أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حاتم جعفر - حكمة الطير















المزيد.....

حكمة الطير


حاتم جعفر

الحوار المتمدن-العدد: 6092 - 2018 / 12 / 23 - 00:14
المحور: الادب والفن
    



(حدوته صغيرة قد تجد لها صدى)

بعد أن شعر حميد الخياط بأنه قد استقرَّ وتجاوز الى حد ما حالة الإنفعال والتوتر اللتان انتابته قبل قليل، ها هو يعود من جديد الى حديثه، موجهاً كلامه لإبن شقيقته بشكل مباشر وعينا لعين: لا زلتَ يا ولدي طري العود والتحمل، ولا تعرف بعد ما معنى لغة الطعنات، لكني سأكتفي بأن أقص عليك ما جرى لي مع أحدهم ذات يوم، والذي يكبرني بسنتين وليس أكثر من العمر السياسي، ولك أن تخرج فيما تراه صحيحا من رأي.
بدأ إبن الأخت مصغياً ومُنشَدّاً بكل جوارحه الى ما سيقوله الخال، فراحَ الأخير يسرد: في إحدى المرات طلب مني هذا الشخص الذي جئت على ذكره قبل قليل، وبعد أن أحسَّ بأن هناك بعض من الشك والقلق أخذا يساورانني بسبب تلك السياسات الخاطئة، والتي بات الغموض بل إنعدام الرؤيا يكتنفها، أن آتيه بكتاب العهد الذي يجمعني وأياه وآخرين مثلنا بمصير مشترك واحد، ليكون فيصَلاً ومرجعا وحَكماً فيما بيننا، نعود اليه إذا ما اختلفنا في الرأي وإذا ما تجاوزنا حدود المسموح والمعقول، فأشار لي الشخص المعني أن أفتح الكتاب وأتلو على مسامعه بعض من نصوصه ذات الصلة، لا أتذكر الآن وعلى نحو دقيق، إن كانت تلك الفقرات التي قرأتها تقع في الباب التاسع أو العاشر من الكتاب، هذا ليس مهماً، ولكن الشيئ المهم والذي ظلَّ عالقاً في ذهني حتى اللحظة رغم مرور بضعة عقود على ذلك الحدث، هو ما سقطت عليه أعيننا، والذي يتحدث عن شروط الانتماء لتلك المنظمة التي جمعتنا، فأذا بي أكتشف ويكتشف معي صاحبي أن لا ظلم علي ولا هم يحزنون، فشريعة الحب، حسب البنود الآنفة الذكر، تقتضي بأن نمسك بالشمس وبالقمر، وأن نمضي بهما سوية، صوب الصدق وصوب الحقيقة. هكذا ورد في النص تماماً، إنَّه كلامٌ جميل أليس كذلك؟ ولكن!.
أخذ (الخال) نفساً عميقاً وواصل ما كان قد شرعَ به: بعد أن قرأت لصاحبي، تراجع وأدار وجهه بل ولاّه بعيدا، فبدا كمن أدرك خطأه، أو أنَّه بات في لحظة أوشك على مواجهة الحقيقة التي لا يريدها، فقد تسبب له حرجا. الخلاصة يا ولدي هي الآتية: من أوهمَ نفسه وبقي طويلاً في إنتظار الخلاص الذي سيأتيه من عالم الغيب والسماوات البعيدة، أصبح في وادٍ ونحن الحالمون والعاشقون الحقيقيون في وادٍ آخر.
حتى اللحظة قلت لا بأس عليّ بالتواصل وبالصبر، فسوء الفهم ربما غلبَ الفهم. وبقينا على هذا الحال بين أخذ ورد حتى ساعة متأخرة من الليل، الى أن بلغنا نقطة أصبح فيها الوصول الى منطقة وسطى أمرا ممكنا، أو هكذا خُيّلَ لي، لذا قلت في سري إذن سنلتقي عندها أو ربما سنعيد الإتفاق على عهد جديد آخر، أو المضي في إجراء بعض التعديلات التي سنتفق ونجتمع عليها لتكون شريعة لنا، لكن أمرا كهذا لم يحصل بل قُلْ دخلنا في باب الإختلاف المحكم.
(يواصل الخال)، عند هذه النقطة وكي لا اُطيل عليك، إتجه كل منا الى ما ارتضاه طريقاً، لذا ألفتني مواصلاً السير بذات الإتجاه الذي كنت قد إخترته منذ زمان بعيد وحين إختلفنا أول مرة. أمّا عن صاحبي الذي ظننته سيستمر ويتواصل معي على ذات الخطى، فقد ظلَّ يراوح مكانه وأعتقد، انه لا زال على هذا الحال حتى يومنا هذا. لا تسألني لماذا؟ وهل أعياه التعب أو ضعف في التفكير، أو بلغ مرحلة ما من الإنحراف، وهذا ما لا أتمناه له؟ أم اختار التروي حتى فقد البوصلة؟ لست أدري. في كل الحالات ها انت تراني اُغنّي لوحدي وربما هناك من يريد أن يغني معي ليصل صوتنا الى ما هو أبعد، ولا تظن بي سوءاً فخالك لا زال قوي العود والشكيمة.
لم أفهم ما قلت يا خال، هل فسّرتَ أو أوضحتَ لي أكثر ما تريد قوله وبما يتناسب وعمري....!
-ألم أقل لك ان الامر ليس سهلا؟
-سأصغي اليك ثانية....
-حسن! هل ترى ذاك الطير؟
-نعم أراه وأرى معه مجموعة اخرى مثله.
-جيد.. كنتُ كذاك الطير أحلق بعيداً..بعيدا
-ولكن كيف لك أن تطير وانك لا تملك جناحات (لم يقل جناحين)؟
-كنا نحلم، نحلم كثيرا.
-ولكن الحلم ليس حقيقة يا خال، هذا ما تقوله لي أمي كل صباح، وخاصة عندما يصاحب صحوي حالة من الإضطراب والتعرّق، وفي الحالتين إن كنت حزيناً أو فرحاً.
-ألم تقل لك أمك عليك أن تحلم؟
-كلا لم تقل لي، ولكن بماذا أحلم؟
-باﻷيام القادمات، بتلك التي ستحمل معها كل أسباب السعادة، لك ولأصدقائك ولمن تحب أيضاً.
-كيف ذلك، ألم تَقلْ لي عليك يا خال أن تكون واقعيا؟
هنا تراجع (الخال) قليلا الى الوراء بسبب من المفاجئة والإعتراض اللذين تحدث بهما أبن شقيقته، خاصة عندما ذكر كلمة واقعي، فعمره لا زال فتيا ولسانه لا زال طريا على قولٍ كهذا. عند هذه اللحظة انتبه إبن الاخت الى (الخال) ليبادره القول: لا تذهب بعيدا، لقد سمعتها منك كثيرا ولنعد الى حديث الطير. ( أدرك الخال خطأه حين لم يستخدم لغة أكثر بساطة، تعينُ سامعها على التلقي بطريقة أكثر جدوى وفائدة).
-آه...صحيح عليك أن تكون واقعيا، ولكن عليك أن لا تنسى الحلم.
-كيف، لم أفهم ما تعنيه؟
-سأحدثك بلغة الكبار قليلا. كثيرا من الافكار الصحيحة تبدأ بالحلم، وأحيانا حين تشعر بالراحة تقول في سرِّك كأنك كنت في حلم جميل.
-هل حققت بعض احلامك يا خال؟
-أوشكت على ذلك، فعندما ابتدأنا بالطيران كنا مجموعة من الحالمين، وكلما ازداد عددنا، كلما حلّقنا مسافات أبعد وأعلى ولتُفتح السماوات على عوالم أبهى.
-كيف يحصل ذلك؟
-هناك تفسيرٌ منطقي أو لنقل علمي بتعبير أبسط لهذه الظاهرة، يقول،:عند التحليق تحرصُ الطيور ان تكون ملاصقة لبعضها البعض.
-لماذا؟
-هذا يساعد الطير على التقليل من الجهد الذي يبذله، لذلك كلما ازداد عدد الطيور في السرب الواحد، كلما حلّقتْ مسافات أبعد وأعلى وباتت أكثر تحملاً على التواصل.
-ولماذا توقفتَ إذن يا خال عن الطيران؟
-هنا مربط الفرس وسأجيبك بشكل مباشر، لأن أسراب الطيور وأعدادها بدأت بالتناقص والتخلي عن هدفها شيئاً فشيئا، حتى تلاشت وبقينا قلة قليلة، لا يمكنها الطيران لوحدها، أو قُل إن طرنا فسوف لن نستطيع التحليق بعيدا.
-يعني هذا يا خال انكم بدأتم تشعرون بالتعب لأنَّ أعدادكم باتت قليلة!
-أحسنت يا ولدي، الآن بدأتَ تعرف أهمية التحليق أسراباً وهذا هو الدرس الأول.
-والثاني؟
-الثاني وهو ألاهم، أن لا تأخذ بالدرس الذي سمعته تواً فحسب، بل الأهم أن تعمل به. هل إتفقنا..؟
-إتفقنا طبعاً.


حاتم جعفر
السويد - مالمو



#حاتم_جعفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عود على بدأ
- حميد محسن: سلاما على روحك الطاهرة
- رسالة من على بوابة السجن
- هاشم القريشي وليلة الحلم اﻷخيرة
- مقهى الشبيبة… هل تذكرون؟
- مسعود، أصغر أخوته
- وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (قرآن كريم)
- جليل حيدر .... ترنيمة بغدادية
- سفرة إفتراضية لزمان ومكان قضيا قصراً
- على هامش المقابلة الدكتور رائد فهمي والقناة العراقية
- آذر نفيسي ...... ما لها وما عليها
- ناظم متي وأشياء اخرى
- حيرَة عزيز الحسك ومحنته
- سنوات الحشر العشرة
- طائر حطّ على سبأ ( الانتماء والرحيل )
- هدأة الروح
- نحن ويالطا والروس
- ساسة العراق والكيل بعشرة
- المالكي ميكافيليا
- هنا العراق ... هنا الكرامة


المزيد.....




- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حاتم جعفر - حكمة الطير