أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - شفيق الجندوبي - هم.. ونحن ..والإصلاح















المزيد.....

هم.. ونحن ..والإصلاح


شفيق الجندوبي

الحوار المتمدن-العدد: 6047 - 2018 / 11 / 7 - 14:12
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


كان لعصر الانحطاط إبّان القرون الوسطى في أروبا نقاط تشابه كثيرة مع أوهاننا العربية المستديمة: مجتمعات خرثاء موغلة في المحافظة، وديكتاتورية سياسية عمياء وبنية ثقافية ومعرفيّة عرجاء.
فكيف وجدوا سبيل الخلاص؟ ولماذا وحلنا وحلة نكراء؟
منذ فجر القرن الخامس عشر وعلى مدى القرن السادس عشر عرف الغرب استيقاظة حضاريّة مهمّة بعد سبات ثقيل وليل طويل. استيقاظة تجلّت خاصّة في حركتين نمتا خلال هذين القرنين:
- أولاهما حركة الإصلاح الديني والتي انبثقت عنها نشأة البروتستانتية خاصّة على يدي كلّ من Martin Luther و Jean Calvin اللذين أسهما فعليّا في تخليص الإنسان المسيحيّ من كلكل الكنيسة وربقة رجال الكهنوت الذين باتوا وكلاء الرّب على الأرض وداعمين بلا شروط للكنيسة الكاثوليكية الرّومانية المؤبّدة بدورها للمصالح السّياسيّة والمنافع الاقتصادية للنّافذين. وقد قامت الحركة البروتستانتية ضدّ تأبيد الحيف الاجتماعي والسياسي باسم زاوية نظر دينيّة تدعى الكاثوليكية. ولا غرو، فكلمة بروتستانتية مشتقة من الفعل اللاتيني protestari الذي يعني إعلان عامّ وشديد لمعارضة قرار أو إجراء أو أمر.
- وثانيتهما حركة ثقافيّة وفكريّة هي الحركة " الإنسانيّة " humanisme التي أقرّت للإنسان دورا مركزيّا في صنع التاريخ بدل تكبّده. وقد ازدهرت هذه الحركة خاصّة في مدينة Florence فلورنسة الإيطالية وما جاورها. واعتمدت في ما اعتمدت على مدّ الجسور مع الإرث الإغريقي و الرّوماني مشيعة بين الشّباب شهيّة كبيرة للعلوم والفنون. كما رسّخت اعتقادا قويّا بالقدرات والملكات اللامحدودة للإنسان. وأنّه لأجل مصير أفضل لا بدّ من شحذ هذه الملكات بالمعارف التي عمل روّاد هذه الحركة على إشاعتها وتبسيطها لتكون في متناول الجميع وبالتالي كسر احتكارها من قبل فئة محتالة. كلّ العلوم بلا استثناء ينبغي أن يتيسر للجميع الوصول إليها بما في ذلك العلوم الدينيّة. وحتّى الكلام المقدّس، كلام الله الوارد في الإنجيل لم يروا ضيرا في ترجمته إلى مختلف اللهجات الدراجة ليخرجوه من حبس اللاتينية.
وقد أنتجت " الإنسانية " في ما أنتجت من بواكير منتوجها ثلاثة كتب- مفاتيح كما يرى جلّ المؤرّخين سيكون لها عميق الوقع على وجدان الإنسان الأروبي هي:
• " مدح الجنون " لإيرازم 1509Érasme de Rotterdam « L’Éloge de la Folie »
وخلاصته مجموعة حكايا تهدف إلى تجلية علاقة إيمانيّة جديدة بين المؤمن وربّه من دون وسطاء. وفيه سخرية لاذعة من المنافقين والمرائين.
• "اليوطوبيا " لتوماس مور 1516 L Utopie » de Thomas More «
وخلاصته إمكان العيش في مدينة فاضلة يسودها التسامح والانضباط للقانون والحرّية المكفولة
لجميع المواطنين.
● "المحاولات" لمونتانيي 1582 « Les Essais » de Michel de Montaigne
وهو كتاب يعلّم التّواضع ويحذّر من مغبّة نهج طريق المغالاة والاعتداد بامتلاك الحقيقة. ومن ثمّ تعليق الحكم والرّصانة واستبدال "أعرف" بـ "ماذا أعرف؟" لأنّ الغرور صنو الجهل. كلّ هذا يحكيه مونتانيي انطلاقا من تجربته الذاتّية وقصّة الإنسان عامّة.

أمّا في العالم العربي، فبعد الانحطاط جرت محاولات إصلاحيّة تصدّت لنقد الواقع الفكريّ والثقافي المتردّيين. وقد بشّرت هذه المحاولات بإمكان انبلاج فجر جديد ونهضة لشعوب المنطقة بعد كبوتها الطويلة. كان ذلك خاصّة خلال القرنين 19 و 20 ومن أبرز أعلامها في الميدان السّياسي جمال الدين الأفغاني ( 1838 – 1897 ) ومحمد عبده ( 1849 – 1905 ) في الميدان التربوي والشّيخ محمد الطاهر بن عاشور ( 1879 – 1973 ) في الميدان الديني واللغويّ وقد كان له تفسير ضخم للقرآن الكريم عدّ من أغنى التفاسير ألا وهو "التحرير والتنوير" الواقع في 16 جزءا وقد تطلب إنجازه 39 سنة وستّة أشهر.
لكن حين نقف على نتائج مشروعي الإصلاح في كلّ من أروبا والعالم العربي ندرك دون لأي أنّ المشروع الأروبي أعطى ثمارا جنيّة على مستوى النّخب والشعوب. فالمفكرون في أروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا ذوو حضور نوعيّ وعدديّ هامّ. كلّ بلد غربيّ مهما كان صغر حجمه يتوفّر اليوم ما لا يتوفّر عليه العالم العربيّ قاطبا من المفكّرين. آلاف من رجال ونساء الفكر في سويسرا ذكرا لا حصرا، وهي ربع تونس من حيث المساحة، جميع هؤلاء يشكّلون القوى الحيّة فكريّا وينهجون سبيل التطوّر وينزعون إلى النقد والخلق والابتكار.
وأمّا على صعيد الشعوب، فقد شهدت المجتمعات الغربية تغيّرات كبرى وثورات في كلّ المجالات تقريبا بلا استثناء أثّرت بالغ التّأثير في مصيرهم ومصير الإنسان عامّة على وجه الأرض.
فماذا عنّا نحن العرب؟
نتائج الإصلاح لم يكن لها نفس الحظ والمصير إذ خاب مسعاها إلى حدّ الآن. وقد خيض في الأسباب وأرجع بعضها إلى عرقلتها من قبل من لا مصلحة لهم في نجاحها، أو أولئك الذين يؤذن نجاح الإصلاح بنهايتهم وهم مرّة الاستعمار ومرّة الحكّام وحلفاء المصالح الضيّقة في كلّ عصر ومصر.
ورغم الكبوات، فقد بقيت جذوة النّهوض ذكيّة و ظلّ حلم الانبعاث الحضاريّ يراود عديد المفكّرين الذين تواصلوا مع حركات الإصلاح وحملوا مشعلها الوضّاء من أمثال طه حسين والعقاد ومحمد حسين هيكل والحدّاد في ثلاثينات وأربعينات القرن 20 إلى حسن حنفي ومحمد الطالبي ومحمد عابد الجابري ومحمد أركون ومهدي المنجرة. لكن هؤلاء المفكرين الجريئين ظلوا كأنّما يتخاطبون مع الجماد وسط أمواج هائلة من الأميّين في العالم العربي ( 27 % من شعوبنا تعاني الأميّة، والـ 73 % الباقية أكثر من نصفهم متردّون إلى الأميّة ) وقد يعطينا تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة حقيقتنا عارية بلا نقاب . وحتّى لا نعلّق على غيرنا أسباب تردّينا وفشل مشاريع الإصلاح ولا نركن إلى لعب دور الضّحيّة، يجدر أن نقرّ أنّا مسؤولون عمّا صرنا إليه وما سنكونه.
ومن غرائب المفارقات التي عاشها عالمنا العربيّ أنّ ثرواته وخصوصا منها النفطيّة لم تكن أبدا على ذمّة مشروع النهوض الحضاريّ. فهي إمّا تشيد ناطحات سحاب في الرّمال وتبذّخ حياة فئة من العرب فيستنزفون أموالهم وأرواحهم في نموذج المجتمع الاستهلاكي، أو تموّل "جهادا" ضدّ شقيق. وحيث كان حلم النهوض غابت الثروة وحضر العوز. بل أنّ سطوة الرّيع النفطي تدخل على الخطّ كلّما لاح بصيص انعتاق لتجهز بالمال المضمّخ بالقازعلى كلّ نفس مبشّر بالتحرّر من الديكتاتوريّة في المهد.
ولعلّ قصيدة "النّبيّ المجهول" للشّاعر التّونسيّ أبي القاسم الشّابيّ (1909 – 1934 ) تلخّص عمق المأساة الحضاريّة لشعب ران عليه الدّيجور وبان عنه النّور:

أيّها الشَّعبُ ليتني كنْتُ حطَّابا فأَهْوِي على الجُذُوعِ بفأْسِي
ليتنِي كنتُ كالسُّيُول ،إذا سالَتْ تهُدُّ القبورَ رَمْسَا برَمـــْسِ
ليتنِي كنت كالرِّياح، فأَطْــــوِي كلَّ ما يخنُقُ الزُّهورَ بنَحْسِي
ليتَ لي قوَّةَ العواصفِ،يا شعبِي فأُلقي إليْك ثوْرَةَ نفْســـــي
أنتَ رُوحٌ غبِيّةٌ ، تكرَهُ النُّـــورَ وتقْضِي الدُّهورَ في مـــــلْسِ
أيها الشعب أنت طفل صغير لاعب بالتراب والليل مُغْــــسِ
أنت في الكون قوة لم تسسها فكرة عبقرية ذات بــــــأس
أنت في الكون قوة كبلتها ظلمات العصور من أمسِ أمس
والشقيّ الشقيّ من كان مثلي في حساسيتي ورقة نفسي



#شفيق_الجندوبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طكّوس
- البوصلة


المزيد.....




- هل قررت قطر إغلاق مكتب حماس في الدوحة؟ المتحدث باسم الخارجية ...
- لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في ...
- القضاء الفرنسي يستدعي مجموعة من النواب الداعمين لفلسطين بتهم ...
- رئيسي من باكستان: إذا هاجمت إسرائيل أراضينا فلن يتبقى منها ش ...
- -تهجرت عام 1948، ولن أتهجر مرة أخرى-
- بعد سلسلة من الزلازل.. استمرار عمليات إزالة الأنقاض في تايوا ...
- الجيش الإسرائيلي ينفي ادعاءات بدفن جثث فلسطينيين في غزة
- علييف: باكو ويريفان أقرب من أي وقت مضى إلى اتفاق السلام
- -تجارة باسم الدين-.. حقوقيات مغربيات ينتقدن تطبيق -الزواج ال ...
- لأول مرة.. الجيش الروسي يدمر نظام صواريخ مضادة للطائرات MIM- ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - شفيق الجندوبي - هم.. ونحن ..والإصلاح