أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: الفصل الخامس 5















المزيد.....

تاجرُ موغادور: الفصل الخامس 5


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6147 - 2019 / 2 / 16 - 22:09
المحور: الادب والفن
    


تلك المغامرة، المنتهية بإطلاق سراح المرأة الفرنسية، أشعرته بأنه غدا مواطناً وليسَ غريباً لم يمض على تواجده في هذا البلد سوى أيام قليلة. ولقد اتفقت عودة " جانكو "، المظفرة، مع انتقال صديقه الرابي إلى منزل أسرته الأول، الكائن في الملّاح، وذلك ليكون بالقرب من أبناء الطائفة، الذين نذر ذاته لخدمتهم. هكذا ترك له صديقه منزل القصبة، مع كافة الخدم المتواجدين فيه، مكتفٍ باصطحاب وصيفه. إلا أن أمور الانتقال من وضعية إلى أخرى، استغرقت بعض الوقت، ولم تتم إلا عبرَ صديق ثالث: إنه القبطان الإنكليزي، مَن عرضَ على التاجر الغريب الضيافة في داره ريثما يُخلي الرابي منزل القصبة. كان تصرفه تعبيراً عن الامتنان والعرفان للرجل، لقاء نجاحه في مهمة فك أسر " رومي ".
بيد أنّ المغامرة، وكانت بالكاد أن تنسى، جُددت ذكراها ثانيةً مع سقوط طرفها الآخر، " بوعزة "، صريع رصاصاتٍ مجهولة المصدر. ويبدو أنّ الربان، المغدور، كان قد انتظرَ بضعة أيام، لحين أن جاءته أخبارٌ مؤكدة عن إخلاء القبائل لمعسكرها. فامتطى بعدئذٍ جملاً، سبقَ وطلبَ استئجاره من أحد المرافقين لقافلة تجارية، ثم توجه مع الرجل إلى مكان القارب. وكان المفترض أن يعود هوَ للمرسى مبحراً بالمركب، فيما المرافق سيأخذ دابّته كي يلتحق بالقافلة في أوان إيابها من المدينة. الرصاصات الغادرة، بحَسَب إفادة البدويّ، انطلقت من بين أجمة قصب وكانت مسددة مباشرةً نحوَ " بوعزة ". ولكن قائد المدينة، وكان قد شكّ بالرواية، أمر بإجراء تحقيق دقيق مع صاحبها. وكان هذا يعني، وفق فهم التاجر القادم من سلطنة آل عثمان، إخضاع المرافق للتعذيب. على أيّ حال، ربما كان لشكوك القائد ما يبررها، طالما أن البدويّ غافل حراسه في الطريق إلى مقر التحقيق واختفى عن الأنظار في جنح الظلام.
في أصيل اليوم التالي، كان جند القائد يصادرون كل ما وجدوه في منزل القتيل، بغية بيعه لاحقاً في السوق وإحالة الثمن إلى بيت المال. وكان هذا إجراءً قانونياً، بالنظر إلى عدم وجود وريث للرجل. ولقد عثروا هنالك على ربيبه، الغلام المعاق. دهشوا لما وجدوه منحن على أرضية الحجرة، وكان في فمه كسرة فحم يستخدمها لرسم صورة فتاة ذات ملامح نصرانية. رسوم عديدة، تمثل الفتاة نفسها، كانت تحتل زوايا الحجرة. ولكنهم اعتقدوا من همهمة الغلام، غير المفهومة، أنه يحتج على مصادرة المنزل. فعمدوا ضاحكين إلى حمله، ومن ثم إلى قذفه خارج المنزل. تدحرج الغلام المسكين مثل كرة، وشج رأسه. كون المكان خارجاً شهدَ تجمع الناس الفضوليين، فإن بعضهم عطف على الغلام وراح يجفف جرحه بخرقة مبتلة. بقيَ هؤلاء محتارين على الأثر، لا يدرون ما يفعلون معه. إلى أن تقدّم أحدُ الصبيَة، ليقول أنه في وسعه حمل الغلام إلى منزلٍ يعلم علم اليقين بأنّ صاحبه سيستقبلهما بالترحاب. هكذا تعاون مع صبيّ آخر على حمل صديقه إلى منزل الرابي، الكائن بمقابل المبنى الجمركي. ابن عم الرابي ( وكان يقيم في المنزل بصفة مؤقتة ريثما تنتقل ملكية دار والده الراحل إليه )، عمد إلى طردهم بمجرد أن عرف سبب حضورهم. كون أبواب القصبة تغلق مع حلول الغروب، لم يجد الصبيان مناصاً من ترك الغلام على الأرض عند ترّاس مقهى الأرملة الإيطالية. ثم ما لبثا أن أركنا للفرار، حالما سمعا صراخها من وراء واجهة المدخل الزجاجية. من حسن حظ الغلام، أنّ " جانكو " كان أحد رواد المقهى في ذلك اليوم. وكان قد اقترح قبل قليل على مضيفه، القبطان الإنكليزيّ، الانتقال إلى داخل المقهى بعدما شعرا بالبرد. لما لحظ قدوم الصبيين مع صديقهما المعاق، اهتم بمراقبة ما يحدث.
" شقيقة الفتى، كانت تقيم لدى الرابي بصفة خادمة، ولا أدري ما إذا كان قد استبقاها أو نقلها معه إلى منزل الملّاح "، أوضح لصديقه القبطان مستعملاً معه التركية كمألوف العادة. وكانا قد خرجا مجدداً إلى الترّاس، عقبَ سماعهما صراخ الأرملة. وما لبث صديقا الفتى أن عادا بدورهما، مطمئنين مسرورين، تلبية لإشارة تاجرنا. قال لهما باقتضاب: " ستحملانه إلى منزلي ".
الأرملة، حاولت ثنيه عن عزمه، ولكن دونما حماس: " الأفضل أن يترك على باب مسجد القصبة، علّه يحصِّل قوت يومه بالتسوّل كما كان يفعل دائماً ". في الأثناء، كانت تلقي نظراتٍ مستاءة على صغرى بناتها الثلاث. وكانت الابنة تحدب على الفتى المسكين، بعدما سبقَ أن تعهّدت ربط رأسه الجريح بقطعة قماش نظيفة ومعقّمة. فمه، كان ما ينفكّ ملوثاً بأثر الفحم، الذي كان قد استعمله في رسم الفتاة الإيطالية هذه، وذلك قبيل طرده من منزل " بوعزة ". كان معتاداً كلّ مرةٍ على استجلاب صورةَ الفتاة من خياله؛ من خيالٍ خلّاق، ومحموم في آنٍ واحد.
في صباح اليوم التالي، بكّرت " رومي " في المجيء إلى المنزل كي تعاين أحوال صديقها في مستقره هذا، الدائم. ولم تكن هيَ المرة الأولى، المسجلة فيها حضورها للمكان. فالرابي كان صديقاً لزوجها، وقد ألفا التواجد بمنزله في العديد من المناسبات خلال الأعوام المنصرمة، الشاهدة على زياراته للمدينة.
قالت للتاجر على سبيل المداعبة: " أنتَ انتهزت موضوع ذلك الفتى المسكين، لتهرب من صحبتي. أليسَ كذلك؟ "
" بل إنني أتمنى مواصلة صحبتكم، إنما في ضيافتي هذه المرة "، ردّ عليها مبتسماً وقد سرّه مبادرتها للحضور. انتبهت إلى استخدامه صفة الجمع في جملته، فرأت ضرورة الاستدراك بالقول: " زوجي، كما صرتَ على معرفة بطبيعته، يسهر مع الكأس حتى ساعة متأخرة ليلاً "
" بلى، ولقد سرني جداً أنك شرفتِني بزيارتك "، أوقفها عن إتمام جملتها كيلا تضطر لتقديم أيّ عذر لحضورها بمفردها. لاقته بمزيد من الإشراق، سحنَتُها الفاتنة والناصعة، المتناثر على جوانبها خصلاتُ الشعر العسليّ مثلما تفعل أعواد القمح المصفرّة بأزهار الأقحوان البيضاء. وكان قد أنسَ إلى صحبة الفرنسية الحسناء، فيما مضى من أيام إقامته كضيف لديها، لدرجة جعلته الآنَ يتصرف وكما لو أنه ما يفتأ تحت سقف منزلها. وهيَ ذي أيضاً تبادله ذات الشعور، بإمساكها يده قائلة فيما تتحرك: " أريد التجول معك في مماشي الحديقة، إذ مضى ما يزيد عن العام مذ زيارتي الأخيرة للدار ". من ناحيته، فإنه تنهّد بعمق وقد تذكّرَ أنه يومٌ واحد، حَسْب، فصله عن إقامته في منزلها ولكنه انقضى كما لو كان عُمراً.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرسالة
- تاجر موغادور: الفصل الخامس 4
- تاجر موغادور: الفصل الخامس 3
- تاجر موغادور: مستهل الفصل الخامس
- تاجر موغادور: بقية الفصل الرابع
- تاجر موغادور: تتمة الفصل الرابع
- تاجر موغادور: الفصل الرابع/ 4
- تاجر موغادور: الفصل الرابع/ 3
- الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 5
- الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 4
- الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 3
- الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 2
- الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 1
- المزحة
- تورغينيف وعصره: القسم الأخير
- الصراطُ متساقطاً: بقية فصل الختام
- الصراطُ متساقطاً: تتمة فصل الختام
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 14
- عصيرُ الحصرم ( سيرة أُخرى ): 71
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 13


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: الفصل الخامس 5