أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - منير المجيد - نارا (٢)، هم الذين يطلقون سراح الشمس














المزيد.....

نارا (٢)، هم الذين يطلقون سراح الشمس


منير المجيد
(Monir Almajid)


الحوار المتمدن-العدد: 6088 - 2018 / 12 / 19 - 10:28
المحور: سيرة ذاتية
    


أتجنّب، حينما أسافر إلى مدن أوروبا، الإقامة في الفنادق المجاورة لمحطة القطار الرئيسية. هناك لن تلقى سوى القوادين والعاهرات، المخمورين ومتعاطي المخدرات وبائعيها، أسوأ مطاعم وبارات المدينة، الشوارع المليئة بالقمامة وأعقاب السجائر وروائح البول وثياب الناس القذرة.
في اليابان الأمر مختلف تماماً. المحطة الرئيسية هي واجهة المدينة وروحها ونبضها. فيها وحولها أفضل المطاعم والبارات. النظافة؟ لا حاجة لذكر أن البلاد هي أنظف بلد زرته، وهذا يشمل، بطبيعة الحال، منطقة المحطة.
الأهم من كل هذا، علاوة على ذلك، الإقامة في فندق مجاور للمحطة، وما أكثر الفنادق هناك، حيث يُوّفر عليك الوقت وتغيير القطارات والحافلات.
في اليوم التالي اتخذت قراراً على نحو عفوي.
وضعت أمتعتي في الحقيبة. أخبرت الفتاة المقوّسة الساقين مثل لاعب كرة قدم وراء ديسك الإستقبال أنني سأغادر. وبوجه مندهش ومأساوي قليلاً سألتني إن كان هناك خطب، أو لم أكن معجباً بالفندق أو الخدمات. أوقفتها وقلت أبداً، أريد، فقط، أن أذهب إلى «نارا».
لم يكن البواب البرازيلي هناك، حينما خرجت، مدحرجاً حقيبتي على عجلاتها ومصدراً طقطقة بين كل بلاطة رصيف واخرى.
أنا، بالتأكيد، لم أنته من كيوتو. سأعود مرة اخرى.
رحلة القطار ستستغرق ساعة وبضع دقائق.
كان عدد المسافرين كبيراً ومقاعد العربة محجوزة بالكامل. أطفال بزيّ المدارس، بضع رجال يرتدون ثياب المكاتب السوداء، سيدات صامتات وضعن كمامات على أفواههن. منظر عادي لم يعد يثير استغرابي، الكمامة ليست للحماية من عدوى ميكروبات الآخرين في الأماكن المزدحمة فحسب، بل أيضاً لحماية الآخرين من ميكروباتي.
جلست في مقعدي قرب النافذة، ووقعت عيني، من فوق المقاعد ورؤوس المسافرين، على رجل يتصفح في مجلة بورنو.
عرفت، فيما بعد، أن مثل هذا الأمر شائع في القطارات والباصات والمقاهي والأماكن العامة. تناقض عجيب، أليس كذلك؟ فكيف لأمة محافظة تقليدية مُقيّدة بقوة لتاريخ الشوغان والساموراي النبلاء، أن تكون منفتحة لأمر يُعدّ حتى في الدانمارك (أول بلد سمح بالبورنو منذ عام ١٩٦٩) فضيحة؟
وكما بقية الركاب الذين لم تثرهم صورة الرجل ومجلته، انصرفت إلى مراقبة المشهد الخارجي. بيوت، وبيوت، حقول قمح في مربعات صغيرة، وخضار أحياناً اخرى، أو مساحات صغيرة مغمورة بالماء تحضيراً لزراعتها الوشيكة بالأرز.
كل شئ صغير، الناس، البيوت، الشوارع الضيقة معظمها دون أرصفة، فالبلاد بعدد سكانها البالغ ١٢٧ مليون نسمة يعيشون على ٣٠٪ فقط من المساحة الكلية البالغة ٣٧٨ ألف كيلومتر مربع، لأن ٧٠٪ منها مناطق جبلية.
لذا فإن هؤلاء الذين يسكنون في البيوت، لا يخصصون إلا جزءاً صغيراً لزراعة الورود في الحدائق، بل يستغلون المساحة في زراعة الخضار وأشجار الفواكه، وحتى الأرز في مربع صغير إن كانت المساحة كافية.
والسلطات المحلية تسعى، قدر الإمكان، إلى بناء مجاري مياه الري على جانب الطرق.
توقف القطار اللاهث لمرات، توقفت عن عدّها، في محطات صغيرة باهتة متعبة الشكل، ونزل وصعد أناس من مختلف الأعمار، بينهم عدد قليل من الشقر، أوروبيون، أمريكيون شماليون، اوستراليون لا أعرف ولم أهتمّ بالأمر.
وصلنا أخيراً إلى محطة نارا المركزية. بناء متطاول على نحو مبالغ، وواضح أنه تعرض إلى ترميم شامل في السنوات الأخيرة.
أول ما رأيته حال خروجي من المحطة، وعلى بعد خطوتين بناء أبيض عالٍ، كُتب عليه «Super Hotel Lohas». تُعجبني مثل هذه الأسماء: «سوبر».
فندق لطيف. وحالفني الحظ في إيجاد غرفة، كوني لم أحجز مسبقاً. طعام الإفطار بمعظمه عضويّ (لا تعجبني، بالمقابل، التسمية العربية لـ Organic). إن تخليت، في فترة إقامتك، عن تبديل أغطية الفراش والمناشف، فإنهم سوف يُقدمون لك حلويات «عضوية» كهدية.
في ظهيرة هذا اليوم، كانت درجة الحرارة ثمانية وعشرون. حان الوقت لسبر ومسح المدينة.
في البدء كانت الأنهار، ثم جاء البشر ليؤسسوا الممالك، وليدجنوا الحيوانات. إلا أن نارا تختلف، لأن الغزلان جاءت أولاً واحتلت سفح الجبل، ثم جاء رجال متسلطون كانوا أمراء حروب وغزوات، فبنوا القصور والقلاع، وجمعوا حولهم حاشية تألفت من زعران وأفّاقين ومومسات، إلى أن جاء رجال الدين ليحتلوا بقية الصورة.
ولأنهم يعرفون، تاريخياً، من أين تُؤكل الكتف، فقد نجحوا أولاً بإدخال أصحاب النفوذ إلى ديانتهم، الذين بنوا المعابد واستوردوا التماثيل من الصين، قبل أن تنتشر الديانة بين بقية طبقات المجتمع.
نارا يقارب عدد سكانها الأربعمائة ألف. وكانت أول عاصمة لليابان الموحدة من عام ٧١٠ وحتى ٧٩٤، في عصر يُدعى بعصر نارا.
على مسافة كيلومترين من فندقي تقع Nara Park التي تزخر بمئات الغزلان الجائعة دوماً. وهي تعلمت، ولا أحد يدري كيف، الإنحناء طلباً للطعام من أيدي الزوار. تقترب منك، تنحني وترفع رأسها بإنتظار أن تعطيها شيئاً.
ويقوم الزوار عادة، بعد أن تبهرهم تصرفات الغزلان، بالصعود نحو قمة الهضبة للتمتع بالمشاهد البديعة للمعابد البوذية الفخمة مثل Tōdai-ji و Daibutsu وتمثالاً برونزياً لبوذا بإرتفاع خمسة عشر متراً في Tōdai-ji. وفي الجهة الشرقية من الحديقة هناك معبد الشنتو Kasuga Taisha الذي يعود إلى العام ٧٦٨ وعلى أطرافه أكثر من ثلاثة آلاف قنديل. والمدينة تزخر بمعابد مهمة في كل أطراف المدينة.
على مقربة من معابد الجهة الشمالية الشرقية، هناك حديقة Isuien اليابانية التقليدية وبجانبها الحديقة الشقيقة Yoshikien. علاج طبيعي للأرواح الهائمة القلقة، خاصة حينما تجلس في المقهى ذي الواجهة المفتوحة بكرم على البحيرة الصغيرة، بأسماكها الملونة.
في طريق العودة، ولأنني صرت مولعاً بالإيزاكايا، اخترت واحداً. قدّموا لي الساكيه في زجاجة تحمل إسم المطعم، وسمحوا لي بأخذها معي. بعد أن أفرغتها في أحشائي طبعاً.
(يتبع)



#منير_المجيد (هاشتاغ)       Monir_Almajid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نارا (٣)، هم الذين يطلقون سراح الشمس
- نارا (١)، هم الذين يطلقون سراح الشمس
- الميلاد في الدانمارك ليس جورج مايكل فحسب
- كيوتو (٣)، هم الذين يطلقون سراح الشمس
- كيوتو (١)، هم الذين يطلقون سراح الشمس
- كيوتو (٢)، هم الذين يطلقون سراح الشمس
- طوكيو، هم الذين يطلقون سراح الشمس
- الشينكانسن، هم الذين يطلقون سراح الشمس
- قامشلو
- لا، هذا ليس رثاء يا أمي


المزيد.....




- قُتل في طريقه للمنزل.. الشرطة الأمريكية تبحث عن مشتبه به في ...
- جدل بعد حديث أكاديمي إماراتي عن -انهيار بالخدمات- بسبب -منخف ...
- غالانت: نصف قادة حزب الله الميدانيين تمت تصفيتهم والفترة الق ...
- الدفاع الروسية في حصاد اليوم: تدمير قاذفة HIMARS وتحييد أكثر ...
- الكونغرس يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا بقيمة 95 مليار ...
- روغوف: كييف قد تستخدم قوات العمليات الخاصة للاستيلاء على محط ...
- لوكاشينكو ينتقد كل رؤساء أوكرانيا التي باتت ساحة يتم فيها تح ...
- ممثل حماس يلتقى السفير الروسي في لبنان: الاحتلال لم يحقق أيا ...
- هجوم حاد من وزير دفاع إسرائيلي سابق ضد مصر
- لماذا غاب المغرب وموريتانيا عن القمة المغاربية الثلاثية في ت ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - منير المجيد - نارا (٢)، هم الذين يطلقون سراح الشمس