أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الحاج صالح - في أول صندوق زبالة














المزيد.....

في أول صندوق زبالة


محمد الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 6142 - 2019 / 2 / 11 - 21:32
المحور: الادب والفن
    


في أول صندوق زبالة
لـمّا تكون الدنيا شتوية، ويكون الثلج قد تراكم مرة بعد مرة ولـمّا تسقط على أكوام الثلج أضواءُ الشبابيك والمداخل، يحس الواحد برهبة جمالية غريبة حقاً.
حيّنا حي سكني يسكنه نرويجيون من الطبقة الوسطى وأجانب أكثرهم لاجئون أمضوا سنوات في هذا البلد وحصلوا على عمل. أكثر الأبنية تتألف من ست طوابق، ولكن يصدف أن يكون بعضها مؤلف من ثمان.
الآن الساعة هي التاسعة إلا دقائق ليلاً وأنا مضطر للوصول إلى سيارتي على الالتفاف حول عمارتنا، لأنني لم أجد مكاناً أمام بنايتنا لذا أوقفتها أمام البناية التالية التي تفصلها حديقة عنّا. عمارتنا تحتوي على أربعة مداخل واثنتين وثلاثين شقة، وأمامها حديقة وخلفها حديقة. هكذا هو نظام حيّنا. كل شيء أبيض، الحديقة و الممرات البينية و الأشجار و الشجيرات وعشب الحديقة المدفون، كل شيء أبيض.
واجهات الأبنية في هذه الساعة مضاءة جميعاً. الشبابيك جميعها تقريباً مضاءة. بينما الجانب الخلفي للبناء فمعتم أو تختفي أضواؤه خلف الستائر. كثيراً ما تساءلت فيما إذا كان مهندسو هذه البلاد مقلوبي دماغ حين يشيدون المطابخ و الحمامات في واجهات الأبنية بينما غرف النوم والجلوس في الخلف! أم أنني يا ترى أنا هو المقلوب الدماغ!
ما إن تجاوزت زاوية البناء الغربية الشمالية حتى رأيت جاماً من ضوء يخرج من غرفة نوم أو غرفة صالون آخر شقة أرضية. تساءلت شقة من هذه. وتذكرت أنها ل"كريستينا" الأم لولدين يعيشان أسبوعاً لدى الوالدة وأسبوعا لدى الوالد، هكذا هو أحد الإجراءات هنا عندما يكون الوالدان منفصلين.
أتاني فضول من النوع الذي لا يعترف الواحد به حتى لنفسه أحياناً. أسررت في نفسي أنني سأتلصص على جارتنا كريستينا وأرى كيف تبدو غرفة نومها أم هو صالونها، وسأرى ماذا تفعل الآن. لعلها تصبغ أظافر قدميها في هذه اللحظة وثوب نومها منزاح للأعلى، هذا ما خطر على بالي حقاً.
كان يمكنني أن أعبر الحديقة رأساً نحو موقع السيارة من حيث التففت حول زاوية البناية، لكن فضولي دفعني لأن أسير موازيا للجانب الخلفي للعمارة. رحت أسمع خفق أقدامي على الثلج البكر في الخلف حيث لا تصله شفلات آليات البلدية. لا تفصلني سوى مسافة قصيرة من الجدار، حتى إنني كنت أتركد وأحذر الوقوع بلمس الجدار، وكنت أسمع حتى بعض الكلمات التي تقال خلف الجدران.
ولم يكن ثمة أي شباك محسور الستائر إلا شباك كريستينا.
حقيقة كان مشهد سقوط الضوء من شباك كريستينا الوسيع على الثلج غريباً عجيباً لا يمكن وصف ما فيه من غموض وسطوع في قلب هذا الهدوء الساكن في الخارج. أكثرية النوافذ في هذه البلاد تتألف من إطار كبير جداً يضم جاماً من بللور واحد على الأغلب، فالشمس نادرة وعزيزة واصطياد أشعتها ثمين للغاية.
كان نور غرفة كريستينا مثل شمس في ليل الحديقة الخلفية. كان يبدو لي مجسماً من نور وأنا أقترب.
لـمّ فعلاً نسيت كريستينا أن تسحب الستائر؟
دفعة واحدة صدم نظري المشهد. كانت غرفة نوم كريستينا مضاءة بنور مبهر يتدفق للخارج، وكانت نافذتها الوسيعة تبدو كما أنها شاشة فيلم. وعلى السرير جسدان ملتفان ببعضهما البعض. لم أشك أنهما في القمة. جسد بني محروق وشعر أسود يعتلي ويندمج في جسد أبيض ساطع وشعر منثور أصفر. كم لبثت وأنا واقف هناك مصعوق؟
الرجل أعرفه. إنه "ماهيندو" عامل السوبرماركت السريلانكي المبتسم دوماً. للمحة فكرت كيف انْجمعا معاً. هي طويلة اسكندنافية بكل معنى الكلمة وعضوة نشيطة في حزب يميني كاره للأجانب، وكومار رجل قصير وأصغر عمراً منها بكثير.
كانا ؛كلاهما منهمكين كل الانهماك، فما الذي جعل كريستينا تراني من بين أجفانها الناعسة النائمة. كأنها رأتني ولم تصدق نفسها. بقيت لثوان في سياق حركتها، ثم شيئاً فشيئاً راحت عيناها تتسعان. وعندما أدركت الوضع وأدركت أن ستائرها محسورة وأن رجلاً غريباً يقف هناك منتهكاً سرها، قذفت "ماهيندو" وشبّتْ واقفة تحدق بي. فعلاً فعلاً قذفته. انقذف ماهندو من فوقها وكأنه مجرد وسادة أو لحاف، أو كما لو أنه محزوم بحبل نتره فجأة وأبعده. أظنها وضعت قدمها في بطنه ورفست بكل قوتها.
وقفت هناك إلى جانب السرير عارية تحدق بي تريد أن تعرف من أكون. استدرتُ وبسرعة تجاوزت الحديقة واختفيت مبتعداً عن السيارة. لم أعد أجرؤ على الاقتراب منها، وطار من بالي ما الذي كنت أريده من السيارة، لم أذكره إلا بعد أن جلست في مقعدي في صالون البيت بينما التلفزيون يصخب بصوت مذيع عربي. درت حول بنائين أو ثلاثة وأنا ألوم نفسي لوم رجل متدين يزني ويسرق في يوم واحد.
هل عرفتني؟
لا أدري . كنت ألبس الطاقية، واللفاحة تغطي فمي وأنفي فكيف لها أن تعرفني.
في أول صندوق زبالة ألقيت الطاقية واللفاحة، إذْ لعلها إذا ما رأتهما غداً عرفت من كان يتجسس على متعتها.



#محمد_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هناك في الأسفل
- أنا والأفاعي
- حتى تقطيع الخبز
- الحشوة
- غيبهم الزمنُ
- المثقف التقليد، الذي هو أنا
- حكاية. مطر دث
- هل هزمت الثورةُ السورية فعلاً؟
- الشوايا
- بين العاصمة أوسلو ومدينتنا
- لومٌ من بعض الأصدقاء الأكراد
- ملحمة حلب الكبرى أم هي ابراهيم اليوسف
- الساروت والعرعور. جرس إنذار عالي الصوت.
- وحدة المعارضة السورية بين الجهود والتمترس
- لماذا يُنتقد المجلسُ الوطني؟
- مقدمة لمُناقشة إشكالية العسكرة والانشقاقات العسكريّة
- لماذا سمح النظام السوري بعقد مؤتمر هيئة التنسيق الوطنية؟
- نقدُ المعارضة السورية وتجريحُها
- مهاجمو برهان غليون
- خفّة دم الانتفاضة السورية تزعجُ الأستاذ الخازن


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الحاج صالح - في أول صندوق زبالة