أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - عبدالرحمن منيف روائي ملحمي















المزيد.....

عبدالرحمن منيف روائي ملحمي


خليل الشيخة
كاتب وقاص وناقد

(Kalil Chikha)


الحوار المتمدن-العدد: 1515 - 2006 / 4 / 9 - 12:38
المحور: الادب والفن
    


في الصدر الفاغر ألقى بالجمر المتأجج
استلقيت في الصحراء جثة وصوت الله أوحى إلي
تمرد أيها النبي، تمعن وأصغ وكن إرادتي
وألهب قلوب الناس بالكلمة
بوشيكين

يحكى أن رجلا دخل على الخليفة العباسي هارون الرشيد وطلب منه أن يعرض أمامه فنونه التي ابتكر. فاستجاب الخليفة. وشرع الرجل في وضع عدته المؤلفة من الإبر الطويلة. ثم صوب إلى جدار أمامه وأخذ يرمي بالإبر على منطقة في الحائط فارتسم من خلال الإبر المرمية دائرة دقيقة أعجب لها كل من في القصر. وعند الذهاب أمر الرشيد له بخمسمائة جلده وخمس مائة درهم. فسأل الرجل مستغربا حكم الجلد الجائر. فأجابه الخليفة بأن الدراهم من أجل فنك الرفيع المبدع، ولكن الجلد فهو لأنك أضعت وقتك في فنٍ لا يفيد الناس. والآن لو عرضوا على الخليفة عملا أدبيا لقال نفس العبارة.
يكمن وزن الكلمة بما تخدمه من هدفٍ وأمانة بالنسبة للكاتب وتأتي أهميتها من خبرة الأديب ومعاناته ضمن الضواغط الاجتماعية. وتبقى هذه الكلمة أثراً يخلّد الأديب ويغدو سيرة للأجيال في مختلف الأزمنة والأصقاع. وكم من رواية خلّدت كاتبها أو أخرجته من حدودية المكان إلى العالم الرحب تنطق بلغات الشعوب طرا. فكم عاشت معنا رواية (الجريمة والعقاب) أو الحرب والسلام أو البؤساء . الأديب كالطبيب النفسي يرى في الذات البشرية ما يعجز عنه الآخرين. يرى ضعفها وقوتها، سعادتها وانكسارها. يعيّن أمراضها لكن القليل من يضع الوصفة الناجعة. الأديب يشير إلى الخطأ والمعوج، يجعله أكثر استواءً وألفة. يترك لنا حرية أن نقضي على عيوبنا أو نستسلم فتقضي علينا. مهمة الأديب تفوق التسلية والمتعة لتكون غاية رفيعة تقدم تشخيصات قد تساعد الآخرين إلى الوصول للحلول المبتغاة.
هذا ما فعله عبد الرحمن منيف في أعماله الروائية حيث يشير إلى كوامن الضعف والمرض، يشير دون اللجوء إلى اللف والدوران. يرينا الحقيقة مهما بلغت البشاعة فيها والنفور. عارية كما هي. ربما يريدنا أن نصطدم بحقائق غابت عنا أو تغيبت.
ففي روايته الملحمية (مدن الملح) والتي تتألف من (2444) صفحة يدوّن فيها فترة تاريخية في حياتنا كعرب. ففترة النفط كانت هامة وأتت مسلسلة بعناوين مختلفة لتخترق دقائق الأمور بعبقرية فائقة. يصدمنا في أحداثها ثم نتوقف لنسأل، هل فعلا فعل النفط فينا ما يقول. هل دمر فينا الطيبة والأصالة أم يبالغ. قد نحاول نسيان كل ما قراناه، لكن الأحداث والمأساة لاتتركنا. تنطبع على أقحاف رؤوسنا بذات القوة التي يقدم أعماله فيها. لانستطيع نسيان الدكتور (الحكيم) المحملجي وزوجته، ولابامكاننا نسيان المرأة العجوز التي عاشت في منطقة حران مع ابنيها وماتت نتيجة عدم فهمها للظروف الجديدة وعدم تكيفها. موتها كان سبب انعدام فهم المتغيرات الطارئة في المنطقة. الرواية تذكر الكثيرين برائعة ماركيز (مائة عام من العزلة) في بروز المدينة واندثارها، فهي تجمع تاريخا حافلا من الصراعات والمنازعات حول السلطة والتعطش عليها. تضع الإنسان على حقيقته الوضعية. قال أحد النقاد معلقا على العمل : إن عبد الرحمن منيف يقدم نموذجا جديدا للبطولة الروائية المضادة. للبطولة التاريخية . إنها بطولة اللابطولة. إنها البطولة الروائية التي ترى كل معانيها وقيمها وسموها في الحياة. فهي بطولة العصر العربي الراهن الفاقد لكل بطولة. إنها بطولة الانحدار والانحطاط.
وبعد أن ترجمت الرواية إلى الانكليزية قال فيها ديفيد غلمور في صحيفة نيويورك تايمز : مايريد مؤلف الرواية أن يقول هو أنه لايوجد على الإطلاق إمكانية للحلول الوسط. بيد أن هذه المسائل طرحت من قبل إلا أنها في عصرنا الراهن أضحت ملحة وخطيرة.
وفي لقاء أجرته إحدى المجلات حول الرواية وجهت سؤالا للكاتب: هل تريد أن تقول أن المدن التي ازدهرت على النفط مصيرها إلى التلاشي مع غيابه(أي النفط) . فأجاب : "المدن كما هو معروف نتاج حضاري، وثمة عناصر عديدة لابد من توفرها لنشأة المدن واستمرارها. معظم المدن نشأت على ضفاف الأنهار وفي السهول الخصبة وعلى طرق التجارة، وهذا أدى إلى تراكم مستمر ولّد قيما وأفكارا وطرائق في التعامل مع الطبيعة. فالعمارة التي نشأت في ظروف مناخية حارة اتسمت بسمات المناخ سواء لجهة المواد الأولية أو طريقة البناء. فمن المعروف أن مدن مثل حلب ودمشق والموصل صادفها نكبات كثيرة إلا أنها صمدت لأن عناصرها الأساسية للاستمرار متوفرة. لكن مايو جد في الخليج هو ناطحات سحاب من الزجاج والحديد في حرارة تصل إلى 50 درجة . ما الذي يحدث لتلك المدن لوا نقطع التيار الكهربائي.. أنها ستتحول إلى أفران تحرق ساكنيها، وما مصير تلك المدن عندما تنعدم فرص العمل فيها، لابد أنها ستهجر. ماحدث من الممكن أن نسميه طفرة أو فورة لأنه لم يكن نتاج تغلب الإنسان على الطبيعة ".
وفي رواية أخرى (الآن..هنا أو شرق أوسط مرة أخرى) يستهلها بمقولة عن سفيان الثوري" إذا رأيتم شرطيا نائما عن الصلاة فلا توقظوه لها فانه يقوم يؤذي الناس. ويستعمل الشرطي هذا كرمز ليدل على التسلط والظلم في وقتنا الحاضر. الرواية كلها عبارة عن سيرة سجين سياسي يتنقل من سجن إلى آخر. ذكرني هذا العمل برواية دوستوفسكي (بيت الموتى) بالتطرق إلى وضع المساجين والوصف المرهف لدقائق البيئة المحيطة. هذا الوضع لايفرق كثيرا عن حالة الغابة وقانونها، في قسوتها وبطشها. يخبرنا فقط ويترك لنا أن نتألم، أو نتعاطف أو نستنكر الحالة التي فرضت علينا كشعب أو أمة. وربما كان تعليق الناقد والكاتب سعد الله ونوس شامل ودقيق إذ يكتب: " أن رواية عبد الرحمن منيف تمزق الصمت، تعلن الفضيحة. هذه الأوطان والسجون فضيحة. وهذا التاريخ الشرق أوسطي معتقل يستنقع من الفضيحة. ورغم أن الرواية تلاحق هذه الفضيحة بتنوعاتها الفطرية وتعدد مستوياتها فإنها تتعمد إن تظل قولا ناقصا، قولا لايكتمل إلا إذا أضاف القاري موقفا أو فعلا".
يعتمد عبد الرحمن منيف على الحدث كمحور للصراع القصصي، ثم يبدأ يدخل بتفاصيل العمل متروّيا إلى جوف الأحداث الصغيرة والوصف الرائع للمكان والحالة النفسية المسيطرة خلال التنقلات الروائية. فهو لايكتب من أجل التسلية والمتعة بل لغاية أنه يريد أن يشاركنا في مشاعره وأفكاره المستقاة من خبرته الطويلة في مجال الأدب.



#خليل_الشيخة (هاشتاغ)       Kalil_Chikha#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا سقطت بغداد
- العرقية وحقوق الانسان
- الأم والزوجة
- السرقة المشروعة
- الإرهابي
- الجالية العربية في الولايات المتحدة
- جذور هلوين
- مراجعة في كتاب الفصام الديني والوطني د.نضال عبد القادر الصال ...
- العربان وضرب النسوان
- تكفير علم التاريخ
- فتوحات كولومبوس
- طابور الفوضى
- الإنتحار على الطريقة اليابانية
- أسلمة العلوم
- لقطات من الماضي والحاضر ومابينهما
- مجموعة نخلة بدر القصصية
- هذا الجنوب
- زيارة أمنية
- سيد قمني والتنحي عن الكتابة
- القص عند أكرم إبراهيم


المزيد.....




- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - عبدالرحمن منيف روائي ملحمي