أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - علي شبيب ورد - أيها الماغوط .. هل أخذت الملف ؟















المزيد.....

أيها الماغوط .. هل أخذت الملف ؟


علي شبيب ورد

الحوار المتمدن-العدد: 1517 - 2006 / 4 / 11 - 06:24
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


ما الشعراء سوى جوّالي مشاعر إنسانية ، وربابنة رحلات عاطفية ، ورائين تمادوا كثيرا في التطلع خارج المعقول ؟! وما الشعر سوى تجربة حسّية للإكتشاف الأبدي في المجهول ؟ وما جدوى الشعر إذا لم يكن تواصلا جنونيا لخرق ظلمة المألوف ، بقناديل المخيلة ؟ وما معنى الشعر بلا أسئلة مرعبة حد الذهول ؟ وما سر تواصله إلى الآن وغدا ، إن لم يكن مجديا ؟ وإذا كان غير ذلك ، لِمَ توقف الأنبياء ، وتواصل الشعراء ؟!!!! وهل تتوقف الأسئلة عن كنه وجدوى كتابة وقراءة الشعر ؟ أشك في ذلك لأنه اشتغال وجدانيٌ فلسفيٌ في آن بحثا عن أسرار دائمة الضياع ، وعبقة التحريض على الهرولة وراءها وبلا هوادة . وهو تقصٍّ مؤذٍ
في المطلق عن جوهر الحكمة ومعنى الوجود ، وربما أفدح من ذلك .
أبن السلمية .. المدينة ( الدمعة التي ذرفها الرومان على أول أسير فك قيوده بأسنانه ومات حنينا إليها.. والطفلة التي تعثرت بطرف أوربا ....وظلت جاثية وباكية منذ ذلك الحين : دميتها في البحر وأصابعها في الصحراء ) حرّض فينا جذوة التلذذ بقراءة شعر التمرد ، منذ أن كنا نلتهم ما يفد الينا من جمرات قصائد النثر الأولى . وحفضنا له كثيرا ، لدهشتنا بغرائبية هكذا شعر ، شعر أبعدنا عن سكونية العمود بصالونات مديحه وأقبية أغراضه السلفية .
عندما قرأنا له ، لم نتصوره إلاّ صعلوكا يفترش الأرصفة ، ويتسكع في المقاهي ، ويسامر البحر ويجوب في شوارع مدينة يحاصرها الرعب والحزن والغبار والأطلال والغربان . وبعد سنين أطل علينا دريد لحام بأعماله المسرحية ، غربة / كاسك ياوطن / شقائق النعمان .
شاعر ومسرحي وناقد سياسي لاذع ، لايمكن ان تنسى أعماله / حزن في ضوء القمر / العصفور الأحدب / سأخون ياوطني / المهرج . ولا يمكن ان ينسى بموته ، لأنه لم يمت جائعا أو سجينا كما توقع هو ، بل مات غنيا بأرثه وحرا في رأيه . ويا لكبريائه وتفرده وعشقه وإخلاصه لفنه ( فليذهب القادة إلى الحروب ، والعشاق إلى الغابات ، والعلماء إلى المختبرات ، أما أنا ، فسأبحث عن مسبحة وكرسي عتيق .. لأعود كما كنت ، حاجبا قديما على باب الحزن ، مادامت كل الكتب والدساتير والاديان ، تؤكد أنني لن أموت ، إلاّ جائعا أو سجينا )
هل مات حقا ذلك المتغرب الجوال في صحارى الألم الإنساني ، والمتشكك الواخز ، والمنفلت من ريب أصابع الرقيب ، يقول ما يحلو له ويهذي بما تعرضه عليه مخيلته الجامحة من صور شعرية بلغة بسيطة وفكرة لاذعة ، حتى ولو طالت قداسة القيم ( أحلم بسلّم من الغبار ، من الظهور المحدودبة ، والرّاحات المضغوطة على الرّكب ، لأصعد إلى أعالي السماء ، وأعرف ،
أين تذهب آهاتنا وصلواتنا ؟ .. ) كما أن بساطة لغته الشعرية ، ومرانه الكتابي ، أبعدته عن التقليد الأعمى لقصيدة النثر الأوربية ، ليخلق صورا شعرية غاية في الغرابة والبوح ، معتمدا في ذلك على آليات السرد ( في زمن العطر والغناء والأضواء الخافتة ، كنت أحدّثها عن حداء البدو ، والسفر إلى الصحراء على ظهور الجمال ، ونهداها يصغيان إليّ ، كما يصغي الأطفال الصغار لحديث ممتع حول الموقد ) إن شاعريته المتفردة خلقت من مفردات بيئته المحلية لوحة شعرية بروح متمردة وخيال ثوري ورؤى تنبؤية نقية ، رافعا سلاح الجوع وأنهار الدم والدموع بوجه الجرائم البشرية ، معلنا ثورته إلى كل العالم وكأنه نبي ( أعرف أن حد الرغيف ، سيغدو بصلابة الخنجر ، وأن نهر الجائعين سوف يهدر ذات يوم ، بأشرعته الدامية ، وفرائصه الغبراء ، فأنا نبي لا ينقصني إلاّ اللحية والعكاز والصحراء ، ولكني سأظل شاكي السلاح في (( قادسيّة العجين )) في (( واترلو الحساء )) التي يخوضها العالم ، هكذا خلقني الله ، سفينة وعاصفة ، غابة وحطابا ، زنجيا بمختلف الالوان كالشفق كالربيع ، في دمي رقصة الفالس ، وفي عظامي عويل كربلاء ، وما من قوة في العالم ترغمني على محبة ما لا أحب ، وكراهية ما لا أكره ، ما دام هناك ، تبغ وثقاب وشوارع ) حقا لديه الأداء الشعري ، تجربة متواصلة مع الذات والعالم كشف لنا فيه انه ذلك السهل الممتنع ، وهو يعمد إلى الإشتغال على المفارقة في الصورة الشعرية وببساطة متناهية ( أيها المارة ، اخلوا الشوارع من العذارى ، والنساء المحجّبات ... سأخرج من بيتي عاريا ، وأعود إلى غابتي )
وبقدرة عالية على الإيحاء ، يتقمّص شخوصه شديدي التنوع في آن وفي قصيدة واحدة ، موغلا في مضارب أخيلته ، موحيا إلى قرفه وحنقه من حياته وعبث وجوده ، وبسياق تهكّمي أخّاذ ( أنا أمير ، ها سيفي يتدلّى ، وجوادي يصهل على التلال ، أنا متسول ، ها أنا أشحذ أسناني على الأرصفة ، وألحق المارة من شارع إلى شارع ، أنا بطل .. أين شعبي ؟ أنا خائن .. أين مشنقتي ؟ أنا حذاء .. أين طريقي ؟ ) وما أدهى لعبته الشعرية وهو يمعن في وصف ضياعه وغربته في هذا الكون ، ويزيد في تأكيد تشرده ودوام إقامته في المقهى . إذ يقول
( إنني لست ضائعا فحسب ، حتى لو هويت عن أريكتي في المقهى ، لن أصل إلى سطح الارض بآلاف السنين ) وفي خطابه الطريف لقبر شاعرنا السياب ، يوميئ إلى مدى تعلقه بالسياب وحبه له ، ومدى تأثره الشديد بتجربة وفنه يقول ( يا زميل الحرمان والتسكع ، حزني طويل كشجر الحور ، لأنني لست ممدّدا إلى جوارك .... لا تضع سراجا على قبرك ،
ساهتدي إليه ، كما يهتدي السكير إلى زجاجته ن والرضيع إلى ثديه .. أيها التعس في حياته
وفي موته ، قبرك البطيء كالسلحفاة ، لن يبلغ الجنة أبدا ، الجنة للعدّائين وراكبي الدراجات )
حتى لو هاجمك الدبيب ، وغيّبتك الأرض ، ستبقى فارسا مهرتك المخيلة ولجامك البحر ودليلك المروق ضد العاصفة ، تخلق من الصحراء فردوسا ومن الغيمة مطرا ومن العاصفة نسيما ومن الجنون نبوءة ومن التيه يقينا ومن النسيان ذاكرة ، وتضيف للموتى حبيبا وللأحياء كوكبا وللشعراء قنديلا . شيء واحد عملته بموتك ، أنقصت الغرباء واحدا ، غير أنك رغم هذا وذاك ، كنت للصابرين شاعرا أيوبيا تفرد في تمرده كيانا ومنجزا . كيف لا تكون كذلك وأنت القائل للسجناء والصيادين والفلاحين أبعثوا لي بكل ما عندكم من عويل ورعب وضجر / من شباك فارغة ودوار بحر / من زهور وخرق بالية ... إلى عنواني في أي مقهى ، في أي شارع في العالم ، إنني أعدّ (( ملفا ضخما )) عن العذاب البشري ، لأرفعه إلى الله .
غير أننا نسأل ، بميتتك هذه ، ماذا تفعل لو اكتشفت صدق ما كنت تتوقعه في قولك (( جلّ ما أخشاه )) ونتساءل أيضا : هل أخذت الملف ؟ أم نسيته ؟!!!



#علي_شبيب_ورد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعال يا مغترب
- مكائد الأمكنة - كولاج تأويل
- ناطحات الخراب
- دكتاتورية المعدان
- أسئلة الشعر المخيفة
- نحت الشعر في سماوات الحجر
- محرّضات ثراء النص الشعري
- لي أيضا عربة
- أيّها العاشق السومري .. من ألقى بك في الجب ؟؟؟؟
- محاولة في إيقاظ طفولة الشاعر ناجي رحيم
- شـارع الحـبـوبـي
- خرق الظلمة بألوان الفرح والحب
- بيت الترباس
- الفاصولياء من صدام الى الجعفري والله أكبر
- أمـنـيـة
- ( 2 -2 ) إستثمار مرجعيات المكان الأسطوري في إثراء الفضاء الش ...
- 2-1 -استثمار مرجعيات المكان الأسطورية في إثراء الفضاء الشعري
- جدوى بلاغة المخيلة وكفاءة الشفرة في اسطرة النص 2-2
- (جدوى بلاغة المخيلة وكفاءة الشفرة في أسطرة النص ( 1-2
- المنجز المغاير قبل وبعد الآن


المزيد.....




- البحرية الأمريكية تعلن قيمة تكاليف إحباط هجمات الحوثيين على ...
- الفلبين تُغلق الباب أمام المزيد من القواعد العسكرية الأمريك ...
- لأنهم لم يساعدوه كما ساعدوا إسرائيل.. زيلينسكي غاضب من حلفائ ...
- بالصور: كيف أدت الفيضانات في عُمان إلى مقتل 18 شخصا والتسبب ...
- بلينكن: التصعيد مع إيران ليس في مصلحة الولايات المتحدة أو إس ...
- استطلاع للرأي: 74% من الإسرائيليين يعارضون الهجوم على إيران ...
- -بعهد الأخ محمد بن سلمان المحترم-..الصدر يشيد بسياسات السعود ...
- هل يفجر التهديد الإسرائيلي بالرد على الهجوم الإيراني حربا شا ...
- انطلاق القمة العالمية لطاقة المستقبل
- الشرق الأوسط بعد الهجوم الإيراني: قواعد اشتباك جديدة


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - علي شبيب ورد - أيها الماغوط .. هل أخذت الملف ؟