فاطمة علي الراوي
الحوار المتمدن-العدد: 6104 - 2019 / 1 / 4 - 23:31
المحور:
الادب والفن
يبدو اننا فعلاً نعيش في عصر التفاهة..
الذي وصفه ادوارد غاليانو بقوله حفل الزفاف أهم من الحب، ومراسم الدفن أهم من الميت، والملابس أهم من الجسد، والمعبد أهم من الله. ولو كنت معه لاخبرته: وشخصية الكاتب اهم من كتاباته خصوصاً اذا كانت الشخصية انثى وربما اضيف ايضاً ان الورقة النقدية اهم من الكتاب الموجه اليه النقد سواء كان سلباً او ايجاباً!
فالبعض ممن يحمل لقب "ناقد" تحولوا اليوم الى مشاريع تجارية لدور النشر للترويج عن بضاعتها السيئة التي تأبى ان تفارق رفوف المكتبة او تحقق مبيعات مرضية ويمكن ملاحظة ذلك من خلال ان "الناقد" (أ) لا يقدم ورقته النقدية الا فيما يخص نتاجات الدار (س) مثلاً او انه يختار اردئ الكتب، والكاتب/ة المسكين يظن ان ما يقال عنه حقيقة فيصاب بداء العظمة دون مبرر..
.
.
وفي هذا السياق أصبحت الكتب التي ترشح منها التفاهة هي من تأخذ الحيز الأكبر لانها من صناعة منصات الفيسبوك والتفاعل الأكثر ودور النشر التي لا تحركها أي ضوابط أو معايير أخلاقية وأدبية وفكرية، مثل كتيب "سكرة الصمت" الذي صدر مؤخراً لزهراء جواد.. عن دار الهجان، البصرة.
.
.
فحتى العنوان هو عبارة عن نسخة مكررة الاف المرات حاول ان تعمل سيرج في الفيس بوك او أي موقع اخر ستخرج لك العشرات بل المئات من البيجات والصفحات التي تحمل الاسم ذاته.
وعلى الرغم من غياب عنصر الدهشة في النصوص والتهافت الذي وقعت به الكاتبة ففي صفحة 19 تقول: وانت تحاور انساناً لهدايته... تتعرى من مطّبات الحياء الزائف.. لتكشف كم ثوب الإنسانية جميل!! لا اعرف حقاً موقع مفردة "مطبات" في هذه الجملة ثم هل ان الإنسانية ثوب ام مبادئ وقيم راسخة في النفس الإنسانية! مفردة ثوب قناع الخ... يستعيرها الكاتب في حال أراد بيان الخداع او التدليس مثل قولنا الشياطين ترتدي ثوب الملائكة أو ما شابه! وكررت الكاتبة حد الغثيان مفردة الرب الاله الالهة اكثر من الصفحات (7, 11, 16, 28, 29, 30, 31, 39, 62, 66, 71, 72, 75, 89) وكأن لها ازمة وجودية معه فتارة تصفه مشغول بجمع الفراشات وتارة يغط بنوم عميق وأخرى عاطل عن العمل! في محاولة لكسر افق القارئ واستفزازه حتى يكون لها حضوراً بعد ان ولجت الى منطقة المقدس المحظور رافعة شعار (خالف تعرف).
.
.
ايضاً نلاحظ تكرار الصور بين صفحة وأخرى فتحت عنوان مشوهون كتبت أيها الصيادون لا تحدثونا عن الحب وكل يوم تزرعون نائحة... ص20 وفي صفحة 23 نحن الذين حاولنا اصلاح دروب المحبة لم يقدر ان نحب بعضنا بعضاً!! فعلى الرغم من ان الفكرة مكررة الاف المرات وباهته فانها كررتها بين صفحة وأخرى والمعنى واحد!! ونجد ايضاً النرجسية المفرطة في ص9 قولها (إنك لا تصلحُ لأنثى تشبهني.. لا تملك أنامل تليق بقيثاري الملائكي).. ايضاً نلاحظ غياب الدهشة و اقصد بالدهشة التي تصيب القارئ المتمرس لا القارئ العادي الذي يقرأ في السنة كتاب فمثلاً تقول في ص17 الصلاة فضيلة، الخطيئة فضيلة قالها بعد ممارسة طقوسه مع راهبته الشقراء!! ثم ماذا من منا اليوم لا يعرف هذه الحقيقة التي جسدت على مستوى الأفلام والروايات والقصص القصيرة والكتب الفكرية... او صورة ضم الحبيب بلا يديين التي تكررت في قصائد الشعراء حد الافراط.
.
.
هذا من ناحية اما من ناحية التوارد او التناص او السرقات سموها ما شئتم فمصطلح التوارد اصبح اليوم شماعة يعلق عليها مراهقي الكتابة أسباب سرقاتهم..
فنجد هذا النص للكاتبة اسراء بسطامي ((آه.. الهي، هل انا فزاعة بستان، حتى نسيتني دون فستان فرح..) فالكاتبة هنا التقطت هذه الصورة ونسبتها اليها كل ظنها
ان العبارة كلمات متقاطعة حذف واضافة فتقول زهراء تحت عنوان عانس ( أوه أيها الرب.. كيف صدقت أنني مجرد تمثال.. حتى لا تصنع لي فستاناً عند الخياط)! فهنا حولت مفردة الفزاعة الى تمثال!!
وتقول ايضاً (وطن.. هل تكفي ثلاثة حروف لاحتواء هذا الكم الهائل من المشردين).!! فهذه العبارة لصاحب كتاب موشور مبلل بالحرب وقد وردت بهذا الشكل (وطن ثلاثة حروف تطل على بقعة مصادرة....)
وتقول (زهراء) المكان الوحيد الذي يرفع الوطن فيه أبناءه إلى الأعلى مقصلة الإعدام... ويقول الروائي مراد الضفري في روايته الوطن ليس هنا ( هذا الوطن لا يعلق الاوسمة الا على صدور سارقيه ولا يرفع أبناءه إلا على حبال المشانق)!!!
والمدهش حقاً ان النصوص متشابهة بل ان بعضها اخذ نصاً مع إضافة بعض "التوابل" من تغيير بعض المصطلحات وشقلبتها لتشويه النص الأصلي.. بأضافة بعض الطلاء الذي يسقط في اول زخة مطر.. لتكشف السرقات التي تزكم الانوف! يقول الكاتب جاك سميث: أُفَضِّل أن يُقبض علي وأنا أسطو على مصرف بدلاً من سرقة العبارات والجُمَل من كاتب آخر.
.
.
ولم تسلم نصوص الكاتب الوجودي عبد الرزاق من السرقة فتقول (زهراء): خلقنا عرايا فمن الذي البسناهذه التقاليد. ويقول عبد الرزاق الجبران ( خلقنا عرايا وعلمنا الأنبياء الخجل! خلقنا عرايا فمن الذي البسنا كل هذه التقاليد. تحت عنوان (بائعة الهوى تقول) : تلك الراهبة، تفتح أبواب المبغى، فتبيع القبلات المشتعلة، لتوقد النار، تحت القدور الباردة) ص38 نجد مصلحات مثل (سكر، حانة، عري، عاهرة، مبغى، كأس، خمر، صليب، خصر، غانية) تكررت كثيراً في كتابات عبد الرزاق الجبران الكاتب الذي يبدو انها متأثرة به واخذت منه كل هذه الصور دون خجل.. فمثلاً نجد هذا النص (المجدلية عادت نظيفة، احبيها، مهما اشترت بخصرها الرغيف. خلف الليل روحُها للرب تجوع، فيغتال حلمها النزيف. أماه.. الغبار لا يأخذ من الطريق اسمه. هم سموها غانية اورشليم، فسميها انتِ حافية الرصيف). ونجد هذا النص عند زهرء يحمل ذات الفكرة والمفردات المستخدمة (يباع الخصر، قد في زمن القحط ليشترى سلاح يقاتل به جيش الجوع)! (خصر، رغيف، جوع، موضوع) قامت زهراء هنا بالتقاط الفكرة واخذ بعض المفردات لتبدو وكأن الفكرة جديدة! ويقول الجبران (حبيبتي انتِ رسولي.. صلّي عند الغانيات. لا تحملي الحانة للمعبد، احملي المعبد للحانات. أريهم الشاطئ في كأسي.. سيقول لهم، الان عاش من مات....) (قلبي الصغير دون مهدٍ، من الصليب سينحتون سهامه.. قلبك الكبير دون لحدٍ، يصل الجنة دون قيامة).يقول الدكتور عبد الجبار الرفاعي: أن النص الجديد للكاتب هو مخلوق جديد، لا يشبه منابع إلهامه، ولا يحاكي مطالعات الكاتب، أو يستنسخها ويتطابق معها. ويقول غيل غودين: اكتب بأسلوبك الخاص هذا اقصى درجات حضورك في النص، يجب ان يكون خالياً حتى من تجاربك الشخصية. فكيف بنا ونحن نسطو على أسلوب وتجارب الاخرين؟!
.
.
نصوص كثيرة جداً مستها نار السرقة بل لعلي لا ابالغ ان قلت ان حتى عناوين الروايات العالمية لم تسلم من يد زهراء فمن منا لا يعرف ان (رسائل من تحت الأرض) هي رواية عالمية لدوستوفيسكي لكننا نجدها في كتيب زهراء في صفحة 83 دون إحالة او وضعها بين علامة تنصيص!! وسرقات كثيرة لا اذكرها خوفاً من ان يطول المقال وبالتالي تنطبق عليه الحكمة القائلة اطل تترهل..
.
.
فالكاتبة بارعة في هذا الجانب فهي تارة تأخذ مقدمة العبارة لتغيرها وتارة تأخذ خاتمتها تحسب ان الكتابة إعادة تدوير وحذف نصوص وتلاعب بالمصطلحات والأفكار!
.
.
ولنسأل انفسنا هذا السؤال هل غيرت تلك الكتيبات معتقدات وأفكار سابقة لدينا وهل رفعت من قيمة أفكار جديدة ام هي محظ تكرار وتغليف لنصوص قديمة اكل الدهر عليها وشرب وبالتالي لم يعد بأمكان الناس التمييز بين العمل الرديء والعمل الجيد وبذلك اختفى الكثير من سماء ثقافتنا بسبب تسلط الصبيان ومراهقاتهم الكتابية التي نتجت عن النسخ والتكرار لا التجربة والابداع!!
#فاطمة_علي_الراوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟