أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسيب شحادة - جروح التلميذ صادقة














المزيد.....

جروح التلميذ صادقة


حسيب شحادة

الحوار المتمدن-العدد: 6123 - 2019 / 1 / 23 - 20:56
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


جروح التلميذ صادقة
ترجمة بروفيسور حسيب شحادة
جامعة هلسنكي


في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة بالعبرية، رواها فخري بن شاكر بن خليل مفرج المفرجي الحولوني (رفائيل بن يششكر بن أبراهام مرحيب همرحيبي، ١٩٣١- ٢٠٠٢) بالعبرية على بنياميم صدقة (١٩٤٤-)، الذي أعدّها، نقّحها، ونشرها في الدورية السامرية أ. ب. - أخبار السامرة، في العددين ١٢٤٠-١٢٤١، ٥ حزيران ٢٠١٧، ص. ٨٩-٩١.

هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها: إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية والبرتغالية) بالخطّ اللاتيني.

بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، تُوزَّع مجّانًا على كلّ بيت سامري في نابلس وحولون (١٦٠ بيتًا تقريبا)، قرابة الثمانمائة سامري، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين بالدراسات السامرية، في شتّى أقطار العالم. هذه الدورية، ما زالت حيّة تُرزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة المحرّريْن الشقيقين، بنياميم (الأمين) ويفت (حسني)، نجْلي المرحوم راضي صدقة الصباحي (رتصون صدقة الصفري، ٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).

”مهابة حضرة الكاهن الأكبر توفيق بن خضر (متسليح بن فنحاس)

”قُل لي هل عرفتَ أصلًا الكاهن الأكبر، توفيق بن خضر، رحمة الله عليه؟“. أيشٍ هذا، إنّه توفي قبل أن وُلدتَ بأكثرَ من سنة. صحيح، في القصّة كنتُ غلامًا يافعًا ابن اثني عشر ربيعًا عند موته. لقد شرّفني الله، ليس في التعرّف عليه فحسب بل وبخدمته. ليس كلّ إنسان يستحقّ هذا الشرف العظيم، سواء صدّقتني أم لم تصدّقني. من لا يعرف الكاهن الأكبر توفيقا، الذي اعتدنا على تسميته بأبي واصف، لا يستطيع أن يتصوّر كُنه هالة الاحترام.؟ إنّه كان نبيًّا، نبيًّ بحقّ وحقيق، صدّقني، كان على ما يبدو نبيّا في جيله.

ماذا أقول لك؟ لا أستطيع أن أصف عظمته بالكلمات. ولكن، في جُعبتي قصّة ملائمة، تصف لك مدى عظمة أبي واصف الخارقة. إنّها قصّة لم أسمعها ولكن حصلت معي شخصيًا وأرويها لك. ماذا أقول لك؟ من الصعوبة بمكان وصف الرجل بالكلمات. طوبى لي لأنّني حظيت بخدمته، وكان هذا شرفًا كبيرًا لي وأيّ شرف. كم أشتاق إلى شخصه، وكم وددت أن يكون لنا كاهن مثل أبي واصف. ما أسرُده عليك أتذكّره كأنّه حدث لي فقط البارحة.

ضربات المِسطرة على أصابع اليد

ذات يوم، ذهبت في الصباح الباكر إلى المدرسة، وبينما كنت نازلًا في الطريق، لاحظت من بعيد شخص الكاهن الأكبر أبي واصف. تصرّفت مثلما كان يتصرّف كلّ الناس عند رؤيته، انحرفت عن مساري مهابةً، وانتقلت إلى الجانب الآخر من الشارع خوفًا من نظرته المرعبة. كان ذلك عند الساعة السابعة والنصف صباحًا تقريبًا، أو ربّما الثامنة إلا عشر دقائق، لا أذكر بالضبط.

رآني الكاهن الأكبر أبو واصف ودعاني برفع يده ”تعال هون يا ولد، أنا عاوزك“. تقدمّت نحوه وأنا أرتجف من الإنفعال، هكذا كانت حال كلّ منِ استدعاه الكاهن من الانفعال والخوف. ”تعال، لا تخف !“، هدّأني، ثم قال بصوت حازم ”خُذ هذه النقود واشتر لي رِزمة من التبغ/التمباك“. كانت لديّ عشر دقائقَ لحين قرع جرس المدرسة، قلت للكاهن بخوف عظيم ”ولكنّي مستعجل إلى المدرسة وإن تأخّرت فسيضربني الأستاذ عبد الهادي“.

”لا تهتمّ/ولا يهمّك“، قال لي الكاهن أبو واصف مضيفًا ”قل له إنّني بعثْك لشراء شيء ما من الدكّان ولذلك تأخّرت“. خطفت النقود من يد الكاهن وطرت كريح عاصفة إلى الدكّان. اشتريت التبغ، سلّمته للكاهن وركضت فورًا إلى المدرسة. تأخرّت ربّما دقيقة أو حتّى نصف دقيقة لا أكثر. استدعاني الأستاذ عبد الهادي حالًا، ”لماذا تأخّرت؟“، أخبرته بما حصل؛ ”أنت كذّاب“ صاح بي عبد الهادي ”هذا غير صحيح، أنت تكذِب“.

الحقّ يُقال، عندما طلب الكاهن ما طلب تردّدت كثيرًا ولم أعرف ما الأفضل، فكّرت وعلمت أنّه إن لم أُلبّ طلب الكاهن الأكبر توفيق، فعليّ توقّع ضرب مبرِّح من أبي، وإن لبّيت طلبه فعليّ انتظار ضرب المعلّم، وفضّلت الإمكانية الثانية. ”ضُمّ/اقبض أصابعك“، صرخ الأستاذ، وضربني عليها بالمِسطرة فنزف الدم منها. في ذلك اليوم لم أتمكّن لا من الكتابة ولا من الإمساك بأيّ شيء.

حلويات كتعويض

عند عودتي إلى البيت سألتني والدتي روزا فورًا ”ماذا جرى لك؟“، شرحت لها، استغربت قائلة: هل طرأ على بالك أصلًا عدم تلبية طلب الكاهن أبي واصف؟ في اليوم التالي، التقى بي الكاهن الأكبر بنفسه، سألني عن سبب تضميد أصابعي وأخبرته بما جرى. ”لا عليك يا فتى، سأتدبّر الأمر“ قال.

في نفس ذلك اليوم شاهدت الكاهن الأكبر يدخل المدرسة ويتهامس مع الأستاذ. ترك عبد الهادي كلّ أشغاله وخرج لإعداد الأرجيلة للكاهن الذي كان يجلس على مقعد في حديقة المدرسة. حاولت سماع محادثتهما، ولكنّي كنت بعيدًا أكثر من اللزوم. على حين غِرّة، استدعاني الأستاذ قُبيل الظهيرة. خفت كثيرًا، من يعلم كم سأُضرَب من جديد، ولكن بدل ذلك ربّت عبد الهادي على كتفي وعانقني، أعطاني حلويات، فواكه وهدية صغيرة وقال لي ”الآن، تستطيع أن تذهب إلى البيت“. في الحقيقة كنتُ مذهولًا، رحت وقصصت لأبي. ”أفهم لماذا تلقّيت كلّ هذه الهدايا“، ضحك أبي، ”الكلّ بفضل الكاهن أبي واصف، ألا تدري أنّ المعلّم عبد الهادي وحتّى المدير نفسه لا يساويان شيئًا مقارنة بأبي واصف“.



#حسيب_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حِكم، أقوال وأمثال في كلّ مجال (ن)
- من فرسان العربية في القرن التاسع عشر
- حِكم، أقوال وأمثال في كل مجال (ه)
- سامرة ابن البطريق
- شيطان أصبح عبدا
- من سمات عربية ابن البطريق
- حِكم، أقوال وأمثال في كل مجال (ن)
- قواميس عربية فنلندية
- الكاهن إسحاق بن عمران يزور مسرحًا في لندن
- ألف مثل ومثل فلسطيني
- حِكم، أقوال وأمثال في كلّ مجال (م)
- لقاء المنجّمين الثلاثة بالنبيّ محمّد
- الممطر ومحيي الطائفة
- عقاب تاجر الخمر
- الكاهن الأكبر يمنع ثأرا
- -لكلْ عين مشهد- لكبها
- هكذا يُفْعل بمن يمسّ بشرف الكاهن الأكبر
- قبل أن يكون متأخّرًا أكثر من اللزوم
- نسيب شحادة خالد في القلوب والعقول
- دنيا بشارات


المزيد.....




- الطلاب الأمريكيون.. مع فلسطين ضد إسرائيل
- لماذا اتشحت مدينة أثينا اليونانية باللون البرتقالي؟
- مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي ينتظر ال ...
- في أول ضربات من نوعها ضد القوات الروسية أوكرانيا تستخدم صوار ...
- الجامعة العربية تعقد اجتماعًا طارئًا بشأن غزة
- وفد من جامعة روسية يزور الجزائر لتعزيز التعاون بين الجامعات ...
- لحظة قنص ضابط إسرائيلي شمال غزة (فيديو)
- البيت الأبيض: نعول على أن تكفي الموارد المخصصة لمساعدة أوكرا ...
- المرصد الأورومتوسطي يطالب بتحرك دولي عاجل بعد كشفه تفاصيل -م ...
- تأكيد إدانة رئيس وزراء فرنسا الأسبق فرانسو فيون بقضية الوظائ ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسيب شحادة - جروح التلميذ صادقة