أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - السيد نصر الدين السيد - هكذا تحدثت علوم -ما بعد الحداثة-















المزيد.....

هكذا تحدثت علوم -ما بعد الحداثة-


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 6082 - 2018 / 12 / 13 - 03:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"يتوقف نجاح أي عمل، أيا كان نوعه، على توفر معرفة مسبقة بدقائق هذا العمل" و هي العبارة التي لا يختلف اثنان على صحتها . ويبدأ الخلاف عند الحديث عن خصائص المعرفة المطلوبة وتطرح أسئلة من قابيل: مما تتكون هذه المعرفة؟ وعن مصادرها؟ وعن كيفية التحقق من صحتها؟
وهنا قد يتصدى احدهم ويقول ان الإجابة عن هذه الأسئلة مجتمعة هي كلمة واحدة وهي "العلم" طبعا. والاجابة في مجملها صحيحة ولكن أي علم هو المقصود في زمن ساء فيه استخدام الكلمات. وحتى اذا كانت تشير الى "منظومة العلم الحديث" التي ولدت على ايدي كلا من جاليليو (1564-1642) ونيوتن (1642 –1727)، فلقد شهدت هذه المنظومة العديد من التغيرات الجوهرية التي يصل بعضها الى مستوى الثورة .
وقد شهد الثلث الأول من القرن العشرين نظريتان واحدة موضوعها "الكون الماكرو" Macro Cosmos بمكوناته من مجرات ونجوم وكواكب والاخرى والاخرى موضوعها "الكون الميكرو" Micro Cosmos بمكوناته من جزيئات وذرات وجسيمات أولية.
والأولى هي "نظرية النسبية الخاصة" لصاحبها ألبرت أينشتين (1879– 1955) الذى نشرها سنة 1905. وهى النظرية التى قضت قضاءا مبرما على مفهومى المكان والزمان المطلقين الذان قامت على أساسهما النظرة التقليدية (الكلاسيكية) للكون. وطبقا لهذه النظرية يتوقف إدراك الإنسان للمكان، وما ينطوى عليه من أبعاد، وإحساسه للزمان، بما ينطوى عليه من تعاقب للآحداث،يتوقف هذا الادراك على حركته. فما يراه الإنسان وهو فى حالة سكون من أبعاد للأجسام وما يدركه فترات زمنية تفصل مابين الأحداث يختلف عما يراه ويدركه وهو فى حالة حركة. وبهذا تكون "نظرية النسبية الخاصة" قد أصلت لمبدأ "ذاتية المشاهدة" او إمكانية تعدد الرؤى الصائبة لنفس الموضوع بتعدد الناظرين اليه.
والنظرية الثانية هي نظرية "ميكانيكا الكم" Quantum Mechanics التي تمكنت بنجاح فائق من وصف وتفسير سلوك مكونات عالم الذرة التي توالى اكتشافها. وقد شكلت ميكانيكا الكم وما جاءت به من قوانين ومبادئ الثورة العلمية الثانية. وفى موقع الصدارة من مبادئ هذه النظرية "مبدأ اللاتيقن (أو الريبة)" Uncertainty Principle الذي اكتشفه العالم الألماني هيزنبرج (1901–1976). يؤكد هذا المبدأ على أن مجرد عملية ملاحظة (أو مراقبة) الإنسان للواقع تؤثر على حالته ومن ثم على ما تتم مشاهدته وتسجيله. وهكذا وضع مبدأ اللاتيقن حدا أعلى للدقة لما يمكن للإنسان أن يلاحظه أو يقيسه وذلك بغض النظر عن مدى تعقد أو تقدم التكنولوجيات التي يستخدمها. وهكذا يصبح التحديد الدقيق للأوضاع الحالية لأي شيء من الأمور المستبعدة ويخرج تنبؤنا بأحواله اللاحقة من خانة "اليقين" الى خانة "الاحتمالات". وبهذا يكون كلا من "مبدأ اللاتيقن" مع مبدأ "ذاتية المشاهدة"، الذي جاءت به نظرية النسبية الخاصة، قد ألقيا شكوكا قوية على مدى صحة مبدأ "الموضوعية المطلقة"، الذي تبناه العلم.

ولقد شهد النصف الثاني من القرن العشرين ظهور رؤى علمية جديدة، من قبيل: "نظرية الكيوس" Chaos Theory، "نظرية التعقد" Complexity Theory ، نظرية "المنظومات المعقدة المتكيفة" Complex Adaptive Systems، المنطق الغائم Fuzzy ، "الأوتوبويزيس" Autopoieseis ، الانتظام الذاتي Self-organization. وسنكتفي بعرض سريع لاثنتان منهما:
 "المنظوماتية" System Approach،
 " Cybernetics، "
وقد شكلت هذه الرؤى مجتمعة الأساس لما يعرف بعلوم ما بعد الحداثة.
وجاءت أولى هذه الرؤى، "المنظوماتية"، كرد فعل لأوجه القصور التي عانت منها منظومة العلم الحديث في صورته الأولى نتيجة لتبنيها مبدأ "الاختزالية" Reductionism. ويقضي هذا المبدأ أن خصائص أي شيئ يمكن اشتقاقها من خصائص مكوناته. لذا فإن دراسة شيئ تقتضي أولا تجزئته الى أجزاء (مكونات) تسهل دراستها كل حدة آملين أن يؤدي فهمنا لخصائص اجزائه سيؤدى بالضرورة لفهم الكل الذي يحتويها. الا ان هذه المقاربة أثبتت فشلها فعلى سبيل المثال خاصية "الحياة" التي يتمتع بها الانسان، او الكائنات الحية، هي خاصية لا يتمتع بها أيا من مكوناته ( 65% ماء و20% بروتين و12% دهون 3% مواد أخرى). انها الخاصية التي يطلقون عليها "الخاصية المستجدة" Emergent Property. لقد جاءت المنظوماتية بمفهوم جديد وأصيل لكلمة "المنظومة" System فعرفتها بأنها هذا :
"الكل، أو الكيان، لذى تميزه خصائصه المستجدة والقادر على التكيف مع أحوال بيئته المتغيرة والذى تشكله مجموعة من المكونات، المادية أو المعنوية، المترابطة سويا لتحقيق غاية بعينها وذلك بفعالية تفوق فعالية مكوناتها المستقلة".
وقد وفر هذا المفهوم للباحثين اداة ذهنية مكنتهم من دراسة منظومات المادة الصماء ومنظومات المادة الحية والمجتمعات البشرية.

ومن رحم المنظوماتية جاءت ثاني الرؤى وهي "السيبرنيطيقا" التي عرفها مؤسسها فينر بأنها "منهج علمي للنظر في آليات التحكم وانتقال المعلومات في المنظومات الديناميكية سواء كانت مخلوقة أو مصنوعة". والمنظومات الديناميكية هي تلك المنظومات القادرة على تغيير سلوكها وتكييفه طبقا لما يحدث في بيئتها ويكون له تأثير عليها. أما كلمة "التحكم" كما جاء في تعريف فينر لها فتعنى "عملية التنظيم الأمثل لما تقوم به أي منظومة من أفعال مقصودة (غائية) Purposeful وذلك بغرض توجيهها نحو تحقيق الهدف المنشود منها".

انها اذن "علم وفن بلوغ الغايات" سواء كانت هذه الغاية هي الحفاظ على الوضع الراهن للمنظومة المحكومة او مساعدتها لبلوغ وضع جديد. وهى لتنفيذ مهمة التحكم طورت نموذج عام للتحكم يمكن استخدامه بدءا من منظومة بسيطة مثل جهاز تبريد محرك السيارة وانتهاءا بإدارة شركة عابرة للقارات. وفي النموذج يتم التمييز بين المنظومة الحاكمة التي تراقب باستمرار درجة حرارة ماء جهاز التبريد وتقارن قيمتها بالقيمة الأمثل فان وجدت اى انحرافات تأمر "المنظومة المحكومة" باتخاذ اللازم. وقدرة "المنظومة الحاكمة" على إدارة المنظومة المحكومة" بنجاح يتوقف على قدرتها "على إنتاج أفكار وابتداع أوضاع تفوق في تعددها وتنوعها تلك التي يقدر على إنتاجها وإبداعها (الكيان المحكوم)" وهو ما يعرف بـ المعروف بـ "قانون آشبى للتنوع اللازم" Ashby Law of Requisite Variety.


الخلاصة

على الرغم من العرض الخاطف لبعض علوم ما بعد الحداثة الا اننا يمكنا سرد الخصائص التي تشترك فيها تلك العلوم.
 تعدد الرؤى الصحيحة اذا اخذنا في اعتبارنا السياق الزماني والمكانس (نظرية النسبية الخاصة)
 تآكل مفهوم الموضوعية المطلقة، او الفصل التام بين الذات المشَاهِدة والموضوع المشَاهَد.
 تبني "رؤية عملياتية" Process View للمنظومات فتهتم بأحوالها وهي في حالة الغليان والفوران والتغير والتبدل، أي بأحوالها وهي "بعيدة عن وضع الاتزان (أو الاستقرار)".
 تبنيها المقاربات "متداخلة التخصصات" Interdisciplinary Approach، التي تقوم على تبادل مناهج البحث والأفكار بين النظم العلمية المختلفة، والـ "متعددة التخصصات" Multidisciplinary التي تقوم على استخدام نطم علمية مختلفة لدراسة ظاهرة بعينها، و"العابرة للتخصصات" Transdisciplinary بما تتضمنه من تكامل بين النظم العلمية المختلفة.
 نظرة تأخذ في اعتبارها خاصية "اللاخطية" Nonlinear التي تميز العلاقات بين مكونات المنظومات فالمعقدة وتسفر عن تنوع وثراء في السلوك. العلاقة اللاخطية هي العلاقة التي تتميز بعدم تناسب السبب مع النتيجة. فعلى سبيل المثال عدم تناسب الزيادة في المرتبات مع الزيادة في أ سعار المواد الغذائية.
 الاعتراف بأهمية الدور الذي تلعبها الفوضى في حياة المنظومات. فوجود أى منظومة وقدرتها على الحفاظ على هذا الوجود يتطلب مزيجا متوازنا من "النظام" و"الفوضى". فوجود "النظام" يسمح لها بالدوام والإستمرارية عبر مايوفره من بنى وترتيبات ويمكنها أيضا من التنبؤ بأحولها المستقبلية بدقة معقولة عبر ما ينطوى عليه من قواعد وقوانين. أما وجود "الفوضى" فهو أمر ضرورى لكلا من عمليتى التكيف والتطور اللازمتان للحفاظ على وجود المنظومة وذلك بوصفه القوة المحركة لإنتاج الجديد بما ينطوى عليه من خروج عن المألوف وبتحديه للمستقر وبتجاوزه للقواعد. كما يهيئ غياب القدرة على التنبؤ الدقيق بسلوك المنظومة المستقبلى يهيئها للتعامل مع ماقد يحمله المستقبل من مفاجآت غير محسوبة.

ونختم هذا العرض السريع لخصائص علوم ما بعد الحداثة وللأسس التي تقوم عليها لنتساءل عن مدى تأثيرها على الشأن العام. والاجابة ان لها تاثير على من يطالعون ليفهمو ثم يستعلمون. فعلى سبيل المثال نجد السيبرنيطيقيا وقد كشفت لنا عن جوانب جديدة لمغزى كل من مفهومي "الحرية" و"الديمقراطية"، أيا كانت أشكالها وأيا كانت مستويات فعلهما. إذ بقدر قدرته ما يحوزه مجتمع ما من تنوع في الأفكار وتعدد في الرؤى، وبقدر قدرته على إنتاج التنوع اللازم بقدر ما تكون فعالية مكوناته، أفرادا ومؤسسات، وتكون قدرتهم على مواكبة مستجدات الواقع والتكيف معها، بقدر ما تتعدد أمامه الخيارات فتكون قدرته على الحركة المستقلة وتكون قدرته على سداد الاختيار .... فهكذا قد حدثتنا السيبرنيطيقيا...!...

وللحديث بقية



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعرفة ثورة وثروة
- الاعجاز العلمي في ألف ليلة وليلة
- حكايتي مع الدوق دي بروي
- مشاهد من المستقبل المنظور
- وهَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَ ...
- عارضني من فضلك
- الطهطاوي وانجازه المسكوت عنه
- حوار حول مجتمع المعرفة
- حتى لا ننسى سطوة التكفير
- تجاوز الإنسانية وتغيير خلق الله
- خليك افتراضي
- تقلص المكان وانضغاط الزمان
- حضارة التمكين
- الليبرالية العرجاء
- اديني عقلك
- مصر 2018
- انتحار توك توك
- العلم نور ولكن
- تأملات أكتوبرية
- العلمانية: المفهوم المظلوم (5/ 5)


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - السيد نصر الدين السيد - هكذا تحدثت علوم -ما بعد الحداثة-