أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عماد الحسناوي - نظرية العدالة عند جون رولز















المزيد.....

نظرية العدالة عند جون رولز


عماد الحسناوي

الحوار المتمدن-العدد: 6030 - 2018 / 10 / 21 - 09:59
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لقد ظل المشتغلون بالفلسفة السياسية في فترة الخمسينات يتابعون انجازات ” جون راولز ” وتطويره لنظرية العدالة التي بدأت بمقال له ثم نشره في إحدى المجلات الفلسفية، حيث لقي هذا المقال حجماً كبيراً من المناقشات والتعليقات والمتابعات في الوقت الذي كان فيه ” راولز ” يعمل على تطوير أفكاره الأساسية من خلال عدد من المقالات والدراسات، إلى أن أصدر في عام 1971 كتابه الشهير “نظرية العدالة”، وحينذاك كان اسم ” جون راولز ” لا يحظى بشهرة كبيرة في الأوساط الأكاديمية لكنه بعد إصدار الكتاب أصبح أحد ألمع أعلام الفلسفة المعاصرة لدى جماهير المثقفين في معظم أنحاء العالم.
لقد تم الإحتفاء بهذا الكتاب من طرف الأساتذة البارزين في ميدان الفلسفة السياسية واعتبروه حدثاً فريداً من نوعه، بل وصفوه أنه تحفة فريدة، وإسهام منقطع النظير في ميدان الفلسفة السياسية، بل إن هناك من المهتمين من ربط بين هذا الكتاب وبين الأعمال الخالدة لـ ” إفلاطون ” و ” جون ستيوارت مل ” ، و ” ايمانويل كانط ” ، وفضلاً عن هذا فقد أُختير هذا الكتاب في باب عرض الكتب الجديدة بمجلة نيويورك تايمز كواحد من أهم خمسة كتب صدرت عام 1971، ومن ثم اعتبر الفيلسوف الأمريكي ” جون راولز ” 1921 – 2001 من أهم المنظرين للعدالة كنظرية ومفهوم، ذلك أنه عندما ترجم مؤلَّفه لأول مرة أحدث ذلك نقاشاً محتدماً في العالم القارئ، ونفس الشيء حصل في العالم الانكلوسكسوني، بحيث أثارت “نظرية العدالة” نقاشات كبيرة يصعب الإحاطة بها، إذ في الولايات المتحدة الأمريكية كانت الفلسفة الأكثر شيوعاً و رواجاً، بالإضافة إلى هذا لا يمكن إحصاء الكتب والمقالات التي كتبت عن هذه النظرية.
وإلى حدود عام1971 كانت الفلسفة الإنجلوسكسونية خاضعة للفكر التحليلي ، مكرسة بذلك للمنطق الفلسفي الابستيمولوجي، أما الفلسفة السياسية فكانت غير مؤثرة بشكل عميق في التقليد الانجلوسكسوني حيث بقي المذهب النفعي هو المؤثر من الناحية الأخلاقية والسياسية، إلاّ أنه مع نظرية ” راولز ” للعدالة عرفت الفلسفة السياسية تجديداً وتحديثاً ، وهذا ما سيحاول هذا البحث رصده من خلال نظرية العدالة عند ” جون راولز ” ، وذلك من خلال تحديد مبادئ العدالة ودورها في المجال السياسي العام ، ومدى إمكانية نجاحها في تحقيق مجتمع ديمقراطي وعادل ، ولكن هل يمكن الحديث عن العدالة في مجتمع يغلب عليه المذهب البراغماتي في السياسة ؟ والإتجاه اللبرالي في السياسة والإقتصاد؟
يقول ” كارل شميت ” : إن الفكر الليبرالي يتملص ويتجاهل الدولة والسياسة ليتحرك في قطبين مختلفي الخصائص وهما الأخلاق والإقتصاد ، بحيث يتحول إلى منافسة من جهة الإقتصاد، والى جدال من جهة العقل ” لكن السؤال هو، هل هذا الحكم ملائم دائماً للتطورات المعاصرة للفكر الليبرالي في أمريكا خاصة فيما يتعلق بالفيلسوف الأمريكي جون راولز ؟ يقول ” راولز ” في فقرة النفعية التقليدية : ” هدفي هو إعداد نظرية في العدالة التي ستعيد تقديم حلاً في إعادة تغيير الفكر النفعي بصفة عامة، وكذا مختلف المشارب الموجودة” خاصة و إن من بين ردود الفعل المنتظرة من قراءة كتاب نظرية العدالة لـ ” جون راولز ” هو الحصول على نظرية سياسية تؤسس للديمقراطية الإجتماعية لكن بأي معنى ؟

ذلك أن إعادة إدخال شروط إلزامية للعدالة الإجتماعية لا يعني إلغاء حريات وحقوق الأفراد، بل ينبغي المحافظة عليها، ومن هنا فقط يمكن ولادة الإجماع، يقول ” راولز ” : كل شخص يملك حصانة قائمة على العدالة لا يمكن انتهاكها حتى بإسم رفاهية المجموعة “، و لكن ماهي الفرضيات التي تقوم عليها هذه النظرية ؟

مفهوم الموقف الأصلي أو الوضعية الأصلية :

يتقاطع مفهوم الموقف الأصلي في نظرية العدالة، مع حالة الطبيعة في النظرية التقليدية للعقد الإجتماعي، ذلك أن النظريات التعاقدية تفترض حالة الفوضى والحرب والإضطراب التي كان يعيشها الأفراد في حالة الطبيعة، الشيء الذي أجبر فلاسفة العقد الإجتماعي على التعاقد وإنشاء مجتمع سياسي على النحو الذي صوروه لنا، إلى هنا يبدو الموقف مماثلاً ، لكن ” راولز ” يطرح بُعداً جديداً في نظريته ، إنه ما أسماه حجاب الجهالة . إلاّ أن الأشخاص المتفاوضين الذين تصورهم ” راولز ” وقد إجتمعوا ليتوصلوا إلى مبادئ للعدل الذي سيتحكم نشاطهم مستقبلاً ، يجهلون في نفس الوقت كل شيء عن نفسهم، ذلك أن كلّ شخص لا يعرف سوى المعلومات التي هي في هويته مثل اسمه، عمره ، جنسيته والحقبة التي يعيش فيها كما يجهل قدراته البدنية أو العقلية فمجمل معرفته أنه إنسان بغض النظر عن الاسم أو اللون أو الجنس أو العقيدة أو أي شيء من محددات الشخصية الفردية، ويعرف أيضاً بموجب معرفته العامة أنه بإعتباره إنساناً ، إذ يعرف أن له أهداف، لكنه لا يعلم ما هي على وجه التحديد؟
إن ما توخاه ” راولز ” من إضافة هذا البُعد الجديد (حجاب الجهالة) هو أن تتم عملية التفاوض في جو محايد تماماً ، وأن يحول دون أن يتميز أحد من المتفاوضين بأوضاعه الشخصية بحيث يصمم مبادئ تلاءم أحواله ، بل يجب أن لا يختل ميزان العدالة الذي يروم تحصيل إجماع الأفراد على هذه المبادئ، ذلك أن ” كل المتعاقدين يجهلون مفهومهم الخاص عن الخير وميولهم النفسية، وبهذا المعنى يمكن القول أن اختيارهم لمبادئ العدل يتم خلف حجاب الجهل”.

إذن فطالما أن كل المتفاوض يجهلون أوضاعه الخاصة فإنه لا خوف من شخص طرح مبادئ غير موضوعية تخدم مصالح البعض على حساب مصالح الآخرين.

هذا الموقف الذي نحن بصدد الحديث عنه والذي سيجد المتفاوضون فيه أنفسهم هو ما يسميه ” راولز ” بالموقف الأصلي بحيث في هذا الموقف تكون هناك مجموعة متفاوضين كل فرد فيها يتميز بالحكمة العامة والجهل الخاص ، وكل واحد منهم يسعى إلى تحقيق مصلحته الشخصية لكنه يجد نفسه عاجزاً على التمييز بين ملامحه وملامح الآخرين ، وفي ظل هذا الوضع لا بد لهم من أن يحاولوا البلوغ مبادئ للعدالة تنتفي فيها المفاضلة بين الأشخاص بحيث يمكن أن يستفيد منها أي إنسان أياً كان ، وبناءً على هذا يتم الإتفاق بين كافة المتفاوضين على ضرورة التزام الحياد إزاء المبادئ المطروحة وعدم تحيزها، بل يتم اتفاقهم حتى على ضرورة وضع ذوي الميزات الأدنى في الحسبان في هذه المبادئ، ذلك أن أهمية نظرية العدالة لا تتحقق إلاّ حينما تأخذ مصلحة الفئة الأقل حرماناً والأكثر ضعفاً .

هنا تطرح اقتراحات كثيرة للإنتقاء ومنها مبادئ للعدالة ومن ثمة تكون لهم مطلق الحرية في استعراض سائر مبادئ العدل التي عرفها تاريخ الفكر السياسي ليختاروا من بينها ما يلائم شروط عيشهم والظروف التي يتم فيها تفاوضهم، فبإمكانهم مثلا أن يتأملوا وجهة نظر القائلة : بأن “العدل هو العمل لمصلحة الأقوى أو الأكثر امتيازاً ” وبوسعهم أن ينظروا إلى وجهة نظر التي ترى أن الخير يكمن في الرقي بالجنس البشري، كما يمكنهم الإعتماد على وجهة النظر التي ترى أن العدل قوامه هو الإنسجام التام مع الطبيعة والتناغم معها ، لكنهم سيرفضون كل هذه الإقتراحات ووجهات النظر – حسب راولز – لأنه لا أحد منهم سيقبل بأية مبادئ تميل للأقوياء أو المتفوقين لأنها ستكون ضده إذا أزيل عنه حجاب الجهالة، وإكتشف وضعه السيئ، أنه من الضعفاء أو المتخلفين، فهذه أسباب كافية لرفضها من طرف المتفاوضين، ويفترض ” راولز ” أنهم ربما يطرحون مذهب المنفعة العامة للنقاش والبحث لكنهم سيرفضونه بسرعة في رأي ” راولز ” بحجة أن هذا المذهب ظالم ، لأنه يسمح بالتضحية بحقوق البعض من أجل الرفاهية العامة وهذا المنطق مرفوض ؛ فالإنسان لا يمكنه القبول بمذهب يمكن أن يهدد أمنه الإجتماعي ، ويعرضه للقهر في يوم من الأيام من أجل المصلحة العامة أو غير المصلحة العامة، طالما أن هذا الإنسان هو شخص عقلاني وهدفه هو تحقيق مصلحته الخاصة، مثلما حال باقي أطراف الموقف الأصلي، وهكذا وبعد أخذ ورد يرفض المتفاوضون المبادئ المطروحة، وما فيها من جور، وهي حقيقة يعلمها المتفاوضون حق العلم بمقتضى معلوماتهم العامة التي سبقت الإشارة إليها، وهو ما سيقطع مع فكرة التوزيع غير العادل للخيرات، ولكن كيف يحل ” راولز ” هذه المسألة مع العلم أن في المجتمع تضارب في المصالح ؟ بالإضافة إلى تشكيك أفراد المجتمع في إمكانية سن قاعدة تنظيمية يحصل بموجبها نوع من التطابق والتكامل في عملية تحقيق النفع العام؟

انطلاقاً من هذا يمكن القول أن ” راولز ” يعارض التصور القائم على التفاوت بين الناس الذي تتدخل فيه مجموعة من الإعتبارات ” كالأصول الإجتماعية” أو” العرقية” أو “الجنسية” وغيرها، طبقية كانت أو سلطوية، مؤكداً بذلك على ضرورة التوزيع المنصف للثروات، بمعنى أنه لا يجوز أن تكون فئة مستفيدة بإحدى الطرق السابقة، أي أنه ليس لهم الحق في إكتساب قدر أكبر من الثروات إلاّ إذا ظهر بأن ذلك سيفيد بشكل أو بآخر أولئك الذين لم ينالوا سوى قسطاً ضئيلاً (الطبقات المحرومة) من الخيرات والثروات.

واضح أن ” راولز ” إستقى مفهوم العدالة التوزيعية من فلسفة “أرسطو”، حيث تلتقي في كتابه الشهير عدة أطياف فكرية قارية و انجلوساكسونية ، وإستعاد من “كانط” مفاهيم الإستقلالية والكونية، والإستعمال العموم للعقل “، كما يستحضر ” راولز ” نظرية التعاقد عند “روسو” وإن كان قد اعتبر نظريته على قدر كبير من التجريد ، لكن ينبغي التنبيه بملاحظة في غاية من الأهمية، وهي أن “راولز” قد تجاوز كل البنيات الفلسفية السابقة، وهو ما ساعده على بلورة نظرية جديدة للعدالة، التي سيطرح من خلالها مشروعاً نظرياً لتجديد الليبرالية ، ولإعادة التفكير في مستقبل الديمقراطية ذات المنحـى الليبـرالي في المجتمعات الما- بعد حداثية المركبة بنيتها ثقافياً عرقياً ، وما تمخض عن ذلك من أزمات وصراعات بين ” دعاة المساواة ” و ” دعاة الحريات ” ، على قواعد أخلاقية للعدالة كإنصاف ، ومن ثمَّ رصد الإختلافات التي تخترق الجسم الإجتماعي الليبرالي ، وانطلاقاً من هذا ، كيف يتصور ” راولز ” العدالة كإنصاف في ظل تعاظم الأنانية وتضخم الفردانية وإستشراء اللامبالاة السياسية ؟ ووفق أية مبادئ للعدالة ؟

مبادئ العدالة عند جون راولز:

خلافاً للتصور الليبرالي المفرط لمسألة العدالة ، يقر ” راولز ” بإمكانية تحقق العدالة كإنصاف ، شرط الإيمان بمبدأ “التعاون” كعنصر استراتيجي لتوفير الرفاهية للجميع ، أي أن ” راولز ” يحث على تحقيق البعد الإجتماعي في عملية إنتاج الخيرات مادامت الأخيرة ستوزع بالتساوي على أفراد المجتمع (العدالة التوزيعية)، يبدو من خلال ما سبق أن ” راولز ” يضع ” مبدأ التعاون ” في مقابل “الروح الفردية”، فإذا كان من نتائج التعاون توحيد الصفوف وتكامل الأدوار وإنصاف جميع الأطراف، فإن من نتائج الفردانية، التشرذم وطغيان الذاتية والأنانية على مبدأ المصلحة العليا، وعندما نتحدث عن تضارب المصالح فإننا نعني بذلك أن الأشخاص غير مهتمين أو مبالين بالقواعد التي يتم بها توزيع محصول تعاونهم من جراء تلهفهم لتحقيق أهدافهم، فكل فرد يفضل الحصول على الجزء الأكبر من هذه المزايا بدل الجزء الأقل، أي أن كل واحد يسعى إلى تحقيق مصلحته معتقداً أن مجهوده الخاص كفيل لبلوغ أهدافه وطموحاته وغاياته ، ولهذه الأسباب وغيرها يتوصل “راولز” إلى ضرورة وضع مقاربة جديدة لمفهوم العدالة يتسنى من خلالها تحديد مبادئ أخلاقية وسياسية تشمل مختلف التصورات الممكنة لمسألة العدالة الإجتماعية وتكاملها ، بل إن العدالة كإنصاف، كما يرى ” راولز “هي القاعدة التي ستضمن التوزيع العادل للخيرات وفق تصور أخلاقي يُرضي الجميع ، وذلك من خلال مبادئ العدالة الإجتماعية كما بلورها “جون راولز” والتي ستكون وسيلة فعالة لتوحيد الحقوق والواجبات داخل المؤسسات الأساسية للمجتمع، كما أنها ستساعد على التوزيع السليم والمتكافئ للأرباح.

غير أنه على الرغم من الإختلاف الملاحظ عند الأشخاص حول المبادئ التي يجب أن تكون بمثابة الأسس القاعدية لمجتمعهم، ومع ذلك فوجود الإختلافات لا يمنع من وجود نظرة خاصة لكل واحد منهم للعدالة، بمعنى أنهم يدركون الحاجة إلى هذه المبادئ وأنهم مستعدون للدفاع عنها ، هذه المبادئ تسمح بوضع الحقوق والواجبات الأساسية وتحقيق ما يعتقدون أنه توزيع عادل للمزايا والأعباء الناتجة عن التعاون الإجتماعي، ولهذا يمكن القول أن مبادئ العدالة كإنصاف من شأنها أن تقدم تصوراً شاملاً لكل التصورات المختلفة للعدالة وتحتويها في نفس الآن، بشكل يجعلها تتخذ أبعاداً قابلة للتطبيق عملياً داخل البنيات المؤسساتية متى توفرت الظروف المناسبة لذلك ، فلا بد إذن من وجود تنسيق بين مشاريع الأشخاص حتى يحصل انسجام بين الأعمال التي يقومون بها، وحتى لا يتضرر أحدهم، ومن جهة أخرى، فلتحقيق هذه المشاريع يتعين أن يسمح بالوصول إلى أهداف إجتماعية عن طريق إستعمال وسائل تكون في ذات الوقت فعالة وغير مخالفة للعدالة ، وفي الأخير، فإن نظام التعاون الإجتماعي يجب أن يكون مستقراً ، وأن تحترم قوانينه الأساسية ، يتضح إذن أن هذه المسائل الثلاثة لها علاقة وطيدة بمبدأ العدالة ؛ ففي غياب حد أدنى من التوافق بين ما هو عادل وما هو غير عادل سيكون من العسير علينا التنسيق بين الرغبات المختلفة ، وانطلاقاً من هذا تبرز أهمية إيجاد قاعدة أساسية لبناء تصور معقول لمفهوم العدالة، من أجل إيجاد صيغ مشتركة تضمن الحريات الأساسية للأفراد والمساواة في توزيع الترواث ، وتلك هي مبادئ العدالة كإنصاف .

إذن نظرية العدالة بما هي إنصاف عند “راولز” تتحدد فيما يلي :

1 – كل الناس أحرار (الحرية) ولهم الحق في النسق الموسع للحريات الأساسية بالتساوي (المساواة).

2- من الطبيعي أن تنتج عن هذا النسق الموسع للحريات فوارق إجتماعية وإقتصادية هائلة بين الناس لكن شريطة أن تنظم بالكيفية التالية :

أ – أن تكون في مصلحة الأكثر حرماناً أي ضحايا النظام الرأسمالي.

ب – أن تكون نابعة من مبدأ تكافؤ الفرص ( في الوظائف )
لا يرى ” راولز ” مانعاً في بقاء اللامساواة لكن شرط أن تكون في مصلحة الأكثر حرماناً والأقل حظاً من الناس ، وإذا كانت أيضاً حصيلة تكافؤ الفرص التي يتيحها النظام الليبرالي الذي يكون قد قبل بمبدأ العدالة كإنصاف ، وحصل توافق جماعي حول مبادئها التي نلخص أهمها في ما يلي : ” المساواة ، الحرية ، التعاون الإجتماعي ” .

ومن هنا يتضح أن هدف نظرية العدالة كإنصاف هو محاولة الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بإمكانية تحقيق مجتمع عادل يضمن لأفراده الحرية والمساواة، بحيث تكون الحدود المنصفة للتعاون موضع توافق بين المواطنين أنفسهم مادام الدخول لمجتمع التعاون يفترض المرور بمرحلة الوضعية الأصلية كإجراء لعرض نظرية العدالة كإنصاف .
إذن فما هي مبادئ العدالة التي على أساسها سيكون التوزيع منصفاً بين أفراد المجتمع ، لما أسماه ” راولز ” المنافع الأساسية مثلاً : الحقوق و السلطات والفرص والدخل والثروة، ومخولات إحترام الذات … ببساطة تتمثل حسب ” جون راولز ” في المبادئ التالية :

المبدأ الأول : لكل شخص أن يحصل على حق مُسَاوٍ في أكثر أشكال الحرية شمولاً وأوسعها مدىً ، دون المساس بحرية الآخرين .

المبدأ الثاني : يتم تسوية التفاوتات الإجتماعية والإقتصادية بحيث تكون أعظمها نفعاً لأقل المستفيدين ، ويترتب عليها مراكز ومناصب متاحة أمام الجميع تحت شروط المساواة العادلة في الفرص .
إن المبدأ الأول هو مبدأ الحرية المتساوية، يهدف إلى منح كل شخص حقه وحريته السياسية الأساسية كالحق في التصويت، وإمكانية شغل مناصب عامة ، وحرية التعبير والرأي والفكر، والاجتماع والحق في الملكية الخاصة، واللجوء إلى القانون، وذلك دون النظر إلى وضعيته الإجتماعية.

أما المبدأ الثاني فيتضمن ما يسميه ” راولز ” بـ ” المبدأ الليبرالي للمساواة المنصفة في الفرص” إذ يقتضي حصول الجميع على فرص متكافئة للمنافسة على شتى المناصب ، و هنا يدرك ” راولز ” أن هذا التنافس يُحسم بنتيجة تكمن في حصول البعض على مواقع وثروات مما يسمح بظهور فروق إجتماعية، لكن داخل إطار محكوم بتكافؤ الفرص ، المشكل بالنسبة لـ ” راولز ” هو السماح بوجود تفاوتات شريطة أن لا يخلق هذا مجتمع فئة محرومة من حقها في الحصول على حقوقها الكاملة والفرص الأساسية لحساب فئة أخرى تتمتع بامتيازات ، ومن أجل تحقيق هذا المجتمع دعا إلى المساواة الديمقراطية .

إنطلاقاً مما تقدم وتأسيساً عليه ، يمكن القول، أنه لا يمكن التضحية بالمبدأ الأول لفائدة الثاني ، فللمساواة في الحرية أسبقية عن المساواة في الفرص، ولهذه الأخيرة أولوية على توزيع المتساوي للثروات، وداخل كل واحدة منها لا يقبل التفاوت ولا تقبل اللامساواة إلاّ إذا كان سيستفيد منها أولئك الذين هم أكثر تعرضاً للحرمان والضعف والفقر من غيرهم، وإنطلاقاً من هذه المبادئ سيتم التوزيع العادل للمنافع الأساسية حسب ” راولز ” كأهم نقطة عملية نحو استعاذة العدالة داخل كل المجتمعات الحديثة.



#عماد_الحسناوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يمكن للمرء أن يكون سعيدا
- قراءة في كتاب ابن مسكويه -تهذيب الأخلاق و تطهير الأعراق-
- الحق عند حنة أرندت
- التعليم الفلسفي عند كانط
- الفلسفة كحل لتحرر من الوعي الشقي
- تفكيك مفهوم الحب (عند ألان باديو)
- لدولة تجليات و لحراك الريف تداعيات
- نادي الفكر والثقافة (بومية)
- نادي الفكر والثقافة
- لا شيء أكثر رداءة من تسليع الثقافة والفن
- و يستمر الاستهتار يا حماة اليسار
- المسيحية كشكل من أشكال الإنحطاط عند نيتشه
- خلاصة المشروع النيتشوي
- فلسفة التاريخ عند هيجل
- حقيقة العذاب
- الكتابة الجينالوجيا كبديل للكتابة الميتافيزيقيا
- قلب الأفلاطونية عند نيتشه
- نيتشه قارئا لكانط
- طرق العقل بالمطرقة الجينالوجية
- الميتافيزيقا عند نيتشه


المزيد.....




- بيسكوف: نرفض أي مفاوضات مشروطة لحل أزمة أوكرانيا
- في حرب غزة .. كلا الطرفين خاسر - التايمز
- ارتفاع حصيلة ضحايا هجوم -كروكوس- الإرهابي إلى 144
- عالم فلك: مذنب قد تكون به براكين جليدية يتجه نحو الأرض بعد 7 ...
- خبراء البرلمان الألماني: -الناتو- لن يتدخل لحماية قوات فرنسا ...
- وكالة ناسا تعد خريطة تظهر مسار الكسوف الشمسي الكلي في 8 أبري ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 795 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 17 ...
- الأمن الروسي يصطحب الإرهابي فريد شمس الدين إلى شقة سكنها قبل ...
- بروفيسورة هولندية تنظم -وقفة صيام من أجل غزة-
- الخارجية السورية: تزامن العدوان الإسرائيلي وهجوم الإرهابيين ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عماد الحسناوي - نظرية العدالة عند جون رولز