أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - دلور ميقري - الوحدة والتعدد في اللوحة الدمشقية















المزيد.....


الوحدة والتعدد في اللوحة الدمشقية


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 1519 - 2006 / 4 / 13 - 11:23
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


" ثمة ميّزة في المجتمع السوري تتجلى في روح التسامح القومي ، التي تمنحك فرصة للإنخراط في المجتمع من دون عوائق أو أي تعرّض لكرامتك الوطنية . فالشام كانت دائماً ملتقى الغرباء والتجار من كل الأجناس من : شيشانيين ، بنادقة ، ألبان ، شركس ، أرمن وأكراد . أعراق وشعوب تتعايش ، ولا تشعر إنك في مدينة معادية . وهنا سرّها وسحرها وتناقضاتها " (1) . هكذا يرى الصحافي الأجنبي ، الزائرُ العابرُ ، لوحَة دمشق في أواخر القرن المنصرم . هذه الملاحظة ، تكملها ملاحظة اخرى ، لا تقلّ أهمية ، فيما يتعلق بالمؤثرات الطارئة على حياة أقدم حواضر المدنيّة ؛ والتي جعلتْ منها إثر حقبة إنقلابية ، دهرية في إمتدادها ومريرة في تحوّلاتها : " مدينة محافظة على تقاليد وعادات وطقوس ، أقرب للريف منها إلى المدينة المعهودة ؛ لذا تبدو معظم الأشكال الإبداعية من الشعر حتى السينما ، تغرف من الحياة الريفية . وكذلك السياسي ، حين يستعير من الفلاح صبره وعلاقته المقدسة بالأرض ، ومفاهيم عزة النفس ومفردات الشرف . أضف إلى ذلك الشعور القومي والعروبي ، الذي يبدأ من التربية المدرسية والأناشيد وإنتهاء بالحياة السياسية " (2) .
في ما سبق من عرضنا هذا ، حاولنا أن نجتاسَ بعضاً من الموروث الشعبي لمدينة دمشق ، العائد لحِقبٍ مختلفة ؛ الموروث المستشف منه رؤية أبناء البلد ، أنفسهم ، للوحة الفسيفساء المشكلة منها مدينتهم . ومع حلول العصر الحديث ، المُبطِنُ في طياته حداثة ً شاملة ً أوجه الحياة الشامية جميعاً ، من إجتماعية وثقافية وإقتصادية وغيرها ؛ فكان لابدّ لتلك اللوحة ، المركبة والمتناغمة ، أن يضفى عليها لمسات أكثر جدّة وأقلّ إبداع ، في آن . حضرَ مفهومُ الأقلية والأغلبية ، عموماً ، في وقتٍ صار يعزّ فيه مفهوم التعدد والإختلاف ، ضمن وحدة المجتمع وتجانسه ؛ المجتمع الذي سيرهن نفسه ، بمحض مشيئته أو بقوة ضاغطة ما ، للون واحد ، سقيم إلى حدّ البلى . هذا الأمر ليس مرهوناً برؤى وتنظيرات الباحثين و السياسيين حسب ، بل سيتعداه إلى نصوص المبدعين أيضاً ؛ هذه وتلك ، الطافية على سطح لوحتنا ، مذ قدّر لها الإحتفاء بهويتها " الأصيلة " ، كعرين ٍ للعروبة ؛ العرين الذي سينتظرُ " أسدَهُ " ، وحامي حِماهُ ، في إحدى منعطفات التاريخ الإنقلابيّ !
دأب مؤرخو دمشق ، من معاصرينا ، على التنويه بإزدهار مدينتهم في عصريْها الذهبيَيْن ؛ الأموي والأيوبي . هذا محمد أحمد دهمان ، كمثال ، يكتب عن المرحلة الاولى من العهد المملوكي : " وإن إنحط عن العصر الأيوبي ، فإنّ إنحطاطه كان نسبياً . لأنّ هؤلاء المماليك ، إكتسبوا بعضَ تربية راقية من ملوك لم يمسهم الرّق ، وكان علماؤهم إمتداداً للعصر الأيوبي " (3) . هذه الإشارة ، الحصيفة بحق ، ما يلبث باحثنا أن يلحقها بإشارة اخرى ، لا يمكن وصفها إلا بعكس سابقتها : " فقد شاهدنا في عصرنا هذا عدة هجرات إلى دمشق ، لم تؤثر فيها أي أثر يستحق الذكر ؛ فكانت هجرة الأكراد والكريديين [ نسبة لمسلمي جزيرة كريت ، أو كريد ] إلى الصالحية ، والألبان والشركس والأرمن . وكل هؤلاء لم يؤثروا أي أثر في تاريخ دمشق أو عمرانها أو إجتماعياتها " (4) . بتلك الشطبة ، غير الموفقة ، يحاول المؤرخ الفصل ببساطة بين الأيوبيين وأبناء جنسهم ، من أكراد الشام . الأدهى من ذلك ، إيحاؤه أنّ تأسيس حيّ الصالحية ، العريق ، ما كان بفضلهم ؛ عازياً الأمرَ إلى بني قدامة ، من مهاجري بيت المقدس : " الذين جعلوا منه مدينة عظيمة ، ولمّا يمض ثلاثة عقود على إستقرارهم فيه " ، على حدّ قوله . لا شك لدينا ، في أنّ هذا القولُ ينأى بنفسه عن حقيقة ٍ ، لا تحتاج لعناء البراهين ؛ وهي أنّ مجد الصالحية كان أحد أثال بني أيوب ، الكرد ، وما جاء من أخلافهم من بني قومهم . فيما لم يخلف أولئك المقادسة سوى المدرسة العمرية ؛ المنسوبة لشيخهم أبو عمر بن قدامة . لا بل إنّ الجامع الملحق بهذه المدرسة ، أتمّ بنائه مظفر الدين كوكبري ، قائد صلاح الدين وصهره ، فعُرف بـ " الجامع المظفري ". (5)
هذه الحقيقة ، يؤكدها المؤرخ الإجتماعي ، يوسف جميل نعيسة ، بنقله عن المصادر الأصلية ما يفيد بأنّ الأكراد كانوا يشكلون الأغلبية المطلقة في الصالحية ، إلى نهاية عهد المماليك ، على الأقل (6) . ويشاركه الرأيَ باحث آخر ، هو الجغرافيّ نصوح خيّر ، الذي ينوّه بالنواة الاولى لحيّ الأكراد ، شرقي الصالحية ، بقوله : " فقد توافد الأكرادُ في عهد السلطان نور الدين وعهد السلاطين الأيوبيين ، لخوض غمار الحروب الصليبية . وإنتقوا لهم فسحة خالية من الأرض إلى الشرق من الصالحية ، وإختاروها موطناً دائماً لهم . وقد إنتقوا لهم هذه المنطقة لعدم وجود متسع لسكناهم في المدينة القديمة . كما إبتعدوا عن المنطقة المزروعة لأنهم لم يكونوا ملاكاً ولا مزارعين . بيْدَ أنّ هذه الضواحي ، وإن إعتبرناها إمتدادات للمدينة ، فقد ظلت خلال قرون عديدة تحيا حياة خاصة ، مستقلة عن حياة المدينة " (7) . ويبدو أنّ باحثنا ، بدوره ، يضيق ذرعاً بتعدد ألوان لوحة الفسيفساء ، الدمشقية . فهو يرى في هذه التعددية خطراً مستقبلياً ، محتملاً ، يهدد الوحدة والإنسجام والتجانس في النسيج الإجتماعي للمدينة . وخيرُ علاج لهذا " المرض الإجتماعيّ " ، على حدّ توصيفه ، يكمن في صهر اللوحة في بوتقة القومية الواحدة : " ولا شك في أنّ أي تخطيط تنظيمي للمدينة ، يجب أن يقضي على إنعزالية الأحياء المغلقة ذات النعرات العصبية والطائفية فيحطم إستقلاليتها ، ويحقق ذوبان مختلف عناصر الشعب بعضها في بعض ، ويؤدي إلى التلاحم والتعاضد الإجتماعي " (8) . وهذا ما جرى تطبيقه ، فعلاً ، في العهد البعثي ، العروبي . غير أنّ التخطيط التنظيمي ، الذي إبتدأ منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي ، إستفردَ بحيّ الأكراد ، وحده ، مستبيحاً قاطنيه إقصاءً لأربعة جهات الحاضرة . وبالمقابل ، أوجدَ التخطيطُ التنظيمي ، ذاته ، مستوطنات جديدة في حلقة مدروسة ، مضروبة حول دمشق ، مخصصة لنخبة معينة من أهل الساحل السوري ؛ " المؤهلين " لحماية السلطة الديكتاتورية : " التي تتستر بعباءة الطائفة ، وتتمترس خلف شعارات قومية كبرى ، لم تكن سوى للتضليل في سبيل ترسيخ تحالفاتها الإقليمية على أساس يخدم توجهاتها الطائفية ، إنطلاقاً من مصالحها الخاصة بها وليس الطائفة " . (9)
لغة الخطاب السياسيّ ، كما هو معروف ، عادة ً ما تكون أكثر تشدداً من لغة المؤرخ أو الجغرافي أو الإجتماعي ، فيما يخص مسألة الأثنيات . جديرٌ بالتنويه ، أولاً ، بأنه منذ العقود الأخيرة من القرن المنصرم ، طرأ إزدياد ملحوظ في إهتمام الغربيين بوضع أثنيات الشرق الأوسط ، ممن تناولوه بأبحاث متعددة . تتميّز هذه الأبحاث ، بشكل عام ، بالرصانة العلمية والموضوعية وتوفرها على مصادر ومواد أرشيفية هي في غير متناول الباحث المحلي ؛ باحثنا الذي " يمتاز " فضلاً عن ذلك ، بعدم تجرده من نعرات ضيقة ، حينما يمسّ مواضيعَ حساسة ؛ كالمسألة القومية وحقوق الأقليات . على سبيل المثال ، ما أثاره كتاب الباحث باتريك سيل ، المعروف " الصراع على سورية " ، من بعض ردات فعل محلية ، متلائمة ، غالباً ، مع النهج السياسي والإيديولوجي ، المهيمن حالياً على القرار الرسمي . لقد إنبرى وليد المعلم في كتابه " سورية : 1918 _ 1958 " ، إلى تناول الفترة الزمنية ، ذاتها ، التي شملتها دراسة باتريك سيل ، سالفة الذكر . هاهو المعلم يتطرق إلى السلطة التشريعية ، في أول ديمقراطية عرفتها سورية بعيد الإستقلال ، معتبراً إياها ، بحسب تنظيره العقائديّ : " تكرس الإنقسام الوطني عبر الطائفية والإقليمية ، حيث نصت المادة 37 من الدستور : " تراعى في قانون الإنتخابات أصول التصويت السري وتمثيل الأقليات " (10) . ينتقل باحثنا ، من ثمّ ، إلى تناول فترة الحكم الإنقلابي ، الذي أطاح بسلطة الرئيس القوتلي ، مكرراً الآراء المفيدة بإعتماد الإنقلابي ، الزعيم حسني الزعيم ، على أبناء قومه الكرد ؛ الآراء المعبّر عنها بشكل خاص ، سكرتيرُ الزعيم ، نذير فنصة ، حينما ذكر القاريء بالقرابة الرابطة بين معلمه وبين رئيس الوزراء المعيّن ، محسن البرازي (11) . الباحث منذر الموصلي ، من جهته ، يتلقف تلك الإشارة ، ذاهباً أبعدَ من ذلك ؛ بربطه أركان حكم الزعيم ، وكذلك خلفه الإنقلابي ، العقيد أديب الشيشكلي ، بحزب " خويبون " الكردي ؛ مسمياً منهم ، علي بوظو وحسني البرازي ومحسن البرازي ، مؤكداً أنّ هذا الأخير: " قام بمحاولة لكتابة الكردية بالحرف اللاتيني ، منسقاً في هذا الشأن مع البدرخانيين " . (12)
ربما جازَ لاولئك السياسيين والعسكريين ، الكرد ، التفكيرَ بعصبتهم القومية ، فيما هم ماضون بسبيل طموحاتهم . على أنّ مجتمعَ بلدٍ كسورية ، وبخاصة مركزها الدمشقي ، المتسم بمشاعر الريبة تجاه أيّ عصبية ، غيرَ تلك العربية الإسلامية ؛ كان سيحولُ ، لا محالة ، بين ذلك المنتمي لأقلية ما ، وبين نزوعه إلى التعبير ، علناً ، عن ذلك الإنتماء والعمل في سبيله : وحده الفريق الأسد ، من سائر إنقلابيي سورية ، من مضى بعيداً في طموح " أقليته " ، نحو مشروع طائفيّ ، مُبطن ؛ وهو الإستيلاء على السلطة وتركيزها ، من ثمّ ، بنخبة عائلية وعشائرية . أما أكرادنا ، الإنقلابيون ، فهم بصفتهم الإسلامية ، السنيّة ، ما جاوز الواحد منهم محاولة الظهور بصورة الفارس المخلّص ؛ صلاح الدين . علاوة ً عن إنهماكه غالباً بخصومات وأنانيات مع أبناء عصبته ، بالدرجة الأولى . وعلى أيّ حال ، فما إبتدهنا به الزعيم ، الإنقلابيّ الأول ، في البيان رقم واحد ، يساندُ زعمنا : " اليومَ أثبت الجيشُ السوريّ ، أنه لم يزل في سورية شعبٌ عربي يأبى الخضوع والإستسلام ، شعبٌ عربيّ مصممٌ وراء جيشه " . ذلك اللغو القومي ، العروبيّ ، كرره زعيمنا ، الكرديّ ، خلال مؤتمره الصحفي ، عشية الإنقلاب : " نحن قوميون عرب ، ولا مكان في سورية لدعاة الشيوعية الهدامة ، المعادين للعروبة " (13) . وهذا أيضاً ما يمكن قوله ، بخصوص العقيد الشيشكلي ، المبادر منذ لحظة مغامرته الإنقلابية ، إلى تأسيس حزب جديد بإسم " حركة التحرير العربي " ، مستهلاً حملة ً معادية للأثنيات المشكل منها نسيج المجتمع السوري ، وبشكل لا سابق له في تاريخ البلاد ؛ الحملة التي أدتْ ، برأي الباحث باتريك سيل ، إلى تكتل معارض واسع ضد السلطة الإنقلابية ، أطاح بها لاحقاً (14) . وباحثنا ، ذاته ، يعزو بحصافة فشلَ المشروع الكرديّ ، الإنقلابيّ ، ممثلاً بمنظره الأهم ، المُفترض ؛ محسن البرازي ، إلى حقيقة : " بأنه إذا دارتْ ، يوماً ، برأسه خيالات قومية كردية ، فقد بددها واقعُ وظيفته " . (15)
عموماً ، أرجع بعض الباحثين الغربيين ، أحدَ أسباب الفشل الكرديّ القومي ، تاريخياً ، إلى : " تصفيح ثابت للنخبة الكردية ، مرده إلى إندماج وإستيعابٍ بالغيْن من بعض أفضل العناصر الكردية ، في القطاع غير الكردي ( عروبة ، إيرانية ، طورانية ) ؛ وهذه العناصر ، عندما وصلت إلى السلطة ، فإنها تأخذ بالدفاع لصالح الإندماج غالباً " (16) . لا أدلّ على هذا التحليل الصائب ، من حقيقة إرتفاع كثير من الأصوات العربية _ منذ مستهلّ التسعينات المتصرمة ، بشكل أحدّ _ المركزة على ما أسمته " نموذج الكردي الدمشقي " ، كمثال ٍ لحلّ المسألة القومية ؛ حلّ سحريّ ، بسيط ، يتمثل في إندماج الكرد ، طوعياً ، في بوتقة القومية الواحدة ، العربية ! هذه الأصوات لباحثين وصحافيين عرب سوريين ، كانت صدىً بالدرجة الأولى ، للتطورات الحاصلة في المنطقة إثرَ حرب الخليج الثانية ، وما أعقبها من تمتع كردستان العراق بإمتياز الإقليم المستقل عن الدولة المركزية . هاهو الصحافي الدمشقي المخضرم ، غسان الإمام ، في واحدة من تجلياته ؛ تحت عنوان " من صلاح الدين إلى حسني الزعيم " . إنه يبيّن إستناداً إلى أسماء معروفة ؛ كحسني الزعيم وخالد بكداش ومحمود الأيوبي وأحمد كفتارو ومروان شيخو وغيرهم ، مدى أهمية الدور الذي لعبه الأكراد ، في تاريخ الشام ومجتمعها ؛ الدورُ المحصورُ بمن إرتضى التمثل في بوتقة القومية المهيمنة ، حسب رأيه (17) . هذا الرأي ، يتحمّس له باحثٌ من مدينة صلاح الدين نفسها ؛ هو منذر الموصلي ، الذي شاءَ التفرّغ لموضوع شائكٍ ، هو العلاقات العربية الكردية ، ومن منظور بعثيّ كلاسيكيّ ، إن صحّ التعبير . إنه يكتب بمناسبة رحيل خالد بكداش ، القائد الشيوعيّ التاريخيّ : " فهو من أكراد الشام ، الذين يعود إنتماؤهم للعاصمة الأموية ما يزيد على ثمانية قرون إندمجوا فيها وفي نسيجها الإجتماعي ، وتبوؤا أكبر المراكز السياسية والإدارية والدينية ، وساهموا في بناء تاريخها الحديث من جميع الأوجه " (18) . وفي نفس السياق ، أيضاً ، يمكن إدراج بعض كتابات السفير رياض نعسان آغا ، حول دور الأكراد الهام في صناعة التاريخ السوري ؛ منوّهاً في هذا المجال بالأصل الكرديّ لوزير الحربية ، وزير العظمة ، المتصدي بشجاعة نادرة لجحافل الغزو الفرنسي ، بداية العقد الثاني من القرن المنصرم (19) .
لعلّ أبلغ ما يمكن قولهُ ، في الردّ على الدعاوى ، آنفة الذكر ، سجله يراعُ الباحث التركي البارز ، إسماعيل بيشكجي ؛ الذي لاحظ بهذا الشأن ، أنّ بإمكان الكرديّ : " الذي ينكر إنتماءه القومي ويصبح تركياً ، ويعلن أنه تركي وسعيد بذلك ، أن يحصل على كل ما يريد : أيْ أن يصبح عاملاً وحارساً وبرلمانياً وطالباً ورياضياً ونائباً وحاكماً ورجل أعمال وجندياً ووزيراً أو أستاذاً في الجامعة . أما إذا أصرّ هذا الشخص على أنه كرديّ ويطالب بحقوقه القومية ، فلا يمكنه أن يصبح شيئاً وليس أمامه سوى فرصة واحدة يستطيع الحصول عليها في تركيا : أن يصبح ملاحقاً أو سجيناً " (20) . المفارقة ، في موضوعنا ، تبلغ أوج مأسويتها ؛ حينما يتبنى أنصارُ اليسار مواقفَ الطرف المقابل من معسكرهم ، مشاركين غلاة اليمينيين موقفهم القوميّ ، العروبيّ ؛ هم المفترض قوامهم على إرث حق تقرير المصير ، الماركسي . فهاهو خالد بكداش ، الذي تبرأ في اواخر عمره من " وصمة " أصله الكرديّ ، يدافعُ عن سياسة الإندماج ، العنصرية ، بحجج واهية : " نحن الشيوعيون من أنصار حقوق الأقليات القومية ، ولكننا في الوقت نفسه لسنا ضد التمثل الطوعي . يعني الإندماج الطوعي لسنا ضده ! " (21) . هذا الموقف ، المماليء لعتاة الشوفينيّة ، إنسحب ، إلى هذه الدرجة أو تلك ، إلى مقامات الأدباء والفنانين وغيرهم من حملة مشاعل الثقافة العربية . وهو أفدحُ ما يمكن تصوّره ، في الواقع . إنّ بعض هؤلاء المثقفين ، يستكثر على أحد مكونات الشعب السوري ، الرئيسية ، حقه في إستعمال لغته القومية ؛ شاطباً بجرة قلم تضحيات الشعب الكردي ونضاله المشهود ضد الإنتداب الفرنسيّ : " إنّ سلطة الإنتداب عمدتْ إلى تشجيع اللغة الكردية ، لإضعاف الشعور الوطني في البلاد " (22) . عرضنا فيما سبق من دراستنا ، لنماذج من الموروث الشعبي الشامي ، الذاخر بالأمثال والمِلح والمأثورات الاخرى ، المتناولة حضور الشخصية الكردية في مجتمع دمشق . وعلى النقيض من ذلك ، فإنّ الأعمال الأدبية السورية ، المعاصرة ، نأتْ بنفسها عن هذه الشخصية ، متجاهلة وجودها . هذا ما نجتنيه ، مع شديد الإحباط ، من ثمرات قرائح كتاب معروفين ، دمشقيين ، في الشعر والقصة والرواية : من ديوان نزار قباني ، الضخم .. ، و خلل الكم الهائل لأقاصيص زكريا تامر .. ، مروراً بعديد روايات خيري الذهبي .. ، وحتى محاولات رياض نجيب الريّس في السيرة والنقد .. وغيرها . من كلّ الأعمال الإبداعية لكتابنا الشوام ، لا يعثر المرءُ ، ربما ، سوى على إشارة واحدة ، نادرة ؛ في رواية غادة السمّان " فسيفساء دمشقية " : حينما تتطرقُ الكاتبة عابرة ً إلى ذكرياتها عن أحد أتراب طفولتها ؛ وكان كردياً يُدعى " شورش " (23) . دون أن نغفل ، بطبيعة الحال ، التنويه بكتاب سوريين ، عديدين ، ممن ناصروا الحقوق الكردية ، بشكل عام .؛ وعبْرَ مواقف سياسية ، أو فكرية ؛ أكثر منها أدبية .

هوامش ومصادر :

1 _ يحيى جابر ، عواصم من خطأ _ بيروت 1998 ، ص 79
2 _ المصدر نفسه ، ص 82
3 _ محمد أحمد دهمان ، في رحاب دمشق _ دمشق 1982 ، ص 42
4 _ المصدر نفسه ، ص 125
5 _ عز الدين ملا ، حي الأكراد في مدينة دمشق _ بيروت 1998 ، ص 16
6 _ يوسف جميل نعيسة ، مجتمع مدينة دمشق _ دمشق 1986 ، ص 82 ج1
7 _ صفوح خيّر ، مدينة دمشق : دراسة في جغرافية المدن _ دمشق 1982 ، ص 210
8 _ المصدر نفسه ، ص 263
9 _ عبد الباسط سيدا ، تساؤلات صريحة حول مستقبل النظام السياسي في سورية _ مواقع عامودا . كوم ، في يوم 14 / 1 / 2006
10 _ وليد المعلم ، سورية ( 1981 _ 1958 ) _ دمشق 1985 ، ص 70
11 _ نذير فنصة ، أيام حسني الزعيم _ بيروت 1985 ، ص 34
12 _ منذر الموصلي ، عرب وأكراد _ بيروت 1986 ، ص 304
13 _ رجالات سورية الجديدة ، كتاب الإنقلابيْن الأول والثاني _ دمشق 1949 ، ص 40
14 _ باتريك سيل ، الصراع على سورية _ الطبعة العربية في بيروت 1980 ، ص 182
15 _ المصدر نفسه ، ص 89
16 _ لورانت وآني شابري ، سياسة وأقليات في الشرق الأوسط _ الطبعة العربية في القاهرة 1991 ، ص 370
17 _ صحيفة " الشرق الأوسط " _ الصادرة في لندن ، يوم 15 / 4 / 1992 : جدير بالذكر ، أنّ هذا الصحفي ، بالذات ، لا يخفي تعاطفه مع أيّ سلطة تضطهد الأكراد ؛ عربية كانت أم تركية أم فارسية !
18 _ منذر الموصلي ، خالد بكداش : كان آخر العمالقة ! _ مجلة " الطليعة " ، الصادرة في دمشق 1995 / العدد 4 _ 5
19 _ رياض نعسان آغا ، حول نسب يوسف العظمة _ موقع شام برس ، يوم 31 / 5 / 2005
20 _ اسماعيل بيشكجي ، كردستان : مستعمرة دولية _ الطبعة العربية في ستوكهولم 1998 ، ص 58 21 _ عماد نداف ، خالد بكداش يتحدث _ دمشق 1993 ، ص 90
22 _ أحمد أبو مطر ، أفكار حول مواجهة النزعة الإنعزالية في الأدب _ مجلة " الهدف " ، الصادرة في دمشق 1984 ( العدد السنوي ) : يجب التنويه ، بأن هذا الكاتب غيّر موقفه ذاك ، ومنذ فترة طويلة ؛ وهو الآن من أشدّ الكتاب العرب _ والفلسطينيين بشكل خاص _ منافحة عن الحقوق المشروعة للشعب الكردي
23 _ غادة السمان ، فسيفساء دمشقية ( الرواية المستحيلة ) _ بيروت 1997 ، ص 218

[email protected]



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مأثورات دمشقية في مآثر كردية
- سرّ كافافيس 2 / 2
- سرّ كافافيس 1 / 2
- الدين والوطن ، في ورقة إخوانيّة
- طغم وعمائم
- علوَنة سوريّة : آثارُ 8 آذار
- بلقنة سورية : جذور 8 آذار
- نساء كردستان ؛ الوجه المجهول لشعب عريق 2 / 2
- نساء كردستان ؛ الوجه المجهول لشعب عريق 1 / 2
- مذاهب متشاحنة ؛ السنّة والعلويون والآخرون
- أثنيات متناحرة ؛ الكرد والسريان ، مثالاً
- الوثنيّة الإسلاميّة
- الموساد ، من كردستان إلى لبنان
- التعددية ، في وصفة بعثية
- عيدُ الحبّ البيروتي
- عبثُ الحوار مع البعث ، تاريخاً وراهناً
- المقاومة والقمامة : حزب الله بخدمة الشيطان
- رسام الكاريكاتور بمواجهة الهمجية 2 / 2
- رسام الكاريكاتور بمواجهة الهمجية
- إعتذار صليبي من قلعة الإسلام


المزيد.....




- أحد قاطنيه خرج زحفًا بين الحطام.. شاهد ما حدث لمنزل انفجر بع ...
- فيديو يظهر لحظة الاصطدام المميتة في الجو بين مروحيتين بتدريب ...
- بسبب محتوى منصة -إكس-.. رئيس وزراء أستراليا لإيلون ماسك: ملي ...
- شاهد: مواطنون ينجحون بمساعدة رجل حاصرته النيران داخل سيارته ...
- علماء: الحرارة تتفاقم في أوروبا لدرجة أن جسم الإنسان لا يستط ...
- -تيك توك- تلوح باللجوء إلى القانون ضد الحكومة الأمريكية
- -ملياردير متعجرف-.. حرب كلامية بين رئيس وزراء أستراليا وماسك ...
- روسيا تخطط لإطلاق مجموعة أقمار جديدة للأرصاد الجوية
- -نتائج مثيرة للقلق-.. دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت
- الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف أهداف لحزب الله في جنوب لبنان ...


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - دلور ميقري - الوحدة والتعدد في اللوحة الدمشقية