أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سعيد علم الدين - ولا شيءٌ على الجبينِ مكتوب!















المزيد.....

ولا شيءٌ على الجبينِ مكتوب!


سعيد علم الدين

الحوار المتمدن-العدد: 1522 - 2006 / 4 / 16 - 11:36
المحور: كتابات ساخرة
    


يستغيثُ العقلُ العربي صارخاً بانفعال : "أنقذوني يا أبناء الحلال من هذه الحال. فأنا في ورطة من أمري. ولن تنفعني الترقيعات الآنية. ولمعالجة أوضاعي لا بد من الدخولِ إلى أعماق خلاياي وإعادة تركيبي من جديد على أحدث الأسس العصرية". ومشكلة العقل العربي أكبر من مشكلة عابرة أو أزمة مسافرة، إنها ورطة حضارية فكرية أخلاقية تراثية دينية، وليست أبدا سياسية علمية اقتصادية مادية.
فنحن لا تنقصنا ولله والحمد على ما وهبنا:
- لا الحنكة والشطارة والبلاغة والفقه وكثرة السياسيين ورجال الدين المسيَّسين من المحيط إلى الخليج ، حتى المزارعون في حقولنا يتحدثون بالسياسة أكثر من الزراعة؛
- ولا العقول الفذة العلمية وعندنا عالم المعجزات الجيولوجي القرآني المشهور زغلول النجار، الذي تفوق بتنظيراته السفسطائية، التي لا تقدم للعلمِ سوى خرافات سهلة التصديق، على العالم المصري الحاصل على جائزة نوبل للكيمياء أحمد زويل؛
- ولا المتعلمين الجامعيين وهم بالملايين في الشوارع والأزقة مكدسين، ومنهم المهندسِين: كمحمد عطا وزياد الجراح الانتحاريين التائهين فكرياً بين البرجين؛
- ولا الطاقات الهائلة الاقتصادية، كطاقات المليونير ذو اللحية الكثةٍ أسامة بن لادن. هذا الذي حرق ملايينه في الهواء، وفي تجارة الإرهاب. وهكذا لم يبن بها مدرسة ناجحة، لم يثقف جاهلاً، لم يطعم جائعاً من الصومال، لم يأو من لا مأوى له، لم يرحم بريئا من الذبح، لم يساعد مسكيناً لا ذنب له، ولم يسلم من شره أحد؛
- ولا الضباط بنظارة، والجيوش الجرارة، والألوية المسلحة بغزارة، والمخابرات الضاربة على يد شعبها بمهارة، والقوات الخاصة من المغاوير المختارة؛
- ولا الخيرات المادية التي تعمي الأبصار. ولو أن العراق بلد فقير الحال، مثل بنغلادش مثلاً، لقال صدام لنفسه " الحيط الحيط يا ربي أوصل على البيت". قبل أن يضربني الإعصار. ولما حل ببلاد الرافدين هذا الدمار. بل ما ينقص العقل العربي للخروج من ورطته، هو نقلة حضارية فكرية أخلاقية، ونسمة من نسمات الحرية، تنعشه وتعيد له صفاء الرؤية، وتخرجه مما هو فيه بأقل الخسائر. وترفعنا إلى مستوى العصر الحديث، كما رفع ماوتسي تونغ الصينَ بثورته الثقافية الفكرية الحضارية من دولة مهشمة مشرذمة فقيرة مستعمرة متخلفة، شعبها يتخبط في شعوذات الدين وخرافات الأقدمين إلى دولة علمية قوية غنية موحدة وشعب عقلاني موزون التفكير سيد نفسه، رغم مآخذنا على دولة الحزب الواحد. وها هي الصين اليوم تقطف عظَمَةً وسؤدداً، ثمار ما زرعته يد ماو العظيم. وهي في الطريق إلى الديمقراطية والتعددية.
ولهذا فلا عجب أنا العربي المغرور حتى الغبطة والسرور. المتورط بشواذ أفكاري، أن أتشبث بكرسي السلطة حتى الموت البالي، وأن تغزو جيوشُ الغرباءِ أَرضي وأخسرَ قراري، وأُسَلِّمَ الآخرين أَمري وأَهجعَ مطمئناً في سجني العاري، إلى دخانِ سيجاري الْمُنبَعثِ كماردِ علاءِ الدينِ من فانوسه السحري إلى الأَعالي، وأن أخلع سروالي وأغسله بيدي وليس في الغسالة.
ولهذا فلا عجب أن أجتاحَ الكويتَ وأذل أبناء قومي أبشع إذلالِ، وأضربَ شعبي في حلبجة بالكيماوي. وأن تتقطعَ بسبب همجيتي أوصالي، ويعبثُ بوطني الأخرق أبو مصعب الزرقاوي، ومن لف لفه من مخابرات الجيران وأبناء الجواري.
ولهذا ولا عجب أنا العقل العربي المتورط بآفاتِ شروري وغرابة أطواري، أن أهددَ الإنسان الطيب رفيق الحريري بالاغتيالِ، وأن أنفذَ تهديدي باغتياله دون رحمةٍ في وضحِ النهار، ومعه العشرات من الأبرياء ومئات الجرحى في ذلك الانفجار، الذي تسبب بثغرة في قلب بيروت، أصابت كل الأحرار، لن تندمل إلا بتغيير النظام البشَّاري. وأن أمارس على أبناء قومي استكباري ، وأعلن في سري وهْم انتصاري، وأصطاد بدقة مخابراتي كالصياد الصالي، خيرة العقول الشجاعة اللبنانية ومن يقع عليه اختياري، وهكذا ذهب ضحية أفعالي، العديد من أفذاذ الرجال، ومنهم: باسل فليحان، سمير قصير، جورج حاوي وجبران تويني الغالي، حتى الجميلة مي شدياق لم تسلم من دماري، فمزقت جسدها البض بأنيابي كالوحش الضاري، وخطفت يدها وسرقت رجلها وعلى الشاطر براميرتس أن يكشفَ الآثار.
ولهذا ولا عجب أن استورد تفاح الجولان من الاحتلال، بعد تمويه اسم موشيه العبري إلى موسى العربي دعما للصمود والنضال. وأن أطلق النار دون سبب على اللبنانيين العزل من أهالي عرسال. هذه البلدة اللبنانية الواقعة على الحدود السورية تعاقبُها كل فترة هجانة البعث بقتل أحد أبنائها عقابا لها على محبتها لرفيق الحريري.
ولهذا ولا عجب أن تخترقني الصهيونية الحاقدة بألف جدار وجدار، وتجرف الجرافاتُ الثقيلة داري، ولا تكتفي أبداً بقلعِ جذورِ أشجاري، ويسقطُ سقفُ بيتي فوق رؤوسِ أطفالي. وأتدثرُ في العراءِ بردَ الأيام والليالي، وتسمعَ الدنيا كلُّها أَخباري، ولا من سائلٍ عني ولا من مبالي، سوى حدقاتٍ دامعاتٍ تنظرُ بعيونِ الفرجِ إلى العالي.
ولا يبقى لي إلا أَن أبتهلَ معها في ليلي ونهاري، لعلَ الفرَجَ يستجيبُ إلى ابتهالي. وأتكلُ عليه اتكالاً لا غبارَ عليهِ، وأنفُخُ الغبارَ عنهُ: أنظفهُ، ألَمِّعُهُ ليصبحَ يقيني الغالي. وباتكالي أكررُ ارتكابَ الأَخطاءَ ولا أبالي.
ولماذا أُبالي ؟ فأنا قد توكَّلتُ، ومن يتوكَّلْ لا يبالي.
ومن هنا، لا أَتعلَّمُ من التاريخِ درساً ! ولماذا أَتعلمُ الدروس ؟ ولماذا تتعَبُ الرؤوس ؟ ولماذا مضيعةُ الوقت ؟ ما دام كلُّ شيءٍ، من طقْ طقْ إلى السلامِ عليكم، قد كُتِبَ قبلَ أن نولَدَ في اللوحِ المحفوظ. وما دمتُ أنا العربيُّ المحظوظ، قادراً كالبهلوانِ المثالي، بالسيرِ على الْحبالِ، بين خيوط ميليس الألماني وغموض براميرتس البلجيكي، والحفاظِ على توازُني الراقي، بين لَمسِ مُرِّ الحقيقةِ وعِشقِ أَحلامِ الخيالِ.
وهكذا أَتلمَّسُ حقيقةَ واقِعي وبؤسَ أحوالي. فأشعرُ بضيق في التنفس. أزفرُ كلَّ أشعاري. أنهضُ فوق الآلام والأَحزان. أنفلتُ من قبضةِ القدر. أريد أن أَخرجَ من الشَّرنَقةِ، أُقطِّعَ خيوطَها وأصنعَ بقبَضَتي أَقداري. أريد أَن ألقنَ القدرَ درساً، وأخَلِّع أضراسَهُ ضِرساً ضِرساً.
فالقدر ! هذا النمرُ المصنوعُ من الورقِِ الأَصفَر. هو مرضُ الشرقِ الأكبر. ومن يعتقد بغير ذلك دفعَ وسيدفعُ الثمنَ ويخسر. ومن يستسلمْ لمشيئة الأَقدار، ويقول: " المكتوبُ على الجبين لا بد وأن تراه العين" فسيصبحْ سفينةً عائمةً بلا بحار. تتقاذفُها الأَمواجُ في كلِّ اتجاهٍ، الأَصابعُ مفتوحةٌ إلى العلاءِ. وليس في اليد قرار. لسببٍ بسيطٍ واضحٍ كعينِ الشمس، وهو :
لا شيءٌ على الجبينِ مكتوب، والأَقدارُ تصنعُها فقط الأممُ الحرةُ والشعوب.
والشعبُ الذي لا يصنعُ قدرَهُ بقبضةِ يديهِ ، ولا يقطِفُ بأصابعه رغم الأشواك زهرةَ الحريةِ العبقة، من شجرتها المقدسة، تماماً كما فعل البولونُ والروسُ والبلغارُ والرومان .. واليوغسلافُ والتشيكُ والفيلبينوا والألمان .. ولا ننسى هنا شابات وشباب ثورة الأرز في لبنان، وقبلَهم وبعدَهم الكثيرُ من شعوبِ هذا الزمان. التي حررت مجتمعاتِها من الأصنام .. وتحررت من مهازل المخابرات والطغيان، فسيتخبط طويلاً بين حيصٍ وبيص، ويشدُّهُ ويردُّهُ دون إرادته المغنطيس. وسينامُ نومَ أهلِِ الكهفِ العميق.
ولن يُغادرَ كهفَهُ ولن يفيق!
ولماذا يفيق ؟ إذا كان سريرُ القضاءِ والقدرِ مريح، ويريحُ من عناء التفكير !
ولماذا يفيق ؟ إذا كانَ ظلامُ الكهفِ يحميهِ من نور الشمسِ المضيء !
ولماذا يفيق ؟ إذا كان رجالُ التخلُّفِ والتبرير .. حَرَسةُ النصِّ الضرير .. يقفون بمرصادِ آلياتِ الردةِ والتكفير: للْحداثةِ والتقدمِ والإبداعِ والديمقراطية والتنوير .
كاتب لبناني. برلين. 06.4.14



#سعيد_علم_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل سنتعرف قريبا على كوبونات بشار ؟


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سعيد علم الدين - ولا شيءٌ على الجبينِ مكتوب!