أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تورغينيف وعصره/ القسم الرابع














المزيد.....

تورغينيف وعصره/ القسم الرابع


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6054 - 2018 / 11 / 14 - 20:29
المحور: الادب والفن
    


5
" الآباء والبنون "، لاقت استهجاناً شاملاً من الانتلجنسيا الروسية الشابة، بزعم أنّ مؤلفها تحيّز إلى " الآباء " وأنه قدّم بصورة كاريكاتورية بطله المؤمن بالنهلستية ( العدمية ). لقد علق تورغينيف على ردة الفعل هذه، حزيناً محبطاً: " هذه الرواية، التي انتهى بسببها ـ وإلى الأبد على ما يبدو ـ ميل جيل الشباب إليّ وحسن موقفهم مني ". (1)
نحى الكاتب باللائمة على النقاد في شأن سوء الفهم، الذي قوبلت به " الآباء والبنون " من لدُن أولئك الشباب. وأسمى بشكل خاص مجلة " سوفريمنك "، التقدمية الإتجاه، كمحرض أساسي من خلال مقالات كتّابها عن الرواية. ولم يُشفع لمؤلفها، أنه زينّ صفحتها الأولى بإهداء إلى ذكرى بيلينسكي؛ أهم نقاد عصره، والمعروف بنزعته اليسارية ونقده الجريء للنظام القيصري. كذلك لم يخفف من وطأة تلك الهجمات، امتداح الرواية من قبل ناقد كبير من نفس النزعة، وهو بيساريف، أو من دستويفسكي وكان آنذاك متربعاً على قمة مجده الأدبيّ. هذا الأخير، فتحَ بابَ المصالحة مع مؤلف الرواية، المثيرة للجدل، حينَ كتب في إحدى مقالاته: " ما أكثر ما عاناه بسبب بازاروف، الإنسان القلق المتململ ( وذلك سمة القلب الكبير ) رغم عدميته النهلستية ". وعلى الأثر، تلقى دستويفسكي رسالة من تورغينيف، أشاد فيها بفهمه لمهمة الرواية " بأعمق من الآخرين " ـ على حدّ تعبيره. (2)
مع ذلك، كان الجدل المصاحب لصدور " الآباء والبنون " قد جعل مؤلفها على كل لسان في روسيا. وانتشرَ مصطلح " النهلستي " هناك، كالنار في الهشيم؛ ولو أن ذلك، غالباً، ترافقَ مع سوء الفهم والريبة. ثم سرعان ما انتقلت الضجة إلى أوروبا ( وفرنسا بشكل أقوى )، ليُصبح تورغينيف هنالك معروفاً كشخصية أدبية مرموقة ويُقبل القراء على مطالعة رواياته مترجمة إلى لغاتهم. بدَوره، شعر تورغينيف بالارتياح جراء ردة الفعل الإيجابية على روايته في أوروبا، وها هوَ بعيدَ صدورها يبدأ جولة جديدة من أسفاره في ربوعها، فيزور ألمانيا وايطاليا قبل أن يحط رحاله في فرنسا. ثمة، في باريس ـ كما سبقَ وذكرنا في سياق الدراسة ـ أرتبط بصداقة عُمر مع مغنية الأوبرا فياردو غارسيا، علاوة على علاقاته الوثيقة بكبار الأدباء الفرنسيين.
على أنّ علاقة تورغينيف، في المقابل، ما لبثت أن ساءت مجدداً مع أديبَيّ بلده البارزين في عصره؛ وأعني، دستويفسكي وتولستوي. كلاهما أخذ على مواطنه، " نزعةَ التغريب المتزايدة في أدبه "، بحَسَب رأيه، وأنه يريد في مجال الفكر إحلالَ المرجعيات الأوروبية بمحل الروسية. في إحدى رواياته الأخيرة، " الشياطين "، سخرَ دستويفسكي من ندّه الأدبيّ من خلال إشارته لشخصية مبتدعة تحت اسم " كارمازينوف "؛ بصفته روائياً عابثاً وقلقاً من الشباب المتحرر. ولم تكن هذه المرة الأولى، التي يُقحم فيها ذكر تورغينيف في أعمال مواطنه العظيم. ففي رواية دستويفسكي، " الأبله "، يُسميه بشكل مباشر بالقول على لسان إحدى الشخصيات: " ومتشيّع لذلك المذهب العدمي المعاصر، الذي أوضحه السيد تورغينيف ". (3)
المفارقة هنا، أن دستويفسكي لم يفقد شعبيته بين الشباب، على الرغم من أن أعماله الأدبية آلت أكثر فأكثر إلى التبشير ب " المسيح الروسيّ الجديد ". كان من الممكن، والحالة هذه، أن تكون كراهيته مفهومة من قبل الأوساط التقدمية لولا أنه عُمّد في فترة فتوته بحوض الآلام بسبب انضمامه لحلقة ثورية وما كان من اعتقاله ونفيه. بينما تورغينيف، بقيَ في نظر تلك الأوساط أديباً من منبت مشبوه، نبيل وإقطاعيّ!

من ناحيته، كان تولستوي أكثر حدّة في خصامه الفكريّ مع مؤلف " الآباء والبنون ". إنه لم يكتفِ بموقفه المذكور آنفاً، بشأن " نزعة التغريب "، بل وأيضاً اتهمه بالسعي لنشر الإلحاد عبرَ أعماله الأدبية. وبلغ الخصام درجة الصدام الشخصيّ، حتى أن تولستوي تحدى ذات مرة صديقه اللدود ودعاه للمبارزة. ومع أنه أعتذر عن ذلك، وبادر إلى مصالحته عن طريق مرافقته في رحلة إلى الخارج، فإنه ذكر ساخراً أن " صحبته مملة! ". والمعروف، أنهما بقيا على قطيعة تقريباً لمدة تقارب العقدين من الأعوام. حينَ أخلد تولستوي في أواسط عمره إلى حالة من العزلة والزهد، الأقرب إلى التنسك، بادر تورغينيف إلى مناشدته العودة للحياة والأدب.

(1) ايفان تورغينيف، المختارات في خمسة مجلدات ( المجلد 3 ) ـ الطبعة العربية في موسكو 1985
(2) المصدر السابق
(3) روايتا " الشياطين "، و" الأبله "، الترجمة العربية لسامي الدروبي ضمن الأعمال الكاملة لدستويفسكي ـ موسكو دار التقدم ( بلا تاريخ )

> للبحث صلة..



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيرين وفرهاد: الفصل الرابع 3
- تورغينيف وعصره/ القسم الثالث
- شيرين وفرهاد: الفصل الرابع 2
- تورغينيف وعصره/ القسم الثاني
- شيرين وفرهاد: الفصل الرابع 1
- تورغينيف وعصره
- شيرين وفرهاد: الفصل الثالث 5
- شيرين وفرهاد: الفصل الثالث 4
- شيرين وفرهاد: الفصل الثالث 3
- متاهة
- شيرين وفرهاد: الفصل الثالث 2
- شيرين وفرهاد: الفصل الثالث 1
- شيرين وفرهاد: الفصل الثاني 5
- شيرين وفرهاد: الفصل الثاني 4
- شيرين وفرهاد: الفصل الثاني 3
- شيرين وفرهاد: الفصل الثاني 2
- شيرين وفرهاد: الفصل الثاني 1
- شيرين وفرهاد: الفصل الأول 5
- شيرين وفرهاد: الفصل الأول 4
- شيرين وفرهاد: الفصل الأول 3


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تورغينيف وعصره/ القسم الرابع