أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - أشرف إبراهيم زيدان - روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاستعمار















المزيد.....



روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاستعمار


أشرف إبراهيم زيدان

الحوار المتمدن-العدد: 6145 - 2019 / 2 / 14 - 23:17
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاستعمار
(تأليف: J. Edward Mallot) ترجمة د. أشرف إبراهيم محمد زيدان
يحقق كتّاب روايات التعددية الثقافية مكانة مرموقة في المملكة المتحدة منذ سنوات، ولكن أكبرهم نصيبا من الرواج الشعبي والاهتمام النقدي هم روائيو شتات جنوب آسيا؛ فبعد نشر رواية سلمان رشدي (أطفال منتصف الليل) (1981)، بدأ الكتَّاب يحصدون استحسانا شعبيا، ويحطمون الأرقام القياسية فى التوزيع، ويحصدون الجوائز المرموقة حدَّ أن بدأ حملة انتقادات كبيرة على جائزة البوكر أواخر القرن العشرين؛ لدرجة أن ادعى البعض أيضا أنّ (مستقبل الأدب الإنجليزي سيكون هنديا) (63 Ranasinha). وتلاحظ (روفانا رناسينها) أنّ هؤلاء الكتاب الأنجلوفونيين (نالوا شهرة واسعة بوصفهم سفراء، ومترجمين ثقافيين، ومتحدثين رسميين)— بالرغم من ادعاءاتهم المريبة والهشة بين الفينة والفينة عن (الأصالة) أو ترددهم المعلن والمتكرر غالبا لتمثيل مجتمعات عرقية كاملة.
إنَّ تاريخ مصطلح (الآسيوي الإنجليزي) معقد ومُخَلَّق، مثله مثل العديد من المصطلحات التي تتعلق بالهوية الجمعِيَّة. ولقد صُنف (رشدي) وآخرون على أنَّهم (بريطانيون سود)؛ ويستخدم هذا المصطلح بوصفة مظلة للإشارة إلي مجتمعات الأقليات والعرقيات وآدابها. ومع ذلك، فإنه فيما بين (1980) و (1990) شكّك المنظرون والكتاب والجمهور في الدلالة السياسية والجمالية لهذا المصطلح متبعين في ذلك ما قاله (ستيوارت هال) إذ أكد أنّ لقب (الإنجليزي الأسود) لم يستطع أن يعبر تعبيرا صحيحا عن تمثيل التنوع العرقي للثقافة المعاصرة (b1996 [1987]). وعلى نفس المنوال، حذرت (سوشيلا ناستا) من استخدام مصطلح (الآسيوي الجنوبي)؛ لأنه حتما سيدمر تنوع الخبرات، ويساعد الأغلبية البيضاء على أنْ (يفرقوا ليحكموا) مرة أخرى (6). وعلاوة علي ذلك فإنّ مصطلح (أدب الآسيوي البريطاني) أو (الآسيوي الجنوبي البريطاني) هو مصطلح غامض لا يستند إلى معايير واضحة. وهل المصطلح يشمل (سام سيلفون) و(في. إس. نايبول) المهاجرين من سلالة جنوب آسيا ولكن غالبا مرتبطان بالهجرات التي جاءت من جزر الباهاما والانتيليز ؟ وهل يمثل المصطلح كلا من (ملك آناند) و(ديزاني)، الممثلين المبكرين المهمين للكتابة الآسيوية البريطانية واللذين نالا شهرة واسعة في المملكة المتحدة ثم عادا إلي الهند؟ وهل يشمل المصطلح بالضرورة ما كتب من روايات عن آسيا الجنوبية أو بريطانيا؟ وأخيرا هل يوحى هذا المصطلح بأجندة سياسية، أو وحِسّ جماليّ، وهل يتعلق بــ مواطنة المؤلف أو محل إقامته، وهل يحدِّد قارئ النص أو موضوعه؟
ومصطلح (الرواية الأسيوية البريطانية) حديث نسبياً؛ كما أنَ تطبيقاته حديثة أيضا. إنّ أدب المهاجرين من الكاريبي وأفريقيا، الذي قاده كل من (سيلفون، ونايبول، وإيماشيتا) ، قد وجد جمهورا في المملكة المتحدة قبل الظهور الحقيقي الناجح لـلأدب الإنجليزي الهندي. ولقد عاش الآسيويون الجنوبيون في بريطانيا بداية من عام 1700، وبعد الحرب فى مرحلة تفكيك المستعمرات صاروا في نهاية المطاف أكبر أقلية عرقية. ولكن القراء الإنجليز لم يقبلوا إلا قليلا على الروايات التي كتبها الروائيون القادمون من شبه القارة. وتلاحظ (راناسينا) أنّ الأسيويين الجنوبيين نظروا إلي الجمهور الإنجليزي نظرة المؤرخ الاجتماعي لا نظرة الكاتب المبدع؛ وحتي مع خمسينيات القرن الماضي نُظر إلى الرواية الهندية على أنها مصدر مضمون للربح في دور نشر العالمية؛ ونتيجة لذلك فشل بعض الكتاب الطامحون في الحصول على عقود وفشل آخرون فى تجاوز الاعتراضات السياسية الموجهة إلى ما يعبرون عنه من اختلاف (12). ولقد نجح بعض الأفراد فى نيل إعجاب جمهور القراء الإنجليز المتميزين. فعلى سبيل المثال حافظ (آناند) على أن يكون ندا لمجموعة (بلومزبري)؛ فروايتاه (المحصن) (1935) و(كولي) (1936) سلطتا الضوء على ظروف الفقراء في الهند المستعمرة. وحققت رواية ديزاني (كل شيء عن إيتش. هتر" H. Hatterr) (1948) نجاحاً غير متوقعٍ: إنها رواية بيكارسكية غريبة تسعى إلى رصد التصوير الكوميدي لبطل الرواية الذي ينشد التنوير. ويدعي (هتر) أنّ الحرف (H) يشير إلي عائلة هندوستانية، وهو أحد التشويهات اللغوية المذهلة العديدة التي يسميها البطل الإنجليزية المشوهة (rigmarole English). وتلاحظ (نستا) أنّ الأعمال الروائية لـلكاتب (ديزاني) تبدو هدامة؛ لأنَّها تحدت التقاليد المعاصرة للغة، والنوع الأدبي، والأسلوب. وهذه الرواية أيضا بشيرا بظهور تيار (ما بعد الحداثة) الذي تجده عند (سلمان رشدي) الذي اعترف بأنَّ أسلوبه قد تأثر إلى حد ما بتلك الرواية.
وقد أنتج بعض الروائيين، من أمثال (عطية حسين) و(كمالا ماركاندايا)، أعمالاً متنوعة فى أثناء فترة منتصف القرن الماضي، ويعدان أهم الكتاب وأقدم الكتاب الآسيويين البريطانيين. ولكن بالرغم من النجاح الفردي الذي حققته روايات مثل رواية حسين (أشعة شمس على عمود مكسور) (1961) ورواية ماركاندايا (رحيق في غربال) (1954)— ما زالت الرواية الآسيوية البريطانية تفتقد إلي الرواج الواسع الذي أحرزته أعمال (سيلفون ونايبول). ومن المدهش أنَّ ثلاث روايات كتبها الأوروبيون (فاري وروث وبول سكوت)، وتدور أحداثها حول الهند، قد فازت بجائزة بوكر العريقة في سبعينيات القرن الماضي. وكان الإبداع الهندي محدودا فى أول الأمر، ولكنه سرعان ما ازدهر عام (1981)؛ إذ ظهرت رواية (أطفال منتصف الليل). إنّ الأوديسة السحرية لـ (سليم سيناء)— والمولود مع مولد استقلال الهند— أذهلت القراء والنقاد علي السواء؛ وبسرعة حققت تميزا أدبياً مرموقاً. وفي عام (1993)، فازت الرواية بـ جائزة (بوكر البوكر)؛ واعتبر القراء الإنجليز في عام (2008) رواية (أطفال منتصف الليل) أفضل رواية فازت بالبوكر على مدي الأربعين عاما التى مضت منذ ظهرت المسابقة. وطبقا لـ (رناسينها) دفع هذا العمل كتابات الأنجلوفونيين الآسيويين الجنوبيين في الاتجاه السائد، وادعي كتاب الأقليات البريطانية أنّ نجاح (رشدي) لم يلهم جهودهم الخاصة فقط، بل ساعدهم في كسب جمهور عريض لـــ فنانين متعددي الثقافات. وبالنسبة للجمهور صاحب البشرة البيضاء، أصبح الكاتب [سلمان رشدي] الممثل الفعلي والحقيقي لجنوب آسيا في ظل ما أحدثته أعماله من أصداء منذ عام 1980s.
يثبت (رشدي) دائما أنه كاتب مثير للجدل؛ وعلى ما يبدو لفت أنظار النقاد بسبب تصويره لـشخصية (إنديرا غاندي) في (أطفال منتصف الليل) وتصويره أيضا لشخصيات تاريخية باكستانية متعددة في رواية (العار) (1983). ولم تلق روايته (آيات شيطانية) (1988) اهتماما نقديا كبيرا إلا بعد ما اشتعل الغضب العالمي بسببها. ورد (رشدي) بأنّ هذه الرواية تدور أحداثها حول الهجرة والمنفي والهويات المهجنة والمسخ—(إنها قصة حب، كما يوضح لاحقا، لـ ذواتنا المهجنة) (1991, 394). فبطلا الرواية التوأمان يصلان إنجلترا، ويصبح أحدهما بسرعة رجلا ملائكيا والآخر شيطانيا، ويكتشفان أنّ صفات جسديهما الجديدين تعكس النمط الإنجليزي. وتسيطر الأغلبية البيضاء على المهاجرين؛ لأنهم (يصورننا[...] لديهم السلطة التي تمكنهم من تصويرنا، وقد رضخنا لهذا التصوير وقبلناه) (1997 [1988], 174). ويدرك (صلاح الدين شامشا) أنَّه يجب عليه أنْ ينبذ كل هذه المحاولات لتحديد هويته؛ وبدلا من ذلك يتقبل بسرور كل جزء من (نفسه المهجنة). ويتضمن عمل (رشدي) أيضا تعاقب الأحلام عن حياة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) والنشأة الأولي للإسلام كما يتضمن الآيات الشيطانية الشائنة التى آثارت نزاعا طويلا. ولقد غضب المسلمون لإعادة كتابة تاريخهم بطريقة متطرفة فى روايات ذاعت في آرجاء العالم؛ لذلك أدت الرواية إلى اغتيالات وأعمال شغب وقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية الدولية، وأدت إلي إعلان فتوي (الخميني) الداعية إلي قتل سلمان رشدي [لم يقتل رشدي وإنما قتل من ترجم الرواية/المترجم.]. ذكَّرت هذه الرواية العالم بقدرة الأدب البالغة على التحريض وإثارة المخاوف؛ فسلمان رشدي نفسه اضطر للاختفاء سنوات عديدة. وإذا كانت رواية (أطفال منتصف الليل) قد ساهمت في زيادة التعريف بالكتابات الآسيوية البريطانية مع بداية (1980)، فإنَّ رواية (آيات شيطانية) قد كشفت قوتها السياسية مع نهاية العقد. لقد غيرت هذه الأزمة الكتابة البريطانية ذات التعددية الثقافية جملةً وتفصيلاً، وأعلت من شأن الكتاب البريطانيين السود إلي ارتفاعات غير مسبوقة، ولكنها دمرت التماسك الذي كان مفترضا للمجتمع (البريطاني الأسود).
لقد ترددت أصداء ما كتبه (رشدي) عن الهجرة والمنفي والذوبان الثقافي وعدم التسامح في الروايات الآسيوية البريطانية الأخرى. فقد ظن بطلُ رواية (ماركاندايا) (الرجل التائه) (1972) خطأً أنَّه ذاب في المجتمع حتى أصبح (إنجليزيا من أكثر من الإنجليز أنفسهم) (1973 [1972], 72). ولكنّه أدرك بعد تعرضه للظلم والهجوم من قبل جيرانه الذين عاملوه معاملة عدائية أنَّه قد تحول إلي شخص غريب (241)—إنه تحول يشبه التحول السحري الذي يتعرض له المهاجرون كما يصورهم رشدي وإن كان مختلفا عنه إلى حد ما. وفي المقابل نجد باكورة إنتاج (هاري كونزرو) (الانطباعي) (2004) تصور ملامح (بران ناث) الذي يتمتع بموهبة هائلة على الذوبان حتى ليصبح رجل جميع الأماكن؛ وقد ساعدته هذه الميزة على تبني مجموعة من الهويات؛ فهو أحيانا الشقي الهندي الذي ينتمي إلى الطبقة العليا، وأحيانا العامل الذي يرتدي ملابس نسائية وذكورية، ثم ولد المدرسة الفيكتورية ويتيم التبشيرية، وطالب الجامعة الإنجليزية، ثم مساعد عالم الأنثروبولوجيا الاستعماري، وأخيرا البدوي الصحراوي الأفريقي. وفي بريطانيا نجد أنَّه يتمكن بسبب بشرته الفاتحة وقدرته على محاكاة اللهجات أنْ يعيش بينهم بوصفه (جوناثان بردجمان)؛ ففي كل منعطف يبحث هذا الشاب عن أية صفات إنجليزية لتبنيها؛ لدرجة أنّ هذا الذوبان (يؤثر إلي حد ما في بشرته) (247). إنَّ أداءه بوصفه (جوناثان بردجمان) مقنع جداً؛ لدرجة أنّ (استارت تشابل) تنبذه لأنَّه أصبح صورة مطابقة جدا للأصل بشكل غير مستحب، وتحطم قلبه عندما تقول له (أنت الرجل التي تمثلت فيه خصائص الإنجليز كما لم تتمثل في أى إنسان آخر) (332) . وبطريقة مختلفة تماماً يكتشف (رشدي وماركاندايا وكانزرو) قيمة الذوبان الثقافي، والتمتع بروح إنجليزية مزعومة، وتقليد المستعمر، وحدود ذلك التقليد ومخاطره .
إن رواية (مونيكا علي) الناجحة جدا (بِرك لين) (2003) (Brick Lane) ربما تعالج ببراعة مذهلة موضوعات مشابهة؛ حيث قامت بطلة الرواية (نازنين) بمحاولات ضخمة متضاربة للتكيف مع الحياة في شرق لندن. زواج مرتب يأتي بشابة من بنجلادش إلي منطقة (برك لين)، وزوجها (تشانو) رجل حسن النية ولكنه مسن جدا، وهو— بوجه عام— منحوس، ثم إنه زوج لا يلبي رغباتها الرومانسية؛ لذا تجد (نازنين) نفسها لاحقا منجذبة لشاب صغير ووسيم وناشط سياسي اسمه (كريم) . ولكن بطلة (مونيكا علي) ترصد الحياة اللندنية وتحاورها وتتأقلم معها بشكل متزايد وفقا لشروطها الخاصة. إنَّها محاطة بشخصيات إما أنها تسعي للمحافظة على هويتها البنجلادشية، إما أنَّها شخصيات تذوب تماما في المجتمع الإنجليزي؛ لذا تتعلم كيف تنشئ قواعدها وتوقعاتها الخاصة. وفي النهاية تنبذ زوجها وحبيبها، وتقرر أن تعيش في بريطانيا مع أولادها. وفي المشهد الختامي للرواية (الذي يستشهد به دائما)، تأخذ (نازنين) مزلاج احدي البنات. فبينما تحتج إحداهن قائلة (لا تستطيعي أن تتزلجي وأنت ترتدين هذا الساري)، تفهم (نازنين) مدي قدرتها على الجمع بين شخصيتها الإنجليزية وشخصيتها الآسيوية معًا وترد عليها قائلة (إنها إنجلترا؛ ولك أن تفعلي ما تشائين) (36).
تتباهي الروايات البريطانية ذات التعددية الثقافية بوجود العديد من الكاتبات المتميزات مثل: (زادي سميث) و(أندريا ليفي) من بين العديد من المشاهير— وتأتي الكاتبة(مونيكا علي) صاحبة رواية (برك لين) في مقدمة هؤلاء الروائيات. و(مونيكاعلي) الاسم الأكثر تميزا، ولكنها ليست وحدها، فقد حظيت كاتبات أخريات باهتمام نقدي كبير بعد صدور رواية (أطفال منتصف الليل). وتعتبر رواية (رافندر رندهاوا) (امرأة عجوز شريرة) (1987) مثالا مبكرا ومهم للرواية الآسيوية البريطانية النسوية. تتنكر شخصيتها الرئيسية (كُلونت) في هيئة امرأة عجوز كما يشير عنوان الرواية؛ ويساعدها ذلك في الكشف عن الطبيعة المتغيرة للهويات على نطاق واسع. ولكن تساعد تجولاتُ البطلة على هذه الهيئة المؤلفةَ على تقديم أنماط من النساء الأخريات اللائي يجاهدن من أجل قبول التهجين، وما يشعرون به من كبرياء وما يكابدون من صراع عبر الأجيال. وتشمل خيوط السرد المعقدة المتداخلة كلا من (مايا) التي تقوم بالعديد من الأبحاث لدراسة الجنون في المجتمع الآسيوي لبرنامج وثائقي تليفزيوني، و(راني) التي نجت من الموت بأعجوبة بعد تعرضها لهجوم وحشي. وتصاب بالدهشة وتحتجز فى المشفى بسبب الارتجاج الدماغي، ولكنها تسترد عافيتها فقط عندما تعالجها النساء الأخريات من خلال سرد الحكايات الجماعية. إنَّ السرد غير التقليدي فى رواية (فرحانة شيخ) (الصندوق الأحمر) (1991) يسلط الضوء على (رايسا)، التي تبرز مقابلاتها مع الطالبات الشابات مدي التعصب والعنف الذي ابتليت به الأقليات العرقية في المدارس الثانوية. وتصارع بطلة رواية (أتيما سريفاستافا) (الانتقال) (1992) تعقيدات حياة (الجيل الثاني [من المهاجرين/المترجم]) في أثناء إعدادها برنامجاً تلفزيونياً عن مرض نقص المناعة البشرية/الإيدز. وفي رواية (ميرا سايل) (الحياة ليست كلها هَهه هِههه) (1999) تُعد (تانيا) دراسة وثائقية عن الآسيويين البريطانيين المعاصرين، وأسندت البطولة إلي أعز أصحابها (شيلا وسونيتا)، ولكن مشروع (تانيا) يزيد الطين بله لدرجة أنه يهدد بتمزيق ما بينهما الصداقة تمزيقا تماما. والكتاب والجمهور يدركون إدراكا واعيا منذ فترة طويلة سياسات التمثيل، وحتى التي تلت فضيحة موضوع رواية (آيات شيطانية). يكتب نقادو الثقافة كثيرا وباستفاضة عن ضعف تمثيل الأقليات في الإعلام البريطاني الرسمي وعن التشعبات السياسية المعقدة المستمرة الخاصة بطبيعة هذه التمثيلات. ويناقش الروائيون تلك الموضوعات بوضوح في أعمالهم الروائية.
هذا الاهتمام بتعريف الذات وتحقيق مفاهيم مشتركة يجمع بين أعمال الكاتبة (سيال) وأعمال (حنيف قريشي) الذي حقق شهرة منذ الثمانيات بسبب روايته (مغسلتي الجميلة). إنّ مكانة (قريشي) في النقد الأدبي العرقي البريطاني تكاد تنافس مكانة (رشدي). وقد اعتبره (سوخديف ساندو) الأكثر أهمية؛ لأنَّ أعماله سلطت الضوء على الآسيويين في بريطانيا (230). ولا شك أن (قريشي) ينتقد ويكشف ببصيرة ناقدة أحوال الأطفال المولدين في بريطانيا لأباء آسيويين مهاجرين. وعلى وجه الخصوص تبرز أعماله التمايز غير المتوقع بين خبرات الجيل الأول والثاني. يقول بطل الرواية فى بداية رواية (بوذا الضواحي) (1990)، (اسمي كريم أمير رجل إنجليزي المولد والتربية إلى حد ما، وغالبا ما ينظر إلي بأنني صورة هزلية للرجل الإنجليزي، إننا سلالة جديدة [كما كان أسلافنا من الجيل الأول] ناتجة عن تمازج تاريخين عريقين) (3). (وكريم ليس فخورا) بإنجليزيته، فـهو يكاد باكستانيا أيضا؛ وذلك يعكس إصرار (قريشي) الخاص بأنَّ هويته تتحدد كـ لندني أكثر من أي شيء آخر. وتؤكد (رناسينا) أنّ عمل قريشي (يسخر من فكرة المجتمعات المتجانسة والمتميزة والمصنفة وفقا للمفاهيم العنصرية) (222). وفى رواية (بوذا أهل الضواحي) التي لا تعبر عن موقف قاطع من قضية العرقية، نجد أن التباس الهوية يضع شخصية (كريم) تحت ما أسماه (مارك ستين) (قضية العرقية)، والذي يشير ضمنيا إلى مفهوم (ما بعد العرقية) (115) إذ أحيانا ما يوظف سمات الاختلاف المعروفة لكنه دائما ما يُقصي كل الإشارات التي تقصر مفهوم الهوية على العرق. وهكذا، يتوازى ميل (كريم) إلى تصور العرقية على أنها مَسْرَحَة ما للحياة/مع مهنة (كريم) التمثيلية نفسها، والتي بدأت بتحول هزلي رهيب مع دور (موغلى) وانتهت بالشخصية الشهيرة التي تجسد الأقليات فى المسلسلات التليفزيونية.
وعلى درب (حنيف قريشي) حقق حشد من كتاب الجيل الثاني تفوقاً أدبياُ؛ إذ يستقصي كثير منهم ما يطلق عليه غالبا المواقعَ الثقافية "الما بين" أو "العالقة" للأسيويين مواليد بريطانيا. فرواية (سيال) الكوميدية (Bildungsroman, Anita and Me) (1961) ترصد حياة فتاة تعيش في إنجلترا الريفية المتعصبة في ستينيات القرن الماضي. ورواية (نديم أسلم) القاتمة والمتطرفة )خرائط لعشاق ضائعين( (2004) تكشف التوتر بين العائلات الآسيوية البريطانية. فبينما يحاول المجتمع في (صحراء الوحدة) أنْ يفسر سبب اختفاء العاشقين غير المتزوجين (شجنو وشانده) ، نجد الأم المسيطرة (كوكب) تحاول أن تتوافق مع تقاليد مجتمع ما زال أجنبياً وعدائياً وأطفال أكثر غربةً وبغضاً. وتعكس محاولتها للحفاظ على الهوية الإسلامية الصورةَ النمطية للمهاجرين الآسيويين، ولكن في هذا العمل يعتنق الجيل الأصغر أحيانا تطرفاً أصولياً بالغ القوة. وتعد رواية (أسلم) واحدة من النصوص التي تستشرف ظهور (الإسلام الراديكالي) بين الشباب الآسيويين البريطانيين. وتظهر قصة قريشي (ولدي المتطرف) (1997) مدي الرعب الذي يعيش فيه أحد المهاجرين الباكستانيين العلمانيين لاعتناق ولده التطرف؛ وتتنبأ هذه القصة بالأعمال الإرهابية في (11) سبتمبر و(7) يوليو. وتسكتشف روايته الثانية (الألبوم الأسود) (1995) التضاريس نفسها [حقول المعرفة]؛ فأحداثها تركز على تصوير غضب الشباب ضد البريطانيين البيض بوجه عام ورواية سلمان رشدي (آيات شيطانية) على وجه الخصوص. ويفشل المجتمع الذي تصوره رواية مونيكا علي (برك لين) في التوافق والالتحام بسائر شرائح المجتمع الأخرى في أعقاب كلٍ من أحداث الحادي عشر من سبتمبر ومشكلاته السياسية الداخلية. وقد أدى احتجاج بعض المقيمين ضد المؤامرات المناهضة للإسلام والحوار المعادي لـــــ بنجلاديش إلي عرقلة تحويل الرواية إلي فيلم سينمائي. وفي رواية (محسن حامد) (الأصولي المتردد) (2007) نجد أنَّ الشخصية التي يشير إليها العنوان تعتنق التعصب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومن ثم تلتحق بمنظمة إسلامية متطرفة في باكستان. لقد تأكد أنَّ الذوبان الثقافي قضية جوهرية ثابتة في النصوص الآسيوية البريطانية، ولكن تغيرت مصطلحاته الأساسية في أعقاب العنف العالمي الحديث؛ واكتشف هؤلاء الكتاب الأسباب التي أدت إلي ظهور النشاط السياسي الشبابي ونتائجه المحتملة لـ بودي بوليتك [جماعة من الناس يعتبرون أنفسهم تنظيما سياسيا/المترجم].
والذكريات المتعلقة بالمنزل والوطن وظروف ما قبل الاستعمار وما قبل الاستقلال والحياة قبل الاتصال بانجلترا والمبادئ الأساسية للثقافة غير الغربية والدين والسياسة تزود رواياتَ التعددية الثقافية البريطانية بالعديد من القضايا الخصبة؛ ففي الكتابة الآسيوية البريطانية تتخذ النصوص القائمة على الذكريات مسارين؛ يعود الكتاب في أحدهما إلي فترات سياسية محددة في تاريخ شبه القارة الهندية. وترسم رواية (سيفاناندان) (عندما تموت الذاكرة) (1997) موجات من العنف الجماعي الذي تعرضت له أقليات (التاميل) في سريلانكا قبل الاستقلال وبعده.أما رواية رشدي (العار) ورواية محمد حنيف (قضية انفجار المانجو) (2008) فتلقيان الضوء على أصحاب القوى السياسية في دولة باكستان بعد الاستقلال بطريقة متميزة وأسلوب هجائي لاذع ينتميان إلي اتجاه (ما بعد الحداثة). وفي مسار آخر تبحث الشخصيات المنفية عن حنين العودة إلي أرض الوطن كما هو الحال في رواية (سونيترا جوبتا) (ذكريات المطر) (1992). ففي روايتي (روميش جيونيسيكيرا) (حدب مرجاني) (Reef) (1994) وروايته (ساعة رملية) (1998) يظل حنين الشخصيات وشوقها إلي سريلانكا واضحا بسبب العنف الجماعي المتزايد وبسبب ما تحمله الذاكرة من فجوات وتحريفات. وبالنسبة لـ (نستا) يقترح نثر (جيونيسيكيرا) (أنّ أدب الشتات يؤكد أنَّ العودة لم تعد ممكنة، وأنَّ فلاتر الذاكرة المجزأة لم تعد تقدم طريقا آمنا أو سارّا إلي أرض الوطن الخيالية) (213). وبما أنَّ العديد من الشخصيات الأدبية والمنظرين الثقافيين يشهدون أنّ العودة إلي الوطن الأم—سواء في الذاكرة أو الواقع—لم تعد سهلة بل لم تعد ممكنة. ويرى (ستيوارت هال) أنّ (الهجرة رحلة في اتجاه واحد. ولا منزل لتعود إليه. بل لم يكن ثمَّ منزلٌ قط) (115).
كذلك، لا أحد من أبناء المهاجرين ولا من هؤلاء الذين عانوا الأمرين ليهاجروا ويستقروا فى المملكة المتحدة يرغب بالضرورة في العودة. لقد وجد بطل رواية (ماركاندايا) وجد نفسه (رجلًا تائهًا بلا مكان)، ولكن الأجيال الثانية والثالثة التي قادها (قريشي) رأوا أنَّفسهم في مكانة تعادل مكانة الإنجليز؛ لذا تحدوا ومن ثم وسعوا مفهوم الإنجليزية الفعلي في حياتهم وأعمالهم. حقا لقد وضع (قريشي وكونزرو) أعمالهما الروائية بشكل واضح بعيدا عن المجتمعات العرقية وقضايا الاختلاف؛ فهما ليسا من (الروائيين التائهين)، بل يسعيان إلي اكتشاف بريطانيا المعاصرة على اتساعها. ومن ثم فربما نجد الرواية الآسيوية البريطانية تكف عن التركيز على الهوية العرقية والثقافية، بل أيضا على المملكة المتحدة. فبينما يحقق كاتب بعد كاتب تميزا مشهودا فإنَّ المجال الجديد نسبيا يعد بجمهور أوسع ومناطق بحث واستقصاء متعددة في العَقْد المقبل. ولكن هذا لا يعني أنَّ السرد المتعلق بوصول المهاجرين إلي مهجرهم نوع من الماضي؛ فما زال العديد من الكتاب يتحدثون عن القادمين الجدد وهم كثر، وتصميمهم على البقاء، وتحقيق الازدهار. وتصور رواية (مانزو إسلام) (جحر) (2004) مهاجرا غير شرعي في لندن المعاصرة كاد يقع فى أيدي السلطة، ولكن انجلترا لم تعد صعبة كما كانت تبدو من قبل؛ فعلى الأقل (نتعلم كيف ندافع عن أنفسنا ونطالب بحقوقنا [...] كان علينا أن نفعل ذلك لأنَّ إنجلترا هي كل ما نملكه في طريقنا للمنزل [...] سنفعل أي شيء من أجل البقاء؛ لأننا سنبقي على قيد الحياة) (291).















References and Suggested Readings

Ali, M. (2003). Brick Lane. New York: Scribner’s.
Anand, M. R. (1935). Untouchable. London: Lawrence and Wishart.
Anand, M. R. (1936). Coolie. London: Lawrence and Wishart.
Aslam, N. (2004). Maps for Lost Lovers. New York: Knopf.
Desani, G. V. (2007). All about H. Hatterr [1948]. New York: New York Review of Books.
Gunesekera, R. (1994). Reef. New York: New Press.
Gunesekera, R. (1998). The Sandglass. London: Granta.
Gupta, S. (1992). Memories of Rain. New York: Grove.
Hall, S. (1996a). Minimal Selves [1987]. In H. A. Baker,
Jr., M. Diawara, & R. H. Lindeborg (eds.), Black British Cultural Studies: A Reader. Chicago: University of Chicago Press, pp. 114–19.
Hall, S. (1996b). New Ethnicities [1987]. In H. A. Baker, Jr., M. Diawara, & R. H. Lindeborg (eds.), Black British Cultural Studies: A Reader. Chicago: University of Chicago Press, pp. 163–72.
Hamid, M. (2007). The Reluctant Fundamentalist. Orlando, FL: Harcourt.
Hanif, M. (2008). A Case of Exploding Mangoes. New York: Knopf.
Hosain, A. (1961). Sunlight on a Broken Column. New Delhi: Penguin.
Islam, M. (2004). Burrow. Leeds: Peepal Tree.
Kunzru, H. (2002). The Impressionist. New York: Dutton.
Kureishi, H. (1991). The Buddha of Suburbia [1990]. New York: Penguin.
Kureishi, H. (1995). The Black Album. London: Faber and Faber.
Kureishi, H. (1996). My Beautiful Laundrette and Other Writings. London: Faber and Faber. (Play originally published 1986.)
Kureishi, H. (2005). My Son the Fanatic [1997]. In The Word and the Bomb. London: Faber and Faber, pp. 61–74.
Markandaya, K. (1954). Nectar in a Sieve. London: Putnam’s.
Markandaya, K. (1973). The Nowhere Man [1972]. London: Allen Lane.
Nasta, S. (2002). Home Truths: Fictions of the South Asian Diaspora in Britain. Basingstoke: Palgrave Macmillan.
Ranasinha, R. (2007). South Asian Writers in Twentieth-Century Britain: Culture in Translation. Oxford: Clarendon.
Randhawa, R. (1987). A Wicked Old Woman. London: Women’s Press.
Rushdie, S. (1981). Midnight’s Children. London: Jonathan Cape.
Rushdie, S. (1991). Imaginary Homelands: Essays and Criticism 1981–1991. London: Granta.
Rushdie, S. (1997). The Satanic Verses [1988]. New York: Picador.
Sandhu, S. (2003). London Calling: How Black and Asian Writers Imagined a City. London: HarperCollins.
Sheikh, F. (1991). The Red Box. London: Women’s Press.
Sivanandan, A. (1997). When Memory Dies. London: Arcadia.
Srivastava, A. (1992). Transmission. London: Serpent’s Tail.
Stein, M. (2004). Black British Literature: Novels of Transformation. Columbus: Ohio State University Press.
Syal, M. (1996). Anita and Me. New York: New Press.
Syal, M. (1999). Life Isn’t All Ha Ha Hee Hee. London: Doubleday.





#أشرف_إبراهيم_زيدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشتات الأفريقي
- رواية المستعمرات (ترجمة)


المزيد.....




- الرئيس الإيراني: -لن يتبقى شيء- من إسرائيل إذا تعرضت بلادنا ...
- الجيش الإسرائيلي: الصواريخ التي أطلقت نحو سديروت وعسقلان كان ...
- مركبة -فوياجر 1- تستأنف الاتصال بالأرض بعد 5 أشهر من -الفوضى ...
- الكشف عن أكبر قضية غسل أموال بمصر بعد القبض على 8 عناصر إجرا ...
- أبوعبيدة يتعهد بمواصلة القتال ضد إسرائيل والجيش الإسرائيلي ي ...
- شاهد: المئات يشاركون في تشييع فلسطيني قتل برصاص إسرائيلي خلا ...
- روسيا تتوعد بتكثيف هجماتها على مستودعات الأسلحة الغربية في أ ...
- بعد زيارة الصين.. بلينكن مجددا في السعودية للتمهيد لصفقة تطب ...
- ضجة واسعة في محافظة قنا المصرية بعد إعلان عن تعليم الرقص للر ...
- العراق.. اللجنة المكلفة بالتحقيق في حادثة انفجار معسكر -كالس ...


المزيد.....

- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين
- السودان - الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ - / محمد عادل زكى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - أشرف إبراهيم زيدان - روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاستعمار