذ سنة 2014، نتيجة الانتشار الواسع للفساد بمختلف أشكاله، وتلكؤ الخطاب السياسي، والتعالي النخبوي للحكومة وقيادة الأحزاب السياسية الموالية ورجال المال المتحالفين مع السلطة على افراد الشعب الجزائري، وهذا بدوره خلق حالة من اليأس لدى غالبية أفراد المجتمع الجزائري كما خلق شعور بأن الدولة تُسيرها عصب سياسية تحكم بإسم الرئيس الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعتبر الحاكم الفعلي للبلاد نتيجة التدهور الكبير لحالته الصحية.
الا أنه بالمقابل كانت هناك احترافية كبيرة لقوات الأمن في تعاملها مع المتظاهرين، حيث لم تشهد ساحات المظاهرات حالات عنف حادة بين الشعب وقوات الأمن، بما تُعبر على أن النظام السياسي كان قادراً على استيعاب هذا القدر الهائل من المشاركة السياسية للجماهير الشعبية على مختلف كل المحافظات والجامعات الجزائرية، وهي في النهاية مؤشر قوة للنظام السياسي في تعاطيه مع الحراك الجماهيري.
ولكن رغم شمولية المظاهرات وحكمة تنظيمها ووضوح مطالبها الا أن النظام السياسي لم يتعاطى ايجابياً معها، حيث لم يحصل هناك أي تغيير على مستوى الترشيحات، وهذا ما دفع بالجماهير الشعبية النشطة على وسائل التواصل الاجتماعي الى الدعوة الى مظاهرات جديدة على مستوى الجامعات والساحات العمومية، ومن هنا تطرح عدة أسئلة للبحث في مستقبل السلطة السياسية في الجزائر، والمتمثلة فيما يلي: إلى أي مدى يمكن للنظام السياسي الجزائري أن يتكيف مع الحراك الجماهيري الهائل على مختلف المستويات؟ وهل هو قادر أن يستوعب مطالب الجماهير الشعبية أم ينحو الى التصلب والتعنت؟ وهل ستبقى للنظام قدرة على التعاطي الايجابي أمنياً مع الجماهير أم سيتجه الى سيناريو العنف؟ وفي ظل هذا الشد والجذب ما هي السيناريوهات المطروحة لادارة اللعبة السياسية في الجزائر؟ وهل النظام سيرمي بالكرة الى الشارع أم تلجأ الجماعات السياسية الحاكمة الى خيار توافقي لتضمن استمرار النظام الحاكم وضمان استمرار مصالحها؟
أولاً- معايير القوة للحراك الجماهيري الجزائري: قراءة في التعبئة، المطالب والتنظيم
تميز الحراك الجماهيري في الجزائر منذ اعلان الرئيس بوتفليقة لترشحه لعهدة خامسة بحماسة الجماهير الشعبية للتحرك من أجل وضع حد للانتهازيين والمنتفعين من وراء حكم الرئيس الحالي أولاً، وكذا التأكيد على دولة القانون والحريات ثانياً، والقدرة الهائلة على التنظيم والانضباط في المظاهرات في الساحات العامة والشوارع ثالثاً، والقدرة على توحيد الصفوف والمطالب بين مختلف الفئات الشعبية على مستوى كل المحافظات الجزائرية في توقيت واحد رابعاً. وهذه كلها تعتبر مؤشرات قوة لدى الجماهير الشعبية التي أحرجت النظام السياسي في الجزائر الذي لم يتعود على مثل هذا النوع من المظاهرات والمطالب، فالجديد في هذه المظاهرات هو القدرة على التعبئة، والجدية في التنظيم، وقوة طرح المطالب.
1- متغير التعبئة للحراك الجماهيري: تمثل وسائل الاعلام والاتصال بأشكالها المختلفة الآلية الأكثر فاعلية في عملية التعبئة السياسية بصفة عامة، وتمثل القنوات التليفزيونية اللاعب الأساسي في هذه العملية نظراً لسطوة الصوت والصورة اللتان تعملان بقوة في صناعة الرأي العام وتحريكه الى الهدف المقصود، الا أن الضعف الكبير الذي يُميز القنوات التليفزيونية الرسمية وغير الرسمية في الجزائر جعلها بعيدة كل البعد عن الحدث السياسي الذي تعيشه الجماهير الشعبية في مختلف محافظات وجامعات الوطن، بل الأكثر من ذلك بقيت معزولة عن مجريات الحراك السياسي تناقش قضايا الثقافة والصحة والاقتصاد والمجتمع. وبما ان الشعب الجزائري لا يثق في مختلف هذه القنوات الاعلامية استعان بقوة بوسائل التواصل الاجتماعي لاستنهاض همم الشعب الجزائري من أجل التحرك لوضع حد للتلاعب بمؤسسات الدولة من قبل الجماعة الحاكمة باسم الرئيس بوتفليقة.
فالتواصل المكثف فيما بين الجماهير الشعبية عن طريق انشاء صفحات على شبكة التواصل الاجتماعي (فايسبوك) والتي تنادي بقوة بضرورة التصدي لترشح الرئيس الحالي لعهدة خامسة؛ حيث بدأت هذه الصفحات وكذا المجموعات ومختلف التدوينات على اليوتيوب باستهزاء كبير من طرف الناشطين على ترشيح الرئيس الى عهدة خامسة؛ ثم تحولت هذه الاستهزاءات الى مطالب جدية تطالب النظام الى عدم الاستخفاف بالشعب الجزائري والعدول عن ترشيح الرئيس الى عهدة خامسة؛ وبما ان النظام لم يراعي هذه المطالب على مستوى مختلف شبكات التواصل الاجتماعي والاهتمام بها، لجأت الجماهير الشعبية الى المناداة بضرورة التجمهر لوضع الجماعة السياسية عند حدها والتأكيد على دولة القانون واحترام العمل المؤسساتي؛ وعليه تمكنت الجماهير الشعبية النشطة من تعبئة نفسها ذاتياً من دون أي تدخل للفواعل الخارجية (وسائل الاعلام) على حشد عدد هائل من المتظاهرين في الساحات العمومية على مختلف محافظات الوطن للمطالبة بمنع الرئيس الحالي من الترشح للعهدة القادمة.
فمنذ انطلاق فعاليات الموسم الانتخابي والجماهير الشعبية تجتمع شيئاً فشيئاً على فكرة المستقبل السياسي للجزائر، خاصة مع التدهور الصحي الكبير للرئيس بوتفليقة وانتشار حالات الفساد وكذا ارتفاع السخط الجماهيري للسياسات الحكومية التي هي في نهاية المطاف مخرجات للجماعة الحاكمة باسمه؛ فهذه كلها دوافع أدت الى اتفاق الجماهير الشعبية في الجزائر على ضرورة وضع حد للنظام السياسي الجزائر وتلاعباته بمؤسسات الدولة، من خلال ترشيح رئيس لا يسمح له وضعه الصحي بذلك على الاطلاق، وهذا خاصة بعد ما برزت جدية نوايا النظام بترشيح الرئيس الحالي من خلال تعبئته للأحزاب السلطة السياسية للمطالبة الرئيس بالترشح. ومن هنا زادت فعالية نشاط الفاعلين المدنيين على شبكات التواصل الاجتماعي لتعبئة الجماهير للخروج في مظاهرات مناهضة للنظام السياسي ووضع حد لسلوكه السياسي الجنوني المتمثل في الحكم من وراء الجدار الرسمي.
إذن فعملية التعبئة السياسية للمظاهرات المناهضة للنظام الحاكم في الجزائر وسلوكه السياسي المتمثل في ترشيح الرئيس الحالي لعهدة خامسة كان الفاعل الاساسي فيها هو شبكة التواصل الاجتماعي وخاصة الفايسبوك، وهذا في ظل اتقان كل أفراد الشعب الجزائري لهذه التقنيات التكنولوجية بجدية عالية، اذن فالإرادة جماهيرية بإمتياز والمطالب سياسية خالصة وموحدة، والآلية هي وسائل اعلام بسيطة وذاتية والمكان هو الساحات العمومية والجامعات، وهذا كله أثبت للنظام الحاكم أن هناك ارادة شعبية تُلح على ضرورة احترام مؤسسات الدولة والعمل وفق متطلبات دولة القانون وتعميق الاصلاحات الديمقراطية، وهذا هو المأزق السياسي الحاد الذي أربك النظام الحاكم في الجزائر، حيث لم يبق له الوقت الكاف للتوافق حول مرشح آخر يضمن استمرار النظام ومصالح الجماعات السياسية الحاكمة في البلاد.
2- متغير المطالب الشعبية: تمثلت المطالب الشعبية في جملة المظاهرات المنظمة في الساحات العمومية وتلك المنظمة في الجامعات في مطالب سياسية خالصة، وهي تنادي بضرورة عدم ترشيح الرئيس بوتفليقة الى عهدة خامسة وكذا ضرورة الحفاظ على دولة المؤسسات والقانون وتعميق الاصلاحات الديمقراطية. ويظهر هذا جلياً في الشعارات التي هتف بها المتظاهرين من قبيل "سلمية سلمية – الجزائر ديمقراطية"، "لا نريد لا نريد، لا بوتفليقة ولا السعيد"، فالمطالب سياسية واضحة ومحددة.
فالنظام السياسي في الجزائر لم يتعود على مثل هذه المطالب منذ نهاية ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي، وما واجهه منذ أكثر من عقدين من الزمن هو المطالب ذات الطابع الاجتماعي، الا أن الحدث السياسي الدراماتيكي في الجزائر اليوم جاء مخالفاً كلياً للماضي وكذا مخالفاً لكل ما حدث في دول الربيع العربي أينما بدأت المطالب اجتماعية فقُمعت من طرف النُظم الحاكمة فتحولت فجأة الى مطالب سياسية. وعليه فالجزائر تبقى استثناء في هذه الحالة: فالمطالب سياسية منذ البداية وهي واضحة ومحددة، كما أنها لا ترقى الى المطالبة بتغيير النظام بكله تغييراً جذرياً، بل تنادي بضرورة وضح حد للتلاعب برمزية وشخصية الرئيس الحالي وترشيحه لعهدة قادمة والحكم باسمه وبالتالي زيادة حالات الفساد وغياب دولة القانون؛ ومن هنا رغم جدية المطالب السياسية من طرف الجماهير الشعبية الا أنه لا تزال فرص للنظام الحاكم لتقديم البديل السياسي والنجاة بنفسه.
3- متغير قوة الانضباط والتنظيم وتوحيد الصفوف: شكل الانضباط المحكم للجماهير الشعبية المتظاهرة في الساحات العمومية وعلى مستوى الجامعات الوطنية عامل قوة كبير للحراك الشعبي المناهض لاستمرار حكم الرئيس بوتفليقة، فما كان يميز الاحتجاجات الشعبية في السابق من سلبيات لقد تم تداركه من خلال هذه المظاهرات، لا سيما وأن الحدث سياسي ينبغي أن تعبر الجماهير الشعبية على رُقيها وتعطي صورة ايجابية تؤكد على أنها في مستوى ومسؤولية الحالة الحرجة التي تعيشها الدولة الجزائرية، ولا تتيح الفرصة لأي كان لتلطيخ صورتها.
لقد تميز العقدين السابقين من حكم الرئيس بوتفليقة بوجود احتجاجات شعبية تتميز بالمطالب الاجتماعية دون المطالب السياسية وتحدث في نقاط مختلفة أي في محافظة هنا وهناك دون شموليتها لكل المحافظات الجزائرية، كما أنه ينتابها في الكثير من الحالات مظاهر العنف والتخريب بما يسئ لسمعة المحتجين وبالتالي يُوَاجهون بالقمع من طرف قوات الأمن باعتبارها مسؤولة عن حفظ النظام العام. لكن هذه المرة تميزت المظاهرات الشعبية بقدر هائل من التنظيم والانضباط وبوضوح المطالب المرفوعة والمتمثلة بالأساس عدم ترشح الرئيس الحالي الى عهدة خامسة والتأكيد على انهاء حكم العصب التي تحكم باسمه وكذا التأكيد على تعميق الاصلاحات السياسية والحرص على دولة القانون.
فأمام هذه المؤشرات الجديدة وجد النظام السياسي نفسه مجبراً على الاحتكام لمنطق المحافظة على سلمية الحراك الجماهيري وعدم اللجوء الى العنف خشية من أي انزلاق لا يمكن ادراك وتصور نتائجه، ولكن بالمقابل لم يستجيب لأي مطلب من المطالب الشعبية، بل أخرج زبائنه الى وسائل الاعلام للتأكيد على حق الشعب في التعبير عن رأيه من جهة، ومن حق الرئيس أن يترشح من جهة ثانية، وأمر شرعية ترشحه من عدمها تبقى لسلطة المجلس الدستوري هو المخول الوحيد للإفتاء فيها قانونياً. لكن بالمقابل عمل على وضع حد للتجمعات الشعبية التي ينظمها المرشح الحر للرئاسيات السيد رشيد نكاز"، وهذا يُعبر عن ضيق النَفَس للنظام السياسي من أي تجمهر شعبي يحمل صيغة سياسية، وعليه فإذا استمرت المظاهرات الشعبية فهل يمكن للسلطة السياسية أن تسايرها أم انها تتجه الى سيناريو القمع؟
فحالات الفوضى والحرق والتخريب قد انتهت، وقد استدركت الجماهير الشعبية حجم مسؤوليتها السياسية تجاه الوطن، وكذا مسؤوليتها للحفاظ على دولة القانون، وعدم الاستمرار في التلاعب بمؤسسات الدولة والحكم من وراء الستار، وكان هذا ضمن سلمية المظاهرات والانضباط الكبير للجماهير الشعبية رغم العدد الهائل من المتظاهرين؛ فبما ان الحدث سياسي والحالة حرجة، المسؤوليات ثقيلة كل هذا يتطلب التعبير عن الرأي في اجواء حضارية ترتقي الى الحدث السياسي، هكذا فهم الشعب الجزائري الحدث وتحمل مسؤولياته كاملة في أجواء مخاوف من انزلاق الوضع الى حالة يشوبها العنف والعنف المضاد.
إذن رص الصفوف، وتماسكها وانضباطها وكذا سلمية المظاهرات وحضاريتها أعطت صورة ايجابية للجماهير الشعبية المحتجة، وهذا كله عامل قوة لها، بما يجنب وصفات النظام السلبية لها، وهذا كله يجعل من الشعب قوة مناهضة ترفع صوتها خارج القنوات الرسمية والعمل على تغيير الواقع السياسي المأزوم والمحتوم.
ثانياً- انتهاء صلاحية الفواعل السياسية للنظام الحاكم والمأزق السياسي في البلاد: ان حالة الشغور الرهيب التي ميزت الساحة السياسية منذ أكثر من خمس سنوات، والتي لجأ فيها النظام الى تحريك زبائنه عبر مختلف القنوات الاعلامية الرسمية وغير الرسمية لتمجيد انجازاته، جعلت من الجماهير الشعبية تسخط على كل ما هو رسمي، وبالمقابل فتحت الباب واسعاً لفاعليين سياسيين غير قادرين أصلاً على فهم دينامية المجتمع الجزائري والعملية السياسية في البلاد.
فالفواعل السياسية للنظام الحاكم والمتمثلة في جملة من أحزاب التحالف الرئاسي والعديد من النقابات وجمعيات المجتمع المدني وباقات عديدة من وسائل الاعلام انتهت صلاحياتها بالنسبة للجماهير المحتجة في الساحات العمومية وعلى مستوى الجامعات الجزائرية. فلا الأحزاب قادرة على التعبئة السياسية ولا وسائل الاعلام قادرة على تأطير الجماهير وصناعة الرأي العام ولا منظمات المجتمع المدني قادرة على أن تكون وسيطاً بين السلطة والجماهير؛ فبعد أن فقدت كل هذه الفواعل والادوات صلاحيتها وفعاليتها لجأ الشعب للساحات العمومية ليصرخ بقوة في وجه السلطة الحاكمة بكلمة لا للاستمرارية ولا للعهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة، وكان هذا كله من خلال الشعارات التي رفعها وهتف بها المتظاهرين في مختلف الميادين.
فالشعارات من قبل F.L.N Dégage وهي كلمة فرنسية تعني "حزب جبهة التحرير الوطني ارحل"، حيث قصفت الجماهير الشعبية مباشرة أقوى الأحزاب السياسية التي يرتكز عليها النظام السياسي الجزائري في شرعنة أعماله، فهذا الحزب يعتبر الماكنة السياسية التي يسيطر بها النظام الحاكم على مختلف المجالس المنتخبة مركزياً ومحلياً، فمن خلالها يتمكن من ضبط العملية السياسية لصالحه وغلقها أمام كل المناوئين له، فكل القرارات ومشاريع القوانين والسياسات تمر بسهولة عالية في البرلمان؛ على هذا الأساس أضحى حزب جبهة التحرير الوطني كيان سلطوي يرهق كاهل الشعب الجزائري، فهو المسيطر على الادارة، وهو المسيطر على المجالس المنتخبة وعلى أساس الانتماء اليه توزع المنافع المادية ويشكل شبكة من شبكات الانتفاع السياسي للنظام الحاكم عبر مختلف محافظات الوطن.
كما تعتبر المركزية النقابية U.G.T.A من بين الفواعل الأساسية التي يرتكز عليها النظام والمتمثلة في الاتحاد العام للعامل الجزائريين، فهذا هو الآخر من بين الكيانات التي تقف أمام تحرر العمال الجزائريين وطرحهم لانشغالاتهم اليومية للسلطة السياسية الحاكمة في البلاد، وبالتالي تحسين اوضاعهم الاجتماعية، فالآمين العام للمركزية النقابية باعتباره موظفاً سياسياً أُرسل الى محافظة أدرار ليقدم رسائل تذكير بسنين العنف والارهاب للمجتمع الجزائري فطُرد من هناك من طرف الجماهير الغاضبة، ولم يحض بالقبول الذي حضي به مختلف المرشحين الأحرار.
والأمر نفسه بالنسبة لأعوان النظام مثل "عمار تو"، و"عبد الملك سلال" الذي يعتبران مقاولان سياسيان، فالأول في حزب جبهة التحرير الوطني والثاني مدير الحملة الانتخابية للرئيس بوتفليقة، فهما الآخران طردا من طرف الجماهير الشعبية أينما حلا. وعليه يمكن القول أن مختلف الفواعل السياسية التي ارتكز عليها النظام الحاكم منذ سنوات انتهت صلاحيتها ولم تعد قادرة على تجديد نفسها والتجذر اجتماعياً واقناع الجماهير بضرورة القبول بالوضع السياسي الراهن وخيارات السلطة تجاهه.
كما أن القنوات الاعلامية التي احترفت في السنين الماضية نقل مشاهد الرعب والمآسي في ليبيا وسوريا واليمن لتقنع الشعب الجزائري بضرورة القبول بالوضع الراهن على ما هو عليه دون المغامرة بالتغيير السياسي الذي قد يفضي الى مستقبل مجهول قد يكون غير محمود العواقب، فهذه القنوات لم يعد لها حضور فعلي في المخيال الجمعي الجزائري خاصة عند الشباب، وبالتالي فهي عاجزة كل العجز عن تأطير الجماهير الشعبية الجزائرية، خاصة وأنها كانت غائبة تماماً عن المظاهرات التي نظمتها الجماهير الشعبية والتي تركت الفراغ لتحتله قنوات أجنبية.
فنظراً للضعف العميق للأدوات التي يستعين بها النظام وجفاف رصيدها السياسي يتطلب الأمر من السلطة السياسية اعادة التفكير في خياراتها السياسية والتعاطي ايجابياً مع الجماهير الشعبية لخلق أرضية توافقية يمكن من خلالها التأسيس لمستقبل سياسي يُخرج الدولة من الأزمة السياسية التي تعيشها قبل أن يخرج الوضع من أيدها ولا تستطيع التحكم فيه.
ثالثاً- دراماتيكية الحدث السياسي والسيناريوهات المحتملة لنظام الحكم في البلاد: عود النظام السياسي الجزائري الشعب على انه لا يتراجع في قراراته، كما يؤكد طيلة مسار حكمه بأنه لا يخطئ، الا أن اليوم الحدث السياسي مفصلي وحاسم، وهو صرخة الشارع بكلمة لا للعهدة الخامسة ؛ فدراماتيكية الأحداث السياسية تجعل من النظام يراجع حساباته السياسية بقوة، فإذا كان في البداية عول على حسم العملية السياسية وفق منظور اللعبة الصفرية أي - رابح كل شيء مقبل خسارة الطرف الآخر كل شيء-، فالآن وبعد أن دخل الحراك السياسي الى الجامعات فلا يمكن بأي حال من الأحول أن يبقى على خيار الاستمرارية، وإذا أبقى عليه فالنتيجة تكون حالة مريرة من عدم الاستقرار السياسي، وبين هذا وذاك يمكن طرح السيناريوهات المحتملة للنظام السياسي الحاكم في المستقبل القريب:
1- خيار التصلب والابقاء على الرئيس بوتفليقة كمرشح للنظام: إذا انتهجت السلطة السياسية خيار التعنت والتصلب وعدم الاستجابة لمطالب الجماهير الشعبية مهما كانت قوة المظاهرات وشدتها وسلميتها وحضاريتها ونزاهتها فهذا يجعل النظام في مواجهة مباشرة مع المتظاهرين الشعبيين، وعليه ينبغي أن يفكر النظام في كيفية التعامل معهم؛ وفي ظل هذا الوضع قد يعتمد النظام الحاكم سيناريو المماطلة والاعياء للجماهير الشعبية واللعب على الأعصاب من خلال التخويف تارة وتقديم امتيازات تارة أخرى، مع تعاطي قوات الأمن باحترافية كبيرة مع المتظاهرين وتجنب حالات العنف والقمع.
ولكن ما يميز النظام السياسي الجزائري هو ضيق النّفس لكل مناوئ لحكمه، وعليه فهذا الخيار يجعل السلطة السياسية في مواجهة مباشرة مع الجماهير الشعبية، وبالتالي تحدث حالات العنف والعنف المضاد، وقد يزيد كل هذا من التفاف باقي المكونات السياسية وتعاطفها مع المطالب الشعبية، وهذا كله يزيد من اتساع رقعة المظاهرات الشعبية وزيادة حدة مطالبها، وعليه تزيد قوة القمع للنظام وبالتالي قد يفتح الباب واسعاً للتدخل الخارجي خاصة إذا كان هناك ضحايا من المحتجين، وعليه فهذا الخيار يبقى بعيداً نظراً لخبرة النظام السياسي الجزائري في هذا المجال، ونظراً لقساوة نتائجه.
2- سيناريو الاتجاه نحو مرشح آخر: قد يأتي هذا السيناريو في ظل زيادة اتساع رقعة المظاهرات الشعبية وانتقالها الى الجامعات مع المحافظة على نفس المطالب السياسية، وهي عدم ترشيح الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة، وبما ان هذا المطلب لا يرقى الى الدعوة الى التغيير الجذري لنظام الحكم في البلاد، كما أنه لا يرقى الى تغيير قواعد اللعبة السياسية، فيمكن للجماعة السياسية أن تتوافق على مرشح آخر كبديل عن الرئيس بوتفليقة، وهذا من خلال اعلان الرئيس عن انسحابه من سباق الرئاسيات حفاظاً على أمن الدولة واستقرارها، أو من خلال رفض المجلس الدستوري لملف ترشحه بحجة عدم توفر الشرط الصحي، ويبقى هذا الطرح الأخير مستبعداً لأنه يؤكد طرح المعارضة بعدم شرعية حكم الرئيس بوتفليقة منذ سنة 2014، وبالتالي يبقى خيار الانسحاب أكثر ترجيحاً حيث يزيد من رمزية الرئيس التي انهارت في المظاهرات السابقة من خلال نزع صوره من الجدران.
ومن هنا فقد يلجأ النظام الى ترشيح شخص جديد قد يُعلن عليه في الأيام القليلة القادمة، أو يتبنى أحد المترشحين؛ ففي الحالة الأولى قد يلجأ الى أحد أفراد الحرص القديم الأكثر شعبية كعبد المجيد تبون أو رمطان لعمامرة، أو عبد العزيز بلخادم أو غيرهما، أو يأتي بشخص جديد كالأخضر الابراهيمي وغيره من العروبيين الذين لديهم بعض الحضور في الذاكرة السياسية الجزائرية، أما في الحالة الثانية، فيبقى الأمر أكثر صعوبة، نظراً لكون مرشحين اثنين لا يسمح لهما الدستور بالترشح من جهة، كما أنهما مناوئان للنظام بقوة من جهة ثانية وهما (رشيد نكاز وغاني مهدي) أما المرشح الثالث لا يتوافق والطروحات السياسية والايديولوجية للنظام السياسي وهو المرشح الاسلامي (عبد الرزاق مقري)، وعليه يبقى خيار الجنرال المتقاعد (علي الغديري) من بين أكثر الخيارات مطروحاً، الا أن الشخص في حد ذاته لا يلقى اجماعاً فيما بين الجماعة السياسية الحاكمة، خاصة وأنه محسوب على جهة سياسية معينة تسعى الى تصفية حساباتها مع السلطة السياسية الحاكمة. وعليه يبقى هذا السيناريو مستبعداً الى حد بعيد نظراً للصعوبات والتعقيدات التي تحيط به.
3- سيناريو الاعلان عن حالة استثنائية وتأجيل الانتخابات: ففي ظل صعوبة السيناريوهين السابقين يبقى هذا الخيار من أكبر الخيارات طرحاً لدى النظام السياسي، حيث قد يبقى النظام يجس نبض الشارع ومدى جديته وقدرته على مواصلة المظاهرات والحرص على مطالبه السياسية، فإذا وجد الشعب غير قابل على التراجع ومطالب المتظاهرين تزداد شيئاً فشيئاً، فقد يُعلن الرئيس عن حالة استثنائية بموجب الدستور، ومن ثم يتم تأجيل الانتخابات الرئاسية، ويعمل على تشكيل حكومة توافق وطني، تنطلق في اصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية تضمن للنظام الاستمرار في الحكم لسنتين اضافيتين ويأتي برئيس جديد يرضي به الجماهير الشعبية. فهذا السيناريو يبقى من بين أكثر الخيارات طرحاً، نظراً لكونه يجنب النظام خيار ارتفاع وتيرة المطالب السياسية من جهة، ويجنبه خيار التعويل على مرشح لا يضمن للجماعة السياسية مصالحها وامتيازاتها من جهة ثانية، كما أنه يجنب البلاد حالات عدم الاستقرار السياسي من جهة ثالثة.
وتأسيساً على كل ما سبق يمكن القول أن النظام السياسي الجزائري يعيش مأزق سياسي حقيقي نظراً لعقمه وعدم قدرته على انتاج مرشح توافقي يرضي الجميع، خاصة السلطة والشعب. وفي ظل هذه الظروف السياسية الحرجة، وأمام اتساع رقعة المظاهرات الشعبية، وأمام القدرة العالية للمتظاهرين على التعبئة والنظام والانضباط تبقى الساحة السياسية مفتوحة أمام كل الخيارات؛ والسيناريوهات المذكورة تبقى مرهونة بمدى قدرة الشارع الجزائري على الاستمرار في الحراك السياسي والتأكيد على مطالبه السياسية.
وصفوة القول هو أن: المأزق السياسي الذي يعيشه النظام الحاكم في البلاد ناتج عن أزمة المأسسة السياسية التي نتجت هي الأخرى عن سلوكيات السلطة السياسية بعدم احترامها للدستور وقوانين الجمهورية، وعلى هذا الأساس فالمخرج من هذا المأزق ينبغي أن يكون مؤسساتي، حيث تحتكم جميع الاطراف السياسية الى الدستور وتغليب مصالح الدولة على مصالح الزمر السياسية وجميع الوصوليين والانتفاعيين، فالدولة الجزائرية اليوم على المحك، والسلطة السياسية في حالة اختبار حقيقي في تجاوزها لهذا الاختبار السياسي والخروج بالدولة الى بر الآمان.



#فضيل_ابراهيم_مزاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاسباب السياسية لظاهرة الهجرة غير الشرعية في الجزائر


المزيد.....




- روسيا تدعي أن منفذي -هجوم موسكو- مدعومون من أوكرانيا دون مشا ...
- إخراج -ثعبان بحر- بطول 30 سم من أحشاء رجل فيتنامي دخل من منط ...
- سلسلة حرائق متتالية في مصر تثير غضب وتحليلات المواطنين
- عباس يمنح الحكومة الجديدة الثقة في ظل غياب المجلس التشريعي
- -البركان والكاتيوشا-.. صواريخ -حزب الله- تضرب مستوطنتين إسرا ...
- أولمرت: حكومة نتنياهو تقفز في الظلام ومسكونة بفكرة -حرب نهاي ...
- لافروف: أرمينيا تسعى عمدا إلى تدمير العلاقات مع روسيا
- فنلندا: معاهدة الدفاع مع الولايات المتحدة من شأنها أن تقوض س ...
- هجوم موسكو: بوتين لا يعتزم لقاء عائلات الضحايا وواشنطن تندد ...
- الجيش السوداني يعلن السيطرة على جسر يربط أمبدة وأم درمان


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - فضيل ابراهيم مزاري - النظام السياسي الجزائري في مواجهة الحراك الجماهيري: المأزق السياسي واشكالية الاستمرار والتغيير