أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد كشكار - سَلعنةُ القِيمِ في الدولِ الغربيةِ: هل سَتقضِي على ما تَبَقّى من القيمِ؟















المزيد.....

سَلعنةُ القِيمِ في الدولِ الغربيةِ: هل سَتقضِي على ما تَبَقّى من القيمِ؟


محمد كشكار

الحوار المتمدن-العدد: 6080 - 2018 / 12 / 11 - 09:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


سأنتقي من الكتابِ خمسة أمثلة أتناول بها الإشكاليةَ وأؤثِّثُ بها الموضوعَ:
1. تخزين النفايات النووية السويسرية في سويسرا:
اختارت الدولة مبدئيًّا مكانًا في قريةٍ كائنةٍ في وسط البلاد يسكنها 2000 بشر. سنة 1993، وقبل إجراء استفتاء حول هذا القرار، وجَّهَ باحثان في الاقتصاد السؤال التالي إلى كل فردٍ من سكان القرية: هل ستصوّت مع أو ضد الاختيار؟ 51% أجابوا بنعم. ثم أعادوا نفس السؤال بعدما وعدوهم جدلا بتخصيص تعويضٍ نقديٍّ سنويٍّ لكل مقيمٍ، فكانت النسبة كالآتي: نزلت إلى النصف أي 25% فقط. رفّعوا في المبلغ (8700 دولار في السنة، أي ما يفوق معدل الدخل السنوي لهؤلاء القرويين)، زادت النتيجة الثالثة قليلا بالمقارنة مع الثانية دون أن تبلغ الأولى. ماذا حدث إذن في هذه القرية؟ لماذا حُظِيَ التخزين دون مقابلٍ بالقبول أكثر من التخزين بمقابل؟ المفروض، حسب التحليل الاقتصادي، أن الإغراء المادي يُرفّع في نسبة القبول ولا يخفّض فيها. أشار العالمان إلى أن "تأثير الثمن" يُحبَط أحيانًا بسبب اعتبارات أخلاقية مثل التمسك بالمصلحة العامة والتقيّد بنواميس التحضّر.
2. جمع التبرعات النقديّة في "يوم التبرع":
تجربة قام بها باحثان في الاقتصاد على مجموعة من الشباب التلامذة حول الإشكالية التالية: هل التحفيز المادي يمثل عاملا دافعًا للتلامذة لجمع تبرعات أكثر أم لا؟ 180 شاب، قسموهم إلى ثلاث مجموعات: الأولى حفّزوها بالتأكيد على نُبلِ المهمّةِ فقط، في الثانية أضافوا وعدًا بإعطائهم ما يساوي 1% من المبلغ الجملي الذي سيجمعونه دون المساسِ بالمبالغِ المجمّعةِ من التبرعِ، الثالثة 10%. النتيجة المفارِقة: المجموعة الأولى جمعت 55% أكثر من الثانية و9% أكثر من الثالثة. ما الموعظة الأخلاقية التي نستنتجها من هكذا تجربة؟ الباحثان استنتجا التالي: "من الأفضل دفعُ مقابلٍ مادِّيٍّ كبيرٍ أو عدم الدفع تمامًا". نحن لنا رأيٌ آخر: هذه التجربة أثبتت أيضًا أن المقابل المادي قد يُزيحٌ قيمة التطوع المجاني أو قد يقضي عليها تمامًا لو تواصلَ وتفشَّى وانتشرَ.
3. إجبار الأولياء الأمريكان على دفع مقابل لدار الحضانة لو تأخروا قليلا في تسلم أبنائهم مساءً:
هذه الغرامة لم تفلح في القضاء على تأخر الأولياء بل على العكس ضاعفته: أصبح الأولياء لا يشعرون بعقدة الذنب عند التأخر ولا بتأنيب الضمير لكونهم يدفعون مقابلاً لدار الحضانة. الغريب في الأمر أن هذا السلوك الجديد المضاعف استمر بعد أن تخلت الإدارة عن هذه الغرامة غير الناجعة التي دامت شهرَين وأصبح من الصعب عليها الرجوع إلى الحالة ما قبل التعاملِ بِمقابلٍ.
4. تحفيز محامين متطوعين من أجل إسداء خدمات استشارية قانونية مجانية للمتقاعدين المعوزين:
الجمعية الأمريكية للمتقاعدين طلبت من بعض المحامين هل يقبلوا بتقديم نصائح للمتقاعدين المعوزين مقابل مبلغ مالي زهيد (30 دولار)؟ رفضوا العرض. عدّلت الجمعية طلبها: هل تقبلوا بتقديم نصائح للمتقاعدين المعوزين مجانًا؟ قبلوا العرض المنقّح، أي أجابوا بالإحسانِ على طلبِ الإحسانِ.
5. سلعنة قيمة التبرّع المجاني بالدم:
عالم اجتماع بريطاني (1970) فضّل نظام التبرع المجاني بالدم في بلاده على مثيله في أمريكا حيث نجد المجاني ومدفوع الثمن، والملاحَظ عمومًا أن نظام التبرع بالدم في بريطانيا أنظف وأفضل وأسلم من نظام أمريكا. هذا العالِم يرفض أخلاقيًّا سلعنة قيمة إعطاء الدم للمرضى المحتاجين ويصنّف هذا النوع من السلعنة في خانة الفساد دفاعًا عن الفقراء الذين عادةً ما يلتجئون اضطرارًا لبيع دمهم لمَن يدفع أكثر من الأغنياء، ويذهب أبعد من ذلك في تحليله ويقول أن هذه السلعنة تُضعِف الغيرية (L`altruisme) وتقلِّص من التضامن (La solidarité) وقد تقضي مستقبلاً على قيمة التبرع المجاني بالدم.

استنتاجات متفرّقة يطرحها المؤلف وغيره من المختصين:
- هذه الأمثلة الخمسة المذكورة أعلاه تجسمُ كيف احتلت السلعنة مجال القيم وأزاحت القيم غير القابلة للسلعنة كالتطوع والتبرع وخدمة المصلحة العامة ونُبل الكرم وفعل الخير والصدقة والإحسان.
- أستاذ اقتصاد بريطاني (1976) ومستشار (FMI) سابق فنّد الفرضية القائلة بأن قيمة الشيء تبقى هي نفسها سوى وفرناها عن طريق التبرع المجاني أو بمقابل مادي.
- أستاذ اقتصاد ثانٍ مرموق أثبت بالتجربة أن الناس المحفَّزين ماديًّا يبذلون في أداء عمل خيري جهدًا أقل من أمثالهم المتطوعين مجانيًّا، واستشهد بالمثال الرابع المذكور أعلاه والمتمثل في تحفيز محامين متطوعين من أجل إسداء خدمات استشارية قانونية مجانية للمتقاعدين المعوزين.
- أستاذ ثالث يقول: "سلعنة الدم وسلعنة العلاقة الإنسانية بين المتبرّع السليم والمريض المستفيد قد تقضيان على الغيرية وتُضعِفان الإحساس بالانتماء إلى المجتمع".
- لماذا لا نعتبر التبرعَ بالدم عملاً ككل الأعمال، عملاً يُجازَى عليه ماديًّا كل مَن قام به، عملاً يوفر ربحًا لصاحبه الفقير ولا يضرّ الأغنياء بل ينفعهم ولا يُفقِرُ أحدًا؟ أيهما أفضل أن تتبرع بدمك أو تتبرع بـ50 دولار لشراء الدم من سليمٍ فقيرٍ من أجل إنقاذِ حياةِ مريضٍ فقيرٍ؟ قيمةُ التبرّعِ بالدمِ قيمةٌ نادرةٌ في المجتمع، لو بالغنا في طلبها واستغلالها فقد نستهلك كل مخزون الخير المحدود في المجتمع: "كلما استعملنا شيئًا إلا ونقصَ"، لو انطلقنا من هذه الفرضية والتجأنا أكثر إلى سوق الدم وخفّفنا من الاستنجاد بالأخلاق فقد نساهم فعليًّا في الحفاظ على ثروة وطنية ليست متوفرة كثيرا وهي التبرع المجاني.

خاتمة المترجم محمد كشكار، مواطن العالَم: بُشرَى، الحمد لله، في تونس ما زال التبرع بالدم مجانيًّا، لكن ربي يسترنا من القطاع الصحي الخاص الذي لا أخلاقَ له والذي ينتظر أول فرصة للانقضاض على دمِنا وسلعنتِه!

المصدر:
Ce que l`argent ne saurait acheter, Michael J. Sandel, Éd. du Seuil, 2014, 332 pages

إمضائي
أنا مواطنُ العالَمِ، مُتصالحٌ-مُختلفٌ مع حضارتي الأمازيغيّةِ-الإسلاميّةِ-العربيّةِ، مُتصالحٌ معها دومًا أنتروبولوجيًّا واجتماعيًّا وعاطفيًّا، وفي نفسِ الوقتِ مُختلفٌ معها دومًا إبستمولوجيًّا وفلسفيًّا وجدليًّا، لا أتباهى بها على الغيرِ ولا أقبلُ فيها ثلبًا من الغيرِ.
"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
"الأساتذةُ لا يَفهَمونَ أن تلامذتَهم لا يَفهَمونَ" باشلار
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الثلاثاء 11 ديسمبر 2018.



#محمد_كشكار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فكرةٌ قد تضخُّ الماءَ في رُكَبِ العَلمانيينَ العربِ، لا أستث ...
- حضرتُ أمس أمسيةً ثقافيةً بحمام الشط
- سُكوتْ... أنا سَكْرانْ... والله العظيم أنا -شايَخْ- نَشْوانْ ...
- طالبتُ وما زلتُ أطالبُ بِمجانيةِ التنقلِ في جميعِ وسائلِ الن ...
- هل أنتَ مَعَ أو ضِدَّ حَثِّ الأطفالِ على المطالعة بمقابِلٍ م ...
- سَلْعَنَةُ الأخلاقِ والقِيمِ في المجتمع الأمريكي
- الجديدُ في عِلمِ الوراثةِ: هل تُحدّدُ الجينات مسبّقا صفات ال ...
- ظاهرةُ تعدّدِ الأربابِ البشريةِ!
- حضرتُ أمس جِلسةً حواريةً ثنائيةً حول كتابِ - المراقبة السائل ...
- كيفَ قسّمنا إرثَ أمي وإرثَ خالتي؟
- هل تغيرَ الزمنُ أم أنا الذي تغيرتُ؟
- ذكرياتي المقتضبة عن تسع سنوات دراسة متقطعة بجامعة كلود برنار ...
- معلومات دقيقة حول شيعة تونس، أكتشفُها لأول مرة في كتاب صديقي ...
- أعتذرُ!
- جاراتُ أمِّي ورفيقاتُ دَربِها في جمنة الستينيات!
- أمارس ثلاثة أنشطة ذهنية كانت لي بمثابة حبوب مهدِّئة؟
- عن أيِّ ضميرٍ مِهَنيٍّ تَتَحَدَّثونْ؟
- -الفِتنةُ- لم تكن فتنةً!
- بتصريحاتها العنترية الأخيرة، يبدو لي أن النهضة بدأت تهدد أرك ...
- دفاعًا عن منهجيتِي وأسلوبِي في الكتابةِ والنشرِ


المزيد.....




- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...
- انفجار ضخم يهز قاعدة عسكرية تستخدمها قوات الحشد الشعبي جنوبي ...
- هنية في تركيا لبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة مع أردوغان
- وسائل إعلام: الولايات المتحدة تنشر سرا صواريخ قادرة على تدمي ...
- عقوبات أمريكية على شركات صينية ومصنع بيلاروسي لدعم برنامج با ...
- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد كشكار - سَلعنةُ القِيمِ في الدولِ الغربيةِ: هل سَتقضِي على ما تَبَقّى من القيمِ؟