أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - العراق - السقوط والبدائل -2















المزيد.....

العراق - السقوط والبدائل -2


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1513 - 2006 / 4 / 7 - 10:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لقد توصلت في المقال السابق، إلى أن إشكالية العراق الكبرى القائمة وراء سقوطه التاريخي هو غياب التاريخ فيه. وإذا كان التاريخ بالمعنى المقصود هو سلسلة وعي
الذات وليس كمية الأحداث الحادثة فيه، من هنا كان غياب الفكرة العامة هو الرديف الفعلي لغياب التاريخ الواقعي. وليس المقصود بالفكرة العامة، سوى مرجعية المبادئ النظرية والعملية التي تحكم سلوك القوى السياسية والنخب الوطنية بالشكل الذي يجعل من الفكرة الوطنية العامة مرجعية جوهرية في المواقف والرؤى والسلوك. وهي مرجعية تفترض على الدوام إدراك الأولويات.
فمن قتل أباه يمكنه القول، اليوم خمر وغدا أمر! ومن ينتظر ولادة مولود يمكنه أن يقول اليوم أمر وغدا خمر! والمقصود بذلك ترتيب الأولويات بالشكل الذي يجعل المواقف معقولة والنتائج مقبولة. وإذا كانت هذه الحقيقة فاعلة في سلوك المرء بما في ذلك على مستوى الحياة العادية، فإنها تبدو اشد إلحاحا بالنسبة للمواقف السياسية. وذلك لان المواقف السياسية الحقيقية مرتبطة على الدوام بادراك منظومة الأوليات والفعل بمقاييسها. ولا يغير من هذه الحقيقة الطابع المتبدل والمتغير للمواقف السياسية. على العكس، إن المواقف الحقيقية تفترض التغير والتبدل بشرط أن يكون ذلك محكوما بمنهجية لها قواعدها وشعارات معلنة لكي تؤدي بالحصيلة إلى ترسيخ قيم الثبات الديناميكي والمضمون الاجتماعي للسياسة. وهي الحصيلة التي يمكنها أن تلعب في تاريخ العراق ومستقبله القريب دورا غاية في الأهمية بالنسبة للقوى السياسية التي تستمد شعاراتها من المستقبل وتعمل بمعايير الرؤية الإستراتيجية لتذليل زمن السلطة والعيش في تاريخ الدولة. بمعنى التفكير والعمل بالطريقة التي تذلل أنماط التفكير الجزئي والعابر.
إن كمية الخراب الفعلية المتناثرة في الحياة السياسية والاجتماعية للمجتمع والنخب والدولة في ظروف العراق الحالية هي النتاج المباشر وغير المباشر لذهنية التجزئة وفقدان أو انعدام الرؤية الكلية والعامة. وهي حقيقة يمكن استقراء تأثيرها المخرب على تاريخ العراق الحديث. إذ أن احد الأسباب الجوهرية التي جرت العراق بعد مرور قرن من الزمن على ظهور دولته الحديثة إلى الابتداء من الصفر هو تغلغل نمط التفكير الجزئي الذي شكلت الطائفية السياسية صيغتها العملية الملموسة. وهو نمط كان يختبئ وراء صعود الفكرة الراديكالية وحركاتها السياسية المتنوعة. وليس مصادفة أن يكون تاريخ العراق السياسي الحديث هو تاريخ الفكرة السياسية الراديكالية. وفي هذا يكمن سر الصراع الدموي لحركاته وأحزابه السياسية. بمعنى غياب أو اضمحلال الأبعاد الاجتماعية في الفكرة السياسية والعمل السياسي. من هنا انعدام الفكرة الليبرالية والديمقراطية. وتشابه القوى المختلفة والمتصارعة فيما بينها من حيث الأسلوب والغاية. وهو الأمر الذي جعل من تاريخ صراعها زمنا عابرا لا معنى له ولا قيمة. على العكس، انه كان وما يزال يشكل احد مصادر الانحلال الفعلي للفكر والثقافة والعلاقات الاجتماعية، ومن ثم انهيار فكرة الدولة والوطنية.
فالفكرة الراديكالية عادة ما ترهن وجود الأفراد والمجتمع إلى نفسية التجريب الخشن. وهو تجريب لا عقلانية فيه. مما يجعل من المغامرة أسلوبها المحبب. وهو أسلوب لا يمكنه أن يؤدي إلا إلى ترسيخ نفسية وتقاليد اللاعقلانية ورفعها إلى مصاف "المقدس". والنتيجة هي استعاضة عن فكرة الدولة بالسلطة، والمجتمع بالحرب، والحزب بالقائد، والقائد بالغريزة. وفي النتيجة يتحول البصر إلى بصيرة، بمعنى اضمحلال العقل في الإحساس المحكوم بقوة الغريزة. مما يجر الجميع إلى معركة يصعب إدراك غايتها لأنها بلا مقدمات تاريخية. فالتاريخ مكوم بفكرة الدولة. وهو السبب القائم وراء وقوف العراق بعد قرن من ظهوره الجديد عاريا يتأمل نفسه بمرآة عوجاء. من هنا تداخل مكونات يصعب تأملها بمعايير المنطق والمصلحة. بمعنى إننا نقف أمام حالة حرب الجميع ضد الجميع. وهي النتيجة المترتبة على تقاليد الراديكالية و"ارتقاءها" إلى مصاف "المنظومة، كما جسدت التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية نموذجا التام!!
وما يجري في العراق من احتراب الجميع ضد الجميع هو الوجه الآخر لهذه الظاهرة التاريخية السياسية. بمعنى عيش الأغلبية بمعايير ومقاييس ونفسية الراديكالية السياسية. من هنا دوران الإنتاج الدائم للفكرة الجزئية وتجزئة الفكرة، كما نراه في ظواهر استفحال الطائفية والعرقية (الفكرة الجزئية) وانهيار أو ضعف المرجعية الوطنية (تجزئة الفكرة العامة). وهو خلل يستعيد في الواقع اغلب مكونات الزمن الراديكالي العراقي الذي عاش مراحل انحدار فكرة المرجعية الشرعية إلى شرعية الثورة، ومنها إلى الشرعية الوحيدة للحزب القائد، ومن بعدها إلى واحدية "القائد الضرورة" التي استعاضت عن كل ضرورة في المجتمع والشرعية والدولة. وهي مقدمات يمكن رؤية آثارها الخربة في استفحال البنية التقليدية، بما في ذلك في المكونات السياسية العراقية الحالية وصعود الطائفية والعرقية والجهوية واضمحلال الفكرة الدنيوية والليبرالية. وهي حالة مرشحة للانهيار التام بالرجوع إلى حضيض البنية القبلية والعائلية والعصابات الدموية. وهو انحدار لا علاقة له بسيناريو الخيال العلمي، بقدر ما يمكن التوصل إليه مما يمكن دعوته بحتمية الواقع السياسي. فالسياسة لا تقل حتمية في نتائجها من اشد العمليات موضوعية للعلم الطبيعي. فالسياسة لها منطق صارم للغاية والنتائج محكومة بأسبابها دوما مهما طال الزمن. وليس من جبرية في هذا الحكم. وإذا كان من الممكن الحديث عن جبرية بهذا الصدد فهي جبرية الخطأ والخطيئة!
وليس هناك من خطأ وخطيئة تاريخية كبرى في تاريخ العراق الحديث اكبر وأكثر من ظاهرة الراديكالية السياسية. فهي صانعة الخيانة والنخب المتهرئة. وذلك لما فيها من آلية عنيفة في سحق العقل والعقلانية والاعتدال والفكرة الاجتماعية، ومن ثم صعود الهامشية والأطراف والأقلية، مع ما يترتب عليه من غياب أو غيبوبة المرجعيات الوطنية الكبرى. وهي حالة برهن عليها سقوط الدكتاتورية الصدامية بوصفها إحدى اقسي وأتعس النماذج الممكنة للراديكالية السياسية. فقد استطاعت أن تدفع فكرة "القطع الجذري" مع التاريخ الفعلي للدولة إلى نهايته "المنطقية". وفي هذا يكمن سر انهيارها المريع. ولكنه انهيار يكشف عن فضيلة كبرى بالنسبة للوعي السياسي، ومأساة اكبر منها بالنسبة لمصير الدولة والمجتمع.
فمن المعلوم، أن سقوط الدول هو في الأغلب النتاج المباشر وغير المباشر على انحطاط الأمم وسقوطها. وهو انحطاط وسقوط متنوع الأشكال والصفات لكنه يشترك في كونه النتاج الحتمي الملازم لانحطاط النخب. حيث تتحمل النخبة السياسية بشكل خاص مسئولية مباشرة عن الانحطاط والسقوط، بينما تتحمل النخب الفكرية والثقافية والعلمية مسئولية غير مباشرة. وفي الحصيلة لا يعني استسلام المجتمع للسقوط سوى "انتصار" الانحطاط الذاتي للجميع. وهي حالة حدثت وتحدث وسوف تحدث لجميع الشعوب والدول والأمم حالما تفتقد للحد الضروري من الإجماع على مرجعيات متسامية ومبادئ عملية جامعة. وهو إجماع يستحيل تحقيقه دون نبذ الفكرة الراديكالية. وإذا كان التاريخ الواقعي والفعلي قد كشف عن محدوديتها الفاضحة، فان الوعي السياسي العراق الحالي لم يبلغ بعد درجة القطيعة معها. وذلك لأنه لم يبلغ بعد، كما تكشف الأحداث الحالية بعد الاستفتاء على الدستور الدائم وإقراره وإجراء الانتخابات، عما يمكن دعوته بالقطع الجذري مع الراديكالية، بحيث يحوله إلى جزء من حكمته السياسية ومرجعية الفكرة الوطنية العامة.
إلا إننا نقف أمام نمو مضطرد في إدراكه لأهمية وضرورة تذليل ما أسميته بجبرية الخطأ والخطيئة في التاريخ العراقي الحديث. وهو إدراك تتراكم فيه تناغم الفكرة العقلانية والواقعية والاعتدال بوصفها مكونات المعادلة التي تعادلها فكرة المرجعية الوطنية العراقية. وحالما تصبح هذه المعادلة جزء من الوعي السياسي والحقوقي للأحزاب والنخب والسلطة والدولة، حينذاك يمكننا القول، بان العراق قد خطى الخطوة الضرورية الكبرى في صعود الأمل الحقيقي بوصفه قطيعة مع تقاليد الاستبداد والتجزئة والانحطاط.



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لولا سيف الحجاج ولسان الحسن-1
- العراق - السقوط والبدائل وأزمة المرجعيات الكبرى
- حزب إسلامي أم حزب شيطاني
- النخبة السياسية ومهمة البديل الوطني في العراق
- النخبة السياسية في العراق المعاصر – أحزاب الطريق المسدود
- النخبة السياسية في العراق - أزلام وأقزام
- النخبة السياسية العراقية - زيف وتزييف
- فلسفة البديل العراقي
- أزلام السلطة ورجال الدولة 2-2
- أزلام السلطة ورجال الدولة -1-2
- كتاب جديد لميثم الجنابي - العراق ورهان المستقبل
- النخبة السياسية والمأساة العراقية! 2 - 2
- النخبة السياسية والمأساة العراقية! 1 - 2
- حرب أهلية = دولة كردية. وهم أو خرافة؟
- الاستفتاء وآفاق الانتقال من نفسية القطيع إلى ذهنية الاختيار ...
- العقدة العراقية – تاريخ البدائل
- العقدة العراقية – خرافة الانحطاط وأسطورة العظمة
- الشخصية العلوية – وحدة المتناقضات المغرية
- العراق وهوية المستقبل
- الاستفتاء والمحاكمة – الابتذال الديمقراطي لفكرة الحق


المزيد.....




- وحدة أوكرانية تستخدم المسيرات بدلا من الأسلحة الثقيلة
- القضاء البريطاني يدين مغربيا قتل بريطانيا بزعم -الثأر- لأطفا ...
- وزير إسرائيلي يصف مقترحا مصريا بأنه استسلام كامل من جانب إسر ...
- -نيويورك تايمز-: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخ ...
- السعودية.. سقوط فتيات مشاركات في سباق الهجن بالعلا عن الجمال ...
- ستولتنبرغ يدعو إلى الاعتراف بأن دول -الناتو- لم تقدم المساعد ...
- مسؤول أمريكي: واشنطن لا تتوقع هجوما أوكرانيا واسعا
- الكويت..قرار بحبس الإعلامية الشهيرة حليمة بولند سنتين وغرامة ...
- واشنطن: المساعدات العسكرية ستصل أوكرانيا خلال أيام
- مليون متابع -يُدخلون تيك توكر- عربياً إلى السجن (فيديو)


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - العراق - السقوط والبدائل -2