أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البوزيدي - البدون التائه















المزيد.....

البدون التائه


محمد البوزيدي

الحوار المتمدن-العدد: 1514 - 2006 / 4 / 8 - 08:01
المحور: الادب والفن
    


في الأفق البعيد, يرتسم جو بارد, يسدل غطاءه على الجميع، تخبو الشمس مودعة اليوم. تضرب لنا موعدا جديدا بعد يومين حسب آخر تقرير لنشرة الأرصاد الجوية.
و في الأرض السعيدة بأصحابها، اختفى رشيد اليوم من مكانه الذي يؤثث به الشارع في كل وفت و حين،.إنه يجلس دوما أمام مدرسة ابتدائية متأملا زمنا متهالكا يحاول إقناع فتية لشراء حلوياته البخسة الثمن .
يزيد عمره عن السبعة عشر ربيعا , لكن ملامحه تنبئ أنه في الثلاثين عاما.لقد افترسه الدهر الرديء افتراسا.
حين قدم للمدينة في حافلة معينة "خطأ" كان عمره ثمان سنوات بعد أن هربت الحافلة عن أمه أو كما يقول البعض هي التي هربت عنه و عن الحافلة اتقاء شره، إذ أصبح عبئا عليها.و حسب الذين يقرؤون الطالع فهو ابن غير شرعي و الدليل على ذلك حسب قراء الكف المحليين هي الخطوط التي ترتسم على كفه,و النقطة السوداء التي تبدو على وجهه.
حين نزل ذلك الصباح اللعين كما يحكي رواة تاريخ محطة الحافلات ,كان يبكي و قد صمت أمام هول الفاجعة حين وجد نفسه وحيدا في كرسيه.لكن بعد أيام ومن أمام المدرسة أخذه شرطي المدينة المشهور بتتبعه للصغيرة و الكبيرة و المعروف ببطشه إلى منزله،حينها استغرب كل من تتبع لقطة "الاختطاف" التي أدركها بعض فلاسفة المدينة، و لعنة"الحنان" التي اعتقدها جزء من الحاضرين من هذا الحنان و التأثر للشرطي و هو الجلاد المشهور لكل من وجد تائها في المدينة حتى أصبح ينظر إليه كقط يلتقط المتسكعين من البشر الذين الذين يهرعون للاختفاء عنه في جحور مختلفة من المدينة كلما ذكر اسمه فقط ،أو لاح ظله من خلال عملائه المشهورين.
في المنزل الجديد استراح رشيد يومين أعيد فيها إخراجه في رونق جديد. أدخل الحمام,و تم إطعامه, و اشترت له بذلة جديدة قدمت من لباس سجناء السجن المحلي بالمدينة لتناسب المهام التي كانت تنتظره. حينها ظن أنه التجأ إلى ملجأ آمن،عادت له بسمة افتقدها منذ سنوات, لقد توهم أن بإمكانه الدراسة و النوم على الأرائك المتوزعة في البيت الأنيق .
بعد استراحة يومين ألف فيها تقبيل يد التي أمر بمناداتها بالعمة و لالة و تقبيل يد الشرطي الذي حمله إلى هنا والذي أمر بمناداته ب "سيدي". بدأت المهام تحدد له وسط استغرابه و الأوامر المختلفة كبنود القوانين الأساسية للإدارات العمومية:
ــ لا خروج من المنزل مطلقا. بإمكانك الجلوس في الحديقة ساعة صباحا و ساعة مساء.
ــ حمل الطفلة الصغيرة على الظهر حتى تنام تلقائيا .غسل الثياب الخاصة بالأطفال.
ــ مسح أحذية الطفل والسيد ........
كان رشيد سجين فضائه طوال طفولته هذه. إنه يشبه يوسف عليه السلام, كان مطيعا أمينا.رغم أنه كان يحس بغياب الحنان اللازم. فأكله دوما في المطبخ مع الخادمة.و ألف المناداة بالحمار تارة و ألفاظا أخرى تناساها مع الزمن من كثرتها و تعدادها،لكنها تحضر عند التأمل في وضعه الحزين.
حين يحل الليل ينزل إلى سريره الأريكي الجميل في قبو تحت المنزل , هناك لا يجد بجانبه إلا المصباح المشتعل و الذي يبدو له ظلاما حالكا ،يتعد أن يحكي له ليفرغ مكبوتاته الخاصة ،لقد أصبح المصباح صديقه فعلا يقبله كل صباح ومساء، حيث لا صوت يسمع هناك إلا صوت كلب الحراسة .
حين يتيسر له الجلوس في الغرفة الرئيسية يتابع التلفاز و حكايات الأطفال , تنزل دمعة خريفية عند رؤية المدرسة في الشاشة.تكفكف الخادمة دمعته بعناية فيخبئ الألم في جناحيه أكثر.
أحيانا يفكر في الهرب, لكن الباب موصد بإحكام.و حتى الضيوف ممنوع عليه أن يظهر أمامهم. فحين يكون الموعد مع ضيوف , يأمر بالذهاب لبيته الخاص في القبو إلى أن تنادي عليه السيدة لتناول بعض بقايا طعامهم أو العصير. أحيانا يتذكر نفسه و يقارن ذاته بقطة كان يعطيها بعضا من خبزه وهو ما يزال في بيت أمه. ألا يعيد التاريخ نفسه كما يصرح لذاته...
ها هو الآن يحمل الرقم13 في سنة ميلاده, و رغم ذلك لا أوراق ثبوتية له و لا هوية و لا اسم عائلي فقط يسمونه الحسين لتضليل الآخرين المحتمل بحثهم عنه .لقد ألف الحسين ولا يتذكر اسمه الحقيقي إلا عند متابعة فيلم أو مسلسل في غفلة عن سادة البيت ، حينها ينسحب فجأة ليبكي حزنا على فقدان اسمه الحقيقي. .
في مساء الأربعاء , يكون الشرطي و السيدة كل في عمله ,لا يبقى في البيت إلا هو و الخادمة و الصغيرة. يتظاهر بالذهاب إلى قبوه و الصغيرة تنام مع الصغيرة. و في لحظة يدرك الجميع أن الصمت ساد,يصعد أحيانا هو ،وفي المرة الموالية تنزل إلى بيته ليرسما حبا بريئا على ضفاف فراش ،يناجيا نفسيهما ويتمتعان بلذة هي آخر مايملكا في هذا البيت /السجن ،لقد توثقت علاقاتهما رغم تظاهرهما بالنفور والعداء أمام الشرطي حتى لايخضعا لمراقبة دقيقة ، إنهما يدركان أن الوضعية واحدة . كل منهما حكى للآخر تاريخه و تألم له و أعلنا عزمهما على الخلاص من الاستغلال.لكن حين يتفقا على تاريخ الهرب قد تحدث أشياء لم تكن متوقعة أو يخاف كل منهما الهروب من حضن الآخر،فأي حضن عاطفي يحتضنها إذا افترقا وحبهما تجاوز الثلاث سنوات سريا ، فيؤجل الموضوع وتستمر المعاناة.
وللتمويه كان كل منهما يشتكي ضد الآخر عند السيدة التي توهمت أنها خلقت جوا يمكنها من تتبع كل واحد منهما لتصرفات الآخر .لكن حين يكون الاستنطاق لا يقدر أحد على أن يسبب للآخر عقابا يظن أنه سيكون ضحية له بين يوم و آخر.
مع مرور الزمن تعلم استعمال الهاتف و متابعة التلفاز خفية بل شرع يتصل ببعض الأرقام التي تظهر على الشاشة مما أدى لارتفاع فاتورة الهاتف التي لم يدرك الشرطي مصدرها .
سمعا كثيرا عن الحرية لكن دون أن يتذوقاها ،تكررت الكرامة أمام أذنيهما دون أن يدركا معناها ،بل حتى سألا عنه أجيبا من الشرطي جوابا غير مقنع لكن ذلك كان إنذارا لأصحاب البيت بأن طفل البارحة ليس هو شاب اليوم ...
لقد قررا في لحظة حب أربعائية الفرار وتخليص أنفسيهما ،فقد ملا من البقاء في جحر استثنائي ،والسنوات تمضي ،وغدا أو بعد غد قد يسرحا من المنزل خاصة أن الأبناء مع كبرهما بدأوا يتضايقوا منهما بل بدأ الابن الأكبر يحاول تجريب فحولته على الخادمة وسط تواطؤ من الأم وهو مار فضته البنت والزوج موقوف التنفيذ – رشيد- بل حين اشتكت للأم لم يكن الجواب إلا دعما ضمنيا للابن الذي مازال يدرس في الصف الابتدائي،وإيماء للخادمة بتحقيق رغباته ،وهو ما استدعى تعجيل الخطة .
بعد نقاش وتدبير للأمر قررا الاستيلاء على أموال موضوعة في المطبخ تتجاوز 500درهم خاصة باحتياجات الابن ،والتسلق من جدران الحديقة ،اخذ طاكسي ثم الوصول إلى المحطة والركوب في أول حافلة خارجة من المدينة .
في ذلك اليوم الموعود حددت ساعة الصفر في الثالثة زوالا ،خرج الجميع في الواحدة والنصف ،استولت على المال في الثانية ،مارسا العادة الأسبوعية، تناجيا وهما يعتقدان أنها قد تكون آخر لحظات حبهما التي استمرت زمنا تجاوز الثلاث سنوات ،كانت القبلات حارة أكثر من المعتاد...
مع اقتراب عقارب الساعة من الثالثة أخذا ملابس نظيفة خاصة بأبناء البيت،حملا حليا وبعض ما قد يحتاجونه في حياتهما المستقبلية مما غلا ثمنه وخف حمله...
استعانا بكرسي لتجاوز الحائط المرتفع عن الأرض بمترين، وماهي إلا لحظات حتى كانا يستنشقان هواء الحرية التي حرما منها سنوات ..وقفت أمامهما طاكسي لم يترددا في ركوبهما آمرا السائق بالتوجه إلى مركز الحافلة التي ستغادر المدينة فورا ..أخبرهما أنها رهن الإشارة في محطة البنزين وأنها متجهة إلى مراكش ..أمرا السائق بالتوجه فورا وسألاه كم من الوقت يستغرق الأمر لتصل الى المدينة ؟
قال السائق: ساعة ونصف على أكثر تقدير
ابتسما ابتسامة حين جلسا في مقعديهما..انطلقت الحافلة وهما يودعان جدران وعلامات المدينة التي مازالا لم يعرفا اسمها...في الطريق كانت الأفكار تتزاحم في أدمغتهما الصغيرة.
وبعد الوصول مالعمل ؟
فكرا كلا هما واقسما على عدم الافتراق
لقد اتفقا بعد نقاش بالحافلة على كراء بيت بالأموال المحمولة والبحث عن عمل لكل منهما والزواج بعد ذلك
كانت الحافلة تقتحم فضاء مراكش في الخامسة مساء، وكانت فكرة رشيد تدور في ذهنه :الزواج من حبيبة العمر نعم لكن من أنا ؟ومن هي ؟
قانونيا لا أوراق ثبوثية لنا فما لعمل ؟إننا بدون... بدون..... بدون
ظل السؤال بلا جواب وهما يدخلان البيت الذي اكتراه مع غروب الليل بعد تيهان طويل ،وطوال الوقت كانت البدون تقض مضجعه
بدون.... بدون .....حتى أغمضت عينيه
في الصباح تذكر من جديد :"من أنا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟



#محمد_البوزيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب صناعة النخبة بالمغرب للكاتب عبد الرحيم العطري
- تساؤلات حزينة
- التقرير العام للملتقى الأول للمرأة
- رسالة إلى مثقف
- ملاحظات حزينة في ذكرى ثامن مارس
- كيف أصبح يوم 8 مارس يوما عالميا للمرأة ؟؟؟؟
- الإرهاب الآخر
- مالك الحزن
- التقرير العام للمنتدى الأول للشباب
- شارون والعرب ومعضلة النسيان
- مارسيل خليفة :التراث الخالد
- أنا أو الطوفان
- ملاحظات حول الحركات الإسلامية بالمغرب
- المثقف في زمن اللامعنى
- كل عام ..............ونحن...........
- الطفلة الكائن المقهور
- الثرات الغنائي بواحات وادي درعة
- صرخة أخرى :لماذا يمنعوني ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
- ناجي العلي :الشهيد الحاضر/الغائب


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البوزيدي - البدون التائه