أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود الصباغ - سأحدثكم عن أيمن














المزيد.....

سأحدثكم عن أيمن


محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)


الحوار المتمدن-العدد: 6023 - 2018 / 10 / 14 - 03:58
المحور: الادب والفن
    


سأحدثكم عن أيمن* ؛ عن قصيدة، حين سمعتها أول مرة لم أكن أعرف من هو أيمن؟أين عاش وكيف مات ولمَ مات؟
سأحدثكم عن أيمن،عن أغنية كل من سمعها لاشك أنه بكى بطريقة ما.
سأحدثكم عن أيمن ،عن طفل بعمر حنظلة،بل أصغر،مات وتركه وحيداً يدير ظهره لنا،ربما لعبا معاً في أحراج وادٍ تصل شعابه حتى حدود الناقورة ،عن زبقين حيث ولد شاعر كتب مراثٍ عن أناس لايعرفهم
سأحدثكم عن أيمن ،عن معارك سنة ال 77 في بنت جبيل و الطيبة-تلة رب ثلاثين، و الخيام وكفرشوبا ومرجعيون .عن ذكريات تحرير تل شلعبون ومحور الطيري وتل مسعود وتلة المشتى.
سأحدثكم عن أيمن عن حزن عينيه،و عن سحر يديه , عن طفل جمع فلسطين و لبنان بدمه في مكان ليس بعيداً عن الجليل المحتل , في العزية التي تنام هادئة مثل كل قرى الجنوب لا همَّ لسكانها سوى الاهتمام بالأرض و الأبناء .
مات أيمن؛فبكت الشجرات؛استشهد ذات صباح تشريني من العام 1977,صبت الطائرات جحيمها على أهل العزية (جنوب مدينة صور بنحو 10 كم) ,فاستحالوا نثاراً يختلط فيه لحمهم و دمهم بالأرض؛اندثرت القرية, لم تعد للحياة ثانية.وعادت الطائرات الكرة مرة ثانية وسكان القرية يتراكضون هرباً،
سأحدثكم عن أيمن كيف كان يحلم من هناك أن يدخل في الوطن ,لكنه مات , بكت السروة في السر,بكى النرجس في الساحات ,فقرع النهر الأجراس المنسية في الأحلام
سأحدثكم عن أيمن , عن قمر الغابات الفاتن في ربيع عمره الرابع حين اختار خندقه مبكراً ,ومنذ ذلك الحين , ونحن مازلنا نناقش خيبات أملنا , حول حداثة البوركيني على شواطئ الريفييرا ,وشرعية البنوك الإسلامية و اللحم الحلال وعلاج الحسد.
سأحدثكم عن أيمن، عن موته الذي خلّد صورته ،فلا هو ينتهي و لا هو يتبدد،يولد،مثل بعل، كل ربيع ويمضي عبر الوديان لتستقبله عناة على شاطىء صور
سأحدثكم عن أيمن،شبه إله،طفل لم يتقن الحياة بعد، اقتنص الموت جسده،وبقيت روحه حاضرة في ذاكرتنا
سأحدثكم عن أيمن،عن برجا،عن العزية ،عن كامل علواني الفلسطيني ساكن الجنوب ،عن يسرا قاسم أبو خانة أم أيمن
سأحدثكم عن أيمنهم ،عنهم ؛لله درهم كيف اختاروا خندقهم, ليس مع كاسترو و لا مع حراس المدرسة الحقانية.
سأحدثكم عن أيمن ,عن هدير طائرات معادية , عن العزية التي اندثرت يومها , تتساقط الصواريخ كما المطر ,تتطاير حجارة البيوت وتختلط مؤونة البيت بدماء سكانه , تذبح البشرية في العزية، كما ذبحت قبل ذلك في قبية و دير ياسين و الهامة و بحر البقر
سأحدثكم عن أيمن , عن قمر يسقط في النسيان.. فيهرب من بقي حياً من النوافذ , يلتجأ من الركام إلى الركام بالركام,سأحدثكم عن يسرا , كيف حملت رضيعها الآخر وهرعت لاتلوي بين القذائف ,انهارت على حطام قرب كهفٍ مجاور ؛التفت نحو صرخة مكتومة تغيب , كانت أم كامل والدة زوجها قد كمرها ركام التراب الذي قلبه وحش الجو , نظرت يسرا نحو كامل تستنجد , كان وجهه آخر ما رأته قبل أن تهرب. وجه يلتهمه التعب ،وجه تغرق فيه تفاصيل العذاب الذي يتجاوز عتبة الألم البشري , غابت يسرا في الوقت الذي اخترقت فيه للتو شظية ظهر زوجها.
ساحدثكم عن الصاروخ الذي نزل على منزل أبو محمد البرجاوي ، أبو محمد في الداخل يدخن النرجيلة .. أم محمد ، ليلى وأيمن في الدار . نهاد ، محمد وجمال في المطبخ . يسرا مع زوجها وابنها محمد في منزلها المجاور . إستشهد أبو محمد ، إستشهدت أم محمد ، إستشهدت ليلى واستشهد أيمن . تلقت منتهى الخبر الفاجعة في برجا .
سأحدثكم عن أيمن الذي انعقد لسانه دهشة من العصافير المعادية.عن أيمن الذي -بدمه- كتب تاريخاً جديداً ومأساة جديدة متجددة محصلتها خمسة وستون شهيداً من أصل أربعماية هم سكان البلدة .. أما العزية فقد أزيلت عن الوجود من وقتها .
أيها السائر صوب الحدود ..استحلفك أن تقف عند نهر صغير على حافة ليست بعيدة عن الجليل , ستجد هناك مفرق و بقايا طرق وصخور و أعشاب ولا أطلال .. ..فهناك شربت الأرض من دم أيمن ..هناك كشف أيمن فراشته البيضاء،امتشقها و صوب نحو الطائرة الأولى فأصيب ثم صوب نحو الشمس فلم تسقط فالتفت غربا وصوب نحو البحر فلم يسقط,هدّه التعب فنظر بحزن للسماء و صوب نحو الأرض فمات,فمشى النهر إليه و غمره بفيض حنانه , اقترب منه البحر , مشى نحوه ,مشينا نحوه , لكنه كان يفر جنوباً , يحمل جثته و يهاجر نحو حدودٍ ترقد خلف حدودْ
سأحدثكم عن أيمن؛عن الطفل الذي فينا ؛كيف اختار خندقه مبكراً.
ساحدثكم عن أيمن عن فتى لم يكن يعرف معنى الأرض و العرض، لم يعرف ماذا يعني أن تكون الحرب أعظم الشرور حاى لو قامت لغايات نبيلة
سأحدثكم عن أيمن ،ومن منا ليس عنده أيمن ؟؟
سأحدثكم عن أيمن الذي سيعبر فينا ورداً و دماً و صدور
........
*قصيدة من شعر شوقي بزيع بعنوان ” زعموا أن صباحاً كان ” (1978) من ديوانه ” الرحيل إلى شمس يثرب “(1992) وغناها مرسيل خلفة في العام 1983
سأحدثكم عن أيمن
عن فرح الغابات الفاتن في عينيه
وعن سحر يديه
إذا فرت أنهار الأرض وخبأها بين أصابعه
سأحدثكم عن أيمن
عن قمر تشتبك الأشجار على دمه المنسي
فيسقط في النسيان
عن طفل يركض خلف فراشته
وعن الخنجر في أقصى الوديان
في الأفق عصافير معادية
في الأفق طيور سود
في الأفق دم ورعود
امتشق الطفل فراشته البيضاء
صوب نحو الطائرة الأولى فأصيب
صوب نحو الشمس فلم تسقط
صوب نحو البحر فلم يسقط
صوب نحو الأرض فمات
بكت الشجرات
بكت السروة في السر
بكى النرجس في الساحات
قرع النهر الأجراس المنسية في الأحلام
ارتدت الأرض صدور الشهداء
وجاءت كي تشهد أيمن وهو ينام
ومشى النهر إليه
ومشى البحر إليه
مشى الوطن العربي إليه
مشينا نحو خطاه
كان يفر جنوباً
يحمل جثته ويهاجر
نحو حدود ترقد خلف حدود ترقد خلف حدود
سيعبر ورداً ودماً وصدور



#محمود_الصباغ (هاشتاغ)       Mahmoud_Al_Sabbagh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القدس أم أورشليم؟ إنها قسمة ضيزى
- النكبة:وعي الهزيمة والذاكرة المثقوبة
- Mulholland Drive: العقل؛ دعابته و لعنته
- عن فلسطين ..عنها ،بوصفها أكثر من تفصيل
- انحسار دور علم الآثار في بناء الهوية الإسرائيلية
- The Good ,The Bad ,and The gly : آخر الأوغاد المهذبين
- نقد النموذج الثقافي-التاريخي و سرديات التوطن في منهج علم الآ ...
- Good Will Hunting: اللحظة الفردية التي يمكن التنبؤ بها
- زقاق المدق: والحب بطل كل الأشياء
- من بسمارك إلى صلاح الدين , مسح الماضي القومي في إعادة تسمية ...
- العدو على الأبواب Enemy at the Gates الحب في زمن الحرب
- Gangs of New York: عصابات نيويورك
- -المكتوبجي- ..غول رقابة وذراع سلطان
- الخادم
- القدس في القرنين العاشر و التاسع ق.م :إعادة نظر على ضوء الحف ...
- يهودية الدولة: اليهودي الأبيض في مواجهة الفلسطيني آخر -السام ...
- فلسطين إسرائيل: الاستعمار الاستيطاني ودولة الاستثناء
- فلسطين بين عطالة التاريخ و النزعة القومية : قراءة في كتاب شل ...
- فساد الأمكنة : مفردات المكان و الفساد والموت رواية ل صبري مو ...
- حكايا من فلسطين


المزيد.....




- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...
- رواية -خاتم سليمى- لريما بالي.. فصول متقلبة عن الحب وحلب
- تردد قناة سبونج بوب على النايل سات …. أجدد الأفلام وأغاني ال ...
- الكشف عن القائمة القصيرة لجائزة -PublisHer-


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود الصباغ - سأحدثكم عن أيمن