أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - مجدى عبد الهادى - نظرة اجتماعية تاريخية في جدل المواريث بين الرجل والمرأة















المزيد.....

نظرة اجتماعية تاريخية في جدل المواريث بين الرجل والمرأة


مجدى عبد الهادى
باحث اقتصادي

(Magdy Abdel-hadi)


الحوار المتمدن-العدد: 6107 - 2019 / 1 / 7 - 09:56
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


يثور هذه الأيام جدل واسع حول قوانين المواريث، خصوصًا بعد تعديل تونس لها والمساواة بين المرأة والرجل خلافًا لأحكام الشريعة في هذا الصدد، ورغم صغر شأن القضية بمُجملها، إلا أن النقاشات الجارية والأسانيد التي تُساق ضمنها تفتقر لعناصر ومُحددات هامة، قد تعيد صياغة الموقف بمُجمله.

ولعل أشهر وأهم الأساطير انتشارًا في هذا الصدد، والتي تُساق كأساس للدفع بأحقية المرأة في المساواة في الميراث، هى أسطورة كون التقسيم الحالي للميراث سببه الأساس أن الرجل يتحمّل أعباءً مالية أكبر باعتباره العائل الأساسي للأسرة (والتي كان يدفع بها الشيوخ لتفسير التقسيم القرآني عن ضعف معرفة منهم بالأساس التاريخي)، ومادام الوضع قد تغيّر ولو جزئيًا، بمشاركة المرأة في أعباء الأسرة؛ فإنها تستحق نصيبًا مساويًا في الميراث، وهو قول فيه من المنطق بقدر ما فيه من الجهل بالتاريخ والسياق الاجتماعي، كما يتبيّن من النقاط التالية :

1. تاريخيًا، لم يكن تقسيم الميراث يخضع لمنطق العدل، بل لاعتبارات عملية تتعلّق بأولويات النظام الاجتماعي وحسابات مُكوناته؛ باعتباره مُكونًا جوهريًا ضمنها، ولم يكن ضمن هذه الحسابات بحال من الأحوال قضية الرجل والمرأة (فليس في الأمر أي مؤامرة خاصة على المرأة أو اضطهاد مُتعمّد لها على ما ترى النسوّيات المُنطلِقات من وهم "مركزية المرأة في التاريخ")، ففي انجلترا مثلاً منذ أقل من 500 سنة، كان مُجمل الميراث يذهب للإبن الاكبر، ويُستبعد منه الجميع، بما في ذلك إخوته الذكور الأصغر، الذين كانوا يتشرّدون أحيانًا، لو لم يكن هذا الأخ الأكبر على قدر من الخلق اللائق والكريم، وهو ما كان يرجع أساسًا لاعتبارات مُتعلّقة بعدم تقسيم الملكية التي كانت مُتمحّورة وقتها حول الأرض الزراعية.

2. كان العرب قبل الإسلام يوزّعون الميراث بين الذكور فقط، وتحديداً الذكور القادرين على القتال، وقليلاً ما فعلوا العكس (ونفس الممارسات تقريبًا لاتزال مُستمرة بأشكال مشابهة في صعيد مصر!)، وقد كانوا يفعلون ذلك لسببين، أولهما عملي يتعلّق بعدم خروج الملكية عن نطاق الأسرة، وثانيهما شرعي بمنطق النظام القبلي، الذي كان يعتمد كركن أساسي في بقائه وإعادة إنتاجه، بل وحتى فيما يتعلّق بمنظومة إنتاج الثروة نفسها (كموارد ومناطق نفوذ)، على الحرب دفاعًا وهجومًا، وهي المهمة التي كان يقوم بها الذكور بشكل شبه حصري؛ فكان استئثارهم بالميراث نوعًا من استيفاء مقابل ضريبة الدم التي يقدمونها وحدهم، ومنطقًا من مجتمع القبيلة الذي كان لابد أن يقدّم لهم حافزاً للمخاطرة بحيواتهم في سبيله، باعتبارهم شركاءً فيه، وما كان للإسلام أن يغيّر هذه المنظومة دفعةً واحدة، كما لم يكن ممكنًا أن يلغي العبودية بضربةٍ قاضية؛ فكان تعديله لمنظومة الميراث بالشكل الذي قدّمه امتيازًا حقيقيًا للمرأة بالقياس لوضعها السابق.

3. رغم تغيّر الأنظمة الاجتماعية، لا يزال الوضع على حاله من حيث اختصاص الذكور اجتماعيًا بمهام الحرب، التي لا تزال لها نفس الأهمية من حيث كونها أساس السيادة على الموارد، وقاعدة أساسية من قواعد تأمين النمو الاقتصادي (ولو بمجرد التهديد بالقوة لا استخدامها؛ ما يفسّر الإنفاق العسكري المُرتفع عالميًا بدون مبرر)، ومُؤكد من وجهة اقتصادية بحتة، أن لدماء الذكور التي بُذلت وتُبذل في الحروب ثمن اجتماعي، ومُموِّل بالمعنى الضريبي، فإذا قسنا على ما ذكرنا في البند (2)؛ نجد أن "ضريبة الدم" هذه هى المبرر المنطقي اجتماعيًا لبقاء التقسيمة الحالية (وليست أسطورة إنفاق الرجل على الأسرة كما يقول الخطاب النسوي)، أما إذا عُمّمت هذه الضريبة على الجنسين؛ فسيكون منطقيًا حينها المطالبة بالمساواة المطلقة بين الإخوةالذكور والإناث في الميراث.

4. هناك تصوّر شائع بأن مشاركة المرأة في إنفاق الأسرة شيء مُستجَد، وهو كذلك فقط بالنسبة لنساء الطبقة الوسطى التي لا تزال أقل طبقة تشارك نسائها في سوق العمل، فلم تضّطر نساء تلك الطبقة للنزول لسوق العمل بشكل واسع سوى مع الانفتاح الاقتصادي وتدهور أحوال الطبقة اقتصاديًا واجتماعيًا، أما في الطبقات الفقيرة، فقد كانت المرأة تشارك فعلاً بشكل شبه دائم في تكاليف حياة الأسرة، سواء بالعمل في الأرض ورعاية البهائم والدواجن (سواء للاستهلاك أو للبيع)، أو بالمُنتجات المنزلية التي يتم بيعها أو توفير الشراء من السوق من خلالها، قبل أن يتم تسّليع معظمها مؤخراً على نطاق واسع (الخبز البلدي والأجبان وما شابه).

5. هناك مبالغة في حجم الأسر التي تعولها المرأة في مصر، وبشكل أخص تلك الأسر التي تنفق فيها المرأة على زوج أو أب عاطلين؛ فمعدل مشاركة المرأة في سوق العمل مُنخفض عمومًا، لا يتجاوز ثُلث معدل مشاركة الرجال، بمعدل يبلغ حوالي 23% مقابل متوسط عالمي 50%، كما تتراوح نسبة الأسر التي ترأسها أو تعولها النساء ما بين 14 و 30% (وفقًا لإحصاءات المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2017م).

6. بتحليل وضعي –أي علمي مُحايد أخلاقيًا– لوضعية الفئة الأخيرة من الأسر، وتحديداً أكثر للفئة الشاذة من الأسرة منها، التي تنفق فيها نساء مغلوبة على أمرها على رجال انتهازيين، أي عاطلين قادرين على العمل ولا يبحثون عنه بإرادتهم، فهي حالة توازن شاذ؛ فالمبادلة هنا بغض النظر عن ظلمها، مفيدة لهاته النسوة (وبالتالي فهى للمفارقة حالة توازن بالمعنى الاقتصادي)، حتى لو كانت مفيدة على طريقة العامل الذي يضطر للعمل بأجر كفاف بدلاً من الموت جوعًا (فهذا أيضًا وضع توازن اقتصادي مُعترف به اجتماعيًا، مهما كان وصفه أخلاقيًا)، أما عن موضوع المبادلة نفسه بين الطرفين، فهو "الحماية الاجتماعية" من الطامعين وكلاب الشوارع؛ بكونها في حمى رجل ولو بشكل إسمي (مرةً أخرى وظيفة الحماية!)، وفي هذه الحالة، فهذا المقابل الذي يحصّله ذلك الرجل الانتهازي هو نوع من "ريع الحماية"، يشبه ريوع فتوات الحارات قديمًا (تذكّروا أننا في شبه دولة!)، وربما يشبه جزءاً من ريوع الإقطاعيين؛ فهو بغض النظر عن انتهازيته وانحطاطه أخلاقيًا وإنسانيًا، هو شكل من الاستغلال الاقتصادي، لكنه استغلال في إطار توازن اجتماعي - يخرجه من إطار الجريمة بمعناها القانوني - يمثّل أمر واقع في ظرف تاريخي بعينها.

7. كمبدأ عام، عندما نضع قانونًا أو نغيّر قانون، فنحن ننطلق من المنطق الاجتماعي السائد، ونتعامل مع الحالة العامة الغالبة، مهما كانت الانحرافات عنها والاستثناءات عليها، مما تضطّر القوانين للتغاضي عنها جزئيًا أو كليًا، حتى يتغيّر السياق نفسه بشكل جذّري، يتغيّر معه المنطق الاجتماعي، وعندها يتغيّر العرف ويغيّر معه القوانين كتحصيل حاصل!

وأكتفي بهذا القدر من "الرياضة الذهنية" التي أردت من خلالها مجرد تبّيان بعض النقاط الغائبة عن النقاش الجاري، دونما اهتمام حقيقي من جانبي بالاشتباك في هذا الجدل، الذي أراه هامشيًا ككثير مما يجبروننا على الجدل حوله في مصر حاليًا، على حساب القضايا الحقيقية الأجدر بالنقاش والحل، ما أظن أن وراءه تأمراً غير بريء!



#مجدى_عبد_الهادى (هاشتاغ)       Magdy_Abdel-hadi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرهاناتُ الخاسرة لسياسةِ الهيكلة بالتقشّف
- الصراع حول العولمة..تناقضات التقدم والرجعية في توسّع رأس الم ...
- ما وراء منظومة الإفقار
- هل انتهى القرن الأمريكي ؟
- التنظيم النقابي في ظل الرأسمالية المُعاصرة
- أزمة العولمة الرأسمالية وبريكس العالم الثاني
- الاقتصاد المصري بين الناصرية والساداتية - حوار لجريدة الكرام ...
- عجز المثقف وخيانته..مقدمة لتحليل سوسيواقتصادي
- أميلكار كابرال مُثقفاً ثورياً - موسى ديمبل
- إشكالية التحوّل الرأسمالي في مصر القرن التاسع عشر
- التنمية والحرية .. في البدء كان الإنسان
- الدورات الاقتصادية .. مسح جدلي مُوجز
- عشرة مزاعم لألا تكون اشتراكياً !!
- في فهم الاستبداد الستاليني
- تجديد نماذج التنمية للقرن الحادي والعشرين - سمير أمين
- الاقتصاد السياسي لثورة الياسمين - حكيم بن حمودة
- الإنحطاط الحتمي للرأسمالية
- كفاءة التخصيص الرأسمالية كقاعدة للإفقار المُطلق
- الإفقار المُطلق والنسبي في الرأسمالية المُعاصرة
- لماذا المساواة ضرورية ؟


المزيد.....




- “800 دينار جزائري فورية في محفظتك“ كيفية التسجيل في منحة الم ...
- البرلمان الأوروبي يتبنى أول قانون لمكافحة العنف ضد المرأة
- مصر: الإفراج عن 18 شخصا معظمهم من النساء بعد مشاركتهم بوقفة ...
- “سجلي بسرعة”.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت ف ...
- إيران - حظر دخول النساء الملاعب بعد احتضان مشجعة لحارس مرمى ...
- هل تؤثر صحة قلب المرأة على الإدراك في منتصف العمر؟
- اغتصاب وتحويل وجهة وسطو وغيرها.. الأمن التونسي يوقف شخصا صدر ...
- “الحكومة الجزائرية توضح”.. شروط منحة المرأة الماكثة في البيت ...
- جزر قرقنة.. النساء بين شح البحر وكلل الأرض وعنف الرجال
- لن نترك أخواتنا في السجون لوحدهن.. لن نتوقف عن التضامن النسو ...


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - مجدى عبد الهادى - نظرة اجتماعية تاريخية في جدل المواريث بين الرجل والمرأة