أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 9














المزيد.....

الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 9


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6107 - 2019 / 1 / 7 - 21:57
المحور: الادب والفن
    


عدتُ مساءً في سيارة " سيمو "، وكانت غايةً في الجدّة والنظافة على الرغم من ماركتها، الغريبة عليّ. طلبت منه أن ينزلني أمام مدخل الشقة، المخصصة لمنامتي وأسرتي. هذا مع علمي، بأن جميع أفراد العائلة مجتمعون في الشقة الأخرى بغية تناول العشاء. إلا أنني فضلتُ أن آوي مبكراً للفراش، بسبب صداع ألمّ بي وربما نتيجة الإفراط بتناول البيرة. ودّعني الرجلُ وطيف ابتسامة ساخرة على شفتيه الغليظتين، فقلت له: " سأمر عليك غداً عند الحادية عشرة ليلاً ". فتمتم باقتضاب وهوَ يشرع بتحريك السيارة: " واخا..! ".
على دهشتي، وجدتُ " حسنة " وراء باب الشقة حالما قمتُ بفتحه. لاحَ من هيئتها أنها كانت بانتظاري. سألتني مكفهرة الوجه: " كل هذا الوقت، وأنتَ مع أميرة؟ ". أجبتها في استياء: " مَن أخبركِ بسر لقائي معها، عليه كان أن يعلمك بأننا اجتمعنا معاً لأقل من ربع ساعة! "
" نعم، هيَ من أخبرتني بعزمها على الاجتماع معك. ثم لم تعُد إلينا في سوق السمك، مع أنك تؤكد أنكما مكثتما معاً لمدة ربع ساعة ". هممت بتخطيها ملوّحاً يدي، علامة على نفاد الصبر، ولكنها وقفت في طريقي. اعتنقت وسطي، مرددة اسمي بنبرة شاكية. طريقة كلامها وحركاتها، ذكّرتني بالعشيقة القديمة في أوان خلافاتنا، التي كانت تُنذر بالقطيعة النهائية.
سألتني على غرّة: " أين دفتر يومياتي؟ ". هذه المرة، تذكّرتُ بارتياع أنني تركت الدفتر على مقعد السيارة ثم سهوت عنه عند وصولنا للمسكن. قلت لها بلهجة مطمئنة، فيما أهز مفاتيح الشقة بيدي: " نسيته في سيارة صديقي، وهوَ يقيم على مقربة منا ". ثم أردفت قبل إغلاق باب الشقة: " اذهبي إليهم كي تتناولي العشاء، وسأوافيكم بدَوري حالما أعود "
" ألا ترغب بمرافقتي في الطريق؟ "
" أنتِ تعودين أحياناً من العمل في وقت أكثر تأخراً. على أيّ حال، بإمكانك انتظاري هنا لو شئتِ. فقط أتمنى ألا يكون الرجل قد ذهب إلى مكان آخر غير مسكنه "
" هوّن عليك، بشأن دفتر يومياتي. لأنه لا شيء قياساً لكتابك، الذي تؤلفه عن مراكش وتنوي إهدائه لجلالة الملك! "
" حسناً، ولكنني لا أرغب بوقوع يومياتك في يدٍ غريبة "، أجبتُ وأنا أكبت ضحكتي جراء جملتها الأخيرة. بلى، كنتُ أدري أنّ حديث الإهداء المعظم هوَ من تفتق خيال " إدريس "، وكان قد نشره على نطاق العائلة كلها. بينما أنزلُ الدرج المعتم، ومضت في رأسي صورة رجل المفاجآت، الذي كنتُ في الطريق إلى مسكنه: لقد سبقَ أن تخيلته على نسخةً عن ابن حميّ ذاك، صورةً ومسلكاً، دون أن يخطر ببالي قط فكرة إمكانية لقائه في الصويرة، بله سكنه بين ظهرانينا!

***
العمارة، المكونة من ثلاثة أدوار، لم يكن مضاءً فيها سوى المصباح الكهربائيّ، المعتلي باب شقتنا. ذلك أنّ بقية الشقق مقفرةٌ من ساكنيها، وكان غالبيتهم يقضون فيها فصل الصيف ( بعضهم يكتفي بشهر رمضان ) ثم يعودون للمهاجر الأوروبية. وقد أصبحت " الغزوة " ضاحية ذات شأن، بفضل هذه العمارات ذات الواجهات الجميلة، علاوة على العديد من الفيلات. فكرة أكثر جدّة، دارت في رأسي وأنا أخرج من مدخل العمارة إلى الشارع الفسيح، الممتد حتى مستهل سوق الضاحية الرئيس: " ماذا جرى لمزرعة مسيو جاك، وهل ما فتأت مملوكة من لدُن معاونه السابق، اليهوديّ؟ ".
كذلك كنتُ أفكّر، حينَ صرت في منحنى الشارع، المؤدي إلى شقة " سيمو ". حاذيتُ السور الحجري الواطئ، المحيط من ناحيتنا بالقرية القديمة، المتناثرة بيوت ساكنيها الرثة وسط كروم الصبّار والتين والزيتون والأرغانة. كنتُ معتاداً على سلوك هذا الشارع نهاراً، مصطحباً ابني الصغير كي يتسلى بمشاهدة الحيوانات السائبة، كالحمير والكلاب والقطط، المتناهبة مخلفات المقيمين المهملة حول حاويات القمامة. أحياناً، كنا نصادف بقرةً أطلقها أصحابها لتحصل بنفسها على غذائها من أعشاب العرصات والحدائق.
" ايه، يا صاحبي..! "
باغتني صوتٌ أليف من مدخل عمارة كنتُ أتجاوزها تواً. وإذا هوَ " سيمو "، وقد سطعت على شفتيه ابتسامة خبيثة. " أين كنتَ سارحاً بفكرك، حتى أنك لم تنتبه لوقوفي هنا؟ "، تابع قوله ملوحاً بالدفتر المطلوب في يده. لما أخبرته عن اتجاه فكري، فإنه عقّبَ خالعاً على ملامحه قناعاً من خطورة الشأن: " المزرعة تقع في الجانب الآخر من القرية، والأفضل أن تراها في خلال النهار. سأصف لك موقعها، لاحقاً. من السهل التعرف عليها، كونها تقع على مشارف طريق الضاحية الرئيس. إنها مهجورة مذ وفاة صاحبها، فيما الفيللا شبه متداعية بسبب إهمال ترميمها "
" كيف؟ على علمي، أن مسيو جاك منح أملاكه في الصويرة لمساعده اليهوديّ، المدعو زكرياء؟ "
" أنت تعلم أشياء كثيرة، يا صاحبي! "، أجابني مكشراً من جديد عن ابتسامته الخبيثة. واستطرد موضحاً، أنّ الوريث أيضاً قد فارق الحياة قبل بضعة أعوام. ثم عاد إلى نبرته الفكهة، متضاحكاً في رضا وسرور: " أما الآن، فدعنا من الأموات وهلم نواصل السهرة صُحبة الشاي والحشيش! ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 8
- إحسان عبد القدوس؛ الصورة النمطية للكاتب/ 2
- إحسان عبد القدوس؛ الصورة النمطية للكاتب
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 7
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 6
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 5
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 4
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 3
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 2
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 1
- شيرين وفرهاد: الفصل السابع 5
- شيرين وفرهاد: الفصل السابع 4
- شيرين وفرهاد: الفصل السابع 3
- شيرين وفرهاد: الفصل السابع 2
- من أجل نصف كرون
- شيرين وفرهاد: الفصل السابع 1
- لقيط
- شيرين وفرهاد: الفصل السادس 5
- شيرين وفرهاد: الفصل السادس 4
- شيرين وفرهاد: الفصل السادس 3


المزيد.....




- فنان إيطالي يتعرّض للطعن في إحدى كنائس كاربي
- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 9