أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رضي السماك - تحية كاريوكا في مهرجان الشباب العالمي الثالث















المزيد.....

تحية كاريوكا في مهرجان الشباب العالمي الثالث


رضي السماك

الحوار المتمدن-العدد: 6106 - 2019 / 1 / 6 - 14:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تفاوتت النظرة بين فريقين من المثقفين والنقّاد الفنيين العرب في الرؤية إلى " فن الرقص الشرقي " ، فبينما نظر إليه الأول باعتباره ضرباً من المجون والإباحية وإثارة الغرائز وبخاصة لدى رجال الدين ، أو في أحسن الأحوال بأنه لا يمت للفن بصلة لدى المثقفين والنقّاد من ذوي النزعة الوسطية بين الانفتاح والجمود ، نظر إليه الفريق الآخر باعتباره فناً قائماً بذاته يتفرّد الشرق به عن الغرب لما ينطوي عليه من لغة فنية راقية في تجسيد أنوثة المرأة في أدق مفاتنها القوامية بتموجاتها وحركاتها الايقاعية الشبيهة بالافعىٰ ، وإن جاز لي التعبير عن هذا الإتجاه لقلت بأن الرقص الشرقي يجسٌد عيانياً أمام مشاهديه قدرة خارقة لمحترفة هذا النوع من الرقص في إبراز فتنة جسدها الانثوي الأكثر تطوراً مما حاول أن يٌعبٌر عنه مشاهير الفنانين التشكيليين الاوربيين الكبار في لوحاتهم الفنية خلال عصر النهضة عن جمال هذه الاُنوثة بريشهم الإبداعية عن روعة جمال ذلك الجسد ، وإن كانت ممارسة الرقص الشرقي في تقديري تتفوق على هذا الفن التشكيلي بادائه الحركي الأكثر تجسيداً لفتنة اُنثى الإنسان وقوامها ومفاتنها ودون التقليل من خصوصية الأول ووظيفته المميزة في هذا الشأن . أو حسب تعبير الكاتبة اللبنانية جنى الحسن أن الحركة الإنسانية للرقص الشرقي ، كما هي لدى نادية جمال التي تتلمذت على يد " تحية كاريوكا " في القاهرة ، خلقت تكتيكاً فريداً بعد بلوغها سن الأربعين في بيروت لأنها أعتمدت في اسلوبها العديد من حركات نسائنا العربيات وأصبح رقصها نضجاً لإيقاعات جسدية فنية تمازجت مع أكثر النبرات الموسيقية المعقدة لبزق الموسيقار الكبير مطر محمد .
مناسبة هذه المُقدمة هو أني تذكرت مقالا بعد رحيل الراقصة المصريةالشهيرة تحية كاريوكا وأنا أتصفّح في أوراق إحدى مفكراتي القديمة على نُقاط رئيسية لمشروع مقال صحفي كٌنت أنوي نشره ولم يرَ النور حينها ويشكل محتواه توليفة جميلة من تداخل عالم الرقص الشرقي بعالم السياسة ، على نحو ما يتخلل في سيرة حياة الراقصة كاريوكا المُثيرة للجدل ، ففي مقال صحفي لواحد من قدماء السفراء المصريين ألا هو جمال أبو العيون ، نُشر في مجلة "الدبلوماسي " المصرية / سبتمبر 2004 ، يروي بدايات عمله في السلك الدبلوماسي كمبتدئ شاب في البعثة الدبلوماسية لبلاده في بوخارست عاصمة رومانيا الاشتراكية في أوائل الخمسينيات ، وكيف كلفه رئيس البعثة بمهمة وصفها بالصعبة لكنه برع في ادائها وكانت سبباً في ارتقائه السريع سلّم السلك الدبلوماسي ، ولم تكن المهمة سوى أشبه بالعمل التجسسي لصالح مخابرات بلاده بالاندساس بين صفوف المشاركين من شباب بلاده في مهرجان الشباب العالمي الثالث المُقام في العاصمة الرومانية في اغسطس / آب 1953.
ومختصر القصة - كما يرويها أبو العيون - أن رئيس البعثة استدعاه مستشيطاً غضباً إثر تسلمه برقية توبيخ وصلته من القاهرة مفادها ان الراقصة تحية كاريوكا تم انتخابها زعيمةً للوفود الشبابية المصرية المشاركة في المهرجان والتي سافرت على سفينة إلى بوخارست وصاح في وجهه : " ما شأن تحية كاريوكا بمهرجان شيوعي ؟ وما هي صفتها ؟ هل حضرت لتتكلم في السياسة أم لتهز وسطها ؟ أكيد دسيسة " .. فطلب منه أن يندس بين الوفود الشبابية المصرية المشاركة ويستجلي أصل الحكاية بالضبط ؛ وقد اتضح له بعد أن أنخرط في تنفيذ المهمة متقناً دوره كواحد من الشباب العاديين المشاركين في المهرجان بأن انعزالهم عن المفوضية الرسمية لبلادهم سببه تخوفهم الشديد من أن تكون أسماؤهم موضوعة على القائمة السوداء . وليس صعباً على المُلم بالتاريخ السياسي لثورة يوليو في هذا التوقيت بأن القائمة السوداء جلها من الشيوعيين واليساريين المصريين حيث كان التيار اليساري في أوج قوته حينئذ ، وحيث شرع مجلس قيادة الثورة في تهميش وعزل مجموعة من اساتذة الجامعة المحسوبين على اليسار أو المشتبه فيهم بهذا الانتماء ، وتزامن وقت المهرجان مع الذكرى الأولى لإعدام العاملين محمد مصطفى ومحمد حسن البقري على خلفية أحداث إضراب عمال مصنع الغزل والنسيج بكفر الدوار ، وقد قرر مجلس قيادة الثورة إعدامهما بعد اقل من شهر من نجاح الثورة عام 1952 .
ولا أحد يعرف بطبيعة الحال كيف اندست حينذاك الراقصة تحية كاريوكا بين الوفود المغادرة على السفينة ، إلا أنها كانت تتمتع بشعبية في أوساط الناس المُغرمين بفنها وشخصيتها ، ويبدو بأنها كانت على علاقة ببعض الاوساط أوالعناصر اليسارية وسمعت بالمهرجان وراقت لها فكرة المشاركة فيه وتمت مساعدتها على تحقيق رغبتها . وكما يحدث عادةً بين التنظيمات اليسارية من تباين في وجهات النظر حينمايتجاذب المحسوبين عليها الحديث حول موضوع هو موضع خلاف فيما بينها يبدو أن النقاش احتدم فوق ظهر السفينة المتجهة إلى رومانيا حول قضية ما ، فما كان من جانبها إلا أن قامت بدور رجل الاطفاء الملطف لأجواء الحوار المشتعل حيث تمكنت من كسب تجاوب قلوب الجميع تحت شعار " تحيا مصر " والذي هتف به الجميع معها ، وهتف البعض الآخر من باب اضفاء المزيد من الود والطرافة وتقديراً لكاريوكا : " لازعيم إلا تحية " . لكن كما يُستشف من رواية الدبلوماسي أبو العيون أن أحد المخبرين المندسين بين الوفود الشبابية للمهرجان لم يرق له هذا الهتاف الثاني ، فحمّله من جانبه فوق ما يحتمل من معنى ، وأرسل خبراً بذلك الى الجهة الاستخباراتية المعنية التي يتبعها بالقاهرة ما أثار غيظ حكومة الثورة التي صبت جام غضبها على رئيس البعثة في بوخارست لعدم إطلاعه الخارجية المصرية بمجريات الامور حول مشاركة الوفود الشبابية في هذا العرس الشبابي العالمي الذي تشارك فيه وفود تمثل عدد كبير من الدول الاشتراكية وبلدان العالم الثالث ومنظمات الشباب في حركات التحرر الوطني فيها . وعلى أي حال انتهى المهرجان بنجاح مُذهل ليس بشهادة الدبلوماسي أبو العيون في تقريره المرفوع إلى رئيس البعثة بنتائج المهمة التي كُلف بها فحسب ، بل وبشهادة الفنانة تحية كاريوكا نفسها التي وصفته ، حسب الدبلوماسي أبو العيون نفسه ، بأنه " بالغ الروعة " .
ولعل كاريوكا هي أكثر الراقصات التي استأثرت باهتمام كبار المثقفين والمفكرين العرب ، ناهيك عن كُبار النقّاد السينمائيين ، ومنهم إدوارد سعيد الذي عبّر عن إعجابه بها قائلاً : " لم تكن تحية كاريوكا راقصة جميلة فحسب ، وإنما كانت فنانة لعبت دوراً مهماً في تشكيل الثقافة المصرية " ، لكن تظل على الأرجح المستشرقة البريطانية وندي بونافنتورا هي اكثر من جذبهم بشدة ادائها في الرقص الشرقي وألفّت كتاباً عنها بعنوان " أفعى النيل " صدر مترجماً عن دار الساقي حيث وصفت فيه جسد كاريوكا بأنه " قصيدة شعر " ، كما وصفت الرقص الشرقي في ادائه غير المبتذل كما تجسده هذه الراقصة في تموجاته الجسدية تعبيراً عن خلاصة الانثوية والترفع والرقة والقوة إلى جانب حركة الأوراك المتحدية تشكل انجذاباً للراقصة التي ترسم مفاتنها بقلة من الحركات هي مزيج بين الحشمة والإثارة المهدئة عبر سرعة الموسيقى والتغيير في الإيقاع " . وعلى عكس معظم الراقصات اللواتي اعتزلن الرقص التمثيل برعت تحية كاريوكا بشخصيتها القوية الطاغية وقد تخطت الستينيات من عمرها في ادوار اخرى تناسب عمرها من بينها دور "القوادة " والنادلة وغيرها من الأدوار الاخرى المناسبة لقدراتها التمثيلية وهي في هذه السن .
وإذا كان الرقص كما عبٌر عنه عنه سعدي الشيرازي يفتح أمام الروح بوابة لتأثيرات المقدس أو كما عبّر خوان كارلوس كوبس أشبه برقصة التانغو إمرأة ورجل يبحثان أحدهما عن الآخر .. أنها البحث عن معانقة ، وطريقة للتلاقي فقد كانت تحية كاريوكا من أفضّل الراقصات الشرقيات اللواتي جسدن بجسدهن الراقص بامتياز عن تلك المعاني . ولعل واحدة من الدلالات المستخلصة سياسياً من الرواية التي رواها الدبلوماسي المصري العريق جمال أبوالعيون أن الهاجس الذي ظل يلازم قائد ثورة يوليو الرئيس جمال عبد الناصر ويؤرقه منذ انتصارها عام 1952 هو الخوف من " خطر " منافسة أو تسلل الشيوعيين إلى النظام الجديد الذي كان يُخطط لتصميمه وبنائه وفق رؤيته الخاصة أو تحد تلك المنافسة من الزعامة التي أخذ يعمل على تنميتها وتحيّن الفرص المناسبة لبروزها مصرياً وعربياً ، وهذا الهاجس بلغ ذروته كما نعلم في أواسط عقد الخمسينيات بعد تمكنه من إزاحة اللواء محمد نجيب أول رئيس الجمهورية الوليدة ، ثم تأميم قناة السويس ، فالعدوان الثلاثي الذي مُني بالفشل الذريع ، وصولاً لإقامة الوحدة مع سوريا في أواخر العقد حيث زج بآلاف الشيوعيين المتحفظين على التسرع بإتمامها في السجون والتي سقط منهم عدد من الشهداء تحت التعذيب فيها ؛ أما واحدة من أبرز الدلالات الفنية المستخلصة فتتمثل بما عبّرت عنه وندي بونا فنتورا بما أضحى يمثله الرقص الشرقي من جاذبية لدى للشابات الاوروبيات ؛ فحسب تعبيرها فإن الأوراك المتلوية المتعرجة كما التنويم المغطيسي ، والتموجات المتلوية المتعرجة تصعقهن بوصفها خلاصة الأنوثة : الترفع والسلطة معاً ، فبالنسبة للكثير من النساء الغربيات المفتونات بهذا الفن أو والمتبنيات بممارسته تشكل حركة الأوراك المتحدية فيه جاذباً كبيراً فيه بعد انحسار الرقص الشرقي خلال العقود الثلاثة الماضية وحيث أضحى هذا الرقص عنصراً جاذباً كبيراً على حد تعبير وندي بونافنتورا التي تأثرت كثيراً به كما جسدته أيضاً تحية كاريوكا التي لقبتها ب " أفعى النيل " .



#رضي_السماك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لئلا ننسى أول كاتب ذُوبت جثته في تاريخنا المعاصر
- لال نهرو وما يشبه التنبؤ بالاستعمار الداخلي
- الدور الانتهازي لتركيا في قضية خاشفجي
- ماذا لو كانت حرب اكتوبر بقياة عبد النااصر
- كيف يُقيّم اليسار التجربة الناصرية
- هل رحل حقاً محمود درويش عن عالمنا
- اليسار بين النقد والجلد الذاتي .. - حشع - نموذجاً
- الارهاب الرسمي بين افريقيا والعالم العربي
- درويش وكنفاني .. وإشكالية الإبداع في ظل الإلتزام الحزبي
- دور اليسار العراقي في بناء الوحدة الوطنية
- وداعاً للكاتب والمناضل المصري صلاح عيسى
- الديمقراطية هي السبيل الوحيد لاشتراكية المستقبل
- مئوية ثورة اكتوبر الاشتراكية .. آفاق نهوض الشيوعيين العرب من ...
- مئوية ثورة اكتوبر .. كيف تحققت نبؤة ستالين في الشرق الأوسط - ...
- مئوية ثورة اكتوبر .. الشيوعيون العرب وقرار تقسيم فلسطين - 4 ...
- مئوية ثورة اكتوبر .. مراجعات الشيوعيين العرب للتجربة السوفيي ...
- مئوية ثورة اكتوبر .. إلهامها في العدل الإجتماعي عالمياً ( 2 ...
- مئوية ثورة اكتوبر .. تأثيرها الحاسم في تاريخ القرن العشرين ( ...
- البحرينيون والعرب بين الضحك والاكتئاب
- مئة عام وعد بلفور .. نصف قرن على التقسيم


المزيد.....




- فيديو يُظهر ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت ...
- شاهد كيف علق وزير خارجية أمريكا على الهجوم الإسرائيلي داخل إ ...
- شرطة باريس: رجل يحمل قنبلة يدوية أو سترة ناسفة يدخل القنصلية ...
- وزراء خارجية G7 يزعمون بعدم تورط أوكرانيا في هجوم كروكوس الإ ...
- بركان إندونيسيا يتسبب بحمم ملتهبة وصواعق برد وإجلاء السكان
- تاركًا خلفه القصور الملكية .. الأمير هاري أصبح الآن رسميًا م ...
- دراسة حديثة: لون العينين يكشف خفايا من شخصية الإنسان!
- مجموعة السبع تعارض-عملية عسكرية واسعة النطاق- في رفح
- روسيا.. ابتكار طلاء مقاوم للكائنات البحرية على جسم السفينة
- الولايات المتحدة.. استنساخ حيوانين مهددين بالانقراض باستخدام ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رضي السماك - تحية كاريوكا في مهرجان الشباب العالمي الثالث