أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مصطفى القرة داغي - الأبداع لا يَصنع النهضة في عَصر إنتكاسة الوعي!














المزيد.....

الأبداع لا يَصنع النهضة في عَصر إنتكاسة الوعي!


مصطفى القرة داغي

الحوار المتمدن-العدد: 6044 - 2018 / 11 / 4 - 22:31
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أطلق أحد المثقفين العراقيين قبل فترة مشروعاً بعنوان ((عصر النهضة العراقي))، ومع احترامي لشخص هذا المثقف وتقديري لجهده وافتراضي لحُسن نواياه، إلا أنني أرى بأن الفكرة غير واقعية ولن تنفع المجتمع العراقي، لأنها لن تنهض بوعيه سوى على الورق ومواقع التواصل الاجتماعي بل هي ستضره، أولاً لأنها ستمنحه شعور زائف بالاطمئنان بدل القلق الذي يفترض أن يعيشه على واقعه البائس، وبالتالي ستعمق حالة الخدر التي يعيشها منذ عقود! وثانياً كونها ستديم حالة وَهم يعيشها هذا المجتمع بأنه عظيم ووريث حضارات عظيمة (لا صلة له بها جينياً ولا تراكمياً)، وأنه ضحية مؤامرة (وهو المتآمر على نفسه وبلده)، وأنه سينهض كالعنقاء (رغم أنه تجسيد للنعامة)، وما الى ذلك من كلام إنشائي يرفض المثقف العرقي تجاوزه الى حيز الواقع!
يبني الأستاذ الفاضل صاحب المشروع فكرته على أن العراقيين لديهم مجموعة من المبدعين بالعديد من مجالات الحياة، كالفن والثقافة والعلوم، بعضهم موجود في العراق والبعض الآخر في المهجر، يمثلون ويمكن أن يصنعوا النهضة العراقية، وهو كلام لا أساس منطقي له لأنه يغفل حقيقة هامة وأساسية بأن النهضة تصنعها مجتمعات لا أفراد، وأن العراقيين ممكن أن يكونوا مبدعين كأفراد حالهم حال غيرهم، لكن الواقع والتجربة أثبتا وبأدلة قاطعة لا تلبس التأويل أنهم فاشلين كمجموع وشعب ومجتمع، لأنهم لا يمتلكون وعي وثقافة تقبل الآخر، وبالتالي العمل والأبداع الجماعي الذي ينهض بوعي الأمم وثقافتها واقتصادها ومجمل واقعها. كما يغفل حقيقة أن النهضة ليست إبداع فني وثقافي بل تعامل إنساني يؤسس لثقافة مجتمعية متكاملة، والكثير من المبدعين العراقيين لا خلاف على إبداعهم، لكن تواصُلنا مع بعضهم في العالم الافتراضي، وتعامُلنا مع بعضهم الآخر في عالم الواقع، كشف لنا أن نسبة ليست بالقليلة منهم فشِلت بأن تعطينا مثلاً أعلى بعمق الوعي والتواضع، وبقيت حبيسة أفكارها الاديولوجية وأبراجها العاجية وأجيالها المجتمعية، ولم تتجاوز التنظير الى التنوير، كما صُدِمنا مؤخراً بمواقف الكثيرين منهم تجاه قضايا إنسانية ومبدأيه، كقضية حَشد المليشيات مثلاً، التي سايرها وسار في ركبها الكثيرون لأسباب باتت معروفة، منها مناطقية ومنها وصولية، ومنها حرص الغالبية منهم على مغازلة الشارع العراقي ليصفق لهم خوفاً مِن أن يَنفَضّ عنهم بحال لم يؤيدوا الحشد وإن على استحياء، حالهم كحال رجال الدين الذين يخشون قول الحقيقة في ما يتعلق بخزعبلات الدين، حتى لا يَنفَضّ عنهم الناس ويستمرّوا بتقليدهم وإتباعهم، لأنها باتت مقدسة بالنسبة إليهم، وبالتالي تسبب هؤلاء المثقفين بنكسة للواقع العراقي بدل النهضة، بعد أن تخلوا عن واجبهم بل وقصروا به بأن هبطوا الى و بوعي مجتمعهم بدل أن ينهضوا ويرتقوا به، فمالهم وما للنهضة العراقية!!
إذا أردنا أن نتحدث عن نهضة عراقية، فإن نهضة العراق الحقيقية والوحيدة، والتي غالباً لن تتكرر لعدم توفر الظروف الموضوعية لتكرارها، قد تحققت في زمن وعلى يد فيصل الأول ورفاقه كنوري باشا، وفيصل لم يكن مبدعاً في مجال الفن والثقافة والبحث العلمي، بل كان أميراً وفارساً حجازياً أمتلك وعياً ألهمه مشروعاً نهضوياً أسس به دولة وشعب من العدم وسار بهما في طريق الرقي والتمدن، ونهضته هي التي خلقت ووفرت الأجواء ومهدت الطريق لإبداع مَن يتحدث عنهم صاحب المشروع، أو مَن سبقوهم خلال العقود الماضية، وحينما تحقق ذلك كان المبدعون بمقدمة من وأدَ هذه النهضة لأنهم افتقروا لعمق الوعي، فاطِّلاعهم على إبداع أقرانهم من مفكري وفناني وأدباء العالم قولَب أفكارهم بدل أن يحررها، وجعلها منغلقة على آيديولوجيات شيوعية وقومية وإسلامية شمولية، توهّموها مشاريع نهضوية وحاولوا تقليدها ونقلها لبلدانهم، وساروا خلفها كأتباع بدلاً من أن يحافظوا على مشروعهم النهضوي الليبرالي العراقي، فبات حالهم وحال شعوبهم كالتي "لا حظت برجيلها ولا بسيد علي"، فهل اتعظ أو سيَتّعِظ المثقف والمبدع العراقي من كل ما حل ببلاده من خراب، كان هو أحد أسبابه!؟ بالتأكيد لا، لأنه يفتقر الى ثقافة مراجعة النفس والاعتراف بالخطأ، بالتالي لن يكتشف أخطاءه يوماً أو يعود عنها، بل سيستمر بها وبتدمير بلاده وتجهيل مجتمعه لحين حصول معجزة تغَيّره، في زمن لم تعد فيه معجزات.



#مصطفى_القرة_داغي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إستفتاء البرزاني وإستقالة الحريري
- داعش والحشد، عتلتان تُعَشِّقان بعضهما في مشروع فارسي واحد
- الفكر الديني يواجه بفكر ليبرالي محايد لا بضِد إلحادي!
- إنسانية الفرد أبقى له من دينه ومَذهبه وعِرقه!
- دفورجاك.. فتى بوهيميا الذي أبهَر العالم الجديد فأبهَره
- يوم الروما وحقوق المواطنة!
- أزمة الوعي العراقي.. (4) الوعي العراقي ونزوعه للإستبداد
- مصطلح حَواضِن الإرهاب في العراق، والكيل بمِكيالين!
- كونشيرتو الكمان الأول لماكس بروخ.. أوبرا بلا كلمات
- اليَسار العراقي.. الدَور الخطأ في الزمان الصَح، والدَور الصَ ...
- أزمة الوعي العراقي.. (3) الوعي العراقي ونصب اللاحرية
- الموسيقار التشيكي سميتانا.. قلب بوهيميا النابض
- العراق يَمضي الى زوال لولا نسيم الجبال!
- أزمة الوعي العراقي.. (2) الوعي العراقي وقطبيته المعكوسة في ت ...
- المالكي والعبادي بين شَخصية المُعارض وشَخصية رَجل الدولة
- لو كان المعتدلون أغلبية ما تأسست بغيدا وما حدثت شارلي
- جوزيف جونغن ساحر الأورغن وإيقونة بلجيكا الموسيقية الأبرز
- هيكل.. سكت دهراً عن المالكي ونطق ظلماً عن العبادي!!
- أزمة الوعي العراق.. (1) الوعي العراقي وإجترار الماضي
- الكسندر بورودين من كيمياء الطب الى كيمياء الموسيقى


المزيد.....




- -التعاون الإسلامي- يعلق على فيتو أمريكا و-فشل- مجلس الأمن تج ...
- خريطة لموقع مدينة أصفهان الإيرانية بعد الهجوم الإسرائيلي
- باكستان تنتقد قرار مجلس الأمن الدولي حول فلسطين والفيتو الأم ...
- السفارة الروسية تصدر بيانا حول الوضع في إيران
- إيران تتعرض لهجوم بالمسّيرات يُرَجح أن إسرائيل نفذته ردًا عل ...
- أضواء الشفق القطبي تتلألأ في سماء بركان آيسلندا الثائر
- وزراء خارجية مجموعة الـ 7 يناقشون الضربة الإسرائيلية على إير ...
- -خطر وبائي-.. اكتشاف سلالة متحورة من جدري القرود
- مدفيديف لا يستبعد أن يكون الغرب قد قرر -تحييد- زيلينسكي
- -دولاراتنا تفجر دولاراتنا الأخرى-.. ماسك يعلق بسخرية على اله ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مصطفى القرة داغي - الأبداع لا يَصنع النهضة في عَصر إنتكاسة الوعي!