أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - هل يجلبُ الطَّاغية شوكولاتة إلى أولاده؟














المزيد.....

هل يجلبُ الطَّاغية شوكولاتة إلى أولاده؟


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 6040 - 2018 / 10 / 31 - 09:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(قال عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص عامله على مصر, وكان ابنه قد ضرب قبطياً سابقه فسبقه: يا عمرو, متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً)
1
تُرى كيف ينسج "الطَّاغية" رداءه؟ وكيف يطرز قميصه ويشكّل يديه ولسانه وأنفه ثم جسده كي يكون في خدمة الآلة الكبرى التي تطحن القيم الإنسانية في الفرد؟ أي قوة وأي قسوة وأي وحشية لابن الوطن وهو يعذب ابن وطنه؟ أي سرداب موحش هذا الذي يُدخل فيه رعيته فيحوّلها لكتلة من آلام لا تدمرها فقط, ولكنها تمنع وجودها, وهي لا تستبدها, ولكنها توهنها كي لا تكون شيئاً أكثر من قطعان حيوانات خائفة مذعورة ؟ هل يحوّل "الطَّاغية" الوطن برمته إلى ثكنة عسكرية كما فعل هتلر أو مخفر شرطة كما فعل موسوليني أو مسلخ بشري كما فعل عدنان؟ كيف يُمارس "الطَّاغية" الحُبَّ؟ وكيف يُنجب أولاداً؟ أيَّة رائحة لبيته؟ ما لون سريره ومخدته؟ ما نوع الأزهار المرسومة على شرشفه؟ ما شكل لحافه الذي يلتحفه في الشتاء؟ ما نوع اللهفة المتوحشة في الأنفاس اللاهثة للجنس والسرير الأنثوي؟ هل يجلب "الطَّاغية" شوكولاتة إلى أولاده؟ ما طعم قبلته على خد زوجته؟ ما شكل تعابير وجهه في المرآة وقت الحلاقة؟
2
بعض هذه التساؤلات اللجوجة الجارحة أطلقها المسرحي العراقي المتميز "جواد الأسدي" في قراءة نص مسرحي قام بإخراجه من تأليف سعدالله ونوس وقد استخلصتها من سياقها وسقتها هنا بتصرف لأصل إلى كتاب "الطَّاغية".
بَسَطَ الأستاذ الدكتور "إمام عبدالفتاح إمام" في كتابه الخطير هذا درساً فلسفياً لصور من الاستبداد السياسي عبر حقب تاريخية مديدة. و لخطورة أفكار الكتاب وجرأتها طُبع مرات عدَّة وصادرت طبعاته وزارات الثقافة في الدول العربية حتى الطبعة الأولى المحترمة التي صدرت عن سلسلة عالم المعرفة والتي لا نعلم عدد نسخها لم تصل هي الأخرى إلى معظم القراء العرب. يتساءل المؤلف في مقدمة كتابه: من يجرؤ على القول في حضرة "الطَّاغية" ما بقي متربعاً على كرسي الحكم؟ نعم, من يجرؤ على القول يا سادتي في عهد هتلر أو موسو ليني أو فرانكو أو عدنان أو ياقوت؟ فإذا ما تنفس الناس الصعداء بعد زوال هذا "الطَّاغية" أو ذاك, نسوا, أو تعمدوا نسيان تلك الأيام السوداء التي عاشوها في ظله, وظنوا -واهمين- أنها ذهبت إلى غير رجعة. مع أن الأمر مختلف عن ذلك أتم الاختلاف, لأن طول ألفة الفرد مع "الطَّاغية" لم يعُد يجد -أي الفرد- معها حرجاً ولا غضاضة في الحديث اليومي عن إيجابياته وما فعله من أجلهم من جليل الأعمال. فحتى لو افترضنا صحة هذه "الإيجابيات الهائلة" فما قيمتها إذا كان ثمنها تدمير الإنسان وتحطيم قيمه وتحويل جماهير الشعب الغفيرة إلى جماجم وهياكل عظمية تسير في طول البلاد وعرضها منزوعة الضمير والوجدان, شخصيات تافهة تطحنها مشاعر الدونية والعجز, حقيرة النفس, منخورة العزيمة؟
3
في "النظريات السياسية القديمة والحديثة" هناك فكرة واحدة لا خلاف عليها هي أن حكم "الطَّاغية" هو أسوأ أنواع الحكم وأكثرها فساداً, لأنه نظام يستخدم السلطة استخداماً فاسداً, فينتج الفساد العام (كو-را-بشن) Corruption كما يسيء استخدام العنف ضد الموجودات البشرية والحيوانية والنباتية وحتى الجمادات التي تخضع له. وقد لا حظ أرسطو بحق أنه" لا يوجد رجل حر قادر على تحمل مثل هذا الضرب من الحكم ,إذا كان في استطاعته أن يهرب منه" فالإنسان الحر لا يتحمل مثل هذه الأشكال التعسفية من الحكم, إلا مرغماً, أي إذا سُدتْ أمامه كل أبواب الانعتاق. لذلك فإن عبارة أرسطو تُعبّر بدقة عن أولئك الذين يعشقون الحرية, ويمقتون العبودية, وينظرون إلى الطُّغيان على أنه تدمير للإنسان لأنه يُحيل البشر إلى عظام نخرة. والمستبد يرغب في أن تكون رعيته كالغنم دوراً وطاعة, وكالكلاب تذللاً وتملقاً, والمثل الصيني يقول: "ليس أمام الغنم اختيار عندما تكون بين براثن الذئب" ولا شك أن الاستبداد يهدم إنسانية الإنسان, والطُّغيان يُحيل البشر إلى عبيد, وإذا تحوَّل الناس إلى عبيد أو حيوانات مذعورة فقدوا قيمهم, فلا إخلاص, ولا ضمير, ولا وجدان, ولا أمانة, ولا صدق, ولا شجاعة, بل كذب, ونفاق, وتملق, ورياء, وتذلل ومداهنة ومحاولة للوصول إلى الأغراض والغايات من أحط السبل وأقذرها.
4
يتحول المجتمع في ظل "الطَّاغية" إلى عيون وجواسيس يرقب بعضها بعضاً, ويُرشد بعضها عن البعض. وليس بخاف ما نراه في الكثير من المجتمعات العربية من أخ يُرشد عن أخيه, وجار يكتب تقارير عن جاره, ومرؤوس يكتب زيفاً عن رئيسه. ومهما أنجز "الطَّاغية" من أعمال, ومهما قام من بناء ورقي جميل في ظاهره, فلا قيمة لأعماله, إذا يكفيه أنه دمَّر الإنسان. ولو فكرنا في الأمر لوجدنا أن حكم "الطَّاغية" هو السبب الحقيقي وراء تخلفنا الفكري والعلمي والاقتصادي, وأن الاستبداد هو المصدر الأساسي لكل رذائلنا الخلقية والاجتماعية والسياسية, لأن المواطن إذا فقد حريته الفردية, أعني وعيه الذاتي أو شخصيته المستقلة, وأصبح مدمجاً مع غيره في كتلة واحدة لا تمايز فيها كما هو الحال في قطيع الغنم فقد ضاعت آدميته في اللحظة نفسها, و قُتل فيه الخلق والابداع وانعدم الابتكار, بل يصبح المبدع إن وجد, منحرفاً والمبتكر شاذاً وخارجاً عن الجماعة. ومن ينظر في تكوين شخصية "الطَّاغية" ويسبر أغوار هذه النفس الآثمة يجد خواء يسده البطش. حقيرة هي نفس "الطَّاغية" التي تبطش بالأشياء والأحياء بطش الصبيان.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حَكَمَ فَعَدَلَ
- طائر سوريَّة السَّكران
- هُناك مكان لمن يُصلي
- غسَّان كنفاني ماركسياً
- كلمة حق عند سلطان جائر
- خطابٌ مفتوح إلى الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة
- قناديل ماركس
- قضية الجورنالجي الشيخ علي يوسف يوم 25 تموز 1904
- كنز الأموال بين الانجيل و القرآن
- رحم الله إيفان شيرفاكوف
- كيف تعرف أن السمك سعيد؟
- الدين النصيحة
- حجارة رجم الزانية سوداء
- مروان بن محمد يمنع لعب الشطرنج في دولته
- خطابٌ إلى الأمةِ الأمريكية
- هامش على سيرة الروائي العراقي علي الشوك
- نصُّ وقصيدة للمفكر العراقي هادي العلوي
- عشرون عاماً على رحيل المفكر العراقي هادي العلوي ...سلامٌ علي ...
- إلى أين نحن ماضون؟
- تغريدات ناجي العلي القاتلة...أخي المواطن من ضربك على خدك الأ ...


المزيد.....




- بسبب متلازمة -نادرة-.. تبرئة رجل من تهمة -القيادة تحت تأثير ...
- تعويض لاعبات جمباز أمريكيات ضحايا اعتداء جنسي بقيمة 139 مليو ...
- 11 مرة خلال سنة واحدة.. فرنسا تعتذر عن كثرة استخدامها لـ-الف ...
- لازاريني يتوجه إلى روسيا للاجتماع مع ممثلي مجموعة -بريكس-
- -كجنون البقر-.. مخاوف من انتشار -زومبي الغزلان- إلى البشر
- هل تسبب اللقاحات أمراض المناعة الذاتية؟
- عقار رخيص وشائع الاستخدام قد يحمل سر مكافحة الشيخوخة
- أردوغان: نتنياهو هو هتلر العصر الحديث
- أنطونوف: واشنطن لم تعد تخفي هدفها الحقيقي من وراء فرض القيود ...
- عبد اللهيان: العقوبات ضدنا خطوة متسرعة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - هل يجلبُ الطَّاغية شوكولاتة إلى أولاده؟