أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمار ابراهيم عزت - سلطة التقويض وتقويض السلطة















المزيد.....

سلطة التقويض وتقويض السلطة


عمار ابراهيم عزت

الحوار المتمدن-العدد: 6027 - 2018 / 10 / 18 - 23:54
المحور: الادب والفن
    


قراءة في نصوص (لحم ابليس) للأديب عدنان عزيز
إن كل الأشياء والظواهر بما فيها النصوص لا تتشكل بل لا يمكن تصورها الا باشتباكها (أو تورطها) مع المؤسسات والأنظمة العقلية واللاعقلية المحيطة بها، وفي علاقتها مع امتداداتها المعقدة زمانيا ومكانيا، أو ما يطلق عليه "فنسنت ليش" (بروتوكول التورط). هذا التصور يدفعنا الى السؤال عن الحد الذي تورط فيه عدنان عزيز، واين يقبع هذا التورط، وما هي اشكاله؟
1-صورة الذات الساردة:
إن الصورة التي رسمها عدنان لذاته النصية الساردة التي تمتد في خطاطة تعاقبية لم تستثن ماضيها او حاضرها او مستقبلها. هي صورة لذات تنبذ الماضي وتمقت الحاضر لقساوته، ولا ترى في المستقبل الا أفق ملتبسا غائما لا رجاء ولا أمل فيه
فإذا استحضرنا النص(22) الذي يقول فيه:
" تقويم يختصر ليالي سنة، تقوم على 366 عصا، من يهتم بالتفاصيل سوى ذلك المذياع الصغير الذي يثرثر في الفناء، وتساءل في سره ماذا لو صنع الانسان تقويما لحياته، يا ترى هل تكفيه اثنتا عشرة صفحة وماذا ممكن له ان يكتب بها. ومن يقرأ ومن يكترث، لابد ان الاحفاد سوف تجذبهم صفحة واحدة عليه ان يسرع لتمزيقها ويأوي الى الفراش "
نجد إن الذات تتنازل عن سرديتها الممتزجة بالوجع الدائم واللامبالاة، حتى لو اتيح لهذه الذات أن تعيد كتابة سرديتها " تقويمها " من جديد. هو تنازل عن توريث ذاكرة الوجع الى اجيال قادمة حتى لو تضمن التقويم الجديد صفحات مشرقة قد تحظى باهتمامهم ولو على سبيل الافتراض.
إن التواريخ تفقد ديمومتها إذا انقطع التواصل بين السلف والأجيال القادمة التي لا ترى فيما ورثته قيمة تستدعي التمسك والاحتفاظ بتراثها وماضيها، وما (التمزيق) الا رد فعل طبيعي لا يستدعي غرابة عند ذات السارد لأنها ترى في الأيام التي نسعى لتدوين أحداثها عصيا تجلدنا يوما بعد يوم.
مما تقدم يكون الهرب والعزلة والوحدة والانكفاء على الذات والانهزام والتقهقر حلا مثاليا مقارنة بالعيش في حاضر يكون العبث رديفه وقرينه. فهو يقوله في النص (17): " أدركت إني وحيد احاول ان اعبث في رأسي الصغير عن قنوات اخرى للهرب ". الهرب الذي يغيب معه المعنى بالشكل الذي تتراجع فيه الذات فتغرق في بحث وجودي وتساؤلات حيث يقول في (4): " قدم في الوحل وقدم في الطحين صرخ قائلا من أنا؟ ". أو قوله في النص (38):"كل من عليها فان ... لم يعتقد يوما انه جزء من عليها، كان يعتقد انه خارج هذا المعنى ".
2-مركزية الموت وهامش الحياة
تتمحور عدد من نصوص المجموعة على ثنائية الموت والحياة. يكون الموت فيها مركزيا مقارنة بالحياة التي تقبع هامشا في انتظار موت عاجل أو مؤجل. الموت الذي يكرهه جدا ويعده من أخطاء السماء كما يصرح:" يكره الموت جدا، ويعتبره من اخطاء السماء "، هذه الكراهية منبعها حالات الفقد المتكررة للأبناء، لذا فان ذات السارد توجه خطابا معاتبا شديد اللهجة الى الذات المتعالية، واقصد الرب، بقوله في النص (65): " ايها الرب، أرسل اولادك الى الحرب، لنرى شجاعتك ".
3-تقويض سلطة الإله
في المقطع أعلاه وفي مقاطع أخرى تظهر سلطة الرب بوصفها سلطة مقوِّضة. سلطة تمتلك كل النهايات في حتمية اسمها الموت، موت يتكرر وفق قاعدة تعددت الاسباب والموت واحد. لذا يعمد الشاعر الى تقويض هذه السلطة لا على مستوى الواقع المعيش، وانما على مستوى الواقع النصي. فإذا كان خطاب الرب سلطويا في الواقع ويحتل حيزا مهيمنا في حياتنا العقلية واللاعقلية، الواعية واللاوعية، فإن خطاب النص يسعى الى خلخلة هذا الخطاب وتفتيته نصيا.
4-تقويض صورة الحاكم المطلق
يصف عدنان عزيز في النص (64) صورة الحاكم المطلق الذي عسكر الدولة لعقود وحكم بالأيديولوجيا الواحدة والمعنى الواحد، كما يصف الفوبيا التي يعيشها الشعب متجسدا في صورة العسكري الذي يهاب صورة الحاكم المطلق التي يلمعها كل صباح:" صورة الحاكم ببزته العسكرية تعانق الحائط منذ ثلاثين عاما، اعتاد كل صباح ان يمشط الصورة بأفضل ما لديه من مناديل، ليجعلها تلمع كسبائك الذهب، لأنه يخشى على جسده صحبة عصي المخافر، ولا يجرؤ في سره مقارنتها بلمعان حذائه ... ". ويوم حلم بسقوط الحاكم استدعي مرة أخرى الى المخفر.
يشي هذ النص تحديدا بعمق الوهم الذي نعيشه. الوهم الممتزج مع ما شئت من الخوف والاضمحلال والتلاشي امام سلطة الحاكم الذي حولت الإنسان الى رقيب على ذاته يمنعها من أن تمارس حريتها في الفعل والتفكير والاحلام. سلطة مررت الى الوعي ايديولوجيتها (خطابها المزيف) الذي اقصى الجميع مقابل اثبات نفسه. مع مثل هكذا سلطة تكون الذات ذاتا مهمشة ومقوَّضة غير قادر على الفعل او على مواجهة الآخر وتحديه، لذا فهي ذات انطوائية، كما أسلفنا، متوحدة تعيش في فضائها الورقي رغبة في تحطيم سلطة الحاكم سرديا عبر العبث بهيئة التي تكرر نفسها لعقود.
5-تقويض سلطة كهنة المعبد
يحيلنا عزيز الى مرجعية تاريخية مفصلية في حياة الأمة بحثا عن أسباب التشظي والضياع الذي أصاب الأمة بعد وفاة الرسول. اللحظة التي انحرف فيها الدين عن غاياته الكونية الإنسانية ليقتصر وجوده في حدود ضيقة تنحصر في منافع قبلية وشخصية وسياسية. يمسرح عزيز مشهدا يستحضر فيه النبي كي يتعرف عن كثب على مصير الأمة من بعده، فيعبر القوم عن ذلك الانحراف الذي استوجب ان يكون طعامهم من مائدة ابليس فهم يقتاتون من لحمه.
اعتمد النص على لعبة الأنساق المتوازية، فإذا كان النسق المعلن هو نسق المنحرفين عن رسالة النبي الذي يسعى الى تقويضه لأنه نسق منحرف قوّض رسالة سماوية، فإن نسقا مضمرا يشي به الخطاب يصفه عزيز بالصراط المستقيم الذي يعبر منه كل الموتى والشهداء الموالين الى الجنة.
ولأنه لا مفر من تورط الكاتب بمرجعياته الدينية والفكرية والثقافية وان حاول التملص منها أو الانقلاب، فإن عدنان قد مرر نسقه بشكل لا واع يثبت هوية الكاتب الاسلامية الشيعية تحديدا وان حاول التملص منها في بعض نصوصه لأنها هوية متجذرة من الصعب الانسلاخ عنها.
6-توصيف ختامي
تشي دهاليز النصوص في كتاب " لحم ابليس " بمحنة الكاتب الذي يعاني من تشظي الهوية وما نتج عنها من تشظي مجتمعي على مستوى طائفي وعرقي وايديولوجي كان ابناؤنا له حطبا ومنهم الشهيد " أكثم " ابن عدنان عزيز المصرح باسمه في الاهداء وفي النص الذي استل منه عنوان المجموعة (لحم ابليس). وإن اي محاولة لتحقيق انسجام بين الأجزاء المتباعدة والمتنافرة على مستوى الواقع ينتج عنها "هوية ملفقة " لمجتمع دون ملامح.
نصيا يتلاشى الحد الفاصل لنصوص المجموعة، فالتداخل الاجناسي ما بين الشعر والقصة القصيرة هي سمة أغلب نصوص المجموعة، وربما يكون ذلك سببا في عدم تجنيس المجموعة من قبل الكاتب تاركا للقارئ تصنيفها. لقد كتب عدنان نصا مفتوحا تتبع من خلاله المعنى متجاهلا القوالب المعتادة في الشعر والسرد فكان هذا الخليط الذي انفتح جماليا على فعل القراءة والتأويل.
لحم ابليس: عدنان عزيز، تموز، دمشق، ط1، 2015.



#عمار_ابراهيم_عزت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مغارة الجنس ومعاول الرغبة
- الكتابة عند خط المحنة
- رواية شرايين رمادية بمسوييها الحكائي والخطابي
- هكذا سأكتبك يا عراق
- السفارة وسط العمارة
- أحلام معطلة


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمار ابراهيم عزت - سلطة التقويض وتقويض السلطة