أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجر موغادور: الفصل الرابع/ 4















المزيد.....

تاجر موغادور: الفصل الرابع/ 4


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6134 - 2019 / 2 / 3 - 21:30
المحور: الادب والفن
    


يومان حسب، كانا كافيين للتاجر الدمشقيّ كي يُدرك أشياء كثيرة عن خفايا المكان. ذلك كان، بالطبع، نتيجة جهود صديقه الرابي ومن أفضال علمه الغزير. في عز الظهيرة، وكان هذا الأخير قد أخلد للقيلولة تعويضاً عن سهد الليلة الماضية، الحافلة؛ في وقتٍ صحا فيه الطقسُ بشكل رائع، كان " جانكو " ما يزال في حجرة المكتب يجول بعينيه خِلَل الأغراض الغريبة، التي يُحسن صديقُهُ ولا شك استعمالَ بعضها والاستفادة من بعضها الآخر. تاجرنا الغريب، كان قد رأى من قبل هكذا أدوات، ثمة في مدينته الأولى. حيث تواجد مراراً في منازل الأوروبيين ووكلائهم من المواطنين، هنالك في حيّ النصارى، سواء في عمل أو زيارة: بوصلة، لتحديد الجهات؛ إسطرلاب، لمعرفة مكان الأجرام السماوية؛ تلسكوب، لمراقبة مسارات النجوم؛ مكثّف، للتجارب الكيماوية؛ إنبيق، لصهر السوائل؛ سندان، لتقويم اعوجاج المعادن؛ حجر الفلاسفة، لتقمّص النحاس صفة المعدن الأثمن؛ حق مبطن بالقطيفة، لإخفاء ما خف وزنه وندر وجوده؛ قوارير، لحفظ الزئبق والعنبر وماء الذهب؛ روزنامة، للأشهر الميلادية مزودة برسوم؛ آلة للتصوير الشمسي ( وكان رجل أرمني قد أدخل مثلها لدمشق )؛ تخطيطات بيانية مختلفة؛ كرة مصنوعة من خشب العرعر الصقيل، مثبتة من وسطها بوساطة حامل نحاسيّ، قد نقش عليها خريطة الأرض بزعم أنها مدوّرة كالقمر والشمس.
لعله كان يفر من صورةٍ ما، كانت تلوح بين حين وحين لمخيلته وهيَ مشوَّشةٌ شيئاً، طالما أنها مختلطة بصورة أخرى. لقد تسنى لعقله، كما سبقَ القول، حظوة معرفة أمور عديدة عن البلد المضيف؛ فهل كان كذلك أمرُ قلبه؟ هل أدركه ذلك الشعور الشفاف، الملغز، المكنّى بالعشق؟ وإلا، فما داعي هذا الوجيب في الفؤاد، كلما اخترقت الصورةُ المختلطة حُجُبَ المخيلة؟
أسئلة محيّرة، حلّقت حوله في عزلة المكتب، متمنياً لو أنّ الرابي يفيق سريعاً كي يعتقه من البحران في فلواتها. ما جعله على كرَبٍ، كان خجله من التفكير بامرأة متزوجة، بالفاتنة " رومي "، ما دامت هيَ صورتها مَن أضحت بمثابة الشوكة في ظهره. وكذا الأمر في الصورة الأخرى، المقترنة بالأولى؛ صورة نزيلة الدار بصفة الجارية، والتي لا يعرف عنها سوى كونها ربيبة المدعو " بوعزة ".
ما لبث أن شعر بالإعياء، بسبب إرهاق ذهنه بالتفكير وأيضاً لقلة ساعات النوم في اليوم البارح. وكانت ثمة أريكة، مظهّرة بالجلد الطبيعيّ، أخذت مكانها تحت الجدار الوحيد الخالي من رفوف الكتب، مخصصة لراحة المبحر في عوالم المعرفة والعلم. لم يكن يبغي الإغفاء. إلا أنه ما أن تمدد هنالك، حتى دهمه نعاسٌ لا يُغلب.
هكذا وجده صديقه، آنَ دخل حجرة المكتب وكان قد استعاد نشاطه تماماً. أراد أن يعود أدراجه، كيلا يوقظ ضيفه، لما تحرك هذا في رقدته وما عتمَ أن فتح عينيه. دقائق على الأثر، وكانا كلاهما قد آبا إلى مجلسيهما عند طاولة المكتب، يحتسيان القهوة على مهل مرفقة بقطع من البسكويت الانكليزي المحشو بالكريمة. مدبرة المنزل، كانت هيَ من تولت بنفسها جلب الصينية، المنضدة عليها أقداح الشراب المذهّبة وآنية الحلوى المفضضة. بيد أنها لم تخرج من الحجرة، إلا بعدما فاجأت الرجلين بمعلومة مزعجة بقدر ما فيها من إثارة: " السيدة الفرنسية، رومي، أخذت رهينة من لدُن المتمردين بهدف ضمان انسحابهم الآمن من المدينة. رجلها، قبطان السفينة، أجبر نائب قنصل بلاده على كتابة احتجاج لمولانا السلطان مع المطالبة بالتدخل العاجل لإطلاق سراحها ".
عَقِبَ مغادرة المرأة، عَقّبَ الرابي بالقول: " لا أدري لِمَ أشك بكونه حركةً ماكرة، اختطاف صديقتنا تلك الفرنسية؟ ". ثم أضاف موضحاً رأيه: " إنها امرأة رجل انكليزيّ؛ أي مواطن لذلك النائب القنصليّ، المسهم باتفاق خروج مسلحي قبائل حاحا من المدينة على أثر الموافقة على إطلاق سراح شقيق زعيمهم. الحق أنه ليس بالوسع إدراك أمر الاختطاف، إلا بربطه مع اعتقال ذلك الرجل بشبهة الاتصال بالجواسيس الفرنسيين أثناء وجوده في جبل طارق "
" تعني، أن الاختطاف يهدف للتعمية على تلك الشبهة ورغبة المتمردين تبرئة أنفسهم منها؟ "، تساءل الضيفُ وكان متأثراً جداً بالقضية. هز الرابي رأسه، تأكيداً على أن الآخر فهم مقصد ريبته. وقال بعد وهلة تفكير: " كذلك أظن أنهم يرومون كسبَ تعاطف الناس معهم، بما أنّ حالة العداء للمملكة الفرنسية ما فتأت راسخة مذ فترة ضرب موغادور بقنابل أسطولها قبل نحو عشرة أعوام. إلى ذلك، فإنّ الفرنسيين هم أشد الأوروبيين ضغطاً على سلطان مراكش لناحية محاولة فرض شروط مناسبة لتجارهم سواء بالاستيراد أو التصدير. ويقال، أنهم يحرضون زعماء إقليم السوس على تحدي السلطان؛ وهؤلاء الزعماء يجهرون بتأييدهم للمرابطين، المخلوعين عن الحكم. هؤلاء وأولئك، يستغلون نقمة سكان الإقليم ( المعتبَر الرافد الأكبر لتجارة موغادور )، جرّاء ثقل الضرائب والمكوس، التي يفرضها المخزن على غلالهم المسوقة عبرَ أبواب هذه المدينة بطريقها للتصدير. كونها قبائل كبيرة، فإنها على ما يبدو اشترطت على الفرنسيين مدهم بالسلاح والذخيرة كي يتمكنوا من مجابهة العسكر السلطانيّ "
" آه، فإن التيناوي إذاً يرمي إلى هدفٍ كان قد عبَّر عنه اليومَ "، قالها الضيف وما عتمَ أن ذكرَ موضوع اللفافة. ذهبَ الرابي بذهنه بعيداً، قبل أن يبادر إلى التعليق على الموضوع: " بلى، أعتقد أنّ قصده كان حصوله على طريقة تصنيع البارود، وذلك بوصفها إياها كذلك؛ أي عطارة قتل الأنفس. بهذه الحالة، يُفترض أيضاً أنه تم ترحيله من قبل سلطات جبل طارق كونها شكّت بسبب وجوده هنالك. مما يدل على حقيقة أخرى، خطيرة بالطبع، وهيَ أن قبائل حاحا قد تفكّر بالانضمام إلى مناوئي المخزن في اقليم السوس المجاور ما لو رفعوا راية العصيان "
" هل استبقت القبائل ذلك، بهجومها على موغادور؟ "
" لا، إنها حركة مألوفة تحصل بين وقتٍ وآخر. ففي العام المنصرم، على سبيل المثال، اجتاح مسلحو القبائل المدينةَ رداً على ظهيرٍ سلطانيّ بزيادة الضريبة على إدخال الجلود إلى المرسى بغية تصديرها لاحقاً للخارج. في الأثناء، وبين فينة وأخرى، يُعثر على بعض الباعة الجوالين من اليهود وهم مذبوحون. المخزن، رد على احتجاج الجمعية الإنكليزية ـ اليهودية مؤخراً، بأن هكذا جرائم هيَ بدافع سلب مال الباعة ولا علاقة لها بديانتهم "
" وأنت، يا صديقي، ما هوَ رأيك بالدافع المعقول لتلك الجرائم بحق أبناء ملتك؟ "، تساءل الضيف وقد غلبه الفضول. وكاد أن يشرح للرابي مغزى السؤال، على ضوء ما كان يجري في الشام من حوادث مشابهة وأحياناً بتحريض من الولاة أو قادة العسكر؛ لولا أن هذا باشر حالاً في الرد: " أرى أن الأمر يتجاوز تصوّرَ المخزن، مع أن إغراء السلب لا يمكن إغفاله بطبيعة الحال. إلا أن حوادث مشابهة، جرت للعديد من التجار المسلمين في خلال مرورهم بمناطق القبائل سواءً العربية أو الأمازيغية. بل إن الأمازيغ يلتزمون بحماية التاجر اليهودي أكثر من مثيله المسلم، مع أن كلاهما يدفع المال في سبيل ذلك. المفارقة، أن الأمازيغيّ يعد اليهود أبدى بالحماية؛ لأنهم أهل ذمة يكفل دينه حرمة أنفسهم ومالهم. أحياناً، يكتفي اليهودي بذبح شاةٍ، أو عجل، تحت قدميّ زعيم القبيلة الأمازيغية كي يضمن أنه تحت جناحه. مع ذلك، فالنقمة على اليهود والمستفحلة مؤخراً، لها خلفية أخرى تتعلق هذه المرة بتطور جديد: حصول العديد من أفراد جماعتنا على الامتيازات، بصفة وظائفهم ـ كوكلاء وسماسرة للدول الأجنبية، حدّ أن البعض منهم قد تم منحه الجنسية أيضاً ودونما أن يكون مقيماً في تلك الدول ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاجر موغادور: الفصل الرابع/ 3
- الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 5
- الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 4
- الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 3
- الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 2
- الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 1
- المزحة
- تورغينيف وعصره: القسم الأخير
- الصراطُ متساقطاً: بقية فصل الختام
- الصراطُ متساقطاً: تتمة فصل الختام
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 14
- عصيرُ الحصرم ( سيرة أُخرى ): 71
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 13
- الشرفة
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 12
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 11
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 10
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 9
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 8
- إحسان عبد القدوس؛ الصورة النمطية للكاتب/ 2


المزيد.....




- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجر موغادور: الفصل الرابع/ 4