أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عيسى طاهر اسماعيل - اللغم والحرية














المزيد.....

اللغم والحرية


عيسى طاهر اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 6147 - 2019 / 2 / 16 - 05:32
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


اللغم والحرية
وظيفة اللغم
اللَّغَم : هو علبة أوشبه صندوق، تحشى بمواد متفجرة، ثم يوضع مستورا في الأَرْض فَإِذَا وطئه واطئ انفجر، واللُّغْم الضَّغطيّ هو الذي ينفجر بضغط الماء الذي تحدثه السّفينةُ عند مرورها.
واللغم هو آلة مصممة لقتل الأفراد كما لتدمير وعطب الدروع ووسائل النقل الأخرى، وهناك من الألغام ما تستهدف الأطراف من الجسد تحديدا، محدثة عطبا كبيرا تشل حركة الجسد أو مبقيّة إيّاه في دائرة من المكان ضيّقا.
قد يكون مبعث وحيّ صانعي اللغم، الفخاخ التي تنصب للحيوانات تصطادها، لكن على نحو أكثر دهاء ومكرا في حساب للوعي البشري في فطنته واحتراسه لما فيه هلاكه، إذ أن فخاخ الحيوانات بيّنة مرئيّة على نحو يرى، إلاّ ما خلا الفخاخ التي لا طُعم يوضع فيها؛ إذ تدفن قليلا في الثلج أو توضع عليه حشائش سترا؛ الطُعم الموضوع في الشرك، يغشي عين الحيوان وتعميه عنه وتسرح مقدار الحذر اليسير في غريزته، فيستجيب لنهش الجوع عنده، غير عابئ إلا أن يسد رمقه.
اللغم ينجز مهمتين: المهمة الأولى، هي القتل وإحداث العطب في الجسد ووسائل النقل؛ وهي فيما أرى، مهمة ثانوية مقارنة بالمهمة الثانية.
المهمة الثانية للغم والخطيرة في نظري، هي تحجيم وتضييق مساحة الحركة، التضييق على الفضاء الواسع للحركة وتحجيمه، أي أن ما يستهدفه اللغم أولا وبشكل رئيسي، ليس القتل وإنما تضييق الفضاء الموجود للحركة.
ماذا يعني تحجيم فضاء الحركة؟
الإنسان كائن يسير ويتحرك طلبا للطعام والجنس والمأوى، وهو ليس كالشجرة لا تغادر أرضها، والمكان في اتساعه وفي تضييقه، يوسع ويضيق حركة سيره؛ فيرى في مقدار ومساحة الضيق، شلا وتكبلا لحركته وفي عرضه وفسحه انطلاقا له من كل قيد؛ لذا لا غرابة أن يرى الإنسان في تحجيم المكان له، أسرا وتكبلا وقيودا فيربط ذلك بعبوديته وحريته؛ فالسجن في إحدى دلالاته ووظيفته، تحجيم لمساحة الحركة وتضييق لها، وما يضاده، هي الفسحة والتي وإن تكن محدودة الزمن، إلّا إنّها تفسح ما ضاق عليه من المكان إلى مكان أرحب بقليل.
فيكون اللغم أول ما يستهدف هو حريّة الإنسان في حركته؛ فيلجمه ويجعله حذرا متيقظا يحسب لكل خطوة ألف حساب، والحرص الشديد يقيد وينزع قدر السرحان اليسير الذي يشعر الإنسان به أنه حرغير مكبل بأصفاد، ففي القدر اليسير من السرحان حرية ينزع إليها الإنسان كما أن في القدر الكبير من الحذر والحيطة قيود وتكبيل.
واللغم إن ظهر وبان ولم يرفع ضيق المكان لكنه ضيق يمكن التعود عليه وإيجاد فسحة لحين رفعه، أما المدفون الذي لم ير بعد ولا حدد مكانه إلا تخمينا، فإنه مبهم يبهم المكان ويضفي من إبهامه شعورا بالهلع والرعب على الحيز المكاني الموجود فيه ويجعل من حضور زمن المكان غير الملغوم قبلا، حضورا طاغيا بما يحمل في الذاكرة من فسحة وحرية للحركة دون خوف. وقد ألقى مدلول لفظ اللغم ظلاله على اللغة، فترى من معاني اللغم ما يدل على إبهام وعدم يقين وخفاء، بما أن كل خفاء هو غموض وإبهام؛ لذا كان من دلالات كلمة اللغم في اللغة العربية ما يدل على الإبهام والغموض.
مما جاء في معجم لسان العرب لابن منظور عن مادة اللغم ما يلي:
" لَغِمَ لَغَماً ولَغْماً : وهو استِخْبارُه عن الشيء لا يستيقنه وإِخبارُه عنه غير مستيقن أَيضا ولَغَمْتُ أَلغَمُ لَغْماً إِذا أَخبَرْت صاحبك بشيء لا تستيقنه .
وجاء في قواميس أخرى(المعجم الوسيط والغني وغيرهما):
اللغم لغة: لَغَمَ الرَّجُلُ: أَخْبَرَ صَاحِبَهُ بِشَيْءٍ لاَ عَنْ يَقِينٍ أَوْ ثِقَةٍ. لَغَمَ الْمُتَحَدِّثُ : تَكَلَّمَ بِكَلاَمٍ خَفِيٍّ.
وكما يمكن استنباط القلق والخوف مما هو مبهم ومجهول وغامض وكل المعاني التي تدل على خوف الإنسان مما لا يعرف ويجهل، كان اللغم بما هو غير مرئي ومجهول، مصدر فزع وهلع، حيث يضيق حيز الحركة ويقيد الإنسان بأغلال لا ترى، ومن هنا يمكن أن نفهم مبادرة ألفرد نوبل، مخترع الديناميت، عندما أوصى بعظم ثروته التي جناها من الاختراع إلى جائزة نوبل التي سميت باسمه، فلك أن تتخيل مدى تأنيب الضمير الذي لازم نوبل ودفعه إلى اختراعه الجائزة، تكفيرا وتطهيرا عن القيود والقتل والدمار والعبودية التي جلبها اختراعه للعالم.



#عيسى_طاهر_اسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقل ينتج وعقل ينبهر بإنتاج غيره!


المزيد.....




- أضرار البنية التحتية وأزمة الغذاء.. أرقام صادمة من غزة
- بلينكن يكشف نسبة صادمة حول معاناة سكان غزة من انعدام الأمن ا ...
- الخارجية الفلسطينية: إسرائيل بدأت تدمير رفح ولم تنتظر إذنا م ...
- تقرير: الجيش الإسرائيلي يشكل فريقا خاصا لتحديد مواقع الأنفاق ...
- باشينيان يحذر من حرب قد تبدأ في غضون أسبوع
- ماسك يسخر من بوينغ!
- تعليقات من مصر على فوز بوتين
- 5 أشخاص و5 مفاتيح .. أين اختفى كنز أفغانستان الأسطوري؟
- أمام حشد في أوروبا.. سيدة أوكرانية تفسر لماذا كان بوتين على ...
- صناع مسلسل مصري يعتذرون بعد اتهامهم بالسخرية من آلام الفلسطي ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عيسى طاهر اسماعيل - اللغم والحرية