|
كيف نعالج البُعد التجاري في أزمة الجنيه-دولار؟
مجدى عبد الهادى
باحث اقتصادي
(Magdy Abdel-hadi)
الحوار المتمدن-العدد: 6132 - 2019 / 2 / 1 - 17:11
المحور:
الادارة و الاقتصاد
ما تعانيه مصر من أزمة اقتصادية ضخمة هو نتاج عدد من الاختلالات الهيكلية والنوعية ، استثمارية وتجارية ومالية ونقدية .. إلخ ، وهى تمثل انعكاساً لتفاعلات السياسات والممارسات الاقتصادية مع الهياكل الاقتصادية والاجتماعية السائدة ، ورغم محورية الأخيرة في الأجل الطويل ، إلا أن الأولى تلعب الدور الأبرز في الأجل القصير ؛ ما يبرز أهميتها في سياسات المعالجة قصيرة ومتوسطة الأجل ، لكن الجزئية غير الحاسمة بطبيعة الحال ، لآثار تلك الاختلالات .
ولا شك أن في هذا القول قدرًا من التبسيط والاختزال ، فليس ثمة أسوار صينية بين الهياكل من ناحية والسياسات والممارسات ناحية أخرى ؛ فالثانية في واقعها هى نتاج للأولى بصورة من الصور ، إلا أن هذا لا يعني افتراض كونها انعكاس كامل لها ، وإلا بهذا نكون قد ألغينا أي دور للفاعلية الإنسانية !
ورغم التداخل بين كافة أشكال هذه الاختلالات ، إلا أن أغراض التبصّر فيها وبناء السياسات الملائمة لها تتطلب عزلها مرحلياً ، خصوصاً عندما يتطلب الأمر حلولاً قريبة نسبياً لا تستوعب ولا تستطيع - بحكم طبيعتها وبحكم الطبيعة العاجلة والحالّة للمشاكل المطروحة - تقديم علاج شامل للاختلالات في تشابكاتها الواقعية ، وسنحاول في هذه العجالة تناول حجم وعلاج أحد أهم وأبرز هذه الاختلالات ، وهو اختلال مصر التجاري ، أحد الروافد الأساسية والأبعاد الجوهرية في أزمة الدولار المُستعصية في مصر .
أبعاد الاختلال التجاري : ----------------
من جهة الحجم الكلي للتجارة الخارجية بالنسبة لحجم الاقتصاد المصري ، والذي يشير لحجم اندماج الاقتصاد المصري في الاقتصاد العالمي ؛ ومن ثم درجة انكشافه على الصدمات الخارجية والازمات العالمية ، نقول أنه من جهة الحجم الكلي للتجارة الخارجية يشير تقرير البنك المركزي المصري لعام 2014 / 2015م (وهو المصدر المُعتمد في باقي بيانات المقالة) إلى أن حجم التجارة الخارجية بلغ 24.9 % من الناتج المحلي الإجمالي المصري ، وهى نسبة عالية بالنسبة لاقتصاد ليس صغيراً ، وفي ضوء متوسط الدخل الفردي المنخفض ، تعتبر نسبة عالية ، ويمثل هذا أول الاختلالات التجارية على المستوى الكلي .
ومن جهة العلاقة بين الصادرات والواردات في نفس العام 2014 / 2015م ، مثلّت الصادرات السلعية 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 18.3% للواردات السلعية ؛ ما يعني أن نسبة تغطية الصادرات للورادات بالكاد تجاوزت الثلث ، ما يعني كمياً أنه مقابل كل دولار صادرات سلعية يدخل البلد تخرج تقريباً ثلاثة دولارات واردات سلعية .
أما عن اتجاهات الصادرات والواردات جغرافياً في نفس العام ، فيأتي الاتحاد الأوربي في الصدارة بنسبة 33.7% من الصادرات و 29.2% من الواردات ، ثم الدول العربية بنسبة 25.2% من الصادرات و 22.5% من الواردات ، ثم الدول الآسيوية غير العربية بنسبة 14% من الصادرات و 21.8% من الواردات ، ثم الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وروسيا بنسب متواضعة ، ويُلاحظ وجود قدر لا بأس به من التوازن النسبي في المعاملات
حتمية إعادة هيكلة التجارة الخارجية : ---------------------------
وبالنظر لاتجاهات التجارة الخارجية نجد أن أغلب تجارة مصر الخارجية ليست مع الولايات المتحدة الأمريكية ؛ ما يعني مبدئياًَ "إمكانية" إبرام بعض الاتفاقات الثنائية التفضيلية مع البلدان والمناطق الأخرى للتجارة معها بعملاتها ، وهو ما سيكون له أثر إيجابي آخر هو إجبار مصر على العمل بشكل أكثر جدية على ضبط العلاقة بين وارداتها وصادراتها في تعاملاتها مع تلك البلدان والمناطق ؛ بما يمكّنها من ضمان تغطية المعاملات (الصادرات مقابل الواردات) لبعضها بعضاً نقدياً .
وتحظى بأهمية خاصة في هذا السياق الصين أكبر شريك تجاري لمصر في آسيا ، ذلك العملاق الاقتصادي الذي يطمح حالياً لدور أكبر لعملته دولياً ، حيث يمكن التعامل معه بعملته بما يمكّن مصر من توفير الدولار النادر ، فليست الصين صاحبة أكبر احتياطي دولاري في العالم بحاجة لدعم مصر لاحتياطياتها الدولارية ، بل هى بالأحرى ترغب في دعم الوضع الدولي لعملتها بزيادة نسبتها في مبادلاتها الدولية ، كما تؤكد دعوات قياداتها في المؤتمرات الأخيرة للحزب الشيوعي الصيني .
ويرتبط بهذا التوجّه المزدوج من اتفاقات ثنائية تفضيلية وخفض للتعامل بالدولار من جهة ومن موازنة للصادرات مع الواردات جغرافياً من جهة أخرى ، توجّه آخر يعمقهما هو إعادة هيكلة التجارة الخارجية المصرية بمُجملها جغرافياً ؛ بحيث تزيد فيها نسبة التعامل التجاري مع الدول الأقرب لمصر في مستواها التنموي وفي مستويات الأسعار ، أي الدول العربية والأفريقية والآسيوية على حساب الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية ؛ بما يسهّل مهمة التعديل الإيجابي للعلاقة بين الصادرات والواردات ويوفّر نسبةً لا بأس بها من الهدر في العملة الصعبة ؛ نتيجة لانخفاض أسعار الواردات من تلك الدول ذات الأسعار الأقل نسبياً ، ولاحتمالية زدياد الصادرات لتلك الدول بحكم انخفاض مستوى المنافسة والاشتراطات الإدارية (صحية وبيئية وغيرها) بها بالقياس لمثيلتها في الدول المتقدمة في الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية .
ويعني كل ما سبق أنه لا حل إلا بإعادة هيكلة التجارة الخارجية المصرية بكافة أبعادها ، وبوجهيها الكمي والكيفي ، أي التدخل الحكومي في إدارتها وتنظيمها بصورة ما وبنسبة ما ، فضلاً عن تغييرات وتضحيات في نطاقات اقتصادية واجتماعية أخرى مرتبطة بها لسنا في معرض تناولها هنا ، وهو ما يتناقض مع اتفاقات دولية خضعنا لها وانجررنا إليها لحساب مصالح رأسمالية تابعة لا تعنيها سوى مكاسب الوكالة والسمسرة مع الخارج على حساب الوطن وفقراءه ، وهى مصالح لا تزال مُسيطرة وتعزّز مواقعها بمزيد من الارتباط بالخارج ، بما يجعلنا بدعاونا هذه في وادٍ ونظامنا الرشيد الذي استمرأ تسول رضا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وكلاء هذا الخارج الرسميين في وادٍ آخر !
وهكذا فحتى الحلول التجارية الجزئية تشترط أفقاً زمنياً وسياسات وتنظيمات ومواجهات غير مطروحة على أجندة النظام المصري !
#مجدى_عبد_الهادى (هاشتاغ)
Magdy_Abdel-hadi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المواجهة الاقتصادية لتجارة الأعضاء البشرية
-
سراب الصناعات الصغيرة والمتوسطة!
-
نظرة اجتماعية تاريخية في جدل المواريث بين الرجل والمرأة
-
الرهاناتُ الخاسرة لسياسةِ الهيكلة بالتقشّف
-
الصراع حول العولمة..تناقضات التقدم والرجعية في توسّع رأس الم
...
-
ما وراء منظومة الإفقار
-
هل انتهى القرن الأمريكي ؟
-
التنظيم النقابي في ظل الرأسمالية المُعاصرة
-
أزمة العولمة الرأسمالية وبريكس العالم الثاني
-
الاقتصاد المصري بين الناصرية والساداتية - حوار لجريدة الكرام
...
-
عجز المثقف وخيانته..مقدمة لتحليل سوسيواقتصادي
-
أميلكار كابرال مُثقفاً ثورياً - موسى ديمبل
-
إشكالية التحوّل الرأسمالي في مصر القرن التاسع عشر
-
التنمية والحرية .. في البدء كان الإنسان
-
الدورات الاقتصادية .. مسح جدلي مُوجز
-
عشرة مزاعم لألا تكون اشتراكياً !!
-
في فهم الاستبداد الستاليني
-
تجديد نماذج التنمية للقرن الحادي والعشرين - سمير أمين
-
الاقتصاد السياسي لثورة الياسمين - حكيم بن حمودة
-
الإنحطاط الحتمي للرأسمالية
المزيد.....
-
أرمينيا ترضخ لضغوط واشنطن وتتجه لحظر بطاقة الدفع الإلكتروني
...
-
-ريكسوس- تتسلم إدارة وتشغيل فندق فخم افتتحه السيسي
-
الصين بصدد شراء كمية قياسية من النفط الروسي
-
اقتصاد الولايات المتحدة على وشك الانهيار.. فهل يصمد بايدن حت
...
-
ستاندرد آند بورز تعدل نظرتها المستقبلية لمصر إلى إيجابية
-
مسؤول يكشف عن حجم الاستثمارات الإماراتية في مصر ويتحدث عن أك
...
-
عملة -البيتكوين- تهوي بأكثر من 85%
-
لهذا السبب.. دونالد ترامب مهدد بمصادرة أملاكه
-
الهند تتقدم في صناعة الرقائق.. هل تصبح منافساً عالمياً؟
-
الأسهم الأوروبية تنخفض قبل بيانات اقتصادية مهمة
المزيد.....
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
-
جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال
...
/ الهادي هبَّاني
-
الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية
/ دلير زنكنة
-
تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى
...
/ سناء عبد القادر مصطفى
-
اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك
/ الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
-
كتاب - محاسبة التكاليف دراسات
/ صباح قدوري
المزيد.....
|