أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - شيرين وفرهاد: الفصل السادس 1














المزيد.....

شيرين وفرهاد: الفصل السادس 1


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6063 - 2018 / 11 / 24 - 21:38
المحور: الادب والفن
    


" بطلنا، ولأقل منذ البدء أنّ اسمه، فرهاد، أعرفُهُ كما يعرف المرءُ نفسَهُ "
في أوان كتابته لهذه الجملة، الجريئة في شططها، ربما كان ذهنُ محقق السيرة يمضي إلى الأماكن ذاتها، المقدّر على " قرينه " أن يجتازها قبلاً في خلال فترة خوضه لمغامرته المغربية. التشديد فيما سبق على مفردة " القرين "، عائدٌ لحقيقة رفض مدلولها من قبل المحقق ـ كما لو أنّ ذلك قد يخلق الوهم عند القارئ بكونهما شخصاً واحداً، أو على الأقل، يتشاركان في حيلةٍ فنية، مألوفة في الأعمال الروائية.
وهوَ ذا " دلير " في عزلته المعهودة، يستعيدُ تحت سقف الحجرة، الملتهب بعدُ بأوار الهاجرة المنقضية، ذكرياتِ رحلته الأولى إلى ضاحيةٍ مراكشية، شبيهة بتلك التي أقام فيها " بطله ". هنالك، حلّ في ضيافة والد هذه المرأة السمراء، المتأرجح كفلها العارم في حركة تدلّه وغنج بينما كانت تمضي بعد تسليمه صينيةَ الشاي. وكان قد وقفَ لحظاتٍ وراء باب الحجرة الموارب، سكراناً ما ينفكّ بالمشهد المُبهر، المُشيَّع للتو من لدُن عينيه.
في واقع الحال، أنه بوصفه محقق السيرة، نظرَ إلى صاحبة الردف المترجرج كما لو كانت صورةً عن قرينة لها، مفترضة؛ صورة عن المرأة تلك، ذات الثوب الأحمر؛ زوجة " فرهاد " وأم ابنته الوحيدة؛ والمخلوقة الغامضة، الملغزة السيرة والمصير سواءً بسواء. عبرَ هذه الصورة، الموهومة كونه لم يحظ قط برؤية المرأة ولا حتى من خلال صورتها الفوتوغرافية، عبر صورتها، عليه كان أن يُحْيي في ذهنه ذكرَ زوجها الأول، " سيمو "، وذلك عن طريق قرانٍ مماثل. إذ دأبَ أن يتخيّل الرجل، بملامحه العطيلية المسجّلة على صفحات السيرة، وهوَ على صورة والد مالكة العجز المعجّز. ما لم يكن في حسبان المحقق، وهوَ في عزلة حجرته يُراجع تلك الصور المتماهية بعضها ببعض، أنه سيلتقي في أثناء سفرة الصويرة مع " سيمو " نفسه وفي ظرفٍ لا يقل غموضاً ولبساً.

***
رحلته إلى تلك إلى الضاحية، أينَ يسكن " إدريس " منذ أن كان ما يزال طالباً في الإعدادية، جدّت بعد قرابة العام من الاحتفال بختان الصبيّ الصغير. وكان الرجل قد تكرّم أيضاً بالمجيء بسيارته، كي يوصل صهره السوريّ وبعض أفراد الأسرة. حماة " دلير "، وكانت جالسة بالقرب من المضيف، ما لبثت أن مثلت أمام الآخرين مشهداً لا يراه المرء سوى في الأفلام الكوميدية الكلاسيكية. بدأت المرأة الهرجَ، بمناشدة ربيبها أن يلتزم السرعة خلال الطريق. إلا أنه عوضاً عن ذلك، كان يزيد من الضغط على البنزين. فراحت تشدّ شعره الرماديّ، المرة تلو المرة، فيما قهقهته تتصاعدُ مرحةً وصاخبة. وسط المعمعة، تذكّر الصهرُ قول امرأته عن أخيها غير الشقيق هذا: " إنه يصغر والدتي بخمس سنين فقط، ولديه أيضاً شقيق يكبرها بأعوام ". لقد تعلم " دلير "، وهوَ ابنُ المدينة، ألا يثق بالأرقام حينَ يتعلق أمرها بتاريخ ميلاد أحد المنحدرين من الريف!
الطريق من مراكش إلى ضاحيتها، المؤدي في نهايته إلى ورزازات على طرف الصحراء الكبرى، كأنما كان يمرّ على جانبيّ أفضل الأراضي رواءً وخصوبة. المساحات الخضراء، كانت تتخللها رقعٌ من أشجارٍ زاهية بألوان الربيع، البيضاء والوردية. بينما الطيور، المتهادية ثمة، كانت تبدو عن بُعد كنقط سود متقافزة فوق أحرف مخطوط عربيّ. أبعد عند خط الأفق، سبحت سُحُبٌ دقيقة الحجم، منفصلة عن السماء الصافية لتتعلق بأعلى أغصان الأشجار، فتتقمص شكلَ ثمار الصيف، القادم حثيثاً. بين حينٍ وآخر، كان ينبثق مقامٌ على مرأى العين كما لو أنه بدَوره جذع أحد الأشجار الضخمة، المصبوغ باللون الأبيض حتى منتصفه. الكلاب الشاردة، كانت تتنازع هنالك على بقايا أطعمة خلّفها زوار المرقد المقدّس، أو تتسلى بمحاولة قضم عظام أضحية العيد المنصرم، التي كان القرويون قد عمدوا لحرقها بشكل جماعيّ. وكان الغبار في الأثناء يهمي على بقع من المشهد، متصاعداً من الطريق شبه المعبد بفعل السيارات المنطلقة، مشكلاً ما يُشبه اللمسة الأخيرة لريشة فنانٍ خالد على لوحة الطبيعة الأزلية.
ربع ساعة تقريباً، استغرقتها المسافة بين المدينة الحمراء وضاحيتها النضرة. وكانت السيارة تجتاز الآنَ ممراً مترباً، تحدق به ضفتا نهير نحيل مغمور بالسيول المنهمرة من أعالي الجبال. لتنتقل السيارة من ثمّ إلى طريق آخر، أضيق من الأول وغير معبد. ما هيَ إلا دقيقة، وظهرت طلائع العمران لأعين الركاب. البيوت، المترامية على جانبيّ الدرب ويفصل بينها مساحات خالية كحال أمثالها في القرى، كانت في المقابل تتصف بحداثة البناء أو جدّة الترميم. أمام أحد هذه البيوت المرممة، توقفت أخيراً مركبة المضيف بعدما أطلقت حولها عاصفة من التراب المتطاير. وكالعاصفة أيضاً، لاقاهم أفرادُ الأسرة الذين أخذوا علماً مسبقاً بالزيارة من خلال مكالمة هاتفية.

> مستهل الجزء الثالث/ الفصل السادس، من رواية " الصراطُ متساقطاً "



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيرين وفرهاد: بقية الفصل الخامس
- تورغينيف وعصره/ القسم الخامس
- شيرين وفرهاد: الفصل الخامس 2
- شيرين وفرهاد: الفصل الخامس 1
- شيرين وفرهاد: الفصل الرابع 5
- طريدة منفردة
- شيرين وفرهاد: الفصل الرابع 4
- تورغينيف وعصره/ القسم الرابع
- شيرين وفرهاد: الفصل الرابع 3
- تورغينيف وعصره/ القسم الثالث
- شيرين وفرهاد: الفصل الرابع 2
- تورغينيف وعصره/ القسم الثاني
- شيرين وفرهاد: الفصل الرابع 1
- تورغينيف وعصره
- شيرين وفرهاد: الفصل الثالث 5
- شيرين وفرهاد: الفصل الثالث 4
- شيرين وفرهاد: الفصل الثالث 3
- متاهة
- شيرين وفرهاد: الفصل الثالث 2
- شيرين وفرهاد: الفصل الثالث 1


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - شيرين وفرهاد: الفصل السادس 1