|
هل تشد رواية -خاتون بغداد - أنظار صناع الدراما ؟
صفاء الصالحي
(Safaa Alsalhi)
الحوار المتمدن-العدد: 6046 - 2018 / 11 / 6 - 16:36
المحور:
الادب والفن
ما أن اقتربنا من جناح " دار سطور" في معرض الكتاب الدولي في أربيل ، انا والأستاذ شكر نوري شقيق الأديب والروائي العراقي الدكتور شاكر نوري ، لفت انظارنا في الواجهة الرئيسية للكتب المعروضة في الجناح غلاف كتاب مصمم بطريقة جذابة يحمل عنوان " خاتون بغداد " للدكتور شاكر نوري ، الرواية الحائزة على جائزة كتارا للرواية العربية المنشورة 2017 ، تبادلنا أطراف الحديث لبعض الوقت مع الشاب اللبق والوسيم بلال مدير الجناح حتى اشتريت نسخة من الرواية ،ولكون النسخة الموعودة من الدكتور شاكر نوري لأخيه شكر لم تصل بعد ، دفعت فضول القراءة الاستاذ شكر ان يشتري نسخة هو أيضاً ، غمرتنا السعادة بعد شرائنا الرواية التي لطالما رغبنا في قراءتها، وهي الرواية التاسعة في قائمة الأعمال الروائية للدكتور شاكر نوري . الرواية كما يقول غلافها ذات طعم خاص اعتمدت على الوثائق ولكنها ليست وثائقية ، ولا تؤرخ بقدر ما ترصد الصراع المليء بالعواطف والأحاسيس لأسطورة حية وامرأة إشكالية هي مِس غيرترود بيل التي أصبحت جزاءاً من تاريخ العراق المعاصر . لقد نجح الدكتور شاكر نوري في توظيف فنه الروائي في تعريف القارئ بشخصية " مس غيرترود بيل " البطلة المحورية للرواية ، فهي احدى الشخصيات التي رسمت، مستقبل العراق السياسي لسنوات عديدة بعد الاحتلال البريطاني، والشخصية التي أسهمت بتنصيب الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على عرش العراق ، وتأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، ورسم حدودها . واستطاع الرواي بثقافته العالمية والموسوعية متعكزاً خياله الخصب المزاوجة بين التاريخ والأدب ، وانتاج مزيج متجانس بين السرد الروائي والوثائقي المتنوع الأساليب والتقنيات ، وكان موفقا في تحويل الوقائع التاريخية التي جرت في العراق منذ الحرب العالمية الأولى عام 1914 حتى الاحتلال الأمريكي لبغداد في 9 نيسان 2003 ، ومن السيرة الشخصية ل " خاتون بغداد "، و جملة الوثائق الحقيقية التي كتبتها خاتون بغداد نفسها، أو من مَن عاصرها في تلك الفترة الى رواية حازت على جائزة كتارا للرواية العربية . مع بداية الفصل الأول من الرواية بعنوان " السيدة الانجليزية بحذائها ذي الكعب العالي " تبدأ الرواية بعبارتها الافتتاحية ( مرت مئةُ عام ، هذه الدورة الكونية المخفية من الزمن على دخول الآنسة الإنجليزية ، بحذائها ذي الكعب العالي وقبعتها العريضة ، وأزيائها الباريسية ، ومشيتها المتبختر الى بغداد ، منتصرةً ومظفرةً وفائزةً ، وقد ألهبت خيال البغداديين ، ولا تزال تثير ظمأ فضولهم، ... ) . مقدمة أولية توقظ فضول المتلقي ليصاحب الراوي في رحلته واكتناه أفكاره ، وسبر أغوار الشخصية المحورية التي قدمها بالعنوان المثير ، تتداخل احداث الرواية ما بين المراسلات الخاصة لمس بيل ، وخيبتها العاطفية، والوثائق التاريخية ، والتقارير الصحفية التي كتبت عنها ، ومن ستة شخصيات مهووسة بها ، ومن فضاء هذه التداخلات التي استعارها الرواي وأعاد تأويلها وفق وجهة نظره ،جعل قارئ الرواية أسير أعجابه ببطلة روايته من خلال إظهار الوجه الإنساني والثقافي دون إبراز وجهها الاستعماري ، فنجح في إعادة شخصية " غيرترود بيل" إلى واجهة القراءة ، وإعادة الاعتبار لهذه الشخصية العبقرية الفريدة المدفونة في المقبرة البريطانية في الباب الشرقي ببغداد . "371 " صفحة كان الراوي موفق جدا بجذب القارئ إلى داخل الرواية وتتبع صفحاتها وأسره حتى النهاية ، رغم الانتقالات التاريخية . ومن فيض الاحداث ذات الطابع الوثائقي يسلط الضوء على الجانب العاطفي لشخصيته المحورية في الرواية بعد استسلامها لنصيحة خالتها بأن تتبع خطى قلبها وتترك عقلها قليلاً ، وتعيش قصة حب أولى مع الدبلوماسي بالمفوضية بطهران " هنري " الذي هدم القلاع التي تفصل بين قلبها وعقلها ، وبعث سحر الكلمات في أعماقها قبل ان يخطفه القدر في بحيرة " لار " الثلجية ، وقصة الحب الثانية مع الجندي القادم من القسطنطينية الميجور " ريتشارد داوتي وايلي " قبل ان يلقي حتفه هو الآخر برصاصة بلهاء وضعت نقطة النهاية لحياته ، في القصتين الصادمتين ذات الأبعاد الرومانسية يشرح الراوي شرح دقيق لأحاسيس " مَس بيل " بلغة رومانسية رشيقة يوقظ بها حواسَ القارئ من الكسل والخمول والاسترخاء . في الفصل السادس " ست شخصيات تبحث عن امرأة " مصنع خيال الراوي في بناء الرواية على الشخصيات المهووسة بالخاتون : يونس كاتب سيناريو، ونعمان مخرج سينمائي، وهاشم مشغل آلة عرض في سينما غرناطة ببغداد، ومنصور حارس المقبرة البريطانية، وأبوسقراط فيلسوف بغداد، وفيرناندو المحقق الأممي في احتراق مكتبة بغداد، وشخصيات أخرى ، لقد كان الراوي موفقاً في جعلها نافذته التي سلط الضوء فيها اتجاه ما حدث في العراق بعد 9-4-2003 ، والفصل كتب بلغة الشخصيات ولم يقيدها السارد بلغته تركها تُمارس حريتها بالحديث كما تشتهي ، وحتى تركها بدون اي علامات ترقيم . لاشك ان المتعة التي منحتني قراءة الرواية كبيرة جداً ، لطالما كانت عبارة عن صراع مليء بالعواطف والأحاسيس ، وغزيرة بالوقائع والاحداث ، والمعلومات التاريخية والوثائقية ، لقد شدتني اليها " خاتون بغداد " بسيرتها وحكاياتها وأمتداد صراعها مع ذاتها ومع الآخرين ، فهل تشد أنظار صناع الدراما ؟ وتنال الرواية فرصتهما وتتحول الى عمل درامي مميز .
#صفاء_الصالحي (هاشتاغ)
Safaa_Alsalhi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(الكتاب لا يختفي ولكن القراء هم الذين يختفون)
-
البرامج التلفزيونية مابين سخف الفكرة والرسالة والهدف
-
الأمية الحضارية عند العرب
-
السم اللذيذ بالمجمل تحت المجهر
-
من دروس الحياة .. الأب كنزٌ والأبن أمانة
-
جيل الطيبين
-
الطفولة .... احلام تبعثرها الحروب
-
تضارع نشوة السكر بالخمر ونشوة السكر بالخيال
-
الدبلجة عقول اجنبية الفكر عربية اللسان -ما بين الواقع والخيا
...
-
( الدبلجة عقول اجنبية الفكر عربية اللسان- النزعة الاستهلاكية
...
-
(( الدبلجة عقول اجنبية الفكر عربية اللسان _ المراهقة المبكرة
...
-
لدبلجة عقول اجنبية الفكر عربية اللسان __العنف والجريمة
المزيد.....
-
سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
-
وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي
...
-
-كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟
...
-
ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق
...
-
رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة
...
-
الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
-
صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
-
بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء
...
-
-كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ
...
-
حديث عن الاندماج والانصهار والذوبان اللغوي… والترياق المطلوب
...
المزيد.....
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
-
الهجرة إلى الجحيم. رواية
/ محمود شاهين
المزيد.....
|