أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - المنصور جعفر - المسألة اليهودية في السودان















المزيد.....



المسألة اليهودية في السودان


المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)


الحوار المتمدن-العدد: 1513 - 2006 / 4 / 7 - 08:31
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


في الوضع الحال للسودان حيث تتباين الخطوط الدينية والثقافية والإثنية بدعاوى الفضيلة الدينية والحرية السياسية ومقاربة بعض مضموناته وأشكاله ومفاهيمه ومعاركه وشبهها لما كان سائداً في ألمانيا واوربا في منتصف القرن التاسع عشر تبدو أهمية دراسة كتاب "المسألة اليهودية" في نقاش هذه الوضع وفي إقتراح بعض وسائل تغييره. فبسيادة الأحدية الإقتصادية-الإجتماعية الثقافية على السودان تبدو ضئالة أهمية العلمانية بل والحرية الليبرالية في علاج هذه السيادة الأحدية والبرء منها، حيث لم ينتج التحرر السياسي للمجتمع وإعتداده بمدنيته جهة الإقطاع في تاريخ العالم وفي تاريخ السودان تحرراً إنسانياً بل أنتج التحرر السياسي شكلاً جديداً لطيفاً من الإستعباد إحتفظ فيه السادة بمقاماتهم الطبقية والدينية معاً سيدة معذبة للناس في المجتمع الحر الجديد.


كان خروج ماركس على هذا التراتب الطاغوت بكتابه "نقد المسألة اليهودية" خروجاً سيفياً ذي حدين ففي جهة كان خروجه على مفهوم ربط تحررالإنسان فرداً بالالحاد وإنمساخه كائناً نفعياً ألياً وإستهلاكياً وفي جهة أخرى كان خروجه على مفهوم ربط تحرر الإنسان بعلمانية الدولة المجردة وتحويل دين الدولة إلى حقوق للإنسان، طالما الدولة نفسها كائن متعال على الوجود الإنساني للأفراد، يفصم بحرية التملك الفردي للموارد العامة وحمايتها هذا التملك الطبيعة الإنسانية لوجودهم الجماعي كبشر.


فلجهة شكلي النقاش حول وضع السودان ومستقبل وجوده ووضع الدين ومستقبل وجوده وأسلوب كل من النقاشين: القائم منه على (فكر) الحلال والحرام في جهة أو القائم منه على التفكير العلمي في طبيعة الأشياء والحوادث وعناصرها وحركتها وفهم أسبابها ونتائجها في جهة او في الجهتين معاً أو ضداً لبعضهما تبدو أهمية هذا الكتاب الناقد للشكل السياسي لوجود الدين والعلمانية والحرية في المجتمعات. فهذا الكتاب البسيط الذي غمرته كثيراً أليات الطباعة والنشر في العالم الرجعي وفي العالم التقدمي يمكن أن يؤشر على الطبيعة الثورية للفكر الضروري لمواجهة النظم الفردية والأحدية (الإجتماعية) التي سادت العالم ولم تزل سيدة عليه وقت لم يزل فيه الفكر الإنساني يفصل بين شكل الأشياء ومضمونها في طبيعة القيم وأليات تكوينها، مما تبين اهميته سوداناً في كشف التناقض بين المطالبة بحرية وعلمانية الدولة في السودان وبين الحفاظ فيها على حرية السوق وإحتكاراته التي ولدت فيها التمايزات الإجتماعية-الثقافية وفاقمتها.


وليس عنوان الكتاب "في المسألة اليهودية" سوى قرآءة لـ"أزمة موضوع "أزمة الهوية" " التي كانت سائدة آنذاك في إمارات ألمانيا الثلثمائة وباقي دول اوربا المسيحية حيث تضاربت التصورات الدينية والإثنية للأزمة ثم الثقافية والعرقية بالأشكال السائدة للدين والسياسة. وتبعاً لذلك تدفقت المطابع بالكتب التي تفاوتت موضوعاتها محاولة جواب أسئلة بدت عويصة حينها من نوع ماهو الوجود؟ وماهي الدولة؟ وماهي القومية وماهو الإقتصاد؟ وما هو التاريخ؟ وماهي أرض الألمان؟، ماهي الملكية؟ وماهو المال؟ وماهو القانون؟ وما هي اللغة؟ وماهو الدين؟ ومن هو اليهودي؟ فكل واحد من هذه الأسئلة صار مسالة كبرى لها عدد من الإجابات الكتب، ثم العلوم. فقد قادت زيادة أعدادها لتكثف وجودها وتضخم وتأصل تناقضاتها جدلاً إرتقى بعناصره إلى تطور الفلسفةالإسمية والذهنية، وإلى تطور الفلسفةالمادية الجدلية التاريخية من حالاتهما البسيطة إلى حالاتهما الراقية الآن في كل مجريات العلوم الطبيعية والإجتماعية ومنتوجاتها.


وفي شبه بحالة العديد من العناصر السودانية في السودان، والعناصر العربية والإسلامية في العالم كان الإتهام يوجه لليهود عامة في إمارات الإقطاع مرة بأنهم موالي هذه الجماعة أو تلك اوبانهم سدنة للملوك أو بانهم متآمرين على إستقرار الممالك، مما ذاع جهة تحلل بعض اليهود مثل غيرهم من البشر من إلتزاماتهم السياسية أو الدينية وفق أحوال الضغوط والمطامع، وذيع ذلك عنهم بتعميم مغال عدو لوجودهم كبشر، مما قاد إلى إصدار كتب عدداً تحاول التعريف باليهودي أو بالأصح تحاول الإجابة على سؤال ما هوالإنسان ومن هواليهودي ؟ وهل اليهود جنس أم هم كغيرهم من البشر إناس من كل الأجناس يجمعهم الإعتقاد في هذا الدين؟ كما حاول بعضهم مثل باور جهة الحملات الجنجويد ضدهم جواب المسألة اليهودية بطرحين غير متلازمين: إما إنصهار ثقافي يمكنهم من مفاتح الدولة التي تضطهدهم، أو تحرير الدولة نفسها من طابعها الديني أوقيام الدولة معبرة عن كل مواطنيها من الإسم والعلم والخطاب كما يطالب الشيوعيون الآن في دولة إسرائيل حكوماتها العسكرية الليبرالية .


في ذاك السياق كتب بورنو باور كتاب "المسالة اليهودية" سنة 1834 ضمن كتب عددا له بهذا الصدد، وقد عد كتاب باور مرشداً لليهود في الشؤون الإجتماعية والثقافية السياسية الازوم التي كانت تكنف حياتهم، ومكانته ترتبط بنوعية وجودهم حيث شكلوا عدداً السواد الأعظم من الكادحين ومن الرأسماليين في المانيا الزراعية والإقطاعية بكل إرثها البدوي الجرماني وثوراته المتصلة وحروب ممالكها (المسيحية) ثم الرأسمالية قبيل هجرة اليهود منها إلى بريطانيا والولايات المتحدة. إذ بقى كتاب باور الدليل السياسي لليهود المضطهدين في مجتمع الإقطاعات الألمانية والأوربية حتى نقضه وابطله ودك عمده وكسر رأسه وهد قواعده ظهور كتاب ماركس -الذي نعرض ملخصه هنا- بنقضه طرح باور "المسألة اليهودية" كحالة ثنائية مجردة لعلاقة دين ودولة، تبدل فيها الطبيعة الإستبدادية للدولة بطبيعة حرية (ليبرالية) فضد هذه السذاجة بدل ماركس طرحها بطرح دقيق لمسألة الشروط والظروف الإقتصادية- الإجتماعية الثقافية والسياسية التي تسمح بإرتقاء الإنسانية فوق الحواجز الدينية والعرقية والسياسية التي تتكرس بإقرار الدين والدولة معاً أو بمفرد كل منهما لتملك الافراد لموارد المجتمع وتربب الأفراد المقدس بهذه الملكية طواغيتاً على المجتمع، محتكرين موارد حياته، وهو الطاغوت والإحتكار الذي ينقص قدر الدين وقدر الدولة معاً أو بإفتراق مما يجعل إكتمال قدرهما رهناً بتحررالإنسانية من إغترابها عن مقدرات وجودها ومآلات جهودها.وهو ما قد دافعاً لإتصال الإهتمام بطبيعة الأحوال السياسية والإجتماعية والدينية والثقافية للناس آنذاك بـ:

 احوال تضارب الزيادات الضرورية والكمالية للنشاط التجاري والحرفي والصناعي وطبيعة (الإنفتاح) اللازمة له ونقضها الزائد الشكل التقليدي (الزراعي) للإقطاع الديني للدولةوملاكها، وغلوها بأجر محلات الإنتاج ورهقها المنتجين بالضرائب وتكسيدها إنتاجهم بتخديمها السخرة والعمل المجاني في إنتاج السلع (او توريدها من المستعمرات فيما بعد) وإشعالها الحروب والثورات

 تضارب الزيادات الضرورية والكمالية للنشاط التجاري والحرفي والصناعي و(إنفتاحه) ونقضه تقليدية التكوينات الطائفية للدولة في المجتمع بمحاذيرها ومحاظيرها المتزايدة،

حيث أضحى وجود الدولة جامعاً للخواء العملي لقداسة الكهنوت والمٌلك ودينهما الطاغوت ولجبروتهما العسكري في وقت واحد، كما أضحى وجود الطوائف الدينية في المجتمع كياناً دنيوياً لهذا الخواء والجبروت على نطاق الأسر ومجموعاتها، الرجل فيه سيد على المرأة وتاجر بها. والحال كله مالاً يشكله إغتراب الإنسان عن كينونة وجوده وموارد إنتاجه وعن حال توزيع جهوده وثماره.

لذا فحيث تنعقد في بلادنا والعالم الظلامات العامة بالمظالم الفردية للإنسان وجهله الديني السياسي لطبيعة شيوع خيراته وطبيعة سلطان نظمه لها جمعاً وتفريداً، تبدو مهمة دراسة النصوص الشيوعية الأصل حيث تفتح في عالمنا المأزوم دروباً ومسارات خروج من الأزمات القومية المحيقة بنا الناتجة من فعل التنظيم الرأسمالي المتراتب مراكزاً وهوامشاً محلية ووطنية وإقليمية ودولية، وحكمه موارد المجتمع وطبيعة إنتاجه منتجاً لدى الغالب في العدد من الناس حالة نقص في ضرورات الحياة وتكالب عليها حد الإقتتال. والمهم أيضاًً عدم الإكتفاء بقراءة هذا الملخص الموجز لكتاب ماركس في المسألةاليهودية بل الإطلاع ما امكن على كافة نصوص الماركسية اللينينية، والإفادة بها في النضال ضد الديكتاتوريات المحلية والدولية في السودان.

ملخص موجز لكتاب "في المسـألة اليهوديـة"
..كيف يحل باور إذن المسألة اليهودية؟ وما هي النتيجة؟ إن صياغة مسألة ما تتضمن حلها، ونقد المسألة اليهودية هو جواب عن المسألة اليهودية. الخلاصة هي ما يلي: علينا أن نحرر أنفسنا قبل أن نكون قادرين على تحرير الآخرين. إن أكثر أشكال التناقض بين اليهودي والمسيحي صلابة هو التناقض الديني. فكيف يحل المرء تناقضا ما؟ بجعله مستحيلا. وكيف يٌجعل التناقض دينيا مستحيلا؟ بإلغاء الدين حالما يرى كل من اليهودي والمسيحي دين الأخر موضوعاً للتحرر

لا يكفي بأية حال من الأحوال بحث: من الذي سيقوم بالتحرِر ومن الذي سيحرر؟ فعلى النقد أن يقوم بشيء ثالث. عليه أن يسأل: بأي نوع من التحرر يتعلق الامر؟ أي شروط تقع في صلب التحرر المطلوب؟ لقد كان نقد التحرر السياسي نفسه هو النقد النهائي للمسألة اليهودية وذوبانها الحقيقي في "مسألة العصر العامة."ولأن باور لم يرفع المسألة إلى هذا المستوى فإنه يسقط في التناقضات.


فحيث توجد الدولة السياسية في بنائها الكامل فقط يمكن أن تبرز علاقة الِيهودي ولإنسان المتدين بوجه عام، إزاء الدولة السياسية، أي علاقة الدين بالدولة، في خصوصيتها ونقائها. ويكف نقد هذه العلاقة أن يكون نقدا لاهوتيا بكف الدولة عن أن تقف موقفا لاهوتيا من الدين، أي سياسيا. عندذاك يصبح النقد نقداً للدولة السياسية. وعند تلك النقطة حيث تكف المسألة عن أن تكون مسألة لاهوتية، يكف نقد باور أن يكون نقديا.


فإِذا كنا نجد حتى في بلد التحرر السياسي الكامل ليس للدين وجود فحسب وإنما وجوداً للدين مفعماً بالحياة والقوة أيضا، يكون الدليل قد قدم على أن وجود الدين لا يتعارض مع قيام الدولة الكاملة. ولكن لأن وجود الدين هو وجود ناقص، فإن مصدر هذا النقص لا يمكن أن يبحث عنه إلا في جوهر الدولة نفسه. حيث لا يعود الدين هو الأساس في الدولة وإنما وجوده كظاهرة للمحدودية الدنيوية وحسب. ومن هنا فإننا نفسر اللاموضوعية الدينية للمواطنين الأحرار بلاموضوعيتهم الدنيوية.


ولا ندعي أن عليهم التخلي عن محدوديتهم الدينية، ليزيلوا حواجزهم الدنيوية. بل نزعم أنهم سيتخلون عن محدوديتهم الدينية حالما يزيلون حواجزهم الدنيوية. إننا لا نحول المسائل الدنيوية إلى مسائل لاهوتية، وإنما اللاهوتية إلى دنيوية. نحل الغيبيات في التاريخ بعد أن انحل التاريخ وقتا كافيا في الغيبيات. تصبح مسألة علاقة التحرر السياسي بالدين بالنسبة لنا هي علاقة التحرر السياسي بالتحرر البشري. إننا نتقد الضعف الديني للدولة السياسية حين نتقد الدولة السياسية في بنيتها الدنيوية، صرف النظر عن الضعف الديني. إننا نؤنسن تناقض الدولة ودين معين، كاليهودية مثلا، في التناقض بين الدولة وعناصر دنيوية معينة، والتناقض بين الدولة والدين بوجه عام، في التناقض بين الدولة وعناصرها وشروطها بوجه عام.


التحرر السياسي لليهودي والمسيحي والإنسان المتدين بوجه عام هو تحرر الدولة من اليهودية والمسيحية، ومن الدين بوجه عام. فالدولة تتحرر في شكلها، الذي يتضمن جوهرها الخاص كدولة، من الدين بتحررها من ما يسمى دين الدولة، هذا يعني بعدم إقرار الدولة كدولة بدين معين، بل بإِقرارها بكونها دولة. فليس التحرر السياسي من الدين هو التحررالمثالي الشامل من الدين المثالي الشامل الخالي من التناقضات، لأن التحرر السياسي ليس أسلوباً مثالياً شاملاً خالي من التناقضات


الخلاصة هي: أن الإنسان من خلال وسيط، هو الدولة، يتحرر سياسيا من حجز الدين لإمكاناته بأن يرتفع فوق هذا الحجز بطريقة تجريدية ومحدودة وجزئية متناقضا مع نفسه. وأبعد من هذا أن الإنسان يتحرر بتحرره سياسيا، بطريقة غير مباشرة من خلال وسيط، ولو كان هذا الوسيط ضروريا.


وأخيرا يبقى الإنسان متديناً حتى حين يعلن علمانيته وإلحاده بوساطة الدولة أي حين يٌعلًن إلحاد الدولة،وعدم تبعيتها لأي دين، حيث يبقى مع ذلك متديناً، حيث يعترف به بذاته، بطريقة غير مباشرة، من خلال وسيط. فطالما الدين هو الاعتراف بالإنسان بطريقة غير مباشرة عبر الدولة الواسطة بين الإنسان وحريته، كوسطية المسيح عند الناس يحملونه الألوهية، كل بتحيزه الديني فإِن الدولة تشكل الوسط الذي يضع فيه كل فرد بشريته وتحيزه البشري.


إذ يشترك ارتقاء الإنسان السياسي فوق الدين مع الإرتقاء السياسي بكل النقائص والفضائل بوجه عام فقد تلغي الدولة كدولة الملكية الخاصة على سبيل المثال، فيعلن الفرد بطريقة سياسية أن الملكية الفردية قد ألغيت، طالما جعل التعداد العام أساً لقابلية المرء لأن يُنتخَب أو ينتخِب، كما حصل في عدد كبير من ولايات أميركا الشمالية.


وحين تعلن الدولة -دون مراعاة لهذه الفروق- عن كون كل فرد من أفراد الشعب شريكاً متساويا في السيادة الشعبية إذا ما تعامل مع جميع عناصر حياة الشعب الحقيقية من وجهة نظر الدولة. فمع ذلك تترك الدولة الملكية الخاصة والتأهيل والعمل تؤثر على تكوينها وطريقتها الخاصة. فكي تقوم الدولة كواقع واع وأخلاقي للعقل فمن الضروري تمايزها عن شكل السلطة والعقيدة. فالدولة تتشكل بإرتفاعها وسموها فوق العناصر الخاصة لها، مؤسِسةً للمجتمع.


الدولة السياسية المكتملة طبقا لطبيعتها هي حياة الفرد كإنسان على العكس من حياته المادية. فجميع شروط الحياة الفردية الأنانية تبقى موجودة، في المجتمع البورجوازي، خارج مجال الدولة، ولكن كخصائص لهذا المجتمع. فحيثما بلغت الدولة نموها الحقيقي يعيش الإنسان حياة ْمزدوجة ليس فقط في الفكر أو الوعي وإنما في الواقع، في الحياة، حياة سماوية وأخرى أرضية، الحياة في المجتمع السياسي حيث يعتبر نفسه كائنا عاما والحياة في المجتمع البورجوازي حيث يمارس حياته الخاصة، معتبراً الآخرين وسيلة، محولاً نفسه إلى وسيلة ولعبة في أيدي قوى غريبة.


وإذ تقف الدولة السياسية إزاء المجتمع البورجوازي بمثل روحانية السماء إزاء الأرض، فهي تقف مع المجتمع البورجوازي في نفس التناقض، وتتغلب عليه بنفس الطرق التي يتغلب بها الدين على محدودية العالم الدنيوي، هذا يعني بأن تعترف الدولة به أيضا، تنشئه، ثم تصبح خاضعة له.


الإنسان في واقعه الأكثر مباشرة في المجتمع البورجوازي هو كائن دنيوي. هنا يعتبر حيا بالنسبة لذاته وللآخرين ويكون وجوده فردا مطلقاً ظاهرة غير حقيقية. والأمر على العكس في الدولة إذ يعتبر الإنسان العضو الخيالي لسيادة وهمية وتسرق منه حياته الفردية الحقيقية وتملأ بجماعية غير واقعية. فالصراع الذي يجد الإنسان نفسه فيه معتنقاً لدين خاص ومواطناً لدولة مع الناس الآخرين أعضاء في المجتمع ، يتقلص لانشطار دنيوي بين الدولة السياسية والمجتمع المدني. "فالحياة في ظل الدولة بالنسبة للإنسان البورجوازي [عضو المجتمع المدني] الحياة الخاصة، هيمظهر أو استثناء مؤقت يتعارض مع الجوهر والقواعد". حقا يبقى البورجوازي في حياة الدولة مثل بقاء اليهودي فيها بصورة سفسطائية، كما يبقى المواطن نفسه بصورة سفسطائية يهوديا أو بورجوازيا. لكن هذه السفسطة ليست شخصية. إنها سفسطة الدولة السياسية نفسها. فالفرق بين الإنسان المتدين والمواطن هو الفرق بين التاجر وبين المواطن، بين العامل بأجر يومي والمواطن، بين المالك العقاري والمواطن، بين الفرد الحي والمواطن. والتناقض الذي ينشأ بين الإنسان المتدين والإنسان السياسي هو التناقض نفسه القائم بين البورجوازي والمواطن، بين عضو المجتمع البورجوازي وجلد الأسد السياسي الذي يرتديه.


هذا النزاع الدنيوي الذي تنحصر فيه المسألة اليهودية أخراً في موضوع علاقة الدولة السياسية بشروطها وعناصرها، سواء كانت عناصر مادية مثل الملكية الخاصة وما إلى ذلك، أو فكرية مثل التعليم والدين، ففي الصراع بين المصالح العامة والمصلحة الخاصة، والانشطار بين الدولة السياسية والمجتمع البورجوازي، يترك باور هذه التناقضات الدنيوية قائمة، بينما يطعن في التعبير الديني عنها. "إن أساسها بالذات، الحاجة التي تؤمّن للمجتمع المدني بقاءه وتضمن ضرورته، يعرض وجوده لخطر دائم، ويغذي في داخله عنصرا غير مأمون، ويأتي بذلك الخليط المتناوب من الفقر والغنى، من العوز والازدهار وبشكل عام التغير." (ص 8)


يقارن المرء مقطع "المجتمع المدني" بكامله (ص 8-9) ، والذي صيغ وفق الملامح الأساسية لفلسفة الحق لدى هيغل، إذ يعترف بالمجتمع المدني في تناقضه مع الدولة السياسية كضرورة، لأن الإعتراف بالدولة السياسية كضرورة التحرر السياسي خطوة تقدمية كبير حقا، ورغم أنها ليست الشكل الأخير للتحرر الإنساني بشكل عام، لكنها الشكل الأخير للتحرر الإنساني ضمن النظام العالي القائم حتى الآن. والحديث هنا بالطبع عن التحرر الحقيقي، العملي حيث يتحرر الإنسان سياسيا من الدين بإِقصائه من الحق العام إلى الحق الخاص، حيث لا يعود روحاً للدولة، حيث يتصرف الفرد – بطريقة محدودة وضمن شكل خاص وفي مجال خاص– كإنسان وكائن نوعي، بالاشتراك مع الناس الآخرين، وإنما يكون قد أصبح روحاً للمجتمع البورجوازي ومجالاً للأنانية وحرب الجميع ضد الجميع. كونه لم يعد جوهر الإجتماع وإنما جوهر الاختلاف. ويضحى تعبيراً عن انفصال الفرد عن طبيعته الاجتماعية، والممايزة بينه وبين الناس الآخرين – وهو ما كانه في الأصل. فهو لم يعد سوى الاعتراف المجرد بالخطأ الخاص والنزوة الشخصية والاعتباطية. إن التشظي اللانهائي للدين في أميركا الشمالية مثلا يعطيه ظاهريا شكل قضية خاصة محضة. لقد ألقي بالدين في عداد الاهتمامات الخاصة وهجر كموضوع عام من قبل الجماعة.


ولكن لا ينبغي أن يعترينا الوهم بشأن حدود التحرر السياسي فانشطار الإنسان إلى إنسان عام وآخر خاص ونقل الدين من الدولة إلى المجتمع البورجوازي، ليسا مرحلة وإنما هما اكتمال للتحرر السياسي الذي لا يلغي التدين الحقيقي للإنسان كما لا يسعى لإلغائه.أن تفكيك الإنسان إلى يهودي ومواطن، إلى بروتستانتي ومواطن، إلى إنسان متدين ومواطن، هذا التفكيك ليس كذبة ضد المواطن، ولا التفافا على التحرر السياسي، إنه التحرر السياسي نفسه. إنه الطريقة السياسية للتحرر من الإستغلال العام للدين.


إن ما يسمى بالدولة المسيحية هي نفي مسيحي للدولة، ولكنها ليست تحقيقا للمسيحية من قبل الدولة بأي حال من الأحوال. الدولة التي لا تزال تقر بالمسيحية على شكل دين، لا تقر بها على شكل دولة، فهي لا تسلك سلوكا متدينا إزاء الدين، هذا يعني إنها ليس التحقيق الفعلي لأساس الإنسانية، لأنها تقود إلى الوهم، إلى الهيئة الخيالية لهذه النواة الإنسانية.


ما يسمى بالدولة المسيحية تقف موقفا سياسيا إزاء الدين، ودينيا إزاء السياسة بإعلان الكنيسة إن السلطة الدنيوية هي الجسد الذي يخدمها، فإن الدولة تضحى لا حول لها، وكذلك تضحى السلطة الدنيوية التي تدعي سيادة الروح الديني. فالإنسان ليس هو المهم في ما يسمى بالدولة المسيحية وإنما الاغتراب. الإنسان الوحيد المهم وهو الملك يختلف عن الناس الآخرين. ولأساس الإنساني للمسيحية هو أساس هذه الدولة وليست المسيحية نفسها. حيث يبقى الدين هو الوعي المثالي غير الدنيوي لعناصر الدولة، لأنه أمثل شكل لدرجة التطور البشري المتحقق فيه. والديمقراطية السياسية مسيحية حيث لا يعتبر الإنسان فيها إنسانا واحدا وحسب وإنما يكون كل فرد كائنا مستقلا أسمى، "الإنسان" الذيِ لم يتحقق بعد كائنا نوعيا وهنا تبلغ المسيحية التعبير العملي لمعناها الديني الشامل بان تتجمع مختلف الرؤى الفلسفية في صيغة المسيحية، وتتعزز أكثر من خلال عدم مطالبتها الآخر أن يكون مسيحيا وإنما أن يعتنق دينا ما فقط (قارن عمل بومون المذكور).حيث ينعم الوعي الديني بثراء التناقض الديني وتنوعه.


وهكذا فإن التحرر السياسي من الدين لا يلغي الدين بل يدع الدين قائما ولكن دون امتيازات. ويضحى التناقض الذي يجد تابع دين معين نفسه فيه مع كونه مواطن دولة جزءاً فقط من التناقض الدنيوي العام بين الدولة السياسية والمجتمع البورجوازي. ويكون إزدهاء تدين الدولة المسيحية بإقرار الدولة بكونها دولة فقط مستقلة وظائفها عن دين أعضائها. فتحرر الدولة من الدين ليس هو تحرر الإنسان من الدين.


وهكذا فلا نقول لليهود مع باور: لا يمكنكم أن تتحرروا سياسيا دون أن تتحرروا جذريا من اليهودية، بل إننا نقول لهم أكثر من ذلك: إنكم لا تستطيعون أن تتحرروا سياسيا دون أن تنفكوا نهائيا ودون تناقضات عن اليهودية، فالتحرر السياسي نفسه ليس هو التحرر الإنساني. إذا أردتم أيها اليهود أن تتحرروا سياسيا، دون أن تحرروا أنفسكم إنسانيا، فإِن النقص والتناقض لا يكمن فيكم فقط وإنا يكمن في جوهر وفي مصطلح التحرر السياسي. إذا كنتم تشعرون بالارتباك من هذا الإصطلاح فإنكم شركاء في ارتباك عام. وكما تكون الدولة إنجيلية رغم أنها دولة، وتتصرف كدولة مسيحية إزاء اليهودي، فإِن اليهودي يتسيس رغم يهوديته ويطالب كيهودي بحقوق المواطنة التي تندرج تحت إصطلاح الحرية السياسية، تحت مصطلح الحقوق المدنية التي لا تشترط بأي حال من الأحوال إلغاء الدين المثال الخالي من التناقضات كما رأينا، كذلك أيضا الدين اليهودي.


يبقى علينا تأمل إختلاف القسم الآخر من حقوق الإنسان عن حقوق المواطنة التي تدخل في إطارها حرية الضمير، حق ممارسة العبادة التي يريدها المرء، إذ عادة ما يعترف بامتياز العقيدة بصورة مؤكدة إما كحق من حقوق الإنسان أو كتبعة لحق من حقوق الإنسان هو الحرية.


لقد جرى التمييز بين حقوق الإنسان وحقوق المواطنة، فمن هو الإنسان المتميز عن المواطن؟
لا أحد سوى عضو المجتمع البورجوازي.
ولماذا يصبح عضو المجتمع البورجوازي هذا إنسانا، مجرد إنسان، ولماذا تسمى حقوقه حقوق الإنسان؟ بم نفسرهذا الواقع؟
من خلال علاقة الدولة السياسية بالمجتمع البورجوازي، من خلال جوهر التحرر السياسي. نثبت قبل كل شيء أن ما يسمى بحقوق الإنسان، وهي غير وخلاف حقوق المواطن، ليست سوى حقوق أعضاء المجتمع البورجوازي، هذا يعني الإنسان الأناني، الفرد المنفصل عن الناس وعن المجموع. فعلى الدستور الأكثر جذرية، دستور 1793القول: "إعلان حقوق الإنسان وحقوق المواطن". المادة الثانية: "هذه الحقوق(الحقوق الطبيعية والحتمية) هي: المساواة، الحرية، الأمن، الملكية".
فيم تتمثل الحرية؟
المادة 6 "الحرية هي حق الإنسان في أن يفعل كل شيء لا يضر بحقوق الآخرين" أو حسب "إعلان حقوق الإنسان لعام 1791": "تتمثل الحرية في الحق في فعل كل ما لا يضر الآخرين".
الحرية هي إذن الحق في فعل كل شيء لا يضر بالآخرين. أما الحدود التي يستطيع كل فرد أن يتحرك فيها دون أن يضر بالآخرين فيحددها القانون كما يرسم وتد السور الحدود بين حقلين يتعلق الأمر بحرية الإنسان كوحدة معزولة منطوية على ذاتها. لماذا لا يستطيع اليهودي، حسب رأى باور، تلقي حقوق الإنسان؟"ما دام يهوديا يكون على الجوهر المحدود الذي يجعل منه يهوديا أن ينتصر على الكيان البشري، وهو ما يفترض أنه يربطه كإِنسان بالبشر، ويفصله عن غير اليهود". ولكن حق الإنسان في الحرية لا يستند إلى ارتباط الإنسان بالإنسان بل بالأحرى إلى انفصال الإنسان عن الإنسان. إنه حق هذا الانفصال، حق المحدودية، محدودية الفرد بذاته.إن الاستخدام العملي لحق الإنسان في الحرية هو حق الإنسان في الملكية الخاصة.
أين يقوم حق الإنسان في الملكية الخاصة؟
المادة 16 (دستور 1793): "حق الملكية هو حق كل مواطن أن يتمتع كما يريد بممتلكاته، ومدخولاته وبثمار عمله واجتهاده ويتصرف بها".
إذن فحق الإنسان في الملكية الخاصة هو حقه في أن يستمتع ويتصرف بثروته كما يريد، دون مراعاة الناس الآخرين، وبصورة مستقلة عن المجتمع، حق المنفعة الذاتية. تلك الحرية الفردية، وهذا الاستخدام لها، يشكلان أساس المجتمع البورجوازي. إنها تترك لكل إنسان أن يجد في الإنسان الآخر حدود حريته وليس تحقيقها. إنها تعلن قبل كل شيء حق الإنسان في "أن يتمتع كما يريد بممتلكاته، ومدخولاته وبثمار عمله واجتهاده ويتصرف بها".
تبقى حقوق الإنسان الأخرى المساواة والأمن:
المساواة هنا هي بمعناها غير السياسي ليست سوى المساواة في الحرية التي سبق وصفها، ألا وهي: أن ينظر إلى كل إنسان بصورة متساوية كوحدة قائمة بذاتها. يحدد دستور 1795 مصطلح هذه المساواة بما يناسب معناها في:المادة 3 (دستور 1795) حيث تتمثل المساواة في أن ينطبق نفس القانون على الجميع، سواء حين يحمي أو يعاقب.
والأمن؟ تنص المادة 8 (دستور 1793): "يتمثل الأمن في الحماية التي يكفلها المجتمع لكل عضو من أعضائه لحفظ شخصه وحقوقه وملكيته". فالأمن هو أعلى مفهوم للمجتمع البورجوازي، مفهوم الشرطة، أن المجتمع بأكله موجود فقط ليكفل لكل من أعضائه المحافظة على شخصه وحقوقه وملكيته. يسمي هيغل المجتمع البورجوازي بهذا المعنى: "دولة الحاجة والعقل." والمجتمع البورجوازي من خلال مفهوم الأمن لا يرتقي فوق أنانيته حيث يكون الأمن هو بالأحرى ضمان أنانيته. إذن فلا يتجاوز أيٌ مما يسمى حقوق الإنسان الإنسان الأناني، فالإنسان كعضو في المجتمع البورجوازي، منطو على نفسه وعلى مصالحه الخاصة ورغباته الخاصة، وفرد منفصل عن المجموع. ما أبعد أن يكون الإنسان قد اعتبر فيها كائنا نوعيا بل تبدو حياة النوع نفسها، المجتمع، كإطار خارجي للأفراد وتقييد لاستقلالهم الأصلي، والرابطة الوحيدة التي تمسك بها هي الحاجة والمصلحة الخاصة، أي حفظ ملكية الأفراد وشخصيتهم الأنانية.


ومن الملغز أن شعبا بدأ بتحرير نفسه وهدم جميع الحواجز بين أعضاء الشعب المختلفين وتأسيس جماعة سياسية، أن يعلن محتفياً مشروعيةَ الإنسان الأناني المفصول عن الناس وعن المجموعة. (إعلان 1791) بل ويثبت هذا الشعب هذا الإعلان في لحظة لا يستطيع أن ينقذ الأمة فيها إلا العطاء البطولي، ومن هنا يكون مطلوبا بالضرورة في لحظة يتوجب فيها أن تصبح التضحية بجميع مصالح المجتمع البورجوازي أمرا معمولا به ويعاقب فيها على الأنانية كجريمة (إعلان حقوق الإنسان 1793) ولكن هذه الواقعة تضحى أكثر إبهاما حين نرى أن المواطنة كمجموعة السياسية تنحدر من التحرر السياسي وتضحى مجرد وسيلة للحفاظ على ما يسمى بحقوق الإنسان، أي يضحى المواطن خادما للفرد الأناني، فالمجال الذي يسلك فيه الإنسان ككائن اجتماعي يتدنى تحت المجال الذي يسلك فيه كفرد. وأخيرا يضحى هدف جميع الاتحادات السياسية هو المحافظة على حقوق الإنسان الطبيعية والحتمية. (إعلان الحقوق، 1791، المادة الثانية) "تعين الحكومة لتكفل للإنسان التمتع بحقوقه الطبيعية والحتمية". (إعلان 1793، المادة الأولى) يصبح الإنسان الحقيقي في الواقع ليس الإنسان كمواطن ولكن الفرد كـبرجوازي.


وهكذا تعلن الحياة السياسية، حتى في لحظات حماسها الفتي الذيِ دفعه ضغط الأوضاع إلى الذروة، أنها مجرد وسيلة هدفها حياة المجتمع البورجوازي. حقا يتناقض عملها الثوري تناقضا واضحا مع نظريتها. فبينما يعلن الأمن كحق من حقوق الإنسان على سبيل المثال، فإن سرية المراسلة تخرق علنا كل يوم، وبينما تكون "الحرية غير المحدودة للصحافة" مضمونة (دستور 1793،المادة 122) كنتيجة لحق الإنسان في الحرية الفردية، يُقضى على حرية الصحافة قضاء تاما، إذ أنه لا يجوز استخدام حرية الصحافة إذا كانت تمس الحرية العامة (روبيسبير الشاب "تاريخ برلمان الثورة الفرنسية" بقلم روشيز ورو، الجزء 28، ص 109) وهذا يعني أن حق الإنسان في الحرية ينتفي لمجرد نزاعه مع الحياة السياسية، بينما الحياة السياسية طبقا للنظرية هي الضمان لحقوق الإنسان وحسب، أي إن حقوق الإنسان الفرد، يجب أن يُتخلى عنها فور تتاقضها مع غايتها وهي حقوق الإنسان. غير أن التطبيق هو الاستثناء وحسب، والنظرية هي القاعدة! فإذا أراد المرء أن يعتبر التطبيق الثوري هو الوضع الصحيح، فإِنه يلزمنا بحل اللغز: لماذا تقلب الأوضاع رأساً على عقب في وعي المحرريِن السياسيين، فتبدو الغاية وسيلة والوسيلة غاية. فيظل خداع وعيهم البصري هو نفس هذا اللغز مع أنه لغز نفسي ونظري.

إن حل هذا اللغز بسيط :

التحرر السياسي هو انحلال المجتمع القديم الذي إستند إليه كيان الدولة الغريب عن الشعب، سلطة الحكام. بينما الثورة السياسية هي ثورة المجتمع البورجوازي. فماذا كان طابع المجتمع القديم؟ كلمة واحدة ترسم ملامحه هي الإقطاع. حيث كان المجتمع القديم ذي طابع سياسي مباشر، وكانت عناصر الحياة البورجوازية مثل الملكية والعائلة أو أسلوب العمل قد ارتقت في أشكال الإمارة، المكانة الاجتماعية والنقابة وأضحت عناصر حياة للدولة. وقد تقررت علاقة الفرد بالدولة ككل على هذه الصورة، هذا يعني علاقات الفرد السياسية، بمعنى علاقاته وانفصاله عن مكونات المجتمع الأخرى.


فهذا التنظيم لحياة الشعب لم يرفع الملكية أو العمل إلى مستوى أن تكون عناصراً إجتماعية، بل فقط أتم انفصالها عن الدولة ككل وأنشأ منها مجتمعات خاصة داخل المجتمع. وهكذا بقيت وظائف حياة وظروف المجتمع البورجوازي سياسية، وإن كانت سياسية بما يلائم الإقطاع، فصلها الفرد عن الدولة ككل وتحويلها العلاقة الخاصة لجماعته بالدولة ككل إلى مستوىعلاقته الشخصية العامة بحياة الشعب، ولكنها حولت عمله ووضعه البورجوازي المحددين إلى عمل ووضع عام. ونتيجة لهذا التنظيم تبدو وحدة الدولة كذلك بالضرورة، كما يبدو الوعي والإرادة وعمل وحدة الدولة وسلطة الدولة العامة، تبدو شأناً خاصاً لحاكم معزول عن الشعب، ولخدمه.


إن الثورة السياسية التي أسقطت هذه السلطة وجعلت شؤون الدولة هي شؤون الشعب، والتي أقامت الدولة السياسية كشأن عام أي كدولة حقيقية، حطت بالضرورة جميع الطبقات والطوائف المهنية والنقابات والامتيازات وكذلك التعبيرات الكثيرة الفاصلة بين الشعب وكيانه العام. وألغت الثورة السياسية بذلك الطابع السياسي للمجتمع البورجوازي وفتته إلى مكوناته البسيطة: الأفراد في ناحية، والعناصر المادية والروحية التي تشكل معنى الحياة والوضع البورجوازي لهؤلاء الأفراد في ناحية .


إن الدولة البرجوازية تعتق العقل السياسي الذي تجزأ وتفكك واندلق في الطرق المغلقة المختلفة للمجتمع الإقطاعي بصورة واحدة، لقد جمعته من هذا الشتات وحررته من اختلاطه بالحياة البورجوازية وشكلته كبيئة للكيان العام، للوجود الشعبي العام في استقلال مثالي عن تلك العناصر الخاصة للحياة البورجوازية. لقد إنخفضت مكانة المهنة المحددة والوضع الحياتي المحدد ولم يعد لهما سوى معنى فردي. لم يعودا يشكلان العلاقة العامة للفرد بالدولة ككل. بل أصبح هذا الشأن العام بحد ذاته شأنا عاما لكل فرد وأصبحت الوظيفة السياسية وظيفة عامهَ.


إن ما هو مجرد في الدين اليهودي هو احتقار التنظير والفن والتاريخ.. والإنسان كغاية بحد ذاتها، هذا هو الموقف الحقيقي الواعي، المفضل لرجل المال. أما علاقة النوع ذاتها، العلاقة الإنسانية بين الرجل والمرأة.. الخ فإنها تصبح محلاً للتجارة! تضحى المرأة بضاعة يتاجر بها. فالقومية الخرافية لليهودي هي قومية التاجر، رجل المال بشكل عام وهو القانون اليهودي الذي لا أساس له سوى الكاريكاتير الديني للأخلاقية التي لا أساس لها، وللقانون بوجه عام وللطقوس الشكلية حسب تلك التي يحيط عالم المنفعة الذاتية نفسه بها وتضحىالعلاقات القانونية هنا أيضا العلاقات الأسمى، العلاقات إزاء قوانين لا تشمل الإنسان لأنها انبثقت من إرادته وكيانه الخاصين، وإنما لأنها سائدة عليه ولأن الخروج عليها معاقب عليه. فاليعقوبية اليهودية، اليعقوبية العملية نفسها التي يحيلنا باور إليها في التلمود، هي علاقة عالم المنفعة الذاتية بالقوانين السائدة عليه والتي يشكل الالتفاف الذكي عليها الفن الرئيس في هذا العالم.

أجل، إن حركة العالم ضمن قوانينه هي إلغاء حتى للقانون، فاليهودية كدين لم تستطع التطور نظرياً لأن نظرة الحاجة العملية إلى العالم ضيقة الأفق بطبيعتها، تستنفد بعد وقت قصير. فلايمكن لدين الحاجة العملية بطبيعته بلوغ الكمال في النظرية وإنما في التطبيق، لأن موضوعيته هي التطبيق فـ"اليهودية" لم تخلق عالما جديدا، بل قامت أبجذب مبتكرات العالم وأوضاع العالم إلى مجال نشاطها، فالحاجة العملية التي تكون المنفعة الذاتية عقلها، تقف منها موقفا سلبيا ولا تتسع لها حسب الرغبة، وإنما تجد متسعها باستمرار تطور الأوضاع الاجتماعية. [كانت" اليهودية" هي الكلمة الدارجة في لغة الألمان لوصف التجارة والمضاربة والرأسمالية = الملخص ]

وإذ بلغت اليهودية نقطة الذروة باكتمال المجتمع البورجوازي، فإن المجتمع البورجوازي نفسه لا يكتمل إلا في العالم المسيحي. في ظل المسيحية التي تجعل جميع العلاقات الوطنية والطبيعية والأخلاقية والنظرية شيئا ظاهريا بالنسبة للإنسان حيث استطاع المجتمع البورجوازي الإنفصال عن حياة الدولة انفصالا تاما ممزقاً جميع روابط النوع الإنسانية واضعاً مكان رابطة النوع الإنسانية الأنانية والمنفعة الذاتية محلاًً عالم الإنسان في عالم من أفراد مفتتين بعضهم لبعض عدو. لقد انبثقت المسيحية من اليهودية. ثم عادت وذابت في اليهودية.


لقد كان المسيحي منذ البدء هو اليهودي المنظِر، واليهودي هو المسيحي العملي، ثم أضحى المسيحي العملي يهوديا ثانية. لقد تغلبت المسيحية على اليهودية الواقعية في الظاهر فقط. وقد كانت أكثر سموا وأكثر روحانية من أن تلغي فجاجة الحاجة العملية بطريقة أخرى غير تصعيدها إلى أثير حيث المسيحية هي الفكرة النبيلة لليهودية واليهودية هي الاستخدام المعتاد للمسيحية، ولكن هذا الاستخدام لم يصبح عاما إلا بعد أن أكملت المسيحية كدين ناجز عملية اغتراب الإنسان نظريا عن نفسه وعن الطبيعة.عند ذاك فقط استطاعت اليهودية الوصول إلى السيطرة العامة بائعة غربة الإنسان والطبيعة المتخلى عنهما أوجعلهما قابلين للبيع، وموضوعا لإستعباد الحاجة الأنانية والتجارة.


فالبيع هو الجانب العملي للتخلي (الإغتراب) إذ يحول الإنسان كيانه إلى شيء ما دام متديناً، بأن يجعله كياناً خيالياً غريباً (مغيباً)، فهو لا يستطيع تحت سلطة الحاجة العملية أن ينشط بطريقة عملية في إنتاج أشياء عملية، فيضع منتجاته وكذلك نشاطه تحت سيطرة كائن غريب ويمنحها قيمة كائن غريب –المال–. فتتحول الأنا الروحية المسيحية في عمله بالضرورة إلى أنا الجسد اليهودية، وتتحول الحاجة السماوية إلى حاجة أرضية، والذاتية إلى منفعة ذاتية. لذا لا نفسر اليهودي بدينه بل بالأساس البشري لدينه،بالحاجة العملية والأنانية. ولأن الجوهر الحقيقي لليهودي قد تحقق بشكل عام في المجتمع البورجوازي، وأصبح دنيويا، فإن المجتمع البورجوازي لم يستطع إقناع اليهودي بوهمية جوهره الديني الذي هو ليس سوى المفهوم المثالي للحاجة العملية. وهكذا فإِننا لا نعثر على جوهر يهودي اليوم في الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم وفي التلمود وحسب، وإنما نجده في المجتمع الراهن، ليس كتجريد، وإنما كائناً على أعلى درجة من العملية، ليس فقط بضيق أفق اليهودي وإنما بيهودية المجتمع الضيق الأفق. وحالما ينجح المجتمع في التغلب على الجوهر العملي لليهودي، على التاجر وشروطه، يضحى وجود اليهودي مستحيلا، لأن وعيه لا يعود يملك موضوعا، ولأن القاعدة الذاتية لليهودية، وهي الحاجة العملية تكون قد اتخذت طابعا إنسانيا لأن النزاع بين الوجود الفردي المحسوس وبين وجود النوع البشري قد ألغي. لذا فالتحرر الاجتماعي لليهودي هو تحرر المجتمع من اليهودية.

-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
كتب في أغسطس - ديسمبر 1843 ونشر في حولية الشؤون الألمانية الفرنسية فبراير 1844
لخص بتدقيق وأوجزعن نسخ ترجمات عددا من لغته الألمانية



#المنصور_جعفر (هاشتاغ)       Al-mansour_Jaafar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أفراح الحزب والدموع دجلة وفرات على وجه العراق
- إدانة الهجوم الدموي لجمهورية مصر العربية على لاجئين من السود ...
- أناشيد إسماعيلية لخزريات بابل المعاصرة
- قيـامـة النبي في كـوش
- الوقت العصيب العراق
- من الجهود المبذولة لحل الحـزب الشيـوعي وتصفيه وجوده العلني ا ...


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - المنصور جعفر - المسألة اليهودية في السودان