أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - بواعث الأمل إزاء نهاية عام مظلمة














المزيد.....

بواعث الأمل إزاء نهاية عام مظلمة


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 6088 - 2018 / 12 / 19 - 09:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



ينتمي كاتب هذه الأسطر إلى الجيل الذي أتى إلى الوعي السياسي في مرحلة كان العالم يمرّ فيها بمخاض ثوري: كانت الإمبراطورية الأمريكية على طريق انهزامها السياسي أمام مقاومة شعب فيتنام المجيدة، فجاءت الهزيمة العسكرية الصاعقة التي ألحقتها الدولة الصهيونية بالأنظمة العربية سنة 1967 توحي لنا بأن ساعة «حرب الشعب» على الطراز الفيتنامي قد دقّت وسوف تكون طريقنا الأكيد إلى تحرير فلسطين الذي ظهر سرابه في أفقنا التاريخي. وجاءت موجة التجذّر التي اجتاحت الشبيبة العربية غداة الهزيمة تصبّ في الموجة الشبابية الثورية التي اندلعت في شتى أرجاء العالم سنة 1968، مزعزعة النظامين اللذين كانا يتقاسمان المعمورة منذ غداة الحرب العالمية الثانية، النظام الرأسمالي والنظام البيروقراطي، وقد بلغت الموجة ذروتها في فرنسا الرأسمالية وتشيكوسلوفاكيا البيروقراطية.
كان جيل الستينيات ملء الثقة بأن المستقبل مشرقٌ وأنه سوف يغيّر العالم بالقضاء على «استغلال الإنسان للإنسان» (لم نكن فاطنين آنذاك إلى أهمية الهدف المكمّل الذي يقوم على ضبط استغلال الإنسان للطبيعة) بما يؤدّي إلى حلول السلام الأبدي وتحقيق المرادف الاشتراكي لجنّة الخلد على الأرض. وطبعاً، ما لبثت تلك الأوهام الشبابية أن تبدّدت، فحلّ محلّها إدراكٌ أكثر نضجاً لحجم التحدّي التاريخي العظيم. بيد أن التفاؤل بقي سيّد الموقف، يتجدّد عبر السنين والعقود في موجة شبابية بعد أخرى. ومع سقوط النظام البيروقراطي العالمي الذي كان الاتحاد السوفييتي يتزعّمه، دخلنا القرن الواحد والعشرين ونحن مؤمنون بأن الانطلاق القوي الذي عرفته الحركة المناهضة للعولمة الرأسمالية إنما يشير إلى قرب تحقيق «العالم الآخر» الذي سعت وراءه.
أخيراً وليست آخراً، هبّ «الربيع العربي» قبل ثماني سنوات يوحي بأن المنطقة العربية التي ظنّها الناس أكثر مناطق العالم مناعة ضد التغيير، إنما تحوّلت إلى قدوة لحركة التغيير العالمية، تستلهم مثالها حركات احتجاجية في شتى البلدان، لاسيما في جنوب أوروبا وفي الولايات المتحدة الأمريكية. ولشديد خيبتنا وأسفنا، ما لبث أن استحال ربيعنا شتاءً، بل شتاءً قارصاً فلتت فيه ذئاب النظام القديم من عقالها لتشنّ هجوماً مضاداً في منتهى الشراسة. ومثلما كان ربيعنا فاتحة لصعود قوي للحركات التقدّمية عبر العالم، جاءت انتكاسته مدخلاً إلى صعود معاكس للقوى الغارقة في الرجعية في مختلف أرجاء كوكبنا. ولم تقلّ علاقة الانتكاسة بالردّة الرجعية العالمية عن علاقة الانتفاضة بالموجة التقدّمية العالمية، بل تجسّدت بصورة أكثر جلاءً بعد من خلال موسم هجرة الشعب السوري المأساوية إلى الشمال الأوروبي وإسهام ذلك الموسم في تأجيج مشاعر العداء للمهاجرين من خلال تصويرهم كمحتلّين.


وقد حفز هذا الأمر إلى درجة عالية صعود أقصى اليمين في بلدان الشمال، بما في ذلك وصول أحد رجاله، دونالد ترامب، إلى رئاسة الولايات المتحدة، أعظم القوى العالمية. وبدوره منح صعود أقصى اليمين في الشمال دفعة جديدة لصعوده في الجنوب، فحفز وصول ترامب إلى السلطة وصول جايير بولسونارو إلى رئاسة البرازيل، مثلما أطلق وجوده في الرئاسة العنان للذئاب في منطقتنا.
أما النتيجة فهي أنّني لا أتذكّر نهاية عام قاتمة مثل نهاية العام الحالي في أي وقت مضى خلال نصف القرن ونيّف المنصرم منذ بلوغي الوعي السياسي. ومع ذلك فلم أقع في كآبة التشاؤم المطلق، وبقيت أرفض خياري التشاؤم والتفاؤل سواءً، ليس تبنّياً للتشاؤل على طريقة سعيد أبي النحس، بل لأن نظرتنا إلى الحاضر يجب دائماً أن تتوخّى دروس التاريخ كي تتخطّى الانطباعات الآنية التي هي حتماً سطحية. والحال أن العالم قد مرّ بأسوأ بكثير مما نحن في صدده حينما كان قسمٌ كبير منه واقعاً تحت أنظمة شمولية، أبرزها النظام الهتلري في ألمانيا والنظام الستاليني في روسيا، في ثلاثينيات القرن العشرين.
ومقارنة بتلك الحقبة الرهيبة التي أفضت إلى أكثر حرب في التاريخ اتّساعاً وقتلاً وتدميراً فإن أوضاعنا الراهنة، على سوئها، تبقى أهوَن بما لا يُقاس. بل إن طاقة التغيير التقدّمي، بعيداً عن أن تكون قد نضبت، إنما هي على أوجّها منذ عقود عديدة. ومثلما تشتدّ مقاومة الشبيبة الأمريكية لدونالد ترامب وتتصاعد حركتها التقدّمية التي بلغت حدّاً لم تبلغه قط في التاريخ المعاصر، فإن الطاقة الثورية العظيمة التي كشفها «الربيع العربي» لدى شبيبة منطقتنا والتي هي أعظم من كل ما شهده تاريخنا الحديث، هذه الطاقة لا تزال متّقدة تحت رماد الانتكاسة وسوف تلتهب من جديد لا مُحال إزاء أوضاع منطقتنا التي لا تُطاق والتي لن تستقرّ قطّ بدون تغيير جذري يقضي على أنظمتنا الفاحشة.
وبعد، فهل بلغنا القعر أم أن الآتي أسوأ؟ سؤال لا يسع أحداً الإجابة عنه لأن التاريخ دائماً أعقد من كافة التكهّنات. أما الأمل فهو في أن بلوغ القعر قد أعطى دائماً دفعة قوية للصعود نحو القمم في جدلية للتاريخ العالمي شهدت موجات كبرى من التقدّم تلي حقبات من الانحطاط الرجعي. والمجتمع الإنساني، في المنظور التاريخي وفي المحصّلة، قد سار في تقدّم مستمرّ على الرغم من كافة مراحل الردّة التي مرّ بها. طبعاً، يجوز للحضارة الإنسانية أن تذوب في أتون صدام الهمجيّات، لكنّ بواعث الأمل لا تزال أقوى من دواعي اليأس.



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوظيفة النفطية لمحميّة أمريكا السعودية
- زاد بُعدنا عن المرّيخ…
- محمد بن سلمان على شفير الهاوية
- مغزى العلاقات المكشوفة بين الدول الخليجية وإسرائيل
- تعدّدت الأديان والأقوام والظلم واحدٌ
- صعود الفاشية: التاريخ يعيد نفسه بحلّة جديدة
- مسعى صهر ترامب المحموم لإنقاذ بن سلمان
- صفقة كبرى يُعدّ لها في قضية اختفاء جمال خاشقجي
- في منافع مدح بن سلمان ومخاطر هجائه
- استقلال العراق: عيدٌ بأية حالٍ عُدتَ يا عيدُ…
- عن التوتّر في تواطؤ روسيا مع إسرائيل في سوريا
- في الجدال حول عسكرة الثورة السورية
- من قُم إلى البصرة… الصراع ضد الظلم ينبذ الطائفية
- السقوط المشين لنهج الاتكال على أمريكا
- بوتين وسوريا ودبلوماسية الرقص
- جردة حساب تاريخيّة
- في صدد المساواة بين الجنسين في الميراث
- ما وراء الحملة السعودية المسعورة على كندا؟
- الدولة الصهيونية وأقصى اليمين ومعاداة اليهود
- دونالد ترامب… الإمبراطور عارياً


المزيد.....




- السعودية الأولى عربيا والخامسة عالميا في الإنفاق العسكري لعا ...
- بنوك صينية -تدعم- روسيا بحرب أوكرانيا.. ماذا ستفعل واشنطن؟
- إردوغان يصف نتنياهو بـ-هتلر العصر- ويتوعد بمحاسبته
- هل قضت إسرائيل على حماس؟ بعد 200 يوم من الحرب أبو عبيدة يردّ ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن قتل عضوين في حزب الله واعتراض هجومين
- باتروشيف يبحث مع رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية الوضع ...
- قطر: مكتب حماس باق في الدوحة طالما كان -مفيدا وإيجابيا- للوس ...
- Lava تدخل عالم الساعات الذكية
- -ICAN-: الناتو سينتهك المعاهدات الدولية حال نشر أسلحة نووية ...
- قتلى وجرحى بغارة إسرائيلية استهدفت منزلا في بلدة حانين جنوب ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - بواعث الأمل إزاء نهاية عام مظلمة