أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - حسين التميمي - متى يطرق الوزير بابي ؟















المزيد.....

متى يطرق الوزير بابي ؟


حسين التميمي

الحوار المتمدن-العدد: 1524 - 2006 / 4 / 18 - 11:44
المحور: كتابات ساخرة
    


خيل لي بعد أيام قليلة من سقوط النظام البائد بأن ثمة من سيطرق بابي ليقول لي : لقد عانيت الكثير في زمن النظام البائد وضحيت وخسرت الكثير الكثير .. لذا أنا مكلف بدعوتك للعودة الى وظيفتك مع نيل كافة مستحقاتك التي خسرتها طوال السنوات التي مرت . ولأن هذا لم يحدث ، ولأن زوجتي وأطفالي كانوا ينظرون إليّ في الرواح وفي المجيء وفي عيونهم ذلك السؤال المحرج ، مع تنامي وتقادم أيام ما بعد السقوط ، بأحداثها .. بمصاعبها ومصائبها ومآسيها .. تجرأ أصغر أولادي وسألني : بابا .. قلت أنهم سيطرقون بابنا ، لكنهم لم يفعلوا ؟ لم أستطع وقتها أن أرد عليه ، لم أستطع لأن أحلامي التي نثرتها على مائدة الطعام .. قبل السقوط وأثناءه وبعده .. تلك الأحلام كانت كبيرة جدا .. أكبر من السؤال وأكبر من الإجابة .. أكبر حتى من الصمت الذي ران عليّ في مواجهة عيني صغيري .. تلك الأحلام يبدو أنها (وعلى طريقة عراقنا للموبايل) خارج نطاق الخدمة ، أي أنها أحلام غير قادرة على التراسل والتعاطي مع مجريات ما يدعى بـ (الواقع)

إذن لم يطرق أحدهم بابي ! وتوالت الأيام وتعاقبت بين قذيفة هاون وعبوة ناسفة وسيارة مفخخة . وأنا وبدلا من التراجع أمام سخرية العيون الصغيرة المحيطة بي ، رحت أكابر وأغالي مع اشتداد البرد والولوج في عتمة الليالي القارسة وخلو البيت من النفط والكهرباء ، وبعد أن حكيت لهم قصصا كثيرة عن فضيلة بذل الجهد والمثابرة من أجل تحقيق الهدف مهما كان صعب المنال فقلت لصغاري لقد كنت مخطأ حين قلت لكم ان أحدهم سيطرق بابنا دون أن اسميه ، وها أنا أعلنها لكم بصراحة : الوزير سيطرق بابنا !! وسيرجوني بوصفي مواطن مظلوم أن أعود الى الوظيفة .. فما كان من صغيري المشاكس إلا أن ينخرط في قهقهة وكركرة حتى خشيت أن يكون على اتصال بالمعارضة .. أو انه يعمل كعضو سري فيها . لذا لم أنم تلك الليلة وبات حتم علي أن افعل أي شيء في سبيل استعادة مكانتي بين أفراد اسرتي ، وكان اول شيء فعلته في اليوم التالي هو البحث عمن يسهل علي مقابلة الوزير ، وبعد جهد جهيد وبحث وتقص وصلت إلى شخص قال أنه يعرف موظف صغير في الوزارة المعنية ، لكن الأمر بحاجة إلى ترتيب ولم افهم معنى في تلك المرة ، لكن كثرة ترددي على الشخص علمتني أن كلمة ترتيب تعني صرف المزيد ثم المزيد من النقود من اجل ترتيب موعد مع هذا الموظف ، لكن تهون النقود مادمت في النهاية وبعد مرور ستة اشهر قد حظيت بلقاء ذلك الموظف صديق صديقي ، فشرحت لـه بأنني كنت موظفا مثله وأنني فصلت من الوظيفة جورا وعدوانا لأني كنت وقتها راقد في المستشفى بعد أن مرضت مرضا شديدا ، وحين التحقت بوظيفتي أبلغوني بأنهم قد استغنوا عن خدماتي ولم تنفع الإجازة المرضية ولا العريضة التي قدمتها للسيد المدير في ثني الإدارة عن فصلي على الرغم من انهم لم ينذروني وقتها بإخطار وفقا للسياق المعمول به في زمن الطاغية . وبعد أن أصغى الموظف لحديثي قام كالملذوع من مكانه وهو يصرخ : كيف يحدث هذا ونحن في زمن الديمقراطية والحرية ، تعال غدا إلى الوزارة وسترى الوزير وتشرح لـه الأمر وسينصفك لا محالة .

وفي اليوم التالي ذهبت إلى الوزارة وهناك وجدت غرفة كبيرة كتب على بابها (راجع الاستعلامات) وحال دخولي صدمني وجود عدد هائل من الناس تصورت في البداية أنهم مراجعون مثلي لكن بعد دقائق قليلة علمت ان هؤلاء جميع هم موظفو الاستعلامات (بلا حسد) وما أن نطقت باسم الموظف – صديق صديقي – حتى رأيت الابتسامة تلوح على شفاههم ، ثم قال لي أحدهم تفضل إجلس في غرفة الانتظار ريثما نتصل به ، وحال دخولي إلى غرفة الانتظار شعرت بسعادة غامرة فثمة أكثر من طقم توزعت زوايا الغرفة وهي أطقم مغلفة بالجلد ومن النوع الذي لا نراه الى في الأفلام فضلا عن وجود طقس ساحر من البرودة اللذيذة التي لا يمكن الحصول عليها إلا بواسطة مكيفات هواء حديثة تدعى بـ (سبلت يونت) ولأنني لم أنم ليلة أمس وأنا أعد الدقائق مترقبا اللحظة الموعودة حيث سأكحل عيني بمرأى طلعة السيد الوزير ، تمنيت لو أنهم تأخروا قليلا عن مناداة (صديق صديقي) كي انعم بإغفاءة قصيرة طالما افتقدتها منذ أعوام طويلة ، لكن حلمي لم يتحقق فقد وصل (صديق صديقي) وكان في غاية الظرف والرقة فدعاني للدخول إلى مبنى الوزارة ، وهو يعتذر بشدة لأنه تأخر لمدة خمس دقائق ، وفي غرفته شعرت بلذة مشابهة للذة غرفة الانتظار ، وعلى الحائط كان هناك جهاز سحري مماثل ، وقبل ان أتورط بإغماضة جديدة طرق الباب ، ودخل علينا رجل وقور – أكثر وقارا وحسن هندام من (صديق صديقي) وعرف نفسه قائلا (أنا مدير عام إدارة الوزارة) أرجو ان تتقبل اعتذاري وأن تتفضل معي إلى غرفتي لكي ارفع عنك الحيف ، وعلى الرغم من الذهول والحيرة التي أصابتني وجدت قدماي تقودني للسير معه ، وهنا وجدت في مكتبه الفخم الكبير جهازين من نوع (سبلت يونت) فسبلت عيني وأنا أدعو لـه في سري بالنصر المبين على الروتين في عراق متين ، وقبل أن افتح فمي لأتحدث مع السيد مدير عام .. طرق الباب ومنه دخل رجل أكثر وقارا وجاذبية من مضيفي المدير ، وعرف هذا نفسه قائلا أنا وكيل السيد الوزير وقد علمت بحضورك فأرجو أن تتفضل إلى مكتبي لأنه لا يجوز أن تحل قضيتك بيد شخص آخر غيري ، ولأنني كنت مرتبك أصلا حين التقيت السيد المدير زاد ارتباكي درجتين أخريين وصرت أتعثر في مسيري حتى وصلت أخيرا إلى غرفة هي أشبه بجناح في فندق خمس نجوم و(نص) وهناك وجدت طقم رئاسي مائة بالمائة ذهبي اللون يخطف الأبصار وقد تحاشيت الجلوس عليه لكن السيد الوكيل بدا محرجا0 من وقوفي وأوشك على الانحناء على ركبتيه وهو يرجوني أن ارفع الكلفة وأن اجلس بكل حرية وهو يؤكد لي بأنه رجل شريف ونزيه وبأنه ليس أكثر من مجرد خادم (للشعب) وبما أنني فرد من أفراد هذا الشعب فهو بالتالي خادم لي . وقد أخجلني هذا التواضع الكبير من قبل شخص في مثل مركزه ، وكنت أتمنى في تلك اللحظة أن يرى بعض ضعاف النفوس ممن يتهمون المسؤولين بالرشوة والفساد الإداري أن يروا هذا المشهد بأنفسهم كي يحكموا فيما اذا كان من الممكن لرجال بهذا المستوى من الخلق الكريم أن يرتشوا ، لكن استرسالي في التمني توقف اثر سماع طرقات على الباب .. ولا أخفيكم شعرت في تلك اللحظة بذعر كبير ، فمن ذا الذي سيطرق الباب الآن !! وقد صدقت توقعاتي حين انفرج الباب عن هيئة هي غاية في الوقار والخطورة ، وقبل أن يفتح فمه ويقول : أنا الوزير . قمت من مكاني وصرخت به كفى مزاحا وسخرية ، عد بي إلى غرفة الانتظار ، فأنا وعلى الرغم من بساطتي لن ابلغ هذا المبلغ من السذاجة فأصدق بأن ما يحدث هو حقيقة واقعة . وفعلا لم يكذب الوزير الخبر فصفعني صفعة مباغتة أعادتني إلى غرفة الانتظار ، حيث انحنى ناحيتي رجل الاستعلامات ويبدو أنه كان يهزني أو يلكزني منذ وقت ليس بالقليل ، ففتحت عيني وأنا أسأله : هل أذن لي بدخول الوزارة ، فقال وهو يهز يده مستغربا : أستاذ الدوام انتهى والموظف الذي طلبته يسلم عليك ويقول لك (ماكو تعيين ) .



#حسين_التميمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا لا يزعل الشعب قليلا ؟
- ثلاثة قتلى - قصة قصيرة
- شيء من نار ..نص وقراءة
- لجان مشبوهة
- انفلونزا الفساد الاداري
- في التربية والتعليم
- يوم كأنه العراق .. يوم هو العراق
- مؤيد نعمة.. فنان الشعب .. لن نقول وداعا
- قطعة لحم ... بشرية
- لجان مشبوهة هدفها إدامة الفساد الإداري
- هل يعنيهم الدستور .. حقا !!
- أبو المعالي .. رجل قلّ نظيره
- أرض عراقية صالحة ل .. .زراعة أحلامنا
- الأحلام المزاحة
- فصام
- عراق من ؟ أو أبوة الدكتاتور القسرية وتأثيراتها في حاضرنا
- مفسدو الحلم الجديد
- أيها الجعفري ضع الخطة الأمنية جانبا
- شهداء تحت الطلب


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - حسين التميمي - متى يطرق الوزير بابي ؟