أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياحة والرحلات - منير المجيد - كوبيه، هم الذين يطلقون سراح الشمس















المزيد.....

كوبيه، هم الذين يطلقون سراح الشمس


منير المجيد
(Monir Almajid)


الحوار المتمدن-العدد: 6090 - 2018 / 12 / 21 - 14:10
المحور: السياحة والرحلات
    


كل شيء يطير من حولي، الناس بأحجامهم الصغيرة الرشيقة السريعة، الحافلات، القطارات، شارات المرور وصافراتها لتزويد العميان بالمعلومات. كوكتيل مخيف لسائح مثلي تقدم قليلاً في العمر. لكن لا، هنا أشعر بالهدوء وسط كل هذه الأصوات. ربما لأنها منتظمة. ربما لأن الناس يحرصون على جعلك تمرّ دون أن ترتطم بأكتافهم.
هنا، في قلب هذه الفوضى المنتـظمة، أعرف ماذا أريد، ماذا آكل ومتى أنام.
أغلقت نفسي في قوقعة لم أعرف نوعها، وبقية ركاب مقصورة القطار صاروا مؤدين أدواراً في فيلم صامت. اختفت أصواتهم، وتماهت خطوط أجسامهم في كواليس حيطان القطار ومشهد االبيوت التي ومضت بسرعة خلف كل شئ.

لسبب ما استعدت أحداثاً جرت قبل خمس سنوات.
يوم ٢٤ يونيو الساعة الثامنة والنصف مساءً وعلى الملعب الدولي في روستينبرغ، جنوب أفريقيا، إبّان وطيس كأس العالم لكرة القدم. كنّا، إبني وأنا، نجرع بيرة بلجيكية ونتحضّر لمشاهدة مباراة الدانمارك واليابان في شقتي الكوبنهاغنية.
الحضور لم يكن كبيراً جداً (حوالي ٢٨ ألف)، والمعلّقان كانا متأكدين من فوز الدانمارك، نظراً لباعها الأطول في مجال الكرة، وعلى إعتبار أن اليابانيين مولعون بالبيسبول ولا يعيرون كرة القدم الكثير.
لاحظنا كثرة الأعلام الدانماركية التي كان يُلّوح بها المشجّعون، وهم يرتدون قبعات مُضحكة لها أيدي تُصّفق.
في الدقيقة السابعة عشر سجل كيسُكي هوندا الهدف الأول، وبعده بأقل من ربع ساعة سجل ياسوهِتو إندو الهدف الثاني.
إنتهى الشوط الأول، واختُصرت نشرة الأخبار لنعود إلى المُعلّقين اللذين لم تفارقهما آمال إنتصار فريقهما. وجمهرة المشجعين كانت ماتزال تصرخ، بينما دارت الكاميرا على وجوه بعض الحسناوات اليابانيات اللواتي رسمن العلم الياباني على جباههن.
قبل نهاية المباراة بعشر دقائق سجل يونديل توماسون هدفاً في شباك اليابان، فانفجر المعلّقان والجمهور في صراخ، إلا أن شينجي اوكازاكي بدد الإحلام نهائياً بتسجيله الهدف الثالث فصمت الإستاد الرياضي الواسع.
بدأ اللاعبون بمغادرة المكان، وكذلك الجمهور ما عدا البعض منهم. ظلوا هناك جالسين بصمت. مرّت دقيقة أو أكثر بقليل، فنهض هؤلاء، وذهبت عدسة الكاميرات تقترب منهم، واستمر الإرسال المباشر الذي عادة ما يُقطع فور إنتهاء المباريات.
وبينما إبني وأنا نتبادل النظر متسائلين ومستغربين، كان ما تبقى من الجمهور، وكلهم، دون إستثناء، من اليابانيين، قد بدأ بجمع القمامة، التي، كما جرت العادة، كانت في كل مكان. كانوا يرتدون قفازات بيضاء ويحملون أكياساً يضعون فيها بقايا أطعمة وعلب مشروبات فارغة وأوراق وقمامات اخرى خلّفها وراءه مشجعو القبعات المُصفّقة.
المعلّقان تحدّثا عن مشهد فريد لم يريا مثله في أي مكان.
المشجعون اليابانيون خطفوا مشهد إنتصار فريقهم، وصاروا أبطال الأمسية.

وهاأنذا، في عربة قطار، مع بعض اليابانيين بعد خمس سنوات من ذاك المشهد الذي تناقلته وكالات الأنباء العالمية، نقترب من محطة «كوبيه».
في المحطة اشتريت علبة «بينتو» فيها بعض المشهيات وتصلح لوجبة غداء متأخر سريع. أودعت حقيبتي في خزائن المحطة المُوئمّنة، وذهبت بحثاً عن الصرح الذي شُيّد تخليداً لضحايا زلزال كوبيه المُدمّر.
في الساعة الخامسة وسبع وأربعين دقيقة من صباح ١٧ يناير القارس عام ١٩٩٥ ضرب زلزال «هانشين» الكبير مدينة كوبيه (١,٥ مليون نسمة) بقوة ٦,٩ على مقياس ريشتر، تاركاً وراءه ٦,٤٣٤ قتيلاً و ٤٣,٧٩٢ جريحاً وعشرات الآلاف من الأبنية التي سُوّيت بالأرض.
هذه المدينة شهدت أيضاً أسوأ حادث قطار سنة في عام ٢٠٠٠، مما أدى إلى مقتل ١٠٧ وجرح ٥٦٢.
لم أتهْ كثيراً، لأنني وجدت الطريق إلى المتحف التذكاري بقليل من الصعوبة. المؤسف أنني لن أشهد الإحتفالية السنوية حيث تقوم السلطات بإشعال قناديل الأرقام ١.١٧ (تاريخ الحادث) في شهر ديسمبر في حديقة «يوإيرچي» على مقربة من المتحف (أُفتتح العام ٢٠٠٢)، وهناك تابعت فيلماً وثائقياً على شاشة كبيرة عن ما بعد الزلزال (كتب هاروكي موراكامي مجموعته «بعد الزلزال» حول الأحداث)، وكمّاً كبيراً من الصور الفوتوغرافية، وعدداً مماثلاً من المعلومات.
خارج المتحف كانت الشمس في طريقها إلى جغرافيات اخرى في العالم، وسفن الميناء القريب تبحر جيئة وذهاباً بتثاقل إمرأة حامل في شهرها الأخير.
على مسافة دقائق قليلة من السير وجدت نفسي وسط «تشاينا تاون»، وكما في معظم مدن العالم، كان هناك ألوان صينية حمراء وصفراء ومذهّبة، وثمة بضع تنانين أيضاً.

كان الوقت متأخراً بعض الشيء لتناول العشاء، ولم أكن، في الواقع، جائعاً تماماً، لكنني كنت أتوق لشيئين، بعض الساكيه المحليّة، والأهم من ذلك تذوق قطعة من لحوم «كوبيه» الشهيرة عالمياً.
لحوم كوبيه هي من سلالة البقر الياباني (واغيو)، ولكل منطقة علاماتها الفارقة واسمها. الأشهر في أنحاء العالم هو ذاك النوع الذي ينتمي إلى سلالة «تاجيما» في محافظة «هيوغو» وعاصمتها كوبيه. خلافاً لما يُقال فإن المزارعين لا يُقدّمون البيرة لأبقارهم ولا يُدلّكونهم بالساكيه. وبالرغم أن اسم كوبيه هو المسجّل كعلامة فارقة، فإن اليابانيون يُفضّلون اللحوم من سلالات اخرى مثل «ماتسُزاكا» و «يونيزاوا». سعر اللحوم يتراوح حسب كثرة تشعّب خطوط الدهن الأبيض في الشريحة مُشكّلة هيئة رخامية (النوع الجيد منه يتجاوز سعره الألف دولار للكيلوغرام)، مما يجعلها، في المنظور الصحي، غير صحيّة. لكن، كم مرّة سيُتاح لي تناول وجبة قد تُؤثّر على ميزانيتي؟
في أماكن اخرى في العالم أسالت سلالة البقر هذه لعاب المزارعين، في أمريكا، استراليا وحتى في الدانمارك، لكنني مقتنع تماماً أن تناول شريحة منه يجب أن تكون في اليابان، وبالتحديد مدينة كوبيه، تماماً مثل الذين يختارون مكّة للحجّ.
اخترت مطعم تيبانياكي لأنه يُفرح أكثر. فالشيف يُحضّر قطعة اللحم المشوية على سطح صفيح ساخن وعلى مقربة من نظر وانف الزبون بحركات بهلوانية ممتعة. والرائحة لا يمكن وصفها كما لا يمكن وصف الحب.
اخترت قطعة صغيرة، لأنني لم أكن أموت جوعاً، ولأنها لن تدمّر ميزانيتي.
مزيج الروائح ونكهة الساكي المعُطّرة جعلتني أقع في حب الحياة أكثر.

في غمرة سعادتي المُترفة، شعرت أنه حان الوقت للذهاب إلى المحطة وإنتظار باص منتصف الليل إلى مدينة «ماتسوياما»، عابراً جزيرة «شيكوكو».
(يتبع)



#منير_المجيد (هاشتاغ)       Monir_Almajid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوساكا (٢)، هم الذين يطلقون سراح الشمس
- أوساكا (١)، هم الذين يطلقون سراح الشمس
- نارا (٢)، هم الذين يطلقون سراح الشمس
- نارا (٣)، هم الذين يطلقون سراح الشمس
- نارا (١)، هم الذين يطلقون سراح الشمس
- الميلاد في الدانمارك ليس جورج مايكل فحسب
- كيوتو (٣)، هم الذين يطلقون سراح الشمس
- كيوتو (١)، هم الذين يطلقون سراح الشمس
- كيوتو (٢)، هم الذين يطلقون سراح الشمس
- طوكيو، هم الذين يطلقون سراح الشمس
- الشينكانسن، هم الذين يطلقون سراح الشمس
- قامشلو
- لا، هذا ليس رثاء يا أمي


المزيد.....




- الصحة في غزة ترفع عدد القتلى بالقطاع منذ 7 أكتوبر.. إليكم كم ...
- آخر تحديث بالصور.. وضع دبي وإمارات مجاورة بعد الفيضانات
- قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار في غزة ...
- بوريل من اجتماع مجموعة السبع: نحن على حافة حرب إقليمية في ال ...
- الجيش السوداني يرد على أنباء عن احتجاز مصر سفينة متجهة إلى ا ...
- زاخاروفا تتهم الدول الغربية بممارسة الابتزاز النووي
- برلين ترفض مشاركة السفارة الروسية في إحياء ذكرى تحرير سجناء ...
- الخارجية الروسية تعلق على -السيادة الفرنسية- بعد نقل باريس ح ...
- فيديو لمصرفي مصري ينقذ عائلة إماراتية من الغرق والبنك يكرمه ...
- راجمات Uragan الروسية المعدّلة تظهر خلال العملية العسكرية ال ...


المزيد.....

- قلعة الكهف / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياحة والرحلات - منير المجيد - كوبيه، هم الذين يطلقون سراح الشمس