أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرزاق دحنون - أفسحوا الطريق














المزيد.....

أفسحوا الطريق


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 6089 - 2018 / 12 / 20 - 22:01
المحور: الادب والفن
    


في إحدى سنوات عمره الأخيرة نشرت الصحف الصباحية خبر مغادرة ليف تولستوي مدينة موسكو في الساعة الثانية عشرة ظهراً بعد زيارة استغرقت عدة أيام متوجهاً بالقطار إلى بيته في قرية ياسنايا - بولانا في قضاء مدينة تولا الروسية العريقة. اجتمع آلاف الناس من أهل موسكو في ساحة محطة قطارات كورسك لوداعه، وعندما أطلَّ ليف تولستوي قامت الجماهير، وكأنها جسد واحد، بخلع القبعات عن رؤوسهم تقديراً واحتراماً لهذه القامة العالية الوافدة المنهمرة.
تماوجت الجماهير كالبحر الهائج وامتلأ الجو بالهتافات، كان الحشد من مختلف فئات الشعب، وقد تزاحم الجميع في محاولة الوصول إلى مكان وقوفه والاقتراب أكثر من قامته الباسقة. وفي هذا الحشد الهائل دوّى صوت شاب آمراً: إلى الصفوف.
انفتح الدرب أمامه بقوة ساحر، وامتد ممرٌّ ضيقٌ طويلٌ من كلا الطرفين بالناس الذين تشابكت أيديهم. وعندما ارتقى درجات عربة القطار، صمتت الأصوات كافة، وقف متأملاً الجموع ثمَّ بكلمات لطيفة معبرة شكر مودعيه, وتحرك القطار بهدوء والهتافات العالية ترافقه. ما الذي فعله هذا الشيخ الطاعن في السن بهذه الحشود التي تموج ويلطم بعضها بعضاً؟ وأية صلة تلك التي امتدت بينه وبين الخلق؟
المعروف عنه أنه أديب كبير خاض الكثير من أغراض الأدب، كتب روايات خالدة ومسرحيات وقصصاً وحكايات شعبية جليلة القدر ، وألف كتب التعليم الموجهة للأطفال، ونشر عشرات المقالات والأبحاث في الصحف الروسية والأجنبية دفاعاً عن الفلاحين مبرزاً فساد النظام الإقطاعي. ولقب نفسه في سنوات الثورة الروسية الأولى (1905 - 1907) بمحامي مئة مليون من الفلاحين. وفي ضيعته الموروثة ناضل للتخفيف من معاناة الفلاحين وأنشأ مدارس لأولادهم، ونظَّم حملات إغاثة للجياع في بعض المجاعات التي عصفت بروسيا في أعوام (1890 - 1891)، وتدخل مراراً لمساعدة ضحايا القمع القيصري مستفيداً من مكانته كوريث أرستقراطي وأديب كبير. وعمل بنفسه في زراعة أراضيه. وحين تجاوز الستين من عمره امتنع عن أكل اللحم ليصبح نباتياً صرفاً, لأنه لا يريد أن يأكل أحداً. وعاش حتى بلغ الثانية والثمانين. وتوقف قلبه عن العمل في الساعة السادسة وخمس دقائق من صباح السابع من تشرين الأول سنة 1910 وشاع خبر وفاته في أنحاء العالم.
في أواسط شهر كانون الثاني عام 1911 كتبت شقيقته ماريا نيكولايفنا عن لقائها الأخير بأخيها إلى مترجم أعماله إلى اللغة الفرنسية شارل سلامون تقول: كان شقيقي يريد في زيارتي الأخيرة أن يركن، أن يعيش في وضع روحي هادئ فقط، كم فرح المسكين برؤيتي، وكم تمنى أن يعيش في أي بيت فلاحي بسيط!
لكنه مات في تلك المحطة النائية استابوفو على خط حديد موسكو - كورسك، وتوقفت عقارب ساعات المحطة عند الزمن الذي توقف فيه قلبه عن الوجيب. وبقيت سيرة حياته وأفكاره ومؤلفاته حية ترشد البشر إلى طريق الخلاص. وهكذا تمايز في فكره وحياته من خلال بساطة العيش في الطعام والملبس والمسكن وفي الإشاحة عن هموم المجد الشخصي والجاه الاجتماعي. وبذلك نجح في إنشاء سلطته الخاصة التي وظفها أدباً وفكراً فاعلاً في مشروعه لنصرة جماهير الفلاحين الفقراء. وفي الأشهر الأولى بعد انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية عام 1917 عهد لينين إلى رفاقه بنشر مؤلفاته على نطاق واسع، ومن ضمنها المؤلفات التي منعتها الرقابة القيصرية. وبعد سنوات من العمل الدؤوب ظهرت المجموعة الكاملة لمؤلفاته في تسعين مجلداً من القطع الكبير.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إذا قطعتم أصابع كفي سأرسم بأصابع قدمي
- سنة الشاعر الفلسطيني معين بسيسو في العراق
- ثمن السُّكر الذي تأكلون
- هل فكرة الاشتراكية ما زالت خياراً اجتماعياً صائباً؟
- يُلكم المُدير الياباني كلّ صباح
- على هامش كتاب-حِكَم النَّبيّ مُحمَّد- للأديب الروسي الكبير ل ...
- فولتير و جرس الإنذار
- ثورة الملح
- عبد الوهاب المسيري ذلك الرجل النبيل
- مقطع من سمفونية الكمنجات الكردية
- اليهود في رواية الجندي الطيب شفيك
- شيوعيون يزرعون عبَّاد الشمس
- اللَّحظةُ الشُّقيريَّة
- لماذا خلق الله الذباب؟
- أنا مش كافر بس الجوع كافر
- أهلاً لينين
- عن ذلك الحصير في القصر الجمهوري
- كيف أصبحتُ شيوعياً
- الصورة الأكثر شهرة في العالم
- هل يجلبُ الطَّاغية شوكولاتة إلى أولاده؟


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرزاق دحنون - أفسحوا الطريق