أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - جريمة في ستراسبورغ -3-














المزيد.....

جريمة في ستراسبورغ -3-


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 6106 - 2019 / 1 / 6 - 02:16
المحور: الادب والفن
    


بعد زواجنا الرسمي عدنا للعمل في ستراسبورغ، هي في شركة تصنيع السيارات وأنا في الشركة القانونية، نلتقي في المساء، نشرب كأس نبيذ، نحضّر عشاء خفيفاً، نتحدث قليلاً عن يوم العمل، نسمع سوية نشرة الأخبار الرئيسية ثم نتوجه إلى دورة المياه، ننظف أسناننا ونذهب للنوم، أقبلها على فمها وهي بدورها على فمي، نتمنى لبعضنا البعض ليلة هانئة وأحلام سعيدة ونغرق في النوم، في صباح اليوم التالي نستيقظ مبكرين جداً في الخامسة، الوصول إلى مقر عملي يتطلّب مني حوالي ساعة سفر ومن أزيتا ما يزيد على الساعة، أما في عطلة نهاية الأسبوع وتحديداً من مساء يوم الجمعة حتى مساء يوم الأحد، كنا غالباً ما نعيش علاقة زوجية متوازنة نوعاً ما، أقصد بذلك أننا كنا نعيش حالات الحب مرتين أو أكثر، وما أن يأتي موعد الإباضة حتى نبدأ بشد الأحزمة واستثمار كل فرصة لممارسة الجنس بطريقة آلية غالباً، هكذا كنا نعيش هذه الحالة الروبوتية في كل شهر دون أن تزهر شجرة رحمها، ليس هناك ما يجعلك أكثر كآبة من ذلك الشعور الذي يُخيَّل لك فيه أنّ الله يعاندك بكل ما تسعى إليه!

مع هذا كنا من باب تشجيع أنفسنا وتجاهل السبب الحقيقي لتأخر الحمل لا نتوانى عن الإفصاح عن رغباتنا بإنجاب خمسة أطفال، ورحنا مع الأيام نعطيهم أسماء وصفات، ونرسم مخططات للشقة التي سأشتريها للعائلة ونوزّع الغرف على أطفالنا القادمين لا محالة، لا أعتقد أننا كنا سعداء مع بعض، ومع هذا كنت مقتنعاً بعلاقتي بها بانتظار تكويرة بطنها، كنت متفائلاً أن شيئاً ما سيحدث معنا قريباً، أبربر: لا بد أن يحدث شيء ما، ينبغي ألا نقلق، علينا بالإيمان والدعاء والانتظار، علينا بتركيز طاقاتنا في أوقات سخونة جسدها.

لم تكن حياتنا المشتركة تمشي بهذا الشكل الآلي وكفى، بل كانت حبلى بالقلاقل، كنا نتناقر لأتفه الأسباب، حتى في لحظات الصفاء كنت أسمعها تقول: المال وحده لا يجعل الإنسان سعيداً في حياته. وكانت إذا ما لمحت شاباً يداعب صديقته في مقهى أو حديقة أو أماً تلاعب أطفالها كانت تقول بحقد واضح وكأنها تقصد إهانتي: الله يرسل الحمص لمن لا أضراس له. كانت هذه الأقاويل التي يتلفظ بها فوهها الكريه تحرقني، فأقول سراً: يا بنت الشرموطة سأقتلك يوماً. أو أصرخ بها: للحيوانات مكان واحد هو الحظيرة، إلا الأليفة منها وأنت لست أليفة يا أزيتا، هل تعلمين ذلك؟

كان قد مضت سنة كاملة على زواجنا حين وجدتُ لنا شقة جميلة ورحبة في مركز مدينة كارلسروه كما إرتأت أزيتا، كانت البناية ما زالت في طور البناء، مكوّنة من خمسة طوابق، وفي كل طابق شقتان بمساحة مئة وستين متراً مربعاً للشقة الواحدة، كانت معظم الشقق قد بُيعت على المخطط باستثناء شقتين، الأولى في الطابق الأرضي والثانية في الطابق الثالث والتي وقع عليها خيارنا رغم ارتفاع سعرها بالمقارنة مع الشقة الأرضية، كانت الشقة في الحقيقة رائعة، أربع غرف نوم وصالون كبير مع بالكونين ودورتي مياه ومطبخ بإطلالة مدهشة، بعد عدة أسابيع حصلتُ على قرض عقاري من البنك واشتريت الشقة، كانت غالية الثمن، يومها لم أفكر حتى بسؤال أزيتا إن كانت ترغب بمشاركتي تسديد أقساط الشقة وهي بدورها لم تُحرك ساكناً بهذه الاتجاه، وهكذا تعهدت للبنك بتسديد أقساط القرض لوحدي على مدار خمسة وعشرين عاماً.

مع مضي السنة الثانية على زواجنا لم تحبل مني أزيتا وصارت وتيرة مناقراتنا الشنيعة في تصاعد مستمر، كانت شقتنا قد صارت جاهزة للسكن، لم ترض أزيتا أن تبحث عن عمل مناسب لها في إحدى الشركات الكثيرة الموزعة في مدينة كارلسروه ومحيطها كما وعدتني سابقاً، بل فضّلت البقاء على رأس عملها في ستراسبورغ والعيش في الشقة المُستأجرة من قبلي في أطراف المدينة والتي كنت أتحمل كافة مصاريفها، في الوقت الذي تصرف أزيتا راتبها على لباسها ورحلاتها وبناء مشروع صغير لها في مدينة طهران أو هذا ما أوهمتني به.

في ذاك الوقت كانت قد وصلتني موافقة الوزارة على تأسيس معهد الجرائم الاقتصادية في جامعة فرانكفوت وتم تعييني أستاذاً للإشراف على المعهد وتطويره، وهكذا غادرت ستراسبورغ والتحقت بعملي الجديد، ولأن ضغوط العمل وكثافة التحضيرات لإيقاف المعهد على ساقيه كانت تفوق الحدود الطبيعية لمقدرات الإنسان فقد فضلت إستئجار شقة صغيرة لي في مدينة فرانكفورت بالقرب من الجامعة كي أوفر على نفسي الوقت في السفر بين المدينتين والذي تجاوز الساعتين والنصف يومياً في الذهاب والإياب.

وهكذا تحولت علاقتي الزوجية مع أزيتا إلى علاقة ويك-إيند، كما هو الحال عند الملايين من سكان فرنسا وألمانيا، صرنا نلتقي مساء الجمعة أو صباح السبت في شقتي، التي فرشتها بشكل آخاذ لكنه يوحي بأنه أثاث لشقة رجل فوضوي غير ملتزم أسروياً، ثم نغادرها معاً مساء الأحد أو صباح الإثنين إلى مقرات أعمالنا.

***
يتبع في الجزء الرابع



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جريمة في ستراسبورغ -2-
- جريمة في ستراسبورغ -1-
- والعالم يتغير من حولي
- والفوضى نصفها الآخر
- بئر حسن
- بستان الريحان
- دواليب
- خمرة معتّقة في قوارير جديدة
- رحلة إبداع بالعلم والأدب
- أوس أسعد يكتب عن: من الرّفش إلى العرشِ
- أوس أسعد يكتب عن: اعتقال الفصول الأربعة
- سأشتري شقتها قريباً
- مركز البحوث العلمية -9- المقطع الأخير
- مركز البحوث العلمية -8-
- مركز البحوث العلمية -7-
- مركز البحوث العلمية -6-
- مركز البحوث العلمية -5-
- مركز البحوث العلمية -4-
- مركز البحوث العلمية -3-
- مركز البحوث العلمية -2-


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - جريمة في ستراسبورغ -3-