أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أماني فؤاد - الدماء














المزيد.....

الدماء


أماني فؤاد

الحوار المتمدن-العدد: 6138 - 2019 / 2 / 7 - 19:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الدماء..!!
د. أماني فؤاد
حين تواجهك كفوف عديدة مرسومة بالدماء على ظهر سيارة ميكروباص وأنت في طريقك إلى عملك تتأذى صباحاتك، تتبدل موسيقاك إلى نشيجِ حزن، وتساءل ذاتك بحسرة: لِمَ لَم تزل الخرافة متضخمة في العقل الجمعي للشعوب العربية رغم أننا بعصر المعلومات والثورة التكنولوجية، لماذا هذا العنف والقبح، وتحكّم الضلالات والترهات في معتقدات الإنسان، لماذا يظل السحر والأساطير وطقوسهما يتمتعان بحضور مهيمن على العقل في ثقافتنا؟
وكما تطبع الدماء مسارا أسودت ملامحه على جدار العربة التي أمامي، وتدل على وحشية بدائية، تستدعي ذاكرتي مشاهد كثيرة لم تزل تتحكم بالثقافة العربية والمصرية ففيها لم يَجتث البشر من آفاقهم الذهنية إنسان مرحلة الأساطير بعاداته وتقاليده وطوطمه ومعارفه الرمزية، هذه الكفوف المغموسة في الدماء بقايا طقس قديم كان يصنعه الإنسان الأول حين يتغلب على الحيوان الذي يريد قتله في معركة صراعه على البقاء، علامة قرابين كانت تقدم للألهة أيضا لاسترضائها، هي ذات القرابين التي تطورت لفكرة الفداء في مرحلة الأديان، وبتقدم حركة التاريخ كان الاعتقاد أن هذه الأكف المغموسة في الدماء عاكسة للطاقة المنبعثة من عين الحسود، وكأنها ترتد لنحره.
لو حللنا هذا المشهد لوجدنا أننا لم نفارق الثقافة البدائية الملتصقة بالجلد، لم نتخفف من حمولاتنا الأسطورية الوحشية والقبيحة، فثقافتنا تعيد انتاج موروثها دون أن تفككه وتخضعه للعقل؛ نحن لا نقيم اعتبارا للتراكم المعرفي الذي انتجته الحضارة بعلومها الإنسانية والطبيعية، التراكم الذي يصنع التغيير النوعي فيرتقي بمفاهيم الإنسان عن الحياة، ويعقلن أسطوريتها ويبدل العنف والقبح بالفهم والتسامح والجمال، وأحسب أن استمرار تلك الظواهر نتيجة لوهم قداسة المعارف القديمة وعمق تغلغلها في الوجدان وواحديتها، لأننا لسنا منتجين للعلوم والفلسفات والأفكار بل مستهلكين فقط ولذا لا يترسخ فينا التغيير الذي يجب أن نصنعه بأيدينا ونمر بمراحله في الثقافة الجمعية، كما أننا لم نربَ على احترام منجز الآخرين والبناء فوقه، نهوى التوجس من غيرنا المختلف والتشكيك في أهدافه.
وربما يتساءل البعض ما الخطورة في هذا الجانب الخرافي في الوعي البشري؟ هذا الجانب على أقل تقدير يحيل الحدث والطريقة التي يجب أن نواجهه بها إلى قوى غيبية متعالية، ومفارقة لقدرات الإنسان على مواجهتها، ولذا يظل البشر مكتوفي الأيدي ومجمدي العقل تجاهها، يتقبلون فقط ما تصنعه بهم وهو ما يرسخ للجبر والتواكل، فلو أنك تابعت سلوك الجموع اليومي لوجدت أن هناك كم إعاقات تعرقل سهولة مسيرة حياتهم، فهناك الكثير والكثير من الاحترازات التي يخشونها ويتصورون أن هناك قوى خفية سواء لجن أو كائنات لعالم سفلي تشاركهم الفعل والأحداث وتعرقل ما يسعون إليه.
وربما يجدر بنا أن نطرح تساؤلاً آخر: لصالح من تظل الأكثرية من الشعوب العربية في متاهة تلك الثقافة التي تحكم قواعدها الخرافة والعنف؟ فلقد ظلت الدماء تلك المفردة الحمراء هي الأكثر هيمنة على الثقافة العربية حتى هذه اللحظة التي نعيشها، وما الحروب التي تدور معاركها في منطقتنا إلا تعبيرا سطحيا عن صراعات قديمة ظلت تعلن عن نفسها في بعض المظاهر مثل ممارسات الشيعة العنيفة في إحيائهم لذكرى مقتل الحسين، في نزعات العصبيات القبلية، فنحن لا نجيد حسم معاركنا الخلافية وقضايانا العقلية ولا نمتلك مهارة الحلول التفاوضية، حتى التصفيات الدموية يجريها هواه.
الدم الذي طبع حادث تصفية خاشقجي هو ذات الدم الذي يحول بين نظام دستوري ديمقراطي في الثقافة العربية ذات الصبغة الدينية الأصولية، هي أيضا ذات الدماء التي تراق يوميا في الاختلافات المذهبية والعرقية التي نشبت حروب المنطقة بسببها.
وظيفتنا تعرية التربة التي تغطي وتطمس جذور مشكلاتنا الراهنة، وهمومنا المزمنة التي لم نحسم لها رؤية طيلة قرن كامل، فصمتنا وتجاهلنا للجذور التاريخية "الثقافية ــ الاجتماعية" والهروب من المواجهات لأنها تمس بعض المعتقدات التي تأخذ صبغة القداسة لن تمكّننا من أن ننفض عن وجودنا تلك المعوقات اللاعقلانية والمنافية لأي إحداث تطور بالحضارة الإنسانية.



#أماني_فؤاد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرواية وواقع مجوف للروائي محمد علاء الدين
- بكائية الصعود إلى السماء والتأريخ المباشر للروائية نادية رشد ...
- الجسد والتعددية في رواية مأوى الروح للروائي عبد السلام العمر ...
- سحر الموروث السردي ( نجيب محفوظ )
- تراكب المستويات الفنية في تقنيات -طيور التاجي-
- Yanni
- جمال الغيطاني عاشق الإبداع
- حوار حول بعض القضايا الثقافية المعاصرة
- إلى السيد رئيس جمهورية مصر العربية
- نصير الشمة الملحن عازف العود الأول وجائزة الرواية الألمانية
- المرأة والوعي السياسي ( 1 )
- المرأة والوعي السياسي (2 )
- الوجود المشوش وانعكاسة علي سردية -كلب بلدي مدرب- للروائي محم ...
- حوار حول الحب قيمة في حياة الإنسان
- ...في جسد واحد -قصة قصيرة-
- الذاتية وتقنية القصة القصيرة في المجموعة القصصية -كل شيء محت ...
- يوسف القعيد ..مثقف الشعب وحكائه
- ماركيز.. لتنبعث طاقتك في عوالم أخرى
- جماليات الفوضي في الرواية المعاصرة..-نبيذ أحمر- نموذجا
- سرد الومضة في رواية -وصمة الفصام- للروائي حسين عبد الجواد


المزيد.....




- فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش ...
- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أماني فؤاد - الدماء