أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - عبدالرزاق دحنون - هل يسكر الحيوان؟















المزيد.....

هل يسكر الحيوان؟


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 6137 - 2019 / 2 / 6 - 11:08
المحور: الطب , والعلوم
    


في أرشيف ملاحظات تشارلز داروين وجدتُ ملاحظة نقلها إليه أحد علماء الحيوان في أفريقيا, فقد شاهد هذا العالم بعض السكان الأصليين للشمال الشرقي من أفريقيا يصطادون قرود البابون الوحشية بواسطة ترك أوان مكشوفة تحتوي على جعة قوية مصنوعة محلياً, وحين تشربها تلك القرود البرية تسكر, فيسهل عندئذ اصطيادها. وبعد حبسها في أقفاص كانت تقوم بتصرفات مضحكة من خلال حركات الجسد والوجه. أما في صباح اليوم التالي من الأسر فكانت تستيقظ وهي في حالة مزرية من الغضب والكآبة. وعندما قدمت لها الجعة من جديد ابتعدت عنها باشمئزاز واستساغت عصير الليمون بدلاً من البيرة.
1
وهي بتصرفها هذا كانت أكثر حكمة من البشر الذين يشربون الخمر فيسكرون ويدمنون غياب الذات حتى يصل بهم شوق السكر إلى ظلمات سراديب الإدمان المقيتة. هذه الملاحظة المهمة والذكية تدفعنا لتأكيد فكرة عن عادة السكر تقول إنه اضطراب معقد ومثير للجدل. أو على حد تعبير الدكتورة هاله أحمد فؤاد: بالسكر فرت الذات من مواجهة مسؤوليتها المنوطة بها كذات إنسانية عاقلة مكلَّفة, وأسست حضورها في عمق الغياب عبر انتهاك معناها الوجودي الأصيل, لتندرج في أوهام الحشد أو القطيع. حقاً إن وعود السكر وعود باهرة, فلذَّة السكر لذَّة آمنة, و فضاءاتها مليئة بالوعود الجميلة غير المكلفة. لكن الاستغراق فيها إلى درجة الاستغناء بها عن اللذَّة الواقعية, إنما هو تعبير عن نزعة عبثية بائسة, وإن كانت لا تعي باسها وإحباطها.
2
فهل يمكن القول أن الاستعداد للإصابة بإدمان السكر يكمن في جيناتنا البشرية؟ بمعنى هل هناك استعداد وراثي عند هذا الشخص أو ذاك يساعد في عملية تزين عملية السكر لخلايانا البشرية كي تذهب بحالة السكر إلى شوطها الأخير؟ أم أن البيئة الاجتماعية الحاضنة وجغرافيا السكن عند مختلف الشعوب هي التي تدفع المرء ليألف السكر هذه الألفة الحميمة؟ وأهل روسيا خير مثال على ذلك, فهي آفة اجتماعية عندهم, لبرودة مناخهم وقسوته. وكلنا يعلم موقف أديب روسيا الأعظم ليف تولستوي من السكر, فقد كتب مسرحية شهيرة عنوانها: من صنع الخمر؟ كانت بذور فكرتها منثورة في أحدى قصصه اسمها مكيدة الشيطان.
3
هنا حكاية ظريفة رواها لنا إخوان الصفا تقول:
ذكروا أن رجلاً من أرباب النعم متديناً له ابن يجاهر بالسكر ,وكان الرجل كارهاً لذلك منه فقال له يوماً, يا بني إنته عن السكر, حتى أعطيك شطراً من مالي وعقاري, وأفرد لك داراً, وأزوجك بحسناء إحدى بنات أرباب النعم.
فقال ابنه:
-يا أبت ماذا يكون؟ فقال الأب:
-تعيش فرحاً مسروراً متلذذاً ما عشت من عمرك. فقال ابنه:
-إن كان الغرض هو هذا فهو حاصل لي. فقال له أبوه:
-كيف ذلك؟ قال الابن:
-لأني إذا سكرت وجدت نفسي من الفرح واللذة والسرور حتى أظن معه أن ملك كسرى كله لي, وأتخيل في نفسي من العظمة والجلال حتى أرى العصفور في حجم البعير. فقال له أبوه: ولكن إذا صحوت لا ترى ذلك حقيقة. قال الابن: أعود فأشرب ثانية حتى أسكر فأرى مثل ذلك.
4
انظر كيف تمارس الذات سقوطها في غياهب السكر, بل تمارس غيابها بلا توقف مندفعة اندفاعاً عبثياً نحو الهاوية المظلمة, و تعيش غفلتها متلذذة بالوهم الذي هيمن عليها, فتصبح أسيرة في قبضته, يستلبها كيفما يشاء, وإن بدا أنها تسقط بإرادتها واختيارها. تظهر نماذج واضحة من الوراثة في هذا الشأن أن الجينات قد تنقل بعض الأسس البيولوجية لقدر أكبر من السكر عند بعض الأشخاص. والجينات تملك تأثيراً قوياً في الحالة الفيزيولوجية للفرد بما تظهره من أنماط مختلفة من البروتينات يزيد عددها عن المائة ألف نمط ولكل منها دور مباشر في الأداء اليومي لوظائف كل من الجسم والدماغ أو في تنظيم فعالية الجينات الأخرى. وقد أوضحت بعض الأبحاث الارتباط القوي بين الاختلافات في الفيزيولوجية الأساسية من جهة واستعداد الفرد للتعرض لمشكلة السكر من جهة أخرى وذلك منذ أول جينة تم تعرفها كباعث لخطر الانزلاق نحو عشق السكر والهيام به.
5
إن المعيار الذي يستخدم على نطاق واسع في الطب النفسي لتشخيص السكر يتطلب أن يعاني المرء ثلاثة على الأقل من الأعراض التالية خلال الشهر الاثني عشر التي تسبق التشخيص: تحمل جرعات كبيرة من الخمور, فقدان المرء الإرادة للسيطرة على الكمية التي يتعاطاها من الخمور, بذل الجهد للتوقف أو الإقلال من تعاطيها. مرور سنين طويلة على ممارسة عادة الشرب الدائم و الاستمرار في شرب الخمور على الرغم مما تؤدي إليه من مشكلات مادية و نفسية وصحية وجنسية. إن إدمان السكر يتسم بالتعقيد من الناحية الجينية فهناك العديد من الجينات التي يغلب أن تسهم فيه ولابد من دراسة التفاعلات بين بعضها وفيما بينها وبين البيئة قبل تجميع الصورة الكاملة للعملية التي تقود إلى عشق السكر و إدمانه.
6
قبل عدة أعوام بدأ الباحثون بدراسة ما يلاحظ على نطاق واسع من ميل لدى الأشخاص من قوميات مختلفة إلى الإصابة بالتورد الناجم عن تدفق الدم عندما يحتسون المشروبات الروحية وقد أظهر الاختبار الدموي لهؤلاء الأشخاص ازدياد مستوى مادة استيل الدهيد لديهم. وهذه المادة هي أحد المركبات التي نتجت عن تفكك الكحول في الخمور وتؤدي إلى إحساس مزعج بحرارة الجلد والخفقان والضعف عند السكر. وقد اقتفى الباحثون هذا التفاعل ليصلوا إلى أحد الإنزيمات التي تسهم في استقلاب الكحول وهو نازعة هدروجين الألدهيد ثم في نهاية الأمر إلى الجينة التي تفعله. ومع أن الأنزيم يفكك الأسيل الدهيد فإن بعض الاختلافات البسيطة في تفعيل الدنا لدى هؤلاء الأشخاص تجعل الأنزيم يعمل على نحو أبطأ. وعندما يتناول هؤلاء الأشخاص الخمور يتراكم الأستيل الدهيد في أجسامهم وقد تكون الجرعات الكبيرة من هذا الأستيل الدهيد سامة وبذلك يسقط السكران من ميزان الاتزان ويغيب في عالم ضبابي كثيف. ولهذا كله نقل صاحب أحد المذاهب الأربعة في الإسلامي "أبو حنيفة النعمان" علَّة تحريم الخمر من الشرب إلى الإسكار, فأحلَّ الشرب وحرَّم السكر...فاشرب ولا تسكر حماك الله ورعاك.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيها المُعرضون عن الكلام
- الرَّقصُ في حقول البرتقال
- بالروح بالدَّم نفديك يا عدنان
- كتبٌ تعيشُ ولا تموت
- جنوسة الوعي...حواء النمط المبدئي للجنس البشري
- تعلَّم الحريَّة في سبعة أيام
- ثلاثية الخروف السوري والدولار الأمريكي
- لا تنشر بيدك غصن الشجرة الذي تجلس عليه
- الحُكّام يأكلون الحصرم
- ثلاثية الكلاب
- علي الشوك وداعاً ... هل كتبتَ روايتكَ الأخيرة؟
- الفلسفة في جذورها اللغوية
- أُفّ من الحُكّام
- أنا لا آكل أحداً
- المعرّي فيلسوفاً
- قضيَّة المرأة الساكتة
- من هي السيدة ديمقراطية؟
- شيوعيون في المساجد
- أنا أحبُّ سقراط
- حاشية من تاريخ مصر الحديث


المزيد.....




- يا لولو يا لولو في نونو .. تردد قناة وناسة كيدز Wanasah 2024 ...
- كرواتيا تستقبل أول دفعة من مقاتلات -رافال- الفرنسية بالمياه ...
- لولو صارت شرطية.. تردد قناة وناسه بيبي الجديدة 2024 على جميع ...
- الشاي السيرلانكي مقابل التكنولوجيا الايرانية
- هل تنتقل المواجهات النووية إلى الفضاء؟.. وما خطورة نظام النب ...
- شاهد: ارتفاع قياسي في مستويات المياه تزامنًا مع فيضانات تضرب ...
- ريابكوف: روسيا تعد مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي يدعو لمنع س ...
- كيف أثر التغير المناخي على شدة أمطار الإمارات وعُمان؟ دراسة ...
- الرواد الروس يخرجون بأول مهمة إلى الفضاء المفتوح لهذا العام ...
- انفجار هائل يغطّي مجرّة بأكملها.. تبعد عنا 12 مليون سنة ضوئي ...


المزيد.....

- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب
- الماركسية وأزمة البيولوجيا المُعاصرة / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - عبدالرزاق دحنون - هل يسكر الحيوان؟