أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - يونس السكتاوي - الاستهلاك والسيطرة الثقافية















المزيد.....

الاستهلاك والسيطرة الثقافية


يونس السكتاوي

الحوار المتمدن-العدد: 6043 - 2018 / 11 / 3 - 00:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الاستهلاك والسيطرة الثقافية

إنه من الصعب جدا الآن بعد التنصيب السياسي والقانوني والمؤسساتي لجهاز الدولة العربية بهذه الخصائص والمميزات والبنيات والأسس التي طبعت نشأتها ، أن نتصور رهان التنمية ،الشعار المركزي في السياسات العمومية لهاته الكيانات بمنأى عن شكوك الاستقلال التنموي والحرية الذاتية لصناعة النموذج العربي الفريد، ذلك أن انماط الاستهلاك الجديدة دخلت على خطى غير متوازنة بين واقعية وتفاوت النمو الاقتصادي والرخاء والدخول المرتبطة بمستوى الدخل . ولأن الاستهلاك العربي بات مصدر الهام للشركات المتعددة الجنسيات وسوق رحبة لتسويق منتجات الغرب ، كان للإعلام الدور الأبرز لصناعة التوجيه عبر آلته الضخمة ، وتنزيل المعايير الدقيقة للتحكم في الأذواق وفرض نموذج عولمي لثقافة وفن العيش بدرجة عالية من التفنن في المزيد من الإستهلاك ،واستدراج أكبر عدد من المستهلكين كأرقام في أحابيل الفلسفة الرأسمالية.
إن الواقع العربي صارخ بمعدلات التفاوت في الدخول التي انعكست بوضوح في زيادة التفاوت في مستويات الاستهلاك حتى فيما يتعلق بسلع وخدمات أساسية كالغذاء والصحة والتعليم. فقد بدأت تتلاشى إن لم تكن تلاشت بالفعل العناصر التقليدية في الاستهلاك العربي، فالسلع الاستهلاكية أصبحت موجهة لنفسية المستهلك بعناية فائقة عبر الاشهار لدرجة تحول الأذواق "الطعام-اللباس-اللغة......" بل واستطاعت الرأسمالية المتوحشة التنفذ إلى تحويل المناسبات الدينية إلى موسم الإستهلاك المفرط للموارد الثانوية دون الأساسية،"إن وكلاء العولمة والحاملين لبذورها وثمارها قد يصدر عنهم أحيانا ما يفهم منهم استعدادهم لاحترام الثقافات المحلية وتقديم التنازلات الضرورية لها .ولكن هذا نادرا ما يخفي ما وراءه من مقاصد تجارية بحتة. وليس من الصعب أن نتبين أن الغرض من هذه التنازلات الصورية هو دائما الغرض نفسه تعظيم الأرباح. وقد تتوفر بالفعل لبعض الشركات الدولية إمكانية استخدام بعض رموز الثقافة المحلية على نحو قد يساعد على ترسيخها ويجعلها أقرب تناولا لعدد أكبر من الناس وأكثر إمتاعا ، ومن ثم قد تستطيع هذه الشركات أن تقدم مساهمة إيجابية للمحافظة على تراث الأمة ونشره أو إحيائه "1
فلا شك أن أي دولة أو أمة استطاعت أن تبتدع نمط تنميتها بابتكار وسائل الإنتاج وتطبيقها ،هي أمة- دولة سعيدة وحسنة الطالع إذا قورنت بغيرها، فالتنمية تتأثر لزاما بالحياة الإقتصادية والسياسية،وهذه الأخيرة تتأثر بالعولمة ، ثم قوى السوق التي بدورها تخضع لتأثيرات مصالح الشركات المحلية والدولية ، ومع انحصار دور الدولة سيما الدول الأقل نموا كالدول العربية فقد بات من المؤكد ضعف سيادة الدولة وسيادة المستهلك معا ،وتعاظم دور المنتجين في أنماط الإستهلاك وأذواق المستهلكين وإلية، سيطرة قوى الإنتاج المحلية والدولية على الأنساق الاقتصادية والسياسية والثقافية والتحكم في تيمة التنمية المراد تزيل تطبيقاتها العرجاء .
ففي عصر تتجه فيه قوى الانتاج أكثر إلى القيام بوظائف كانت الدولة هي التي تقوم بها من قبل "الشركات العابرة للقارات" ، أصبحت توجيهات الدولة العربية بآمالها التنموية أقرب إلى المثالية والنموذجية التي تنطوي عليها أهداف التنمية وإمكانيات التحقيق ،فالإنسان العربي يعيش واقعا مترديا يزداد في الاستمرار ويدفع الى هوة سحيقة تجعل منهم مع الدعاية الإعلامية الموجهة للاستهلاك الجنوني أكثر الشعوب تخلفا في مطلع القرن العشرين "انظر التفاوتات الفجة وانهيار الطبقة المتوسطة" ،كيف لا والعرب يستوردون الحاجات الأساسية كالغذاء واللباس بل وكل شيء تقريبا ، ولايبدو في الأفق إلى هذه اللحظة وجود مشروع استراتيجي للتصنيع والدخول لنادي الدول المصنعة أو التجارية .فهل لنا أن نتخيل معدل الإنفاق العربي فقط على الكماليات فما بال الحاجات الأساسية !
ففي تقرير منشور بموقع الجزيرة نت تحت عنوان " لماذا يفرط الخليجيون في الاستهلاك ؟" الاقتصاد والناس... يمثل إنفاق الخليجيين على الكماليات ما نسبته 30% من جملة المصاريف،وينفق الفرد ما معدله 1300دولار على الملابس والاكسسوارات شهريا ،مقابل 120 دولار ا في بريطانيا" ولنا أن نتخيل دولا لا تستطيع أن تستخرج حتى النفط من أراضيها ،كيف ستستمر في الوجود عن طريق الريع الاقتصادي وبدون ترجمة حقيقية للتنمية المحلية الاجتماعية وكيف استطاعت ثقافة الاستهلاك الهستيري أن تنفذ إلى عقول ترهن حضارتها التليدة لشرذمة من الوحوش البشرية سواء النخبة السياسية الفاسدة أم عراب الرأسمالية الليبرالية ، "أما مستحضرات التجميل فيبلغ الانفاق عليها في الخليج 300دولار ،وهي نسبة عالية جدا مقارنة مع باقي دول العالم ،بينما يبلغ معدل مشتريات العطور 350 دولار ا."
هذا وغيره مما يوصف بالتسوق من أجل التسوق أو الشراء من أجل الشراء للتدليل على هذه العادة الاستهلاكية التي تداعبها الآلة الاعلامية والاعلانات المسيطرة في كل مكان ..
إن الأنساق الثقافية الاستهلاكية العربية أصبحت مسيطر عليها من طرف الأوليغارشية الرأسمالية بشكل متحكم فيه بتاتا، فمثلا إذا نظرنا إلى العلاقات الإجتماعية التقليدية كالأسرة ،الممثل المركزي للمجتمع نجدها تعيش سطحية سحيقة فاقدة لجوهرها ،بل ولم تعد مبنية اصلا على مبادئ منظمة وثابتة ، فالمعاملات المالية سيطرت على كل معايير الأنسجة المجتمعية ، فالساكنة العربية لم تعد لهاالقدرة على مقاومة إغراءات الثقافة الإستهلاكية ،وفي المقابل ما هي انعكاسات التنمية لدى الغالبية العظمى من الساكنة العربية ؟. فلا يجب أن ننسى أن مجتمع القلة المحظوظة هي المعنية بالأرقام التي أوردنا ،فالشقاء العربي كنتيجة لسوء البناء المؤسساتي "الدولة" والسياسي "النظام" وسيطرة النخبة البورجوازية على الاقتصاد الوطني أنتج أجيالا من المحرومين رغم كثرة المشاريع التنموية في السياسة والاجتماع والاقتصاد.
لقد أكدت الوقائع أن الدولة العربية الحديثة رغم انخراطها في البرامج التنموية العديدة فإن هذه المشاريع اليوم أضحت تشكل أزمة ومأزقا حرجا وتكشف بشكل واضح زيف الادعاء التنموي الذي تصرف عليه ملايير الدولارات دون أن تنعكس على الوضعية الاجتماعية للدولة العربية المنهكة (انظر نسبة المديونية بالمغرب مثل بحيث وصلت ما نسبته 91,2 ٪ من النتج الداخلي الخام).
لقد أكدت المعطيات الرسمية "قمة الأرض" على أرقام مفزعة بالموازات مع الهجوم الكاسح للأنساق الثقافية للإستهلاك المجنون للطبقة البورجوازية العربية مقابل انتشار الفقر والحرمان من أبسط شروط الحياة الكريمة ،فمثلا ،أكدت قمة الأرض " فالفقر يزداد يوما بعد يوم وعدد الفقراء يتزايد مع كل يوم جديد من أيام السنة لقد ارتفع عدد فقراء العالم من 400 مليون ،عام 1970 إلى 800 مليون عام 1980 وتجاوز 1000 مليون (مليار) نسمة عام 1992 .وفي كل يوم يزداد عدد الأفراد الذين يعيشون في يأس قاتل وفي حالة دائمة من المجاعة وسوء التغذية ،إن عدد الذين يعيشون على حافة الموت قد تجاوز 800 مليون نسمة ،وأصبح هدف الفرد منهم هو البقاء ، بل وأصبحت الأغلبية في وضع صحي لا يسمح لها أن تعيش حياة منتجة ،بل أصبح البعض محروما حتى من تحقيق قدراته الوراثية ، ذلك الحق الطبيعي الذي يعطيه ظهور الإنسان على الأرض"2 ولنا أن نتخيل نصيب الفرد العربي من هذه البشاعة التنموية التي تريد الدعاية الإعلامية تسويقها سواء عالميا أو محليا بالدولة العربية التي يقع سؤال الإجتراح الممكن للتنمية مطروحا دون فعالية .
فإذا كانت التنمية تعني تحقيق التقدم الإجتماعي والاقتصادي والسياسي للإنسان بهدف إحداث نقلة حضارية تقوم على فلسفة إنسانية عامة وشاملة ومتواصلة تلغي الفروق بين الشعوب وتحقق الأمن الإجتماعي والإستقرار الإقتصادي والسياسي فإن انتشار ثقافة الإستهلاك تلغي هذا الهدف ،والسؤال هنا يتعلق بالعوامل التي تؤدي إلى انتشار ثقافة الإستهلاك في عالمنا العربي وأثرها على التنمية. فمنذ بداية الرأسمالية بالذيوع المادي والرمزي في مرحلة تكوين الدولة العربية الحديثة كان الاستغلال واضحا للتغلغل ،الدولة الهشة والأحلام الرأسمالية الامبريالية، وضعية ستسهم في خلق ثقافة جديدة لإعداد جمهور مستعد لاستهلاك السلع الرأسمالية تزامنا مع السيطرة الثقافية ، فكل السياسات العمومية المحلية تحظى بالتوجيه الرأسمالي لدعم السياسات الكفيلة بتحريك رغبات المستهلكين وإعادة هيكلة الاتفاقيات التجارية الدولية، لتدعيم التنمية الرأسمالية وليس كما يروج الفاعل السياسي العربي "التنمية المستدامة" ومحاربة الفقر .
و"تؤكد معظم الدرسات والبحوث الاعلامية أن عملية الترويج لثقافة الاستهلاك في عصر العولمة أصبحت صناعة غاية في الدقة والسهولة في نفس الوقت ، فهي تعتمد على وسائل تكنولوجية معقدة لتفتح المجال أمام التدفق الحر للمعرفة وتحويل إنتاج المعلومات إلى صناعة تنتج سلعا، وتدعو إلى الانفتاح الحر وطرح كل ما هو سهل وبسيط وسريع الانتشار .بل وحتى المتن الدستوري العربي أصبح يدون التوجهات الكبرى للسياسة الإقتصادية دون خجل من التبعية اللامشروطة .
لقد قامت فلسفة التأثير في المستهلك على سيادة مفهوم المنافسة كمحرك محوري للعولمة الاستهلاكية .
فالمنافسة في السوق العالمي تتطلب التكيف مع ثقافة هذا السوق ، لذلك فهي تؤمن بحرية الاعلام وفتح المجالات الواسعة امام التقنية الاعلانية ،وامتلاك وسائل الاعلام والدعاية والتسويق للسلع"

لقد دأبت ثقافة الاستهلاك العربي على تقبل التوجيهات السطحية للتنمية المفترضة ، وبقيت معها مجرد شعار يرفع و يدغدغ الشقاء العربي من المحرومين والفقراء والمتحولين من بني البشر إلى أرقام وأشياء مستهلكة للسلع الرأسمالية المتوحشة دون حضور للإنسان في كينونته النفسية والإجتماعية ،ودون تأثير وفعالية لقوانين التنمية بالدولة العربية الناشئة ،مما يبقي سؤال ممكنات التنمية بدولنا العربية بدون أجرأة ميدانيا .....

‎1: "العولمة والتنمية العربية" الدكتور جلال أمين،ط الثانية 2001 ،دار النشر "مركز دراسة الوحدة العربية"
‎2: " دراسات في التنمية العربية الواقع والآفاق" مجموعة مؤلفين..الفصل التاسع /عبد الخالق عبد الله ص 233.
‎3:"الاعلام وثقافة الاستهلاك" مقال منشور بموقع "مركز الحرب الناعمة للدراسات



#يونس_السكتاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جدل الدولة في الفكر السياسي
- في المثقف العربي
- أي دور للأحزاب المغربية في الحياة السياسية
- الإنتخابات التشريعية القادمة -رهان ومسار
- التعليم العالي بالمغرب بين التسطيح الطلابي وبؤس النخبة


المزيد.....




- وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجار شمال غرب أصفهان
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل وأنباء عن هجوم بالمسيرات ...
- انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول أمر ...
- وسائل إعلام: الدفاعات الجوية الإيرانية تتصدى لهجوم صاروخي وا ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع هجوم ...
- فرنسي يروي تجربة 3 سنوات في السجون الإيرانية
- اقتراب بدء أول محاكمة جنائية في التاريخ لرئيس أميركي سابق
- أنباء عن غارات إسرائيلية في إيران وسوريا والعراق
- ??مباشر: سماع دوي انفجارات في إيران وتعليق الرحلات الجوية فو ...
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية الرسمية نقلا عن تقارير: إسرائيل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - يونس السكتاوي - الاستهلاك والسيطرة الثقافية