أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 3















المزيد.....

الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6129 - 2019 / 1 / 29 - 17:06
المحور: الادب والفن
    


مرة واحدة، حَسْب، تسنى له زيارة منزل عشيقته " نفيسة ". ويتذكّر أن الوقت كان في بداية الصيف، حينَ تسلل ليلاً إلى المنزل، الكائن على طرف مزرعة " مسيو جاك ". رائحة الأرض، المبتلة بعدُ من أثر مطر النهار، كانت تملأ المكان علاوة على العطر الجنائزيّ لشجرة مسك الليل، تنحني بأغصانها الرقيقة على المنزل الأشبه بأكواخ صيادي السمك البؤساء. المزاج المضحك لرب البيت، المدمن على الكيف، كان يمكن تتبعه منذ معاينة مدخل الكوخ: لقد صُبغ الباب بلونين، يذكّران بالعلم الوطني، ولكن استعيض برمز الخميسة عن النجمة. الجدران الداخلية، كانت بلون البرقوق الذابل، فيما الأبواب والنوافذ كان لها اللون الأزرق الفاتح، المألوف في المدينة بشكل عام. كون السقف مدهوناً بالجير الأبيض، فأنه يلوح الأكثر اتساخاً ببقع السخام والدهن.
" الرجل المأفون، يقضي الصيف كله بالتسوّل في مدينة أخرى، مستخدماً الصبيين كطعم للمحسنين. ولما يعود أخيراً، حاملاً غلة من المال، فإنه يزعم أنها من محصول أرضه، الممنوحة له كونه من السلالة العلوية الشريفة! "، قالتها يومئذٍ عشيقته وهيَ تقلب شفتيها تعبيراً عن الاشمئزاز من ذكر الرجل. استقبلته بثوب نوم من قماش فانيلا ذي لون أحمر، بعدما اطمأنت لنوم طفلتها.
كان العشيقُ يهديها أحياناً ملابس داخلية مماثلة، مثيرة. ولكن ذلك كان يثير جنون غيرة رجلها، حيث يخضعها للتحقيق عن مصدر قطعة الملابس. كان يتشمم كل قطعة كالكلب البوليسي، قائلاً أنه بوسعه تمييز رائحة العضو الذكري، الملتصقة بها. لقد كان، وهوَ العنّين بسبب تقدم سنّه وإفراطه بتناول الكيف، يبحث كل مرة عن حجة كي يضرب امرأته.

***
مَن كانت طفلة آنذاك، ستختتم عامَ ربيعها السابع عشر مع إطلالة عقدٍ جديد من وراء سدائف هذه الليلة. كان إذاً ينتظرُ عودة السائق، وهو مصطحبٌ العشيقةَ الصغيرة. ولقد رجعَ هذا أخيراً، متأخراً نحو ساعتين، خالي الوفاض: " إنها مريضة، كما أخبرتني أمها. كانت الفتاة نائمة في الصالة، فلم يكن بالوسع التأكّد من حالتها الصحية "، قالها الشابُ الأسمر الأشبه بالعملاق بنبرة ازدراء. سأله المعلّم عن منزلهم، وهل حقاً أنه مثل الرياض. فأجاب الشاب باقتضاب: " نعم، فيما يخص الدور الأرضيّ "
" وإذاً، فأنتَ تواجدت أيضاً في الدور العلويّ؛ حيث حجرة نوم الأم! "
" ماذا تعني، مسيو؟ "، ردّ السائق وقد اتسع البياض في عينيه المائلتين نوعاً. تلقاء ابتسامة معلّمه الخبيثة، أردف الشاب وقد أدرك معنى العبارة الفائتة: " تواجدتُ هنالك، لأن الأم طلبت مني المساعدة في حمل الفتاة إلى حجرة نومها ". ثم واصل موضّحاً، مستعملاً يديه على عادة المنتمين للريف: " أما سبب تأخري، فإنني أتحمل مسئوليته من راتبي. لقد خرجت سيارة مسرعة عند ذلك المفرق، المؤدي لقصر الأميرة. فلم أستطع تفادي الاصطدام، إلا بالانحراف عن الطريق، حيث ارتطم جانب السيارة بجدار طيني هشّ. ولكن الأضرار طفيفة، وفق كلام الميكانيكي ". أشارَ له بالانصراف، بعدما أوصاه ببعض أمور تتعلق بالحفل.

***
الشاب، لم يكن سوى " سيمو ". والده، كان قد توسّط لتعيينه سائقاً لدى " الكَاوري "، قائلاً أن راتبه لدى الدولة زهيدٌ. إلا أن السائق احتفظ بعمله نهاراً، كموظف في بلدية ضاحية الحميدية، وكان يحضر إلى الإقامة الفندقية منذ الخامسة مساءً، مكتفٍ بقيلولة ساعة بعيد الغداء. سيلتقي " الشريفة " بعد نحو عامين في الضاحية ذاتها، وكانت أسرتها في ظروفٍ سيئة، ليتخذها أولاً عشيقة على أثر هجر معلّمه لها لسببٍ سيأتي معنا. هذا الشاب، الموهوب في سلب المال من النصارى بفضل خدماته المتعددة ( كقواد بالدرجة الأولى! )، صار يصرف على أسرة العشيقة بالنظر إلى إملاق حالها مثلما أشرنا آنفاً: علاوة على انقطاع الإمداد من لدُن " مسيو غوستاف "، صاحب الإقامة الفندقية، فإنّ المخدوم الأول للأم، " مسيو جاك "، أضحى أكثر شحاً عقبَ وفاة زوجته. وعلى أيّ حال، لم يكن الرجل قد استقر بعد نهائياً في مزرعته بالحميدية.

***
فاضت نفسه بالحنق لغياب الفتاة عن حفلة رأس السنة. كان يبتغي إحداث مفاجأة مفرحة لصديقه عالي المقام، " الشيخ منّاع "، الذي سبقَ أن شاهد الفتاة في حفل مماثل، فأذهلته بفتنتها وإجادتها الرقص على السواء. إلا أنه، في واقع الأمر، ارتاح في أعماقه لعدم حضورها الحفلة. لم يكن يسرّه أن يغدوَ قوّاداً لأحدٍ، كائناً من كان. فضلاً عن حقيقة أخرى، وهيَ أنّ الفتاة ليست بغياً بحال من الأحوال. أمها، لو أنها أضحت تنتقل من عشيق إلى آخر، سعياً وراء المال أو المنفعة، فإن ذلك ولاشك كان بسبب إدمانها على المخدرات. لقد استطاع انتزاع نفسه من تأثير هذه المرأة، الشبيهة بمحظيات القرون الخوالي، قبل أن تمتطيه وتودي به إلى الهلاك مثلما فعلت مع غيره، إن كان رجلاً أو امرأة: لقد هربَ بجلده، إذاً، مستبقاً مصير المسكينة " هيلين ". وأيضاً، ما تم تدبيره فيما بعد لرجل المحظية نفسها، الذي سيلقى حتفه في بئر مهجور وبطريقة شيطانية تم التخطيط لها ليظهر الأمر ببساطة وكأنه حادثٌ عرضيّ.
بين تينك الواقعتين، هجر العشيقة الأولى وجريمة قتل رجلها، أمضى " مسيو غوستاف " وقته في تقصّ محموم لأمور ابنتهما. هذه الفتاة الفاتنة، العصية على الامتلاك، التي استطاعت أن تسلبه لبه وتبلبل طمأنينته عن طريق إشعال شعورٍ كان جديداً عليه نوعاً؛ الغيرة. فإنه جرحٌ لكرامته، فوق ذلك، مجرد التفكير بأن العشيقة الصغيرة قد هجرته من تلقاء نفسها في سبيل شخص آخر؛ شخص، ربما لا يكون غنياً بالضرورة ولكنه في سنّ مناسبة لعُمرها الفتيّ، المقترب حثيثاً من أوان النضوج. ولكن، على الرغم من شعور الغيرة، لم يكن ما يحسّ به هوَ الحبّ. إنه كان صادقاً، حينَ أعترف لعشيقته في بداية علاقتهما السرية بأن الإنسانة الوحيدة، التي أحبها في حياته، كانت " آناستاسيا "؛ أخته الوحيدة غير الشقيقة، وكانت قد أنهت حياتها انتحاراً بعد حياة من العزلة شبيهة براهبة في دير.
عيون رجاله، المبثوثة من لدُنه لمراقبة تحركات " الشريفة "، كانت تقاريرهم تتساقط يومياً فوق منضدة مكتبه، مجمعةً على أن الفتاة ملتزمة المكوث في منزل أسرتها. فكرة محمومة، صارت تنهش ذهنه: " هل وقعت ضحية لمرض عقليّ، نتيجة عقدة الاغتصاب من قبل ذكرَيّ الدار ( بحسب زعمها )؛ أو ما يُدعى لدى المسلمين بفحش المحارم؟ ". بلى، لقد حلّ على الأثر شعورُ الشفقة بمحل الغيرة، ليتسلل إلى داخله ويلدغه مثلما يفعل العقرب. وإنه سائقه، " سيمو "، مَن سيتعهد لاحقاً عتقَ معلمه من حالته المَوْصوفة، بعدما أضحى هذا مثارَ استخفاف جواسيسه أولئك، المعتقدين أنه يتعقبُ أثرَ شبحٍ من الأشباح.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 2
- الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 1
- المزحة
- تورغينيف وعصره: القسم الأخير
- الصراطُ متساقطاً: بقية فصل الختام
- الصراطُ متساقطاً: تتمة فصل الختام
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 14
- عصيرُ الحصرم ( سيرة أُخرى ): 71
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 13
- الشرفة
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 12
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 11
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 10
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 9
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 8
- إحسان عبد القدوس؛ الصورة النمطية للكاتب/ 2
- إحسان عبد القدوس؛ الصورة النمطية للكاتب
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 7
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 6
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 5


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الصراطُ متساقطاً: الفصل المفقود 3