أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - روماني جورج - الصندوق يعتصر الارجنتين …. والجماهير المنتفضة لم تمنع الأفلاس.















المزيد.....



الصندوق يعتصر الارجنتين …. والجماهير المنتفضة لم تمنع الأفلاس.


روماني جورج

الحوار المتمدن-العدد: 6075 - 2018 / 12 / 6 - 00:51
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


الحلقة الثانية من #حلقات ”صندوق النقد الدولى ... جرائم بحق الشعوب“
تمهيد
تعد تجربة الأرجنتين مع صندوق النقد الدولي واحدة من أهم جرائمه النموذجية وذلك لسببين.
الأول : أن تجربة الأرجنتين مع الصندوق واحدة من اقصى وأسوأ الأزمات التي تعرض لها شعب، بسبب سياسات صندوق النقد التي تم تطبيقها بكل دقة لدرجة وصول الدولة للإفلاس. فتدخل في هيكلة وتوجيه الاقتصاد بالسيطرة على السياسات النقدية والميزانية والمشاريع والقطاعات الاقتصادية تماما ، فلم يرفع الصندوق والمؤسسات المالية الدولية يدهم عن الأرجنتين إلا بعد أن صارت جثة تجففت تماماً.
والسبب الثاني: ان مع تجربة الأرجنتين تبخرت تلك الأوهام الخاصة باقتصار ارتكاب الكوارث الاقتصادية على يد القادة العسكريين. ففي الأرجنتين حكومات ليبرالية منتخبة حققت تجارب نموذجية كارثية بحق الشعب، أشاد بها الصندوق للمستثمرين، فقد وصف الصندوق الأرجنتين في عهد الليبراليين: “ بالتلميذ النموذجي والمثال الساطع على فاعلية التكييف الهيكلي" ، فاستمرت خطة الصندوق متواصلة من العسكرين ومع الليبراليين واستمر تعين نفس المسؤولون الاقتصاديون.
البداية ومسيرة الاعتصار
في بداية القرن العشرين كانت الأرجنتين تعد من أغنى دول العالم و تمتاز بارتفع مستوى الاجور عن فرنسا واسبانيا وايطاليا وان كانت ثمار الاقتصاد تصب في صالح البرجوازية، وكانت الارجنتين تملك علاقات اقتصادية كثيرة مع العديد من الدول بتصدير الحبوب واللحوم والصوف لاوروبا ، لكن مع اندلاع الحرب العالمية ووقوع الكساد الكبير تكشّف هشاشة اقتصاد الأرجنتين ، (وهي دولة غير الصناعية بمفهوم الرأسماليات الغربية) فتوقفت عمليات استيراد منتجات الارجنتين ، فبدأ تراجع وتدهور الأوضاع الاجتماعية مما تسبب في تكرار اندلاع احتجاجات عمالية وجماهيرية اجتماعية عنيفة، والتي كانت قد بدأت من 1919 عندما أضرب 200 الف عامل دخلوا في اشتبكات مع الشرطة الأمر الذى استدعى تدخل العسكر بتأييد ومساهمة من مليشيات يمينية لقمع العمال و لمنع أي صعود طبقي للعمال ضد الطبقة الحاكمة التي سيطر عليها الجنرالات بانقلاب عام 1930 حتى منتصف الثمانينات. لقد استهدف الجنرالات المعارضة و باﻻخص اليسار والشيوعين الذين اعتبرهم الجنرال فيديلا ”إرهابيين“.
مع هيمنة العسكر باجنحتهم المتباينة على البلاد ، تعاقد جناح منهم مع انجلترا بمنحها امتيازات اقتصادية اثارت غضب الجنرالات القومين مما تسبب في انقلابات بعضهم ضد بعض، كان اولها عام 1943 الذي قام به الكولونيل ”خوان بيرون“ الذى فتح المجال السياسي ودعم مستوى الاجور و كان معادي للكنيسة ومستبد وضد بعض النافذين في الجيش مما اثار ضده الجنرالات المحافظين بإنقلاب عام 1955 الذى تلاه اضطرابات سياسية اخرها انقلاب الديكتاتور" فيديلا" عام 1976 ضد زوجة الجنرال "بيرون"
في عهد "فيديلا" عرفت الأرجنتين أسوأ سنوات التعذيب والقمع و اﻻرهاب العسكري الوحشي ضد المعارضة، فهذه السنوات معروفة بالحرب القذرة. ففي عهد فيديلا تم خطف اطفال المعارضين، وبدأت سياسية اﻻختفاء القسري حيث أختفى 30 ألف معارض. فبسبب الجنرال فيديلا عَـرف العالم، نهج و سياسة و مصطلح اﻻختفاء القسري.
انطلاق مسيرة جرائم الصندوق
كعادة الصندوق ، ﻻ يهتم بأي انقلابات و ﻻ يعنيه تدهور اوضاع الشعوب مهما ان كانت قاسية ، فلا توقف الصندوق جرائم اعوانه من الحكام المحلين مهما كانت بشعة ولا توقفه اثار سياسياته الكارثية على الشعوب. كان الصندوق قد تدخل في اﻻرجنتين منذ عام 1955 بعد اﻻطاحة بالجنرال" بيرون" وتعاون بشكل عادي مع سلطة اﻻنقلاب و ابرم معها عقود اقتصادية ليفرض بموجبها سياسية تعويم العملة المحلية ، ليرتفع معدل التضخم وتتراجع ثم تنهار القوى الشرائية بشكل موحش، لتعجز الجماهير عن مواجهة هذه الصدمة اﻻقتصادية مما ادى ﻻندلاع انتفاضة شعبية كبيرة في 1969 انبثق منها حرب شوارع مسلحة بين العمال وبين قوات الأمن التي استخدمت القمع المفرط للسيطرة على اﻻنتفاضة التي لم تتوقف على مدار اربع سنوات مما اجبر الحكومة العسكرية على التراجع عن هذه السياسات لتخضع لضغوط الانتفاضة وتقـبَـل إجراء انتخابات عامة يعود على إثرها الجنرال بيرون للحكم ويظل فيه حتي وفاته ثم تحكم زوجته من بعده حتى ينقلب عليها الجنرال فيديلا.
مع اعتلاء فيديلا بوحشيته للسلطة كان الصندوق حاضر ايضا ليخبر " فيديلا" بالسياسات المطلوب اتباعها، لينفذها على الفور. تم تحرير اﻻقتصاد والتجارة والقطاع المصرفي من القيود الأجتماعية الملزمة للدولة والتي تعرقل تدخل المستثمرين الأجانب في الاقتصاد المحلي. وذلك باتباع سياسية السوق الحر وتسهيل عملية استيراد البضائع اﻻجنبية. و تم رفع معدل الفائدة لتحفيز المقرضين والمستثمرين على العمل باﻻرجنتين، كما تم اطلاق برنامج خصخصة المشاريع الحكومية، فكانت المصارف والشركات الغربية جاهزة لتمتص الخيرات وتجني الثمار بفعل هذه اﻻجراءات التي سهلت دخول الشركات متعددة الجنسيات لتتعاون مع جنرالات الجيش الذين صاروا رجال مال واعمال واصحاب ملايين حتى بعد تنحي العسكريين عن تولي السلطة. فحسب "دانتي سيموني" احد كبار موظفي الصندوق و مستشار البنك المركزي الارجنتيني في حقبة العسكريين ، افاد بانه قد تمت صفقات -برعاية الصندوق- بين الشركات اﻻجنبية والجنراﻻت وتمت تحويلات مالية منبثقة عن هذه الصفقات لخارج البلاد بمعرفة الصندوق.
عمومًا في عهد الجنراﻻت انخفضت نسبة اﻻجور من اجمالي الناتج القومي لأكثر من النصف (من 43% إلي 22%) وبسبب التحويلات النقدية التي بدأت مع الجنراﻻت ، تراجع اﻻنفاق على قطاع التصنيع بنسبة وصلت إلي 40% مما قلص مجال التصنيع في اﻻرجنتين. وارتفعت الديون الخارجية من 8 مليار دولار إلي 43 مليار دولار وهو ما يعد مؤشر واضح عن اﻻوضاع المزرية التي أدت إلي اندلاع احتجاجات شعبية شديدة ساهم فيها معارضة برجوازية لحكم الجنرلات وان كانت هذه المعارضة البرجوازية تقتصر على ازاحة العسكريين عن السلطة وهو ما يختلف بالطبع عن احتجاجات النقابات العمالية والاحزاب اليسارية والجماهير التي تطالب بمصالح اجتماعية. فكان رفض الوجود العسكري بالسلطة عامل مشترك بين البرجوازية والجماهير الغاضبة والتي هددت الطبقة الحاكمة كلها. فكانت البرجوازية المختلفة مع الجنرالات جاهزة لتبديل الادوار مع الجنرالات لمنع تغير نظام الحكم الطبقي. فتم التوصل إلي تسوية بموجبها أجبر الجينرال ”جالتيري“ - الذى خلف فيديلا - على الرحيل عام 1983 بعد ان ادخل ”جالتيرى“ الارجنتين في حرب عسكرية مع انجلترا عام 1982 في محاولة للتغطية على الازمة الاقتصادية العنيفة لكنه انهزم، ليحتجب معه الوجود العسكري عن السلطة.
العهد المدني امتداد لسياسة الصندوق بدون بيادة
عندما جاء للارجنتين رئيس مدني و هو " راؤول الفونسين" المعتبر الاب الروحي للديقراطية الأرجنتينية حاول معالجة أزمات بلد متهاكلة اقتصاديا (بسبب العسكرين) باتباع برنامج صندوق النقد الذى ابرم مع حكومة الفونسين اتفاقية يقدم بموجبها علاجه الاقتصادي المتمثل في برنامج قروض يصحبه حزمة سياسات يلزم تطبيقها. بدأ "راؤول الفونسين" بخطة اقتصادية "اؤسترال" (austral) فيها ظلت الشركات اﻻجنبية ونظام القروض في العمل باﻻرجنتين بنفس سياسات الصندوق؛ الحصول على القيم و اﻻرباح وتحويلها للخارج. فرغم سوء اوضاع الجماهير التي تسببت في رحيل الجنرال فيديلا و جالتيري و اتت بـ "الفونسين" إلي الحكم ، إﻻ ان الفونسين و امام تراجع القدرة اﻻقتصادية للدولة قام باستكمال تنفيذ خطة الخصخصة وتقليص الانتفاق الحكومي بتسريح نسبة من العمالة الحكومية حسب شروط الصندوق، وقام بمنع اى زيادة في اﻻجور (تجميد الاجور) لدعم الحصة المخصصة لخدمة الديون الخارجية في الميزانية العامة. وحاول التخفيف من حدة اﻻزمة بفرض عملة جديد. لكن ظلت الجماهير تعاني من نقص في الخدمات وتراجع مستحقاتها فمتوسط دخل الفرد تراجع 20% باﻻضافة إلي انخفاض القوى الشرائية باستمرار، وهو ما أدى إلى سخط الجماهير علي الفونسين فحاول في يونيو 1984 رفض شروط الصندوق لجدولة ديون الارجنتين الخارجية لكنه رضخ لضغوط الصندوق ليتم ابرام اتفاق جديد تحصل بموجبه الارجنتين على قرض بقيمة مليار و 700 مليون دولار ليلتزم الفونسين بكل شروط الصندوق التي فجرت انتفاضة كبيرة. فلم تتحمل الجماهير الضغوط وضيق الحال فالتضخم وصل إلي 5000% . اﻻمر الذى أجبر "الفونسين" على ايقاف باقي الإجراءات المطلوبة بسبب الاحتجاجات الشعبية الضخمة التي وصلت إلي 4000 اضراب عمالي بخلاف تكرار 15 اضراب عام في كل البلاد. مما عطل عمل الشركات ومشاريع الدولة ليضطر الفونسين لوقف استكمال تسريح كل النسبة المطلوب تسريحها من الموظفين الحكومين، كذلك وقف خصخصة ثلاث مشاريع حكومية كانت على قمة المشاريع المستهدف خصخصتها بسبب رفض اﻻنتفاضة لبرنامج الخصخصة. فكان رد الصندوق تعليق منح قروض جديدة للارجنتين ليجد "الفونسين" نفسه امام صراع معسكرين أقوياء. الصندوق من جهة وقوة الجماهير الغاضبة من جهة ، وﻻنه لم يكن بموالي ابدا للجماهير وﻻ معبر عنهم ، حتى يتصور انه سيواجه الصندوق. إﻻ انه عجز عن قمع اﻻنتفاضة، فقدم الفونسين استقالته في النهاية و دعى للانتخابات قبل نهاية ولايته بستة شهور.
صعد خليفة " الفونسين" الرئيس الشهير "كرلس منعم" للسلطة عام 1989 في ظل وضع متهالك ليقدم نفسه للجماهير بشعارات محابية للعمال والفقراء. إﻻ أنه كان يقدم للجماهير مجرد لباقة كلامية. و في المقابل قد طبق خطة الصندوق التي عجز عنها الفونسين، مستغل تراجع المعارضة اليسارية في حقبة انهيار الاتحاد السيوفيتي، وقد اصر على خطة التقشف والخصخصة وفتح باب الاستيراد والاستثمار الاجنبي الذى شكل نوع من الحراك التجاري الذى ساعد في استقرار مالي وسوقي هش تداعي مع سيطرت السلع الاجنبية و عجز الصناعة الارجنتيينة عن المنافسة، لتظهر في عام 1997 ازمة اقتصادية نتيجة عملية تحويل قيم الاستثمار الاجنبي للخارج. فقد طبق منعم ما عرف بـ (برنامج الصدمة) باﻻستعانة برجال العسكرين اﻻقتصادين -حتى ان ”منعم“ اصدر عفو عن الديكتاتور فيديلا.- فقد قام منعم بتعين " دومينغو كافالو" وزير للاقتصاد الذى كان محافظ للبنك المركزي فترة حكم العسكر. اعتبر "كافالو" أن اﻻوضاع تحتاج لحسم وتأمين ﻻ يحتمل التأخير لصالح الطبقة الرأسمالية في ظل مخاطر اﻻحتجاجات الشعبية. و حسب برنامج الصدمة تم تسريح مئات اﻻﻻف من الموظفين الحكومين. وبكل عزم قام بكل اﻻجراءات المطلوبة للقضاء على أي مانع امام الاستثمار الأجنبي في مجال التجارة وفي قطاع الزراعة، كما قام “كافالو” ببيع 40% من المشاريع الحكومية و90% من المصارف وشركة الطيران اﻻرجنتينية. كذلك باع شركات البترول الأرجنتينية لشركة repsol الاسبانية العملاقة وسيطرت شركة فرنسية على قطاع المياه لترتفع اسعار المياه في المدن والريف بنسبة وصلت إلي 400 % ليجني المستثمرون الدولييون من عملية الخصخصة الكبيرة هذه ايرادات بلغت 49 مليار دولار امريكي. وبالنسبة لأثمان عمليات الخصخصة والصفقات المدفوعة للخزانة العامة فقد تم تخصيصها لخدمة ديون اﻻرجنتين، باﻻضافة لذلك قامت حكومة "منعم" بتنفيذ سياسة الصندوق بفرض ضريبة القيمة المضافة التي وصلت نسبتها إلي 50% على كل ما يقدم للجماهير، كما تم ربط البيزو اﻻرجنتيني بالدولار باعتماد سعر صرف ثابت بينهما.
وقد قام الصندوق بإجبار البنك المركزي بتغطية كامل العملة المحلية بمقابل يساويها من الدوﻻر مما يعني تحمل تبعة توفير الدوﻻر على عاتق الجماهير التي تعاني من انخافض القوى الشرائية للبيزو امام الدولار في ظل ضعف توفير الدولار من الناتج القومي بعد انهيار قطاع اﻻنتاج الصناعي وسيطرة اﻻجانب على معظم القطاعات الاقتصادية.

نصب واحتيال وتصاعد عملية اﻻفقار
كان من ضمن عمليات التمويل اﻻجنبي للارجنتين، اصدار سندات الدين الحكومي وبيعها للمصارف اﻻجنبية مقابل اسعار فائدة يتم اﻻتفاق عليها بمعرفة الصندوق والمصارف مع الحكومة، حيث تم رفع اسعار فائدة سندات الدين الأرجنتينية بحجة جذب المؤسسات الرأسمالية الغربية للبلاد. لكن كان يتم التمويل والاقراض وفق عملية نصب واحتيال حسب وصف ميلتون فريدمان نفسه ( المستشار اﻻقتصادي لتطبيق سياسة السوق الحر). فكانت اللعبة تتم على النحو اﻻتي: ان تقوم المصارف الغربية باﻻقتراض من بيوت المال التي تتعامل بالدولار بسعر فائدة منخفض ثم تقوم بعد ذلك بإقراض اﻻرجنتين باسعار الفائدة المرتفعه المعلن عنها ضمن سياسية جذب اﻻستثمار لتحقق هامش ارباح سلسة ومرتفعة ومضمونة في ظل سياسية ربط البيزو بالدولار.
وقامت حكومة كارس منعم لجذب اﻻستثمار، بتخفيض الضرائب على الشركات . باﻻضافة إلي إدخال تعديلات على قوانين العمل بما يخفف حدة الضغوط التشريعية على الشركات.
رغم اثارهذه اﻻوضاع الكارثية على الجماهير، ظلت الحكومة (اللبرالية المدنية) تسدد اقساط القروض والفوائد بالدولار. فكانت المؤسسات الغربية تطالب اﻻرجنتين بتحويل قيمة حقوقهم (المزعومة) في اﻻرباح من العملة المحلية إلى العملات الصعبة وتحويلها لمصارفهم في الخارج وهو ما ادى لاستنزاف قدرات اﻻرجنتين من اﻻحتياطي النقدي اﻻجنبي. مما قلص القدرة على توفير التمويل والدعم المطلوب للمشاريع الصغيرة التي انهارت امام منافسة السلع الاجنبية ومع هذا التراجع الاقتصادي زاد تراجع اﻻنفاق اﻻجتماعي. ومع رفع اسعار الخدمات والسلع في ظل تراجع القوى الشرائية وتجميد اﻻجور ومع اغلاق المصانع واستمرار عمليات تسريح العمالة والموظفين ، انضم اﻻف العمال لخندق البطالة وانضمت اﻻف الأسر العاجزة عن تلبية احتياجاتها إلي اسفل خط الفقر. ففي نهاية حكم كارس منعم الليبرالي وصل نسبة الفقر إلي ان 14 مليون مواطن من اصل 37 مليون اصبحوا فقراء.
فقد وصل اقتصاد اﻻرجنتين لفقد البنية الصناعية واﻻنتاج الزراعي. وقام على المضاربات و اﻻعتماد على عمولات الاستثمار وعمليات اعادت تصدير المنتجات المصنعة بمعرفة الشركات اﻻجنبية .
الصندوق يعود والجماهير تغضب بلا جدو
في اكتوبر عام 1999 جاء للسلطة " فيرناندو دي لا روا" والدين العام الخارجي وصل 132 مليار دولار فما كان من صندوق النقد إلا التدخل بقروض جديدة مشترطا على "فيرناندو" تخفيض عجز الموزانة في عام واحد وتدعيم الموقف الائتماني للدولة قبل ضخ دفعات قروض جديدة، وذلك بتقليص اﻻنفاق الحكومي. فهذا هو الحل السحري للصندوق فليس هناك مجال لرفع القيم اﻻنتاجية و لا تشيد بنية صناعية وزراعية ، بل كان المستهدف هو تقليص اﻻنفاق على الرعاية اﻻجتماعية.
في 31 مايو 1999 تظاهر حوالي 40 الف شخص امام القصر الرئاسي ضد زيارة فريق الصندوق للبلاد الذى أتى لتفعيل خطة تهدف لتقليص حصة اﻻجور والمعاشات في الميزانة العامة لصالح تعزيز النسبة الخاصة بخدمة الدين العام. إﻻ انه لم يكن لهذه التظاهرات اى تاثير، فتمت الزيارة وتم التفاوض وتم اﻻتفاق على تخفيض اﻻنفاق الحكومى. ثم تم الاتفاق على قرض جديد عام 2000 . طالب الصندوق من الحكومة تحرير قطاع الصحة وإلغاء الهيمنة السيادية للدولة على قطاع اﻻتصالات، واﻻستمرار في خصخصة مشاريع الدولة فقام الاف العاطلين بتنظيم مسيرة في فبراير 2001 من احد المدن التي بها اعلى معدل بطالة ، متجهين إلي بيونس آيرس العاصمة مما تسبب في اضطراب عام في البلاد ليقوم "فيرناندو" بعمل مراوغة سياسية بتشكيل حكومة "وحدة وطنية" رغم أن اﻻزمة اجتماعية وليست حزبية أو طائفية وذلك في محاولة لتشتيت الجماهير ولامتصاص الغضب المشتعل ليبدل ثلاث وزراء مالية خلال اسبوع ليصل للوزير المقصود وهو( دمينعو كافالو) ذلك الوزير السابق في عهد منعم كارلوس ومحافظ البنك المركزي في الحقبة العسكرية. فتعين كافالو هو أحد سياسات الصندوق الراسخة ؛ اذ يطلب الصندوق بتعين شخصيات معينه في مناصب وزير المالية ومحافظ البنك المركزي للدولة وذلك بان يكون المعينين مقربين للصندوق او اشخاص اصحاب ايديولوجية اقتصادية (ليبرالية) تتفق مع سياساته، . بعد تعينه اعلن "كافالو" مباشرة للمستثمرين الدوليين" ان لهم الاولوية ﻻسترجاع مستحقاتهم. وبعد العجز عن سداد الرواتب وسداد مستحقات المصارف الاجنبية قامت الحكومة باﻻستيلاء على صناديق المعاشات لتسدد منها مستحاقت المصارف الاجنبية.
الضربات النهائية والرعب على الابواب
كانت سياسيات الصندوق عبارة عن استفزاز طبقي ، شكلت حافز ودافع قوي لتصعيد مستوى اﻻحتجاجات الشعبية ففي مايو 2001 تم إغلاق 22 طريق يربط العاصمة بغيرها من الولايات. لكن هذا التصعيد لم يؤثرعلى الحكومة، بل ان البرلمان (ممثل الديمقراطية) منح وزير المالية (رجل الصندوق) كافة الصلاحيات فتم اﻻعلان عن القيام بتخفيض الموازنة الحكومية بقيمة 1.6 مليار دولار بلا تقديم اى تفسير، ولكن كان هذا اﻻجراء مرفوض من المستثمرين على اعتبار انه علامة ضعف. فقامت الحكومة بتعويضهم برفع نسبة الفائدة إلي 50% باﻻضافة إلي علاوة مخاطر قدرها 40%
وكان قد تم تحويل 18 مليار دولا من اصل 36 ملياراجمالي رصيد البنك المركزي من الدوﻻر لخارج البلاد. وكان المدخرون الغربيون يسحبون اﻻموال بوتيرة مرتفعة ويحولوها للخارج ، ففي يومين فقط تم سحب 6% من الودائع مما هدد الجهاز المصرفي للارجنتين، لتقوم الحكومة في ديسمبر بغلق المصارف وتجميد الحسابات ﻻنقاذ جهازها المصرفي من اﻻنهيار، لكن كان هذا اﻻجراء بعيد عن الرأسمالين ، فقد نجح كبار المضاربين المحليين و الدوليين بكافة الطرق من تحويل 15 مليار دولار للخارج وكان على اثر ذلك انخفاض اﻻنتاج المحلي بنحو 25% في حين تم منع صغار المدخرين من سحب اكثر من 250 دولار في الاسبوع، ليتجمهر العملاء المرعوبين على ودائعهم امام البنوك لصرف مدخارتهم لتتحول هذه التجمعات لاحتجاجات عامة وصلت لاقتحام المصارف والبنوك الدولية و المتاجر والمطاعم والخروج منها بالطعام وهتفت الجماهير نحن جائعون نريد ان ناكل ولم تخل هذه الاحتجاجات من مواجهات عنيفة بين الجماهير المحتجين وبين الشرطة وأصحاب المتاجر. وقد سقط قتلى برصاص الشرطة ورصاص أصحاب المتاجر. و أصبحت عدة مناطق تدار بواسطة لجان شعبية وسيطر المستاجرون على مساكنهم،. و سيطر العمال على المشاريع التي يعملون فيها، كما سيطرعمال المشاريع المعلن افلاسها على هذه المشاريع. لكن لم يكن لدى الجماهير القدرة السياسية (الحزب الثوري) و ﻻ التطلع للسيطرة على السلطة التي ظلت بايد البرجوازية رغم ضعفها.
في وسط هذه اﻻضطرابات كان رد فعل الصندوق ان سبب اﻻزمة ، هو "سياسية اﻻرجنتين نفسها التي صاغتها الحكومات والبرلمان" اى ليس لسياساته الاجرامية اي دور.
وصل الحال لمرحلة من الخطر حتى على البرجوازية الارجنتينية مما دفعها لحماية مصالحها من الانهيار ضمن الوضع المدمر ليتم رفع عددت قضايا امام السلطة القضائية التي اظهرت تحرك لم يكن له مثيل فيما سبق. فالقضاء جهاز بيروقراطي ليس له اى مشروعات اقتصادية وﻻ روابط تجارية او مالية مع المؤسسات الراسمالية الدولية. فيبدوا ان الازمة ضربت امامه نقوص خطر. ففي محاولة لوقف حدة اﻻزمة المرعبة ، استعان القضاة بقوانين البلاد (المشرعة اصلا) لاصدار عدة احكام؛ تمنع ممارسات تحويل اﻻموال لخارج البلاد من قبل مؤسسات اجنبية واحكام تمنع سيطرة المؤسسات اﻻجنبية على مشاريع حكومية أو ادارتها.
ذات العلاج المميت واعلان الافلاس
كان الحل المعتاد هو ان تطلب الحكومة قرض من الصندوق. إﻻ أن الصندوق رفض، ليضغط على الحكومة قدر إمكانه، ليجعلها تنفذ شروطه بلا اي تردد. وبالفعل عملت الحكومة على استرضاء قادة الصندوق بسياسات اكثر قسوة مما أغضب الجماهير. تكررت اﻻنتفاضات الشعبية، التي اشعلتها الجماهير بغضبها لتسحق الحكومة، لكن لم يكن لدى الجماهير حزبها الذي يقودها لما هو ابعد من سحق الحكومة ، فظلت الجماهير تفتقد للبصلة و للتنظيم السياسي وللحزب الثوري. فرغم تنظيم إضرابات عمالية اخرها في 13 ديسمبر 2001 إﻻ أن الحكومة أعلنت في 17 ديسمبر عن إجراءات تقشفية قاسية تشمل 18 % من الميزانية العامة. رغم اندلاع احتجاجات باﻻﻻف في الشوارع أمام عدة وزارات واعلن الرئيس دو لا روا حالة الطوارئ مما صعد من غضب الجماهير لرفض الطوارئ وكان الوزير كافالو محل نُصب اعين الجماهير الغاضبة فقدم استقالته وإعلنت اتحادات العمال إضرابات عامة لتسهم في تصعيد الاضطرابات أمام القصر الجمهوري ليتم مواجهتها من قبيل الشرطة بالرصاص الحي، لكن الجماهير لم تكن بضعيفة أمام عنف الشرطة اﻻجرامي، و صّعدت من غضبها لتصل للسيطرة على القصر الجمهوري ذاته، لكن دون السيطرة على الحكم . فكان اﻷمر مجرد غضب عفوي واثبات لقدرتها بلا مغزى سياسي، فلم يكن هناك الحزب الثورى (الذراع السياسي ) المعبر عن مصالحها الطبقية ليدفع بها للسلطة. ومع الحصار الجماهير هرب الرئيس دولاروا بمروحية من القصر و قدم استقالته. لتعلن الارجنتين عجزها عن سداد ديونها السيادية ليتم اعلان الارجنتين دولة مفلسة في 23 ديسمبر 2001 .

ازاحة الجماهير وسيطرة البرجوازية
قام البرلمان في اول يناير 2002 بتعين ادواردو البرتو دوالده الذى كان هزم امام الرئيس دو لا روا، رئيسا للبلاد الذي لم يقل سوى ان اﻻرجنتين بلا احتياطي نقدي ثم بدأت الحكومة الجديدة عن طريق وزير الاقتصاد الجدد بالتفاوض مع الصندوق الذي رفض منح اي مبالغ للارجنتين بل قدم شروط يجب تطبيقها اولا وعلى راسها إلغاء احكام القضاء بخصوص الموانع الاجرائية على المؤسسات اﻻجنبية.
فما كان من الرئيس الجديد إﻻ تلبية مطالب الصندوق وألغى اﻻحكام القضائية، كما أعلان سياسة الطوارئ وطلب من حكام الولايات تطبيق برنامج تقشفي بوﻻيتهم، ضمن سياسة الطوارئ مجبر حكام الوﻻيات على التوقيع على البرنامج وعندما رفض حاكم وﻻية سان خوان، تم عزله فوراً. و أمر الرئيس الجديد باستخدام القوة المسلحة لإنهاء سيطرت العمال على المصانع وانهاء سيطرت السكان على الاحياء و طرد المستأجرين من الشقق.
في 2003 وصل للسلطة نيستور كيرشنر الذي شن دعاية حنجورية معادية للصندوق لكسب عطف الشعب الغاضب، وقد عُـرف بمهاجمته لرجال الاعمال. لكنه عين في وزارة المالية "فليسا ميسيلي" التي شغلت منصب رفيع في وازرة اﻻقتصاد بحكومة الديكتاتور فيديلا حيث أبقت على قرارات وزير المالية السابق فتم اﻻستمرار في سداد مستحقات الصندوق. وكانت توجيهات كيرشنر ذهبت للكف عن اخذ قروض من الصندوق وكان ذلك عن طريق تسوية كل مستحقات الصندوق قبل نهاية عام 2005 في اطار عملية تسوية نهائية يتوقف بعدها فتح اى اتفاقيات لقروض جديدة. فكانت اﻻرجنتين قد انهارت تماما لدرجة ان الصندوق مع السلطة الحاكمة وجدوها في حالة ﻻتصلح للاستثمار أي ﻻ تصلح للاعتصار، لتتم عملية انعاش للاقتصاد الارجنتيني بعد ان رفع الصندوق يده عن اﻻرجنتين (مؤقتا) ، لكن لم يتم رفع الديون الخارجية ، فاﻻرجنتين مديونة لعشرات السنين القادمة بفضل جدولة الديون للعديد من المصارف اﻻجنبية من خلال استبدالها بسندات دين عام اصدرتها الدولة تسدد على عشرات الاعوام.
الخاتمة
ان الملاحظ من تجربة الارجنتين ان توقف القروض ساهم في تنفس الارجنتيين الصعداء نتيجة توقف تضخم المديونية مما اسهم في توفير جانب كبير من الناتج القومي داخل البلاد رغم عدم إلغاء كامل المديونية. في الارجنتين عجزت الجماهير في الاستيلاء على السلطة رغم قربها من قبضتهم، فلم يكن حاضر معهم الحزب الثوري. فلم يتشجع اليسار في قيادة الانتفاضة الشعبية وتحويلها لثورة اجتماعية وسياسية. ليفتقد الارجنتينين لحكومة منحازة لمصالهم الطبقية وتستمد سلطتها من قوة الشعب حتى تعلن ولو من جانب واحد إلغاء الديون الخارجية والتوقف عن السداد و تعيد هيكلة الاقتصاد المحلي بالسيطرة على المشارع والقطاعات الاقتصادية كافة وفق سياسات اقتصادية واجتماعية تضمن تحقيق نمو في كافة المجالات وتوجيه مجمل الناتج القومي لخدمة الجماهير. فالارجنتين حاليا لا تزال تعاني من اثار سياسة سنوات الاعتصار الدولي.

#صندوق_النقد_الدولي
#جرائم_صندوق_النقد



#روماني_جورج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صندوق النقد الدولى ... جرائم بحق الشعوب
- حتي لاتباغتنا الجماهير ونكرر نفس الأخطاء


المزيد.....




- لم يسعفها صراخها وبكاؤها.. شاهد لحظة اختطاف رجل لفتاة من أما ...
- الملك عبدالله الثاني يمنح أمير الكويت قلادة الحسين بن علي أر ...
- مصر: خلاف تجاري يتسبب في نقص لبن الأطفال.. ومسؤولان يكشفان ل ...
- مأساة تهز إيطاليا.. رضيع عمره سنة يلقى حتفه على يد كلبين بين ...
- تعويضات بالملايين لرياضيات ضحايا اعتداء جنسي بأمريكا
- البيت الأبيض: تطورات الأوضاع الميدانية ليست لصالح أوكرانيا
- مدفيديف: مواجهة العدوان الخارجي أولوية لروسيا
- أولى من نوعها.. مدمن يشكو تاجر مخدرات أمام الشرطة الكويتية
- أوكرانيا: مساعدة واشنطن وتأهب موسكو
- مجلس الشيوخ الأمريكي يوافق على حزمة من مشاريع القوانين لتقدي ...


المزيد.....

- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين
- السودان - الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ - / محمد عادل زكى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - روماني جورج - الصندوق يعتصر الارجنتين …. والجماهير المنتفضة لم تمنع الأفلاس.