أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - جسور الحُب . . رواية لا تحمّل الأبناء وزرَ ما ارتكبه الآباء















المزيد.....

جسور الحُب . . رواية لا تحمّل الأبناء وزرَ ما ارتكبه الآباء


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 6048 - 2018 / 11 / 8 - 11:15
المحور: الادب والفن
    


تهيمن أجواء الحُب والهجرة والضياع على رواية "جسور الحُب، غرينفيل تاوَر" لمريم مشتاوي الصادرة عن "دار المؤلف" ببيروت وهي العمل السردي الرابع في رصيدها الروائي الذي بدأ يستوفي اشتراطاته الفنية، وينمو بشكل عضوي على صعيد الثيمة والأحداث والشخصيات. فقد بدت هذه الرواية المحبوكة مُقنعة للقارئ، ومُحفِّزة له كي يغوص في أحداثها الرئيسة، وينبش في تفاصيلها الزمكانية، فهي رواية زمان ومكان مثلما هي رواية حُب، وسفر، وغربة، وموت، وفقدان عاطفي، وعودة إلى النبع الأول.
تنطلق أحداث الرواية من مدينة قسنطينة أو سيرتا باسمها الأمازيغي، مدينة الجسور المعلّقة التي تحتضن بعض الشخصيات الأساسية للنص الروائي مثل بايا وحبيبها الأول تقيّ الدين والحلقة الضيقة من الأهل والأقارب، والسيدة البريطانية كليونا وايت التي تعتبرها الراوية بايا مولاتها وأمها الثانية التي فتحت لها باب الأمل على مصراعيه.
لا تبدو قصة الحُب التي نشأت بين بايا، الفتاة الجميلة وتقيّ الدين، الشاب الوسيم استثنائية فهناك آلاف وربما ملايين القصص المشابهة لها لكن هناك سرًّا ما سوف تكتشفه بايا لاحقًا رغم أنها شخّصته بحدْسها، وقوة فطنتها وبصيرتها الداخلية حين تساءلت في سرّها بما معناه: ما مصدر جماله إذا كان أبواه قبيحين إلى حدّ اللعنة؟ ولو أضفنا إلى هذا التساؤل طلب جدتها الأمازيغية رقيّة الأورغليّة ألاّ ترتبط بايا بتقيّ الدين مهما كانت الأسباب. هذان التساؤلان سوف يضعان القارئ أمام مفاجأة غير متوقعة تمنح النص السرديّ نكهة خاصة ومغايرة، وتثير فينا أسئلة فكرية وثقافية عميقة تدعونا فيها ألاّ نحمّل الأبناء وزرَ ما ارتكبه الآباء.
هناك شخصية مؤازرة هي كيلونا وايت، زوجة السفير البريطاني سيمون وايت، لكنها تُسهم في بناء الشخصيتين الرئيستين بايا وتقيّ الدين قبل أن تَلقى حتفها متأثرة بمرض عضال. فهي التي علّمت بايا النظافة، والعناية بالمظهر والمَخبَر، والاهتمام بالروح ، وهيأت لها سبيل السفر إلى لندن بحجة "أن المسافة بين العشّاق ضرورية بين حين وآخر "، كما التقت بتقيّ الدين لمدة نصف ساعة خرج إثرها متجهمًا ولم نعرف بطبيعة الحوار الذي دار بين السيدة البريطانية والشاب الوسيم الذي كان عليه أن ينتظر سنتين في الأقل قبل أن يفكر بالزواج من حبيبته التي كان يتغزّل بها ليل نهار.
تنجح مريم مشتاوي في الإمساك بروح المكان، ففي الفصل الأول نتعرف على مدينة قُسنطينة بحاراتها، وشوارعها، وجسورها، ومساجدها، وأكلاتها الشعبية، وسوف يعرف القارئ حي السويقة، وجسر سيدي راشد، وأكلات شعبية مثل الكسكس، والتختوتة، والرفيس التي تُحيل إلى قسنطينة تحديدًا، أو الجزائر بشكل عام. وسوف تمسك بروح المكان حيثما تنقلّت في لندن سواء في بيت مارغريت، أو في شارع بورتبيلّو، أو في برج غرينفيل وغيرها من الأماكن التي عاشت فيها أو شاهدتها بطلة النص التي أخذت تنضج، وتزداد خبرة كلما تقدمّت بها الأعوام.
يكتظ الفصل الثاني بالعديد من الشخصيات وأولها يونس "الثرثار" الذي كان يجلس إلى جوار بايا في الطائرة، وما إن سألته سؤالاً عابرًا حتى سرد لها قصة حياته، فعرفنا أنه متزوج من امرأة فرنسية طلّقها بعد سنة من الزواج، ويمتلك محلاً للأشغال اليدوية، وقد أعرب عن استعداده لمساعدتها لأنها غريبة، ولا تجيد الكلام باللغة الإنجليزية، وسوف يجد لها عملاً وسكنًا في يوم واحد لكنه جذبها إليه في السيارة وحاول تقبيلها فهربت منه فتدارك الأمر واعتذر لها عن سوء الفهم وأعتقد أنها معجبة به. وسوف يظل هذا الحب قائمًا من طرف واحد لأنها فشلت في أن تحبه، ونجحت في أن تصبح صديقة له بحجة أن "للصداقة عمرًا أطول من عمر الحُب". نتعرّف على شخصيات أخر أهمها العم إدريس، القادم من قسنطينة أيضًا وسوف يستذكر مع بايا مجازر 8 مايو 1945، ويسرد لها قصة جدتها رقيّة الأورغليّة التي ضربت ذات يوم صديقة طفولتها أم رابح لأنها كانت ترقص في كازينو الوادي للضباط والجنود الفرنسيين، وتقيم معهم علاقات جنسية مقابل بعض الأموال. وعند هذه النقطة الحاسمة نكتشف أنّ تقيّ الدين يحمل جينات فرنسية ولكن ما ذنبه هو إن أخطأت الأم، وهل يحمل وزرها مدى الحياة؟ العمّ إدريس ليس بريئًا، وما يزال مشاغبًا على الرغم من كبر سنِّه، وسيعرّفها على لاجئَين سوريَين هما فراس وشقيقه باسل، وسوف تقع بايا في حب باسل من دون أن تعرف أنه مرتبط بفتاة يعشقها حدّ الجنون.
يُشكِّل الفصل الثالث منعطفًا خطيرًا في الرواية حينما تندلع النار في برج غرينفيل، فلقد سبق لها أن تعرّفت على مريم مسعود الطيهاني التي أخبرتها من قبل بأن ابنتها شهد تسكن في الطابق الأخير من البرج مع ابنتيها الصغيريتين، وأن المهندس المعماري باسل، وسمر المرجان، والعم إدريس وعشرات السكّان من أصول مغاربية وأفريقية وأسيوية يسكنون في هذا البرح السكني الذي التهمته النيران. تأخذ قصة حبها لباسل شكل تساؤلات قصيرة صادمة من بينها:"كيف يموت قبل أن أخبرهُ بحقيقة مشاعري تجاهه؟" لكن هذا الذهول سرعان ما يتبدد خصوصًا وأن الموت كان يلتهم ضحايا البرح ويهزّ المملكة برمتها. وبما أن هذا النص الروائي مليء بالمفاجآت فإن العم إدريس الذي أحببناه كشخصية مشاكسة لا يجد حرجًا في مداعبة النساء الجميلات وجدناه حيًا يُرزق ولم يمت في حريق البرج كما تخيّل جميع أصدقائه ومعارفه المقرّبين منه، فقد أصيب بأزمة قلبية في آخر مرة رأى فيها جمال بايا ولم يخرج من المستشفى إلاّ بعد شهرين كان فيها الحريق المُفجع قد أتى على البناية ومَنْ فيها فأخذ يتردد على المقهى المجاور للبرج عسى أن يتعرّف على أخبار الناجين من هذا الحريق الذي قصّرت الحكومة في إخماده.
ومثلما نجحت مريم مشتاوي في تقديم نص روائي محبوك لا تعوزه الخبرة فقد نجحت في رسم الجملة الختامية المعبّرة التي تقول فيها:"إنه شتاء لندن الأخير". لتطوي صفحة هذه الرواية المؤثرة التي تطرح سؤالاً مهمًا بصدد الضباب الذي اقترن باسم المدينة فتقول مستفسرة:"هل ضباب لندن هو جزء من حريق قديم لم يتم إخماده سابقًا؟". ومن أعماق هذه التساؤلات الروحية المؤرقة ينبثق سؤال الرواية الأهم على لسان الراوية التي تسرد وتبرّر حينما تقول:"هل هناك ما يمنعني من العودة إلى تقيّ الدين؟ قد تكون جدته أخطأت في الماضي ولكنه حتمًا لن يدفع ضريبة الأموات".
هناك قصص جانبية كثيرة تزخر بها الرواية لكنها تصبّ في المناخ العام مثل قصة جون هارز، المدمن الذي حوّل حياة العديد من اللاجئات إلى جحيم لا يُطاق، أو قصة سائق القطار الذي ترك ركّابه ينتظرون لمدة عشرين دقيقة وذهب ليشترك في أغنية الراب الشهيرة التي ألّفها مطرب معروف رثاءً لضحايا البرج السكني، وحين سألوه عن سبب إيقاف القطار قال بأن مديره قد سمح له بذلك حين عرف بأنه فقد أعزّ أصدقائه في ذلك الحريق المروّع. جدير ذكره أن مريم مشتاوي قد أنجزت ثلاث روايات قبل "جسور الحب" لكن هذه الأخيرة أهّلتها للدخول في المشهد الروائي العربي المحترف.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليلة المعاطف الرئاسية. . رواية كابوسية مطعّمة بالسخرية السود ...
- أُنشودة حُب. . رواية رومانسية بحُلّة تاريخية
- استجواب الرئيس. . سنوات الطفولة هي المفتاح لفهم شخصية الطاغي ...
- الدكتاتور بطلاً. . الشخصية التي تقمصت سيَر الأبطال وتماهت به ...
- سيرة هجومية حادّة على الثقافة الأنكَلوساكسونية
- رواية -الخريف- لآلي سميث ومثلث الصداقة والحُب والفَناء
- ناسك في باريس . . سيرة الذات المشطورة التي تبحث عن هُوية ضائ ...
- الكُتب التي التهمت والدي.. رحلة ذهنية للولوج في عالم الأدب و ...
- نصوص القسوة. . رواية جديدة بنكهة مسرحية
- التحولات الاجتماعية وأساليب السرد في الرواية الإماراتية الحد ...
- حدود مُتداخلة . . رواية بوليسة عراقية
- ضفاف أمستل: مُشاهدات من المسرح الهولندي
- بيت السودان . . رواية المكان بعدسة شيئية
- الصرح الترجمي للدكتور علي جواد الطاهر
- التشكيلية روان العدوان تستلهم أعمالها الفنية من لآلئ الصحراء
- استنطاق التاريخ وتطويعه في رواية حُب في ظلال طاووس مَلَك
- الحالة الحرجة . . رواية تمجِّد البطل المُغترِب، وتُقارع السر ...
- لماذا أحبّ القرّاء شخصية عمّو شوكت في رواية -ساعة بغداد-؟
- حرب الكلب الثانية. . مصير الإنسان في ظل التطورات العلمية
- زهور تأكلها النار. . . رواية ترصد الإرهاب القديم بعين معاصرة


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - جسور الحُب . . رواية لا تحمّل الأبناء وزرَ ما ارتكبه الآباء