أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الحلبي - -شافيز- والأعمى















المزيد.....

-شافيز- والأعمى


وليد الحلبي

الحوار المتمدن-العدد: 6053 - 2018 / 11 / 13 - 02:37
المحور: الادب والفن
    


منذ لحظات اقتحم ملثم غرفة مكتبه بعد أن اجتاز شبكة من أجراس الإنذار وكاميرات المراقبة والأسلاك الشائكة وكلاب الحراسة الشرسة والباب الرئيسي رغم الأقفال الأربعة المثبتة عليه، أجبره الملثم على الركوع ورفع اليدين، طالباً منه الصمت المطلق. راكعاً على ركبتيه شابكاً يديه فوق رأسه، برعب ينظر "شافيز" إلى إصبع فوق الزناد، يضغط الإصبع، فيرى لهباً يخرج من فوهة المسدس، لكنه لم يسمع صوتاً بل أحس في أحشائه ألماً ممضاً، ودخل في شبه غيبوبة رأى خلالها شريط حياته يمر بسرعة البرق.
فتح "شافيز" عينيه في حي فقير من أحياء العاصمة، وذاق مرارة يتم الوالدين قبل أن يبلغ العاشرة، وفشلت خالته التي كفلته في السيطرة على سلوكه، فترك المدرسة والتحق بمهرب عمل عنده في توزيع المخدرات على طلاب المدارس، وعندما بلغ السادسة عشر بدأ يسافر صحبة ذلك التاجر إلى الأماكن البعيدة التي كان يحضر منها كافة أنواع المخدرات، فتعرف على أشهر تجار تلك المواد، وعندما تجاوز سنه الخامسة والعشرين فكر في أن يعمل لحسابه الخاص لكي يسيطر على سوق المنطقة، لذا تخلص من رئيسه الذي كان يعمل عنده في حادث سير متعمد، فخلا له السوق الذي حصل منه على ثروة طائلة، واتسعت شبكة موزعيه لتشمل إقليم المنطقة بكامله، وبطبيعة عمله ذاك، كان لا بد لشافيز أن يخوض صراعاً مسلحاً للتخلص من منافسيه من تجار المخدرات، فقتل الكثيرين منهم ومن أتباعهم وأخرجهم من السوق، خاصة أتباع ذلك المنافس الخطير "ليوناردو"، والذي لإيغاله في العنف وقتل منافسيه دون روية، ولأسطورة حيكت حوله بأنه كان يصيب الهدف بمسدسه وهو معصوب العينين، فقد أطلق عليه تجار المخدرات لقب "الأعمى".
بعد ثبوت ارتكابه جرائم شنيعة بحق رجال الأمن ومنافسيه وأتباعهم، أصبح "شافيز" مطلوباً للعدالة مقابل مكافأة مجزية، إلا أن مناعة جبال المنطقة التي اتخذ فيها أوكاراً لعصابته جعلت وصول قوات الأمن إليه ضرباً من المستحيل، وكان كلما اتسع نفوذه وتكدست ثروته، ازداد عدد طالبي رأسه من قبل قوات الأمن ومن منافسيه على حد سواء، غير أن تقدمه في السن وجمعه ثروة طائلة أرغماه على التوقف عن تلك الحياة الشقية، فقرر الرحيل بسلام، حاملاً ثروته إلى إقليم ناءٍ جنوب البلاد.
هناك أخفى شافيز شخصيته الحقيقية عن طريق عمليات تجميل معقدة، وانتحل اسماً آخر بأوراق مزورة، وافتتح فندقاً راقياً ومطعماً أصبحا قبلة لأثرياء المنطقة، فعقد مع شخصياتها صداقات حميمة كرست نفوذه فيها، ولأنه قضى جلَّ عمره في حياة غير مستقرة ملؤها الجريمة والخوف لم يتمكن خلالها من الزواج وتكوين أسرة، فقد قرر أن ينهي مشوار حياته بحياة أسرية هادئة، فذات يوم ظهرت في الفندق نزيلة شابة بارعة الجمال، لمحها صاحب الفندق، ولما سأل عنها، أفاده مكتب الاستقبال بأنها فتاة تبدو ثرية اسمها "أليهاندرا"، جاءت لوحدها من العاصمة لزيارة هذه المدينة، واستأجرت شقة فاخرة في الطابق العلوي من الفندق، كما استأجرت سيارة خاصة مع سائقها، يحضر إليها كل صباح لكي يصطحبها للتسوق أو لزيارة الريف المجاور. وجد شافيز في هذه الفتاة المواصفات التي كان يحلم بها لإكمال مشوار الحياة معها، فقرر دعوتها على العشاء، فقبلت بعد تمنع خجول، وخلال وجودها معه، رأى فيها جاذبية طاغية آسرة، ولمس عندها ذكاءً لمّاحاً لم يصادف مثله من قبل، وتكررت دعوات العشاء واللقاءات، فقرر مفاتحتها برغبته الزواج بها، فقبلت بعد تردد زاد من رغبته فيها، ولما سألها عن أسرتها قالت بأنها يتيمة الأبوين، ورثت عن والدها ثروة كبيرة، وتعيش في العاصمة مع خالتها المقعدة، فتذكر شافيز طفولته البائسة، واعتقد أن القدر قد جمعهما لتشابه غريب في النشأة، وهكذا اقترن بفتاة يكبرها بما لا يقل عن ضعف عمرها.
وقبيل حفلة العرس، وإكراماً للعروس الشابة، فقد شيد شافيز على عجل منزلاً فخماً على مرتفع يطل على المدينة، أحاطه بعشرات الكاميرات، وبالأسلاك الشائكة على الأسوار، وبصفارات الإنذار التي تنطلق بمجرد حدوث أية حركة داخل الحديقة، علاوة على مجموعة من كلاب الحراسة الشرسة، وأقفال ضخمة على الباب الرئيسي، وكانت حفلة الزواج التي دُعِيَ إليها أعيان المدينة واحدة من أفخم الحفلات التي لم تشهد المنطقة مثيلاً لها في تاريخها.
لم يفتح حساباً في بنك المدينة سوى لإيداعات ريع الفندق والمطعم، أما كمية الحلي الذهبية والمجوهرات ومئات الآلاف التي جمعها من تجارة المخدرات، وحتى لا تطرح السلطات عليه السؤال: من أين لك هذا؟، فقد أودعها في خزنة حديدية في أرضية مكتب الفندق، وعندما انتقل للعيش في بيت الزوجية، أودع تلك الثروة في خزنة حديدية ضخمة ثبتها في زاوية غرفة المكتب، أقفلها بشيفرة بلغت أكثر من عشرة أرقام ورموز احتفظ بها لنفسه، جعلت من فتحها أمراً لا يمكن إلا بمعجزة، ومع زوجته الشابة عاد إليه شبابه الذي ضاع في مجاهل الجبال وبين طلقات الرصاص ومشاهد الدم والقتل، فشعر أنه قد استعاد شبابه من جديد، وربما كان من عوامل التقريب بينهما حد الاندماج حاجة كل منهما إلى العطف والحنان الذي افتقداه بسبب كارثة اليتم التي ضربتهما في سن الطفولة، ومع ذلك ساوره الشك بأن قبولها الزواج به رغم فارق السن ربما كان الطمع في ثروته، لكنه لم يجد في ذلك ضيراً لعلمه أنه ليس له وريث سواها، ولأنه يدرك بأن الطمع واحد من أشهر طباع البشر، غير أن ما أزاح هذا الشك عن ذهنه وزاد بالتالي من ثقته فيها أنها أصرت على إحضار كامل ثروتها من حلي ومجوهرات ونقود من العاصمة، وأودعتها في خزنته الحديدية. هنا شعر شافيز بالخجل والحرج من احتفاظه بشيفرة فتح الخزنة لنفسه فقط، ولثقته بأنه سوف يفارق الحياة قبل زوجته الشابة المحبوبة، فقد باح لها بأرقام شيفرة فتح الخزنة، وتأكيداً منه على أنها لن تنساها إذا احتاجت إليها، فقد كتبها على ورقة أودعتها أحد أدراج غرفة النوم، واستمر غارقاً معها في حياة زوجية هانئة.
يضع كلتا يديه على الجرح العميق الذي أحدثته قبل لحظات رصاصة الملثم، والذي يرفع الآن القناع عن وجهه فإذا هو منافسه القديم: "الأعمى"، وبينما ما يزال ذهن شافيز حاضراً قبل أن تفارق روحه صدره، يرى بصعوبة "ليوناردو" يخطو من فوق جسده وهو يرمقه بنظرة شماتة، ثم يتجه إلى الخزنة الحديدية حاملاً بيده ورقة عليها أكثر من عشرة أرقام ورموز، وقبل صعود روحه، كانت آخر كلمات تفوه بها صاحب الخزنة: سامحك الله يا أليهاندرا.
10 نوفمبر 2018



#وليد_الحلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا أخشى على فلسطين أن تتحرر؟
- فلسطين التي أخشى أن تتحرر
- عندما يعيد التاريخ نفسه
- هل الحدود الدولية قدر لا مناص منه؟
- في الطائفية ( Sectarianism)
- الأكراد والبليارد
- الصديق فخري البارودي صاحب -بلاد العرب أوطاني-
- الوحدة العربية: بالقوة؟، ولِمَ لا؟
- الثابت والمتحرك في القضية السورية
- هل هي بالفعل أدوات تواصل؟
- دردشة في السياسة السعودية
- حاولت جهدي أن أكون حماراً ... ونجحت
- الكلمة الطيبة
- مشاهد منسية، من أيام دمشقية +60
- حوثيو العراق!، ودواعش اليمن!
- صدق من قال: الكونغرس الأمريكي أرض إسرائيلية
- جاري صاحب الكيف: علاقة آثمة مع الخليفة البغدادي
- عنجهية فرنسية فارغة
- لا أحد يستطيع معاندة الحكومة،،، يا بُني
- جاري صاحب الكيف تاجر كراسٍ


المزيد.....




- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...
- رواية -خاتم سليمى- لريما بالي.. فصول متقلبة عن الحب وحلب


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الحلبي - -شافيز- والأعمى