أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - هويدا طه - رحيل الماغوط: الحزن مثل الله موجود في كل مكان



رحيل الماغوط: الحزن مثل الله موجود في كل مكان


هويدا طه

الحوار المتمدن-العدد: 1519 - 2006 / 4 / 13 - 11:49
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


لم تكن حلقة عادية من برنامج أدب السجون.. تلك التي سجلت مع الأديب السوري المناضل محمد الماغوط وعرضت على قناة الجزيرة بمناسبة رحيله منذ أيام، كانت ممتازة فنيا.. ورائعة في درجة اقترابها الإنساني من ذلك الأديب الكهل، فقد يكون عاديا أن تصادف شابا ثائرا، أما المدهش حقا.. فهو أن كهلا يتداعى بدنه أمام عينيك من فرط الشيخوخة ومع ذلك تجده.. فائرا بالثورة، كانت طريقة إخراج وتصوير ذلك اللقاء معه طريقة ممتازة محترفة.. دليل نجاحها أن قرابة الساعة وليس هناك إلا وجه وبدن ذلك العجوز على الشاشة ومع ذلك تجد نفسك مشدودا حتى اللحظة الأخيرة.. كان يبدأ جملة ثم.. يغفو! الكاميرا معه تنتظر.. حتى يعود بقولٍ مفعم بالثورة.. مرتديا بيجامته متكئا على أريكته محاطا ببضع لوحات وكتب.. كان محمد الماغوط يضحك ويقرأ فقرات من كتاب ويحكي ويغفو ويتقلب على الفراش ويروي ما يروي.. من لمحات صراع أديب وشاعر مناضل مشاكس مع سلطة جائرة جاهلة! قال لمحاورته التي لم تفسد هذا الجو المفعم بظهورها وإن سمعنا سؤالها أكثر من مرة:"قلت لهم ليست الحرية بل القمع.. هو الأم الرءوم للشعر"! عاد ليغفو ثم أفاق ليقول:" مرة بالسجن جابوا راديو أو ميكروفون من شان الصلاة وما الصلاة بتعرفي.. تعرفي؟ أول غنّية طلعت ع الراديو وهنه بيجربوه كانت (يا ظالم لك يوم)"! ضحك بفرحة.. قبل أن يحاول الاعتدال في جلسته.. ليقرأ فقرة من كتابه بقوة ربما لا تتناسب مع بدن يوشك أن يصبح باردا برودة الموت عما قريب، " أنا بكتابتي بحب دايما الشي إللي يلفت النظر.. بكره الشي العادي...." قالها وصمت كثيرا.. لا تعرف أين ذهب.. ثم عاد ليقول:"بحب الطويل والقصير اللص والشرطي القس والعاهرة"، يدخن بشراهة مستمتعا بدخان ترسله عدسة المصور إلينا لتثير شجنا لكن بدون شفقة على هذا الكهل.. الذي ضحك قائلا:"إي.. بحب اللبس كتير بكره الكرافات.. لما باكون لابس كرافة ما بافهم إيش عم بحكي ولا أفهم ما أسمع.. أنا مبسوط ببيجاماتي كده.. اليوم عندي اتنين جدد"! لا تعرف بالضبط إن كانت براءة الأطفال تعود مجددا في نهاية العمر! راح يحكي عن نضاله ضد جور السلطة الكريه وأثناء كلامه عرضت صور قديمة له بالأبيض والأسود.. يا إلهي.. هذا الشاب شديد الوسامة والجمال المفعم بالحيوية والنظرة الجريئة الجائعة للحياة هو ذلك الكهل الذي يغفو وسط كل جملة يحكيها؟! كيف كنت سأراه لو صادفته في ذلك العمر؟! ربما كنت أعشقه! إذ لا يتكرر كثيرا رجل وسيم وثائر في آن واحد.. ما علينا.. صادفناه كهلا ويا إلهي كيف سنصير إذن.. إن عشنا! لكنك أبدا تظل مأخوذا بحيوية ما بقي ولم تستطع السنون أن تنال منه، ربما ما أثاره الرجل في النفس من خليط عجيب يشبه ذلك الذي قاله (لا أحب الشيء العادي).. هو ما يجعلك تخاف من الحياة وتحبها.. تصر على التمرد وتتحسب لعواقبه.. تخشى الموت وتصادقه، ما بتخاف من الموت؟ لا .. صديقي وعم بحبه! أي مسئول يقول عن قصيدتي أو مقالتي أو مسرحيتي إنها حلوة.. بعرف إن فيه إشي فيّ غلط، ليش طيب عم بيكرموك؟! يا لها من ضحكة تلك التي أطلقها وهو يجيب على سؤالها هذا،" ما بعرف.. يمكن بيحبوا يساهموا فيّ كأني مشروع.. مشروع قبر أنا".. يا له من وصف لحياة توشك على الانتهاء، إيش بتتمنى؟ سؤال طرحته محاورته غير الظاهرة في المشهد.. سؤال لاذع يبدو مؤلما لكهل ثائر يستعد لإنهاء مشروعه! لكن إجابته كانت الأكثر ثورة، الرجل بأكمله أثارني ربما لجرأة الثورة وحزنها عندما لا تملك معها صحة ولا قوة ولا وقت.. قال:" الحزن مثل الله موجود في كل مكان، إيش باتمنى؟ باتمنى ما يبقى على الأرض جائع ولا سجين" يسعل ثم يسعل ثم يعلق:" هادي سعلة سجن المزة"!، يقرأ من كتابه: "فليذهب القادة إلى الحروب.. فليذهب العشاق إلى الغابات.. فليذهب العلماء إلى المختبرات.. أما أنا فسأبحث عن كرسي عتيق.. طالما كل الكتب والدساتير والأديان تؤكد أنني لن أموت إلا.. جائعا أو سجينا..".. رحل الماغوط إذن.. ليتركنا نبحث بدورنا عن.. كرسينا العتيق..



#هويدا_طه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جولة بالريموت كنترول
- الحرية الإعلامية في العالم العربي.. حملٌ كاذب
- حملة تليفزيونية للحث على القراءة
- المرأة في الإعلام العربي: أمومة القطط وأنوثة صماء وروح غبية ...
- وسامة صدام حسين
- برنامج جيد في وسط إعلامي رديء
- !الإعلام يكشف تناقضات المجتمع المصري: هي دي مصر
- دور أقباط المهجر في التغيير
- الانتخابات المصرية: أسلمة وبلطجة ورشاوى وتزوير.. حاجة تقرف
- ثمن ظهور مثقف في التليفزيون المصري
- إن شفت قاضي بينضرب وصندوق اقتراع في الترعة بينقلب: يبقى انت ...
- يا فرعون إيه فرعنك.. ملقيتش حد يلمني
- بعد المشهد الدموي في الأردن: هل تتغير عبارة(ما يسمى)بالإرهاب ...
- التنوير بدلا من التحريض أو التخدير: BBC فضائية جديدة من
- لا تبيعوا قناة السويس مرة أخرى
- حتى لا تنحرف حركة كفاية عن طريق الأمل
- عدوان ثلاثي على سوريا
- جمال مبارك: العبرة في الصلابة
- الدين مذبح الفقراء في دولة البوليس والفساد
- الجريمة السياسية: استبداد الحاكم مقدمتها واغتياله نتيجتها


المزيد.....




- هيئة الأسرى: 78 معتقلة يواجهن الموت يوميا في سجن الدامون
- الأمم المتحدة تدعو القوات الإسرائيلية للتوقف عن المشاركة في ...
- التحالف الوطني للعمل الأهلي يطلق قافلة تحوي 2400 طن مساعدات ...
- منظمة حقوقية: إسرائيل تعتقل أكثر من 3 آلاف فلسطيني من غزة من ...
- مفوضية اللاجئين: ندعم حق النازحين السوريين بالعودة بحرية لوط ...
- المنتدى العراقي لحقوق الإنسان يجدد إدانة جرائم الأنفال وكل ت ...
- النصيرات.. ثالث أكبر مخيمات اللاجئين في فلسطين
- بي بي سي ترصد محاولات آلاف النازحين العودة إلى منازلهم شمالي ...
- -تجريم المثلية-.. هل يسير العراق على خطى أوغندا؟
- شربوا -التنر- بدل المياه.. هكذا يتعامل الاحتلال مع المعتقلين ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - هويدا طه - رحيل الماغوط: الحزن مثل الله موجود في كل مكان