أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد رمضان الجبور - بناء الشخصية والبعد التاريخي في رواية( الشيطان يخرج من أزمير )















المزيد.....



بناء الشخصية والبعد التاريخي في رواية( الشيطان يخرج من أزمير )


محمد رمضان الجبور
(Mohammad Ramadan Aljboor)


الحوار المتمدن-العدد: 6018 - 2018 / 10 / 9 - 14:58
المحور: الادب والفن
    


بناء الشخصية والبعد التاريخي في رواية( الشيطان يخرج من أزمير )
مدخل الى الرواية :
أهتم الروائي مصطفى القرنة بالتاريخ وبالتراث في معظم أعماله الروائية إن لم يكن في جميعها ، فكان التاريخ هو الملهم له دائما ، وكان اهتمامه بالتاريخ يندرج تحت عناوين مختلفة ، فتارة يكون المكان هو الهاجس التاريخي في عمله ، كما في رواية( شمتو) المدينة الأثرية التونسية التي سطر فيها معاناة أهلها في مقاومة الاحتلال الروماني ،، ففي (شمتو) يدور الحديث عن المحتل والمستعمر الروماني ، الذي جاء طامعا بخيرات (شمتو) من رخام أصفر ليس له نظير ، يزين به قصوره ، وأغنام وثمار ، وشعب (شمتو) يموت جوعا ، ويموت قتلا وقهرا على أيدي الرومان ، وقد أبدع وأجاد الروائي في تقصي الحقائق عن هذا المكان التونسي حتى كان ما كتبه عن هذا المكان(شمتو) وثيقة تاريخية تشرح فترة زمنية في عصر من عصور الجمهورية التونسية.
وفي رواية (دموع على حدود طنجة ) ، ينقلنا الروائي مصطفى القرنة ، إلى دولة أخرى من دول الوطن العربي ، والى مدينة أخرى ، إنها مدينة طنجة المغربية ، الحدث الرئيس في الرواية هو وباء الطاعون الذي أصاب هذه المدينة وغيرها من المدن المغربية ، وأودى بحياة الكثيرين ، يحدد الروائي الزمن منذ بداية الرواية فيقول بداية صيف 1893 في مدينة طنجة ، فالروائي حدد لنا الزمان والمكان ، وأن كان هناك أماكن أخرى في النص تظهر في حينها .
وفي رواية (عائلة من الروهينغا) ينقلنا الروائي القرنة الى بورما ( ميانمار ) باختياره لعائلة من العائلات الكثيرة التي تعرضت للظلم والقتل والتشريد على أيدي الجنود والرهبان البوذيين .
وفي رواية (المدرج الروماني ) ، يطرح الروائي فكرة بناء المدرج الروماني الموجود في العاصمة الأردنية عمان والتي كانت تسمى في العصر الروماني (فيلادلفيا) .
الرواية تتحدث عن الفترة التي تم فيها بناء المدرج الروماني ، وتصف الأجواء والظروف التي سادت في تلك الفترة ، ويشعر المتلقي بأنه ينتقل عبر الزمن إلى تلك الفترة من التاريخ.
وفي روايتنا هذه ( الشيطان يخرج من أزمير) ننتقل مع الروائي الى مدينة أخرى ، الى أزمير ،تركيا ، لنقرأ شيئا عن التاريخ العثماني ، وعن تاريخ اليهود في اسبانيا والدولة الثمانية ، فما زلنا مع التاريخ ، تاريخ المكان ، وتاريخ الزمان ، وتاريخ الأشخاص ونقول أشخاص وليس شخصيات ، ففي الرواية الكثير من الشخصيات الحقيقية التي كان لها دور بارز في تاريخ الدولة العثمانية .
ملخص الرواية :
تبدأ الرواية بمشهد تمثيلي يقوم به الطفل سبولاني الذي بلغ التاسعة من عمره و الذي سيكون هو وسبتاي زيفي عملة واحدة ذات وجهين ، يتحدث بعد أن لبس عمامة وجبة ولحية مرسومة بقلم أسود وغرق في حالة صوفية عن اليهود في اسبانيا ، وكيف كانوا سعداء هناك ، فقد أحبوا اسبانيا ، ثم يتحدث عن سقوط المدن العربية في الأندلس ، غرناطة وطليطلة وقرطبة وبلنسية .
وعن ايزابل وفرناندو كيف اتحدوا وقضوا على الجميع مسلمين ويهود .فقد سلم أبو عبد الله الصغير غرناطة بعد صلح عقده مع فرناندو بتاريخ 25 تشرين الثاني 1491 يقتضي بتسليم غرناطة وخروج أبو عبد الله الصغير من الأندلس، ولكن سرعان ما نقض هذا الأخير العهد. وبدأت محاكم التفتيش في التعذيب والقتل والنفي، وبدأت هنا معاناة أهل الأندلس من المسلمين ومن اليهود فقد كانت محاكم التفتيش تجبرهم على التنصير أو الموت .
- "هكذا قدرنا نحن اليهود ، لقد خذلنا تشيكو قاتله الله سلم غرناطة دون قتال "(1)
والمقصود بتشيكو أبو عبد الله الصغير محمد بن علي ابن الأحمر النصري أخر ملوك غرناطة ، فبعد سقوط قرطبة وبلنسية، وإشبيلية، وبطليوس، وهي حواضر كانت تموج علما وثقافة وحضارة.
ولم يبق من دولة الإسلام هناك سوى بضع ولايات صغيرة في الطرف الجنوبي من الأندلس، قامت فيها مملكة صغيرة عُرفت بمملكة غرناطة، شاءت الأقدار لها أن تحمل راية الإسلام أكثر من قرنين من الزمان، وأن تقيم حضارة زاهية وحياة ثقافية رائعة، حتى انقض عليها الملكان المسيحيان: "فرديناند الخامس" و"إيزابيلا"، وحاصرا بقواتهما غرناطة في 12 من جمادى الآخرة 896هـ= 30 أبريل 1491 حصارا شديدا، وأتلفا الزروع المحيطة بالمدينة، وقطعا أي اتصال لها بالخارج، ومنعا أي مدد يمكن أن يأتي لنجدتها من المغرب الأقصى؛ حتى تستسلم المدينة، ويسقط آخر معقل للإسلام في الأندلس .
نعود الى سبولاني هذا الطفل الموهوب الذي حلت روح سبتاي زيفي فيه ، فهو الذي سيقود الرواية كما المح لذلك الروائي القرنة ، فهذا والد سبولاني يقول انه يشبه موردخاي والد سبتاي وابنه الغبي يشبه سبتاي زيفي " أنا أشبه موردخاي وأبني سبولاني الغبي يشبه هذا الولد سبتاي زيفي الذي ظهر للوجود وكبر ، ولديهما الكثير من المشتركات الاثنان صوفيان هذا يعزف على الصوفية وذاك يعزف على الكابالا(2 ) ، سيكون ابني نسخة كربون عن سبتاي زيفي وسأكون سعيدا إذا حقق انجازاته التي قام بها " ( 3)
____________________________________
الرواية ص11(1
الرواية ص 23(2
3) الكابالا : هي معتقدات وشروحات روحانية فلسفية تفسر الحياة والكون والربانيات. بدأت عند اليهود وبقيت حكرا عليهم لقرون طويلة.
ويتحول الروائي الى سبتاي اليهودي الذي بدأ يخطب في الأطفال ممن هم في سنه ، حتى حذره والده خوفا عليه من العثمانيين ، فقد كان يجيد الخطابة بشكل يلفت الانتباه :
- إن إجادتك للخطابة لا تعني أن تظل تهذي بين زملائك .
- من قال أنني أهذي ؟؟
- يا بني يجب أن أخذك للكاهن ليقرأ عليك انك ممسوس .
- ضحك سبتاي وقال : لا انك تمزح .
- لا أمزح إن الشياطين تركبك أيها الفتى .( 1)
ولكن سبتاي لا يسمع كلام أحد حتى والده لذلك كان يصر على الاجتماع بزملائه ويهاجم العثمانيين، وتبدأ الأحلام تزور سبتاي ولا تفارقه فهو يحلم بأنه سيكون مكان السلطان مراد الرابع ويسخر منه والده ويقول أجعل أحلامك قابلة للتصديق :
" في غرفة نوم سبتاي قال الأب موردخاي :
- نم يا بني ولا تحلم كثيرا .
نظر سبتاي الى أبيه وقال :
- حلمتُ أني مكان السلطان مراد الرابع انه لا يكبرني كثيرا .
قهقه الأب وقال :
- احلم ولكن أجعل أحلامك قابلة للتصديق ، لا يقبل المسلمون أن يكون السلطان يهودياً.
- لماذا ؟؟
- لأنها بلادهم ونحن ضيوف .
- ضيوف ضيوف أوف سأصبح سيدا لهذا العالم .
هكذا هي أحلام سبتاي ، أن يصبح سيدا للعالم ، حالة نفسية ترافقه وينميها بهذه الأحلام التي أصبحت تزعج والده خوفا عليه من العثمانيين .
الأحلام أصبحت الزاد اليومي لسبتاي ، بل أصبحت الهاجس الذي لا يفارقه أبدا .
____________________________________________________
الرواية ص 36(1
وتسود البلاد الفوضى والفساد بسبب ظهور الانكشارية (1 )فقد تحولت هذه الفرقة الانكشارية إلى مركز قوة نغص حياة الدولة العثمانية، وعرضها لكثير من الفتن والقلاقل، وبدلاً من أن ينصرف زعماء الانكشارية إلى حياة الجندية التي جبلوا عليها –راحوا يتدخلون في شؤون الدولة، ويزجون بأنفسهم في السياسة العليا للدولة وفيما لا يعنيهم من أمور الحكم والسلطان؛ فكانوا يطالبون بخلع السلطان القائم بحكمه ويولون غيره، ويأخذون العطايا عند تولي كل سلطان جديد، وصار هذا حقًا مكتسبًا لا يمكن لأي سلطان مهما أوتي من قوة أن يتجاهله، وإلا تعرض للمهانة على أيديهم.
وقد بدأت ظاهرة تدخل الانكشارية في سياسة الدولة منذ عهد مبكر في تاريخ الدولة، غير أن هذا التدخل لم يكن له تأثير في عهد سلاطين الدولة العظام؛ لأن قوتهم كانت تكبح جماح هؤلاء الإنكشاريين، حتى إذا بدأت الدولة في الضعف والانكماش بدأ نفوذ الإنكشاريين في الظهور، فكانوا يعزلون السلاطين ويقتلون بعضهم، مثلما فعلوا بالسلطان عثمان الثاني حيث عزلوه عن منصبه، وقتلوه سنة 1622، وفعلوا مثل ذلك مع السلطان إبراهيم الأول، فقاموا بخنقه سنة 1648، محتجين بمعاداته لهم، وامتدت أفعالهم إلى القتل أحيانا أو العزل .
ولم يكن سلاطين الدولة في فترة ضعفها يملكون دفع هذه الشرور أو الوقوف في وجهها، فقام الإنكشاريون بقتل حسن باشا على عهد السلطان مراد الرابع سنة (1042 هـ=1632 م) . ووقفوا أمام السلطان محمود الثاني عندما أراد أن يحدث جيشه وأقاموا التمرد واضطر السلطان إلى تأجيل محاولته لوقت لاحق.
وتستمر أحلام سبتاي ، فقد حلم انه قد عاد الى أورشليم ، وتكرر حلمه بأنه أصبح نبيا وحوله أحد عشر حواريا ، وأن هناك نور يأتيه ، ووالده يهدده بأن يتوقف ‘ن أحلامه حتى لا يجلب المصائب لهم .
أما سبولاني الوجه الأخر من العملة ، فقد قرر أن يدرس اللغة العربية في حلقة الشيخ جلال الصناجيري ، وأحلامه لا تختلف كثيرا عن أحلام سبتاي ، فقد سأل الشيخ الصناجيري عن سيدنا الخضر :
_________________________________________________
1) هي قوات مشاة من النخبة بالجيش العثماني ، شكلوا الحرس الخاص للسلطان العثماني ، تأسست قوات الإنكشارية في عهد السلطان مراد الأول (1362-1389) وكان للانكشارية تنظيم خاص بهم بثكناتهم العسكرية وشاراتهم ورتبهم وامتيازاتهم، وكانوا أقوى فرق الجيش العثماني وأكثرها نفوذاً. وكان أفراد الانكشارية هم من أسرى الحروب من الغلمان الذين يتم فصلهم عن ذويهم وأصولهم، ويتم تربيتهم تربية إسلامية، على أن يكون السلطان والدهم الروحي، وأن تكون الحرب صنعتهم الوحيدة.

- هل سيدنا الخضر حي أم ميت .
ارتجف الشيخ وقال :
- استغفر الله العظيم يا ولد لا تقل ذلك مرة أخرى ، سيدنا الخضر حي وبكامل صحته .
- وكيف عرفت ذلك ؟
- لأني التقي به كل يوم .
- أين ؟؟
- في الرؤيا
- جميل
- ومتى سيزورني ؟(1 )
- عندما تتعلم العلم الشرعي بشكل جيد ، وتكف عن أسئلتك الكثيرة التي لا طائل منها .
تزداد الفوضى ، وتكثر الانفجارات أمام المساجد وفي الأسواق، ويستشير الطلبة معلمهم في توقف الدروس ، ولكن الشيخ يصر على الاستمرار في أعطاء الدروس .
سبتاي / ما زال يجلس في مجلس الحاخام ويتلقى الدروس ، ويسأله الحاخام :
- ماذا قرأت أمس سبتاي ؟؟
قرأت سفر أمنا أستير(2 ). -
_______________________________________________________
) الرواية ص451
) سفر استير هو احد الكتب المذكورة في العهد القديم ويعتبر السفر من احد كتب2
التاريخ ويأتي بعد سفر يهوديت وهو الكتاب الرابع عشر في العهد القديم، واستير ملكة أنقذت اليهود من القتل بعد ما أمر هامان بقتل جميع اليهود ، فقامت بحيلة أنقذت اليهود من القتل . .



- وماذا وجدت فيه ؟
- إن الأمة قدرها أن تكون مستضعفة ولكنها سرعان ما تنهض .
- وكيف نهضت أمتنا في أرض السبي ؟
- لقد كانت تلك الفتاة استير هي من حظيت برضي الملك أحشوروش(1 ) فتزوجها ، دائما هناك من ينقذ اليهود . ( 2 )
الحاخام يمسح على رأس سبتاي ويباركه لحفظه الكثير من سفر استير ، وسبتاي عاد الى أبيه مسرورا وأخبره انه تحدث للطلاب غن سفر استير ، ويبتسم والده مشجعا له .
الانكشارية ما زالت تثير الفوضى والفساد في البلاد ، (وكوسم سلطان) تساعدهم في ذلك .
سبولاني يعود الى الزاوية الصناجيرية ليتابع دروسه مع الشيخ الصناجيري ، ويتابع أسئلته التي لا تنتهي ، ويسأله شيخه : ماذا ستصبح عندما تكبر يا سبولاني ، ويجيب سبولاني بأنه سوف يكون داعية .
سبتاي يلتقي بصديقه شلومو الذي يحب فتاة تدعى رومي ، ويتحدثان في أمور الزواج رغم صغر سنهما . وتستمر كرامات سبتاي المزعومة ، ها هو يأكل هو وصديقه الرمان في وقت لا يوجد به رمان ، ولكن شجرة الرمان فجأة تُزهر ويكبر ثمرها ، وتتكسر أغصانها من الحمل من أجل سبتاي
وأمه تشجعه وتقول له :
- التصوف اليهودي فيه الكثير يا بني ."( 3 )
والمقصود بالتصوف اليهودي ما تم ذكره عن الكابالا ، هي معتقدات وشروحات روحانية فلسفية تفسر الحياة والكون والربانيات. بدأت عند اليهود وبقيت حكرا عليهم لقرون طويلة.
ويموت السلطان مراد الرابع ، وكان قد قتل إخوته، بايزيد ، وسليمان ، وقاسم ، ولم يبق إلا أخوه إبراهيم الذي وضعه في السجن فقد منعته والدته السلطانة كوسم من قتله فهو الوحيد الذي بقي على قيد الحياة من آل عثمان .
_______________________________________
1)اسم ملك فارسي تزوج أستير، كان صاحب نزوات متقلقلًا، قصير النظر طاغية، قاسيًا، وكانت زوجته السابقة هي وشتي الملك..
الرواية ص 55(2
) الرواية ص983

سبولاني يتأخر عن درس الشيخ ، وعندما يسأله عن سبب التأخير يخبره بقصة حدثت معه أثناء قدومه للدرس ، فقد حصل انفجار وطار سبولاني في الهواء ولم يحدث له شيء ، ويقص الشيخ القصة على الطلاب ولكنهم يستهجنون ذلك :
قال تلميذ غاضب :
- ما قصة هذا الولد يا أستاذ ؟؟
قال الشيخ :
- إنكم صغار لأخبركم ولكنكم سمعتم بالكرامات
قالوا : نعم
- هناك من البشر من يؤتى كرامات يختص بها دون غيره .
قال تلميذ شبه نائم :
ما هي الكرامات يا مولاي ؟
قال الشيخ غاضبا :
- الم أقل لكم سابقا ما معنى كرامات .
قال ولد ثان : بلى قلت .
قال التلميذ الغاضب :
- ولكن سبولاني ولد أزعر لا تبدو عليه مظاهر الكرامات . ( 1 )
من الحوار السابق يتبين لنا نظرة التلاميذ الذين يدرسون مع سبولاني ونظرة شيخه له ، وسوف نقف عندما نتناول بناء الشخصية عند شخصية سبولاني وكيف نمت وتطورت حتى وصلت الى ما وصلت إليه .
وفي الحوار السابق هناك تركيز على الكرامات ومعنى الكرامات ولمن هي الكرامات ، وسوف نرى الكثير من الكرامات سواء كانت هذه الكرامات تخص سبولاني أو تخص سبتاي فكلاهما كما قلنا عملة ذات وجهين.
_________________________________________________
1 ) الرواية ص 126
في عام 1648 سبتاي يصبح حاخاما ويصدر إشاعة باقتراب خروج المسيح ، ثم يقرر في الوقت نفسه انه هو المسيح المخّلص ، وتناقل الجميع في الدولة العثمانية الخبر ، فبعضهم كان مؤيد والبعض لم يعجبه الأمر ورفض الدعوة ، ويمرض السلطان إبراهيم ويصاب بالجنون ، ويظهر الضعف في أركان الدولة ، ويجتمع سبتاي مع مجموعة من أنصاره ويقرأ عليهم رسالته ، الذي يدعي فيها انه المسيح المخلص ، ثم يسافر الى اسطنبول بعيدا عن عيون الحاخام جوزيف الذي كان يعمل ضده .
تغضب السلطانة كوسم سلطان بعد تهديد ابنها لها بنفيها الى قبرص ، وتتصل بزعماء الانكشارية وتقوم الثورة وعلى أثرها يتم عزل السلطان إبراهيم ابنها من منصبه وبعد عشرة أيام تقوم بقتله .
وتم تعين ابنه محمد صاحب السبع سنوات سلطانا ، وأمه خديجة تارخان هي السلطانة الأم ، وظلت كوسم سلطان ذات نفوذ قوي .
ويسافر سبتاي الى اليونان ويدعي هناك النبوة ولا يجد تأيد من أحد ، ويعود الى اسطنبول .
في عام 1961 استفاقت البلاد على انقلاب أطاح برئيس الوزراء عدنان مندريس وانتهى الانقلاب بإعدام عدنان مندريس ، وأصبح سبولاني داعية ودخل الجيش .
خديجة تارخان تقتل كوسم سلطان تتحدث خديجة تارخان مع ولده السلطان محمد الرابع ويسألها عن سبب العداء بينها وبين جدته كوسم سلطان وأنه سمع في القصر أنها تريد قتله لتولي أخاه سليمان بدلا منه ، تطمئن ولدها وتأمره آلا يغادر القصر وتتفق هي والخدم على قتل كوسم سلطان ، وفعلا يقوم الخدم بخنق كوسم سلطان بحبل الستارة وتلفظ أنفاسها الأخيرة .
الإمام سبولاني يواصل دعوته ، وتلميذه محمود يسمع بكرامات سبولاني ، فهو قد أصبح يتوضأ كل عشرين يوما ، وعندما يخضر بباله نوعا من الفاكهة فهو فقط يحك رأسه فتخرج حبة التين ، وبذور الخوخ تتحول الى ذهب ، كرامات كما يدعي سبولاني ، سبولاني وسبتاي كما يدعون لهم كرامات .
سبتاي يخرج الى بيروت ثم القدس ،هربا من الحاخامات ، ومن القدس سوف يتوجه الى غزة ومنا الى القاهرة .
في غزة التقى صديق له يقال له أبراهام ، وأخبر سبتاي أبراهام انه أصبح نبيا وقد نزل عليه الوحي من السماء :
- سأقول لك شيئا أبراهام .
- خير ، لقد اختني يا رجل ما هو ؟؟
- لقد أصبت نبياً .
- وكيف تم ذلك ؟
- لقد نزل عليّ الوحي من السماء واختارني مخلصا لبني إسرائيل .
- نعم
- وسأدعو الجميع لهذا الأمر
- وأنا مصدقك يا سبتاي ، اعتبرني أحد تلاميذك
- بل أنت رفيق وصديق صدوق .(1 )
يعود سبتاي من مصر وقد تزوج سارة ، الدولة العثمانية تراقب تحركاته ، يسجن سبتاي عام 1666 بتهمة بث الفتنة وإفساد الديانة اليهودي ، يقرر السلطان محمد الرابع محاكمته ، سبتاي يعترف بالتهم الموجه إليه ، يطلب منه المترجم أن ينطق بالشهادتين حتى ينجو من الإعدام ، ينطق بالشهادتين ويصبح اسمه محمد عزيز أفندي . ولكنه بقي يمارس أحلامه بالنبوة ، فقبض عليه السلطان ونفاه الى مدينة دولسبنو في البانيا وذلك في صيف 1673 ولم يلبث أن مات هناك .
تحليل الشخصيات :
الشخصيات هي العنصر الأساسي والاهم في العمل الروائي ، وتظل الشخصيات ما هي إلا محض خيال في غالب الأحيان صاغها وكونها خيال المؤلف " فالشخصية الروائية تمتزج في وصفها بالخيال الفني للروائي (الكاتب) ، وبمخزونه الثقافي الذي يسمح له أن يضيف ويبالغ ويضخم في تكوينها وتصويرها بشكل مستحيل معه أن تعتبر تلك الشخصية الورقية مرآة أو صورة حقيقية لشخصية معينة في الواقع الإنساني المحيط ، لأنها شخصية من اختراع الروائي فحسب" (2 )
ما يميز الشخصيات في رواية ( الشيطان يخرج من أزمير ) أننا نرى نوعين من الشخصيات :
شخصيات حقيقية كان لها دور حقيقي وفعلي في التاريخ وفي صنع الأحداث التاريخية .
وشخصيات خيالية من صنع الروائي ، وقد استطاع الروائي المزج بين الشخصيات الحقيقية والشخصيات الخيالية لدرجة أن من لا يعرف التاريخ لا يستطيع التميز بين الشخصية الحقيقية والخيالة وهذه تُحسب للروائي في إتقانه لسرد الأحداث وتسلسلها .


_____________________________________________________________
1 ) الرواية ص 205
2)آمنة يوسف : تقنيات السرد في النظرية التطبيقية ، دار الحوراء للنشر والتوزيع

الشخصيات الحقيقية (الشخصية المرجعية ) :
النص الذي بين أيدينا نص تاريخي ، يعالج فترة معينة من التاريخ العثماني وتاريخ اليهود في اسبانيا والدولة العثمانية ، فلا غرابة أن نلتقي بمجموعة من الشخصيات التي عاشت وعايشت تلك الفترة ، فالرواية تتحدث عن فترة زمنية محددة ، فالزمان واضح والمكان معلوم ، والأشخاص الذين عاصروا تلك الفترة معروفين لمن قرأ التاريخ .
يميز فليب هامون بين أنواع الشخصيات ويقسمها إلى ثلاث:
شخصيات مرجعية : تحيل هذه الشخصيات على عالم معطى من خلال الثقافة أو التاريخ (الشخصي أو الجماعي) ، كما تحيل هذه الشخصيات على مرجعية تاريخية مثل نابليون الثالث ، والحسين بن علي، معاوية ، أبو ذر الغفاري ، الحجّاج.إنّ فصص هذه الشخصيات لا تشتغل كسيرة ذاتية ، بل هي صور مكثّفة تعمل كعلامات ورموز فاعلة في القصة.
شخصيات إشارية: وتسمى الشخصيات الإشارية بالشخصيات الواصلة ، ويدل هذا النوع على وجود صوت مختلف عن الشخصيات الورقية ، إنه دليل على حضور المؤلف أو القارئ أو ما ينوب عنهما في النص ، كالرواة والرسامين والساردين والفنانين ، ويكون من الصعب أحيانا الإمساك بهذه الشخصيات.
شخصيات استدراكية: وتسمى الشخصيات المتكررة ،إنّ تحديد هذه الشخصيات يحتاج إلى الإلمام بمرجعية السنن الخاصة بالعمل الأدبي فهي وحدها كافية بتحديد هويتها،إن الشخصيات الاستدراكية تقوم بنسخ شبكة من الاستدعاءات والتذكيرات الخاصة بأجزاء من المحكي السردي ، لذلك فوظيفتها وظيفة تنظيمية وترابطية تعمل على شحذ ذاكرة القارئ من خلال الشخصيات المبشّرة بخير أو تلك التي تذيع أو تؤول الأمارات ، وتظهر هذه النماذج من الشخصيات في الحلم المنذر بوقوع حادث أو في مشاهد الاعتراف والبوح ، وكذا الاسترجاع والاستشهاد بالأسلاف.
وسوف نتناول هذه الشخصيات حسب تسلسلها وظهورها في الرواية وليس من جانب أهميتها أو كثافة ظهورها في ثنايا العمل الأدبي .
1 ) ايزابل : شنت مع زوجها حملة عسكرية للاستيلاء على مدينة غرناطة من حكامها بني الأحمر وكانت غرناطة آخر معاقل المسلمين في إسبانيا وبسقوط حكم أبو عبد الله عام 1492 انتهى الحكم الإسلامي في الأندلس، وقد أمرت الملكة إيزابيلا بإنشاء محاكم التفتيش بمعاونة الملك فيليب وبمراقبة توماس دي توركيمادا، المحاكم التي قامت بطرد ثلاثة ملايين من المسلمين، أما الذين لم يغادروا الأندلس بعد سقوطها، أجبروا على التحول للكاثوليكية. أطلق عليها البابا إسكندر السادس وزوجها، لقب الملوك الكاثوليك..
فرناندو: فرناندو ولد في أراغون وهو ابن للملك خوان الثاني ملك أراغون والملكة خوانا إنريكس. متزوج من ايزابيلا أخت هنري الرابع ملك قشتالة في 19 تشرين الأول 1469 في بلد الوليد. وقد أصبح ملك مشترك على قشتالة بصفته فرناندو الخامس بعد أن ورثت ايزابيلا المملكة من أخيها
المتوقي سنة 1474 لتصبح الملكة ايزابيلا الأولى ملكة قشتالة. وقد قاموا بالحرب معا ضد الأميرة جوان وابنة الملك هنري الرابع وخوانا بعد أن سببت حربا أهلية للإطاحة بالملكة ايزابيلا انتهت بانتصار يزابيلا. وعندما ورث فرناندو أباه كملك على أراغون في عام 1479 توحدت المملكتان أراغون وقشتالة وجميع المقاطعات التابعة لهما بمسمى جديد إسبانيا. وأول ملكة حملت اللقبين هي ابنتهما جوانا الأولى ولكن ابنها كارلوس الأول هو أول من لقب بملك إسبانيا.
أبو عبد الله الصغير :
أبو عبد الله محمد الثاني عشر (1460 - 1527) هو محمد بن علي بن سعد. من بني نصر أو بني الأحمر المنحدرة من قبيلة الخزرج القحطانية، حكم مملكة غرناطة في الأندلس فترتين بين عامي (1482 - 1483) و عامي (1486 - 1492). وهو آخر ملوك الأندلس المسلمين الملقب بالغالب بالله . استسلم لفرديناند وإيزابيلا يوم 2 يناير 1492. وسماه الإسبان الصغير ،)، بينما سماه أهل غرناطة الزغابي (أي المشؤم).
"دخل الأسبان مظفرين ، واستلموا مفاتيح القصور ، مضى أبو عبد الله الصغير الى جبال البشارات ليذهب الى أفريقيا ويموت فيها ذليلا ، انه ملك غبي ساقط ." ( 1)
عائشة والدة السلطان أبي عبد الله الصغير :
عائشة الحرة والدة آخر ملوك غرناطة أبو عبد الله الصغير الذي اشتهر بكونه آخر ملك مسلم في بلاد الأندلس..
لعبت هذه المرأة دورا مهما في إنقاذ عرش غرناطة من مؤامرات ضرتها ثريا الرومية وثبات الغرناطيين أمام النصارى وخاصة في بعث روح المقاومة لدى ابنها الملك أبي عبد الله الصغير. احتفظ الإسبان إلى يومنا هذا باحترام وتقدير لهذه المرأة وألفوا حولها القصص والأساطير وحافظوا على منزلها في حي البيازين الشهير بغرناطة المعروف اليوم بقصر دار الحرة
"قالت له أمه عائشة : انك مثل النساء لم تكن رجلا لتدافع عن وطنك هكذا يسقط كل الخونة عندما يقدمون أوطانهم لقمة سائغة للأعداء ." ( 2)
__________________________________________
الرواية ص 10(1
الرواية ص 11(2


سبتاي زيفي :
أصبح سبتاي حاخاما حسب رغبة أمه ذات الميول الدينية. درس التناسخ والتلمود والمعارف الباطنية على يد حاخام أزمير "إسحاق دلبع" وقد استنبط الحاخام الشاب سبتاي من النصوص الدنية العبرانية حسب منهج الكبالاه أن ظهور المسيح سيكون سنة 1648 فأعلن نفسه مسيحا في ذلك التاريخ.
آمن به كثير من يهود أزمير رغم رفض الحاخام جوزيف اسكوبا دعواه وتكذيبه له. ثم بدأ المسيح المنتظر سبتاي سوي رحلة المغامرات الشاقة. فقد وفد إلى إستانبول سنة 1650 فنصحه حاخامها أبراهام وجيني بالرحيل إلى سالونيك حيث عدد أتباعه والمؤمنين به في تزايد. ثم عاد إلى أزمير سنة 1659 وبعد ثلاث سنين ذهب في زيارة دعوية إلى مصر وفلسطين وعند عودته إلى أزمير وقع تتويجه من طرف اليهود حسب معتقدهم. ثم نشر بيانا قسّم فيه العالم من بعده على مريديه الثمانية والثلاثين. ووفد لزيارته يهود من ألمانيا وبولونيا وبقية أنحاء العالم.
عندما لاحظت إدارة الدولة العثمانية هذا الوضع بدأت تتخذ التدابير الزجرية لمقاومة هذا التكتل اليهودي. وقد وجدت الدولة دعما لها من طرف اليهود المحافظين والحاخامات الرسميين فسجنته سنة 1666 بتهمة بث الفتنة وإفساد الديانة اليهودية وادّعاء النبوة ثم نقل من سجن زندان قابو بإستانبول إلى جزيرة أيدوس للتخلص من الزوار اليهود المتوافدين عليه هناك. فتحولت قبلة زائريه من إستانبول إلى أيدوس ببحر إيجة.
كمال ريس:
من الشخصيات التي يؤد ذكرها في الرواية (كمال ريس) قائد الأسطول العثماني .
حضر كمال ريس بسفنه وحمل معه اليهود الذين رغبوا بالهرب من غرناطة الى مدينة أزمير ." -
أصاب الأب خيبة أمل ، وسأل سبولاني عمن يكون كمال ريس فرد عليه :
كمال ريس قائد الأسطول العثماني . -
لقد حاول مساعدة المسلمين في الأندلس ولكنه لم يستطع وقد أرعب الأوروبيين في البحر المتوسط.( 1 )
ولد كمال ريس في جاليبولي في العام 1451 واسمه الكامل هو أحمد كمال الدين وكان والده تركيا اسمه "على" من كارامان بوسط الأناضول وقد صار يعرف في أوروبا وخصوصا في إيطاليا وإسبانيا بأسماء مثل كمالى وكماليكيو.
_________________________________________________
الرواية ص 20 (1
.
موردخاي ( قرة منتشة ) :
موردخاي أو ( قرة منتشة ) هو والد سبتاي زيفي ، سمسار يهودي .
السلطان مراد الرابع :
" في غرفة نوم سبتاي قال الأب موردخاي :
نم يا بني ولا تحلم كثيرا . -
نظر سبتاي الى أبيه وقال :
حلمت أني مكان السلطان مراد الرابع انه لا يكبرني كثيرا . " (1 ) -
هو السلطان العثماني السابع عشر، عاش بين عامي (1021 - 1049 هـ) / (26 يوليو 1612 - 9 فبراير 1640 م). حكم 17 عاما منذ عام 1032 هـ / 1623 م وكان عمره آنذاك 11 عاما. ضمت بغداد للدولة العثمانية في عهده عام 1639 م. كان يجيد العربية و الفارسية بالإضافة إلى التركية ، وكان يكتب القصائد تحت اسم مرادي، كما كان موسيقيًا مميزًا
تولى أمر الخلافة بعد عزل عمه السلطان مصطفى الأول عام 1032 هـ. وتولى الخلافة وهو صغير فسيطر عليه الإنكشارية في بداية الأمر. حدث تمرد في بغداد فأرسل الخليفة جيشًا إليها ولكن الصفويون دخلوا بغداد واستولوا عليها، وبعد وفاة الشاه عباس وتولى ابنه الصغير مكانه استغل العثمانيون الفرصة وحاصروا بغداد ولكنهم لم يتمكنوا من اقتحامها. وهو شقيق كلأ من السلطان عثمان الثاني والسلطان إبراهيم الأول.




__________________________________________________.
الرواية ص 36(1
الحاخام إسحاق دالبا :
كان له مجلس ويرتاده طلبة العلم ومن هؤلاء الطلاب سبتاي زيفي .
فجأة دخل جنديان عثمانيان طلبا الحاخام .
سأله أحدهم :
ماذا تُعلّم الطلاب ؟ -
أجاب الحاخام إسحاق وهو يرتجف :
أعلمهم أمور الدين -
قال الآخر :
- هل دعوت للسلطان في بداية الصلاة
نعم قلت اللهم وفق السلطان مراد الرابع لما فيه الخير . -
سأل الجندي الأول أحد الطلاب قائلا :
هل دعا للسلطان يا ولد -
قال الولد :
نعم يا سيدي "( 1 )-



-
___________________________________________________
الرواية ص 58(1
كوسم سلطان :
يصفها المؤرخ التركي، يلماز أوزتونا، قائلا: «كانت ذكية إلى درجة استثنائية، ماكرة ومراوغة، أستاذة في صنع خطط سياسية ومؤامرات متعددة الوجوه، مؤثرة ومقنعة في كلامها، كانت تُعنى بإرضاء الشعب، لذا تركت خلفها مؤسسات خيرية كثيرة العدد إلى درجة لا يستوعبها العقل، ثروتها الضخمة جداً انتقلت إلى الخزينة العامة للدولة فأنعشتها.".
«كوسم سلطان».. أشهر سلطانات الدولة العثمانية التي حكمتها فعليا في عام 1617، مارست نفوذها بصورة غير مسبوقة أو متبوعة، ووصلت إلى قمة المجد والسلطة في الدولة العثمانية في مشهد استثنائي، وهي أكثر سيدة احتكرت منصب «السلطانة الأم» خلال مدة سلطنة ابنيها «مراد الرابع، وإبراهيم الأول»، لفترة امتدت لربع قرن، وكانت نائبة السلطان لابنها «مراد الرابع» ثم حفيدها «محمد الرابع» لما يقارب 12 عاما، فتجمع بين يديها سلطات واسعة مكّنتها من أن تكون ضلعا أساسيًا في السياسة العثمانية في النصف الأول من القرن الـ17 الميلادي.
اشتد العداء بين «خديجة تارخان» والدة السلطان «محمد الرابع»، الذي بدأ نفوذها يزداد، وبين جدته «كوسم سلطان»، واستمرت هذه العداوة لمدة 3 سنوات، حتى قررت «كوسم سلطان» قتل حفيدها «محمد الرابع» ذي العشر سنوات ويتولى أخوه الطفل «سليمان» السلطنة، كانت تفضله لأنه من أم أخرى واقعة تحت نفوذها، إلا أنّ السلطانة «خديجة تارخان» كشفت مخطط «كوسم سلطان»، فأمرت باغتيالها بمساعدة رئيس آغوات الحر ملك، وفي ليلة ظلماء يوم 3 سبتمبر 1651، دخل العبيد جناح نائبة السلطانة «كوسم سلطان» ونفذوا فيها حكم الإعدام خنقا، لتلقى حتفها وهي في الـ62 من عمرها، ودُفِنت «كوسم سلطان» بجانب قبر زوجها السلطان أحمد الأول في منطقة «سلطان أحمد"
كان خروج السلطانة «كوسم سلطان» من المشهد السياسي حدثا جللا، ورغم السمعة السيئة التي حصلت عليها «كوسم سلطان» كامرأة لا تعرف الرحمة ولا الشفقة في سبيل الحكم والسلطة، فعرفت «كوسم سلطان» كيف تكسب ودّ رعايا الدولة العثمانية من خلال أعمالها الخيرية، فكانت تؤدى ديون المعسرين، وفي كل عام من شهر شعبان كانت تزور السجن وتدفع الديون عن المحكومين الذين حكم عليهم بالسجن بسبب ديونهم وتطلق سراحهم من السجن، وأنفقت على زواج كثير من الفتيات الفقيرات وجواري الحرملك، ولها جامع في حي «أسكودار» مشهور باسم «الجامع ذو الخزف»، مزين بأفخر أنواع البورسلين والخزف ويعتبر تحفة فنية رائعة، ولها خان كبير معروف باسم «خان الوالدة» أوقفته على مسجدها، وبنت أيضا حماما ومدرسة للصبيان وسبيلا وعين ماء، ولها وقفية مؤرخة بعام 1640م، أوقفت خلالها أموالا كثيرة للإنفاق على الفقراء الذين يقيمون على الطريق إلى مكة المكرمة.


عدنان مندريس :
ولد في أيدين في عام 1899 ـ وتوفي في بورصة في 17 سبتمبر 1961) . كان رئيساً لوزراء تركيا في الفترة ما بين 1950-60. وهو سياسي تركي، ورجل دولة وحقوقي. وهو من مؤسسي حزب الديمقراطية رابع حزب معارض ينشأ بصفة قانونية في تركيا في عام 1946. وأول زعيم سياسي منتخب ديمقراطياً في تاريخ تركيا. أزيح عن السلطة بانقلاب عسكري عام 1960 نفذه الجيش التركي والقي القبض عليه وأعدم شنقاً مع اثنين من أعضاء مجلس وزرائه في 17 سبتمبر 1961. وهو أول رئيس وزراء يعدم في تركيا وقد أعاد البرلمان التركي الاعتبار لعدنان مندريس مع الذين أعدموا معه بقانون صدر في عام 1990.
السلطان محمد الرابع :
كان السلطان محمد الرابع حين جلس على عرش الدولة في السابعة من عمره، فقد ولد في (29 رمضان 1051 هـ / 1 يناير 1642م)، ولما كان صغيرًا فقد تولت جدته "كوسم مهبيكر" نيابة السلطنة، وأصبحت مقاليد الأمور في يديها، واستمرت فترة نيابتها ثلاث سنوات، ساءت فيها أحوال الدولة وازدادت سوءًا على سوء، واستبد الإنكشارية بالحكم، وسيطروا على شئون الدولة، وتدخلوا في تصريف أمورها، ولم يعد لمؤسسات الدولة معهم حول ولا قوة، وقد أطلق المؤرخون على هذه الفترة "سلطنة الأغوات".

وبعد مقتل السلطانة الجدة سنة 1062 هـ / 1651م لم يكن محمد الرابع قد بلغ السن التي تمكنه من مباشرة سلطاته وتولي زمام الأمور، فتولت أمه السلطانة خديجة تورخان نيابة السلطنة، وكانت شابة في الرابعة والعشرين، اتصفت على صغرها برجاحة العقل واتزان الرأي، ذات رأي وتدبير، تحرص على مصالح الدولة العليا التي أصبحت تعصف بها أهواء الإنكشارية، ولذا شغلت نفسها بالبحث عن الرجال الأكفاء الذين يأخذون بيد الدولة، ويعيدون إليها هيبتها، وكانت تأمل في أن تجد صدرًا أعظم قديرًا يعتمد عليه السلطان في جلائل الأعمال، حيث توالى على هذا المنصب كثير من رجال الدولة الذين عجزوا عن الخروج بدولتهم من محنتها الأليمة.

وجدت السلطانة الشابة ضالتها المنشودة بعد خمس سنوات من البحث الدءوب في محمد باشا الكوبريللي، وهو من أصل ألباني، قوى الشكيمة، ورجل دولة من الطراز الأول، فاشترط لنفسه قبل أن يتولى هذا المنصب الرفيع أن يكون مطلق اليد في مباشرة سلطاته وألا تُغلّ يده، وكان لأول مرة يشترط وزير قبل أن يحصل على المنصب . فقبلت السلطانة هذا الشرط؛ حرصًا على مصالح الدولة، ورغبة في أن يعود النظام والهدوء إلى مؤسسات الدولة.
"السلطان الصغير محمد الرابع لم يبلغ السابعة والدولة العثمانية في اضطراب ، كانت أم محمد خديجة تارخان سعيدة به ولكن جدته كوسم سلطان لم تكن كذلك طلبت محمد باشا وقالت له :
كيف تسير الأمور محمد باشا ؟؟
قال لها
من سيء الى أسوء
ردت :
سنجد طريقة للحد من تدخل الانكشارية في كل شيء
لقد كان خطأ إعطاء الجيش حجما أكبر من حجمه مولاتي "( 1 )

كانت هذه هي أهم الشخصيات التاريخية الحقيقية التي ظهرت في صفحات هذه الرواية ، وقد ساعد ظهور هذه الشخصيات على ربط الأحداث وتسلسلها المنطقي ، ومن خلالها استطعنا أن نتعمق في معرفة الشخصية الأخرى التي قام برسمها الروائي ، فالشخصية الحقيقية كانت تساند الشخصية الخيالية وربما جاز العكس ، ولكن وجود الشخصية الحقيقية في الرواية التاريخ يزيد من تماسك العمل الروائي ويوضح الزمن الذي قد يكون مبهم للمتلقي من دون وجود هذه الشخصيات ، وبوجود هذه الشخصيات يستطيع المتلقي تصور وتخيل المكان الذي تواجدت فيه .
فالشخصية الروائية تحدد الهوية التاريخية للنص الحكائي من خلال المرجعيات المعرفية التي يمنحها الكاتب لها ، كما أنها تؤدي دورا هاما في ربط خيوط الحبكة السردية ، كما أنها لها دلالات اجتماعية وثقافية وسياسية مختلفة تظهر من سياق الكلام
يعرف فيليب هامون الشخصية الروائية بكونها ((مقولة سيكولوجية تدل على كائن ضمني لا يمكن وجوده في الواقع إن وظيفتها اختلافيه ، إنها علامة فارغة أي بياض دلالي لا قيمة لها لإخلال انتظامها داخل نسق محدد ، إنها كائنات من ورق على تعبير بارث)).( 2 )
_____________________________________________________________
الرواية ص161(1
فليب هامون.سيميولوجية الشخصية الروائية. ترجمة سعيد بنكراد. ) 2
دار الكلامين.الرباط .1990.ص1

الشخصية الخيالية :
تحدثنا عن الشخصية الحقيقية ورأينا كيف استطاع الكاتب توظيف الشخصية التاريخية في عمله الروائي لتتماهى مع الشخصية الخيالية ،فالشخصية التاريخية شخصية مثبتة يصعب تحميلها بأكثر مما أسنده إليها التاريخ ، والرواية التي بين أيدينا رواية تاريخية بكل ما تحمل الكلمة من معنى ، فهي تسرد لنا جزء من تاريخ اليهود في اسبانيا والجزء الآخر في أزمير ، بالإضافة الى جزء لا يستهان به عن تاريخ الدولة العثمانية .
الشخصيات الخيالية والتي كانت من رسم الروائي قليلة العدد بالنسبة للشخصيات الحقيقية وذهبنا الى أن ذلك يرجع الى الفترة الزمنية الطويلة التي عالجتها الرواية ، فكان لا بد للروائي من تقصي الحقائق التاريخية وذكر الشخصيات التي تحرك السرد وتدفعه الى الأمام .
سبولاني :
شخصية رئيسية تميزت بمجموعة من الصفات أهلتها أن تكون شخصية رئيسية تثري الخطاب السردي وتجعل منه مادة غنية بالدلالات ، فقد رسم الروائي هذه الشخصية وجعل لها ظل آخر يوضحها ويسير معها ، فشخصية سبولاني ما هي إلا انعكاس لشخصية سبتاي زيفي " إن هذا الطفل الذي يقود الرواية ما هو إلا سبتاي زيفي ، ولكنه كان صوفيا يجيد المراوغة ويؤمن بالحلول ولعله حلّ في هذا الطفل سبولاني " (1 )
فالكاتب يفتح الطريق أمام المتلقي وبضع يده على قضية مهمة في حبكة هذه الرواية ، ويقرر ولا نقول يشعر المتلقي أن هذا الطفل سبولاني ما هو إلا صورة أخرى من سبتاي زيفي .
شخصية ذكية تُتقن التمثيل وتقمص الشخصيات والأدوار ، لها أحلام كثيرة ، فمنذ السطر الأول يبدأ الكاتب بجملة توضح شخصية سبولاني " نظر الى الصورة المعلقة على الجدار وقال : سأكون مثلك يا جدي العزيز " ( 2 )
سبولاني شخصية ذات طموح ، يرافق هذا الطموح ذكاء وعبقرية ، وتخطيط لمستقبل أفضل ، فهو لا يعيش على أحلام والأمنيات فقط بل هو يجد ويجتهد وهذا ما سوف نعرفه عندما نحلل هذه الشخصية . بالإضافة لملازمة والده له وتشجيعه .
في مشهد تمثيلي استطاع سبولاني أن يشرح شيئا عن سقوط غرناطة وخروج اليهود منها حتى خافت عليه أمه وطلبت من أبيه أن يأخذه الى شيخ يقرأ عليه فقد ركبه شيطان يهودي
______________________________________________________
الرواية ص 17
الرواية ص5
ووالده يؤكد لزوجته أنها الصوفية وأعجبه ما يقول سبولاني فأحضر دفترا وقلما وراح يسجل ما يقول .
سبولاني كان شغوف بدراسة اللغة العربية ، ومن المداومين على حلقات الشيخ جلال الصناجيري ، ويحلم أن يكون داعية ، ويخطب في المساجد ، سبولاني يمشي على خطى سبتاي فقد أصبح صاحب كرامات ، وتحقق حلمه بأن يكون داعية ويدخل الجيش ، ويستمر في دعوته وكراماته وأحلامه ، مما أغضب قائد الوحدة وحذره من الاستمرار في ذلك .
تتطور شخصية سبولاني ويصبح الإمام سبولاني ويصبح له تلاميذ يؤيدونه وينشرون دعوته ، محمود أحد تلاميذه المخلصين جلس معه وقال له :
" سأطلعك اليوم على شيء في غاية الخطورة .
رد محمود : وما هو يا مولانا ؟
انه يبدو في غاية الغرابة بالنسبة لك ولكنه لا يحدث إلا مع الأولياء .
- ما هو يا مولانا أنا مصدقك سلفا فأنت سيدي ومولاي .
- في الواقع لقد صرت أتوضأ كل عشرين يوما .( 1 )
سبولاني ما زال متمسك بما بدأ به ، فهو دائم الحديث عن كراماته التي لا تُصدق ، وأكاذيبه التي لا تُطاق ، وينتهي دور سبولاني بأن يهرب من أزمير بعد أن أكتشف الجميع أنه عميلا لأحدى المخابرات الأجنبية.
لقد وفق الكاتب في تصوير شخصية سبولاني ، الذي أمضى حياته في الأحلام والأكاذيب والكرامات ، ثم يعري الكاتب شخصيته بأنه ليس إلا عميلا لأحدى المخابرات الأجنبية .
شخصية انتهازية تمتاز بالذكاء وإتقان التمثيل .
مسعود :
والد سبولاني ، صوفي يحب الصوفية ، يؤمن بالكرامات الصوفية :
آه يا غرناطة يا سيدة المدن لقد حرقوا اليوم محاصيل القمح ولم يبقوا لنا شيئا .فجأة تدخلت الأم قائلة: ماذا يقول الولد ؟؟
_________________________________________________________
الرواية ص185(1

قال أبوه : اصمتي لا تقطعي عليه حبل أفكاره إنه التجلي ، إنها الصوفية المشرقة ، أكمل يا بني ." ( 1 )
فوالده يعشق الصوفية ويحث ابنه على الاستمرار ، ويهدد زوجته بالطلاق إذا بقيت تسخر من الصوفية .
شلومو:
شخصية ثانوية ، دورها محدود جدا في الرواية ، يظهر شلومو كصديق لسبتاي ، ويدور الحديث بينهم عن فتاة أحبها شلومو تدعى رومي ، ولكنه في النهاية ينفر من تصرفاتها ويقوم بطردها .
المكان :
بنية المكان من العناصر المهمة في العمل الروائي ، فقد اهتم الكثير من الروائيين بالمكان كعنصر من العناصر الهامة في العمل الروائي ، وتظهر أهمية المكان في الأعمال التاريخية بشكل أكثر وضوحا من الأنواع الأخرى ، فمن خلال المكان نستطيع أن نتعرف على الحالة الاجتماعية والنفسية لشخصيات العمل الروائي ، ومن خلال المكان نستطيع أن نحدد الجو العام الذي تسوده أحداث الرواية .
ثقافة المكان لها قدرة على التفاعل والانسجام مع شخصيات العمل الروائي ، كما أنها تتيح المجال للروائي بالنهوض ببنيات الحوار .
"المكان في الرواية ، بدلا من أن يكون عنصراً لا يكترث به يعبر إذن عن نفسه من خلال أشكال معينة ويتخذ معاني متعددة بحيث يؤسس أحياناً علة وجود الأثر"( 2 )
تعددت الأماكن التي انطلقت منها الرواية فبما أن الروائي تعتمد على السرد التاريخي ، فلا بد للكاتب من التنقل من مكان الى آخر حسب ما تقضي الظروف والأحداث، أحداث الرواية كما يبدو من عنوان الرواية أزمير التركية ، إلا أن هذا المكان ليس ثابتاً ، فالشخصيات الرئيسية في العمل تنتقل من مكان الى آخر ، ففي بداية الرواية يظهر لنا سبولاني وهو في غرفة من غرف منزله يُحدث صورة جده .
ثم ينتقل في مشهد آخر الى خارج المنزل ليصف لنا الجو العام في المدينة وما يحدث فيها
__________________________________________________
الرواية ص9(1
2)عالم الرواية ، رولان بورنوف ، ريال اونيليه ، ترجمة : نهاد التكرلي ، دار الشؤون الثقافية ، بغداد ، 1999ص92
ما الذي حدث يا أبي ؟-
- ألم تسمع الأخبار ؟
لا كنت في البساتين مع أصدقائي -
لقد وقعت الكثير من المشاكل -
انفجارات ومظاهرات "( 1 ) -

ثم نرى سبولاني في مكان آخر ، في زاوية الشيخ جلال الصناجيري، يتعلم اللغة العربية ، تطور الأحداث يدعو الى تطور المكان ، ونمو الشخصية أحيانا يرافقه تطور في المكان ، تنقل الأحداث في العمل الروائي يفسح للروائي مجالا أرحب للسرد .
"إن المكان في الرواية ليس هو المكان الطبيعي أو الموضوعي ، إنما هو مكان يخلقه المؤلف في النص الروائي عن طريق الكلمات ويجعل منه شيئا خياليا "( 2 )
الكنيس اليهودي في أزمير ، مكان آخر ينقلنا الروائي له لنلتقي مع سبتاي وهو يحضر مجلس الحاخام إسحاق دالبا ، ويوصل لنا مجموعة من المعلومات الجديدة عن شخصية اسيتر ، والسلطانة كوسم سلطان .
السلطان إبراهيم في السجن وينتظر الموت بعد أن قتل أخوه مراد الرابع ، إخوته بايزيد ، وسليمان ، وقاسم ولم يبق إلا إبراهيم ، تتعدد الأماكن وذلك يتيح للروائي إيصال ما يريد من أفكار للمتلقي .
يحمل المكان دلالات متنوعة وعلاقات مختلفة تربط الإنسان بواقعه المكاني، فيتفاعل كل"
منهما مع الآخر،لتنشأ العلاقة المزدوجة بنتهما،فتكون في اتصال أحيانا وفي انفصال حينا
آخر.فيبسط المكان حركته على الشخصيات ،ليدلنا على مدى الجدلية التي توليها اللغة في إطار
توظيفها داخل النصوص السردية"(3 )
__________________________________________________.
الرواية ص31(1
عثمان ، بدري ، بناء الشخصية الرئيسية في روايات نجيب محفوظ ص94(2
المكان ودلالاته في الرواية المغاربية المعاصرة ، عجوج،فاطمة الزهراء(3
البعد التاريخي والرواية التاريخية :
حاول العديد من النقاد وضع تعريف دقيق للرواية التاريخية، إلا أن هذا الأمر يظل فيه شيئا من الصعوبة خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالدراسات الإبداعية والإنسانية فمن الصعوبة بمكان الاعتماد على تعريف معين ، ولكن يبقى الأمر بالنسبة للرواية التاريخية على انها عمل فني أدبي مادته هي التاريخ بعيد عن النقل الحرفي للمادة التاريخية ، فلكل كاتب تصور معين في توظيف المادة التاريخية .
للرواية التاريخية تعريفات عديدة ، فقد عرفها جورج لوكاتش " رواية تثير الحاضر، ويعيشها المعاصرون بوصفها تاريخهم"
ويعرفها الفريد شيبارد " فيقول: تتناول القصة التاريخية الماضي بصورة خيالية وبين هذا وذاك تعد الرواية التاريخية عودة إلى الماضي برؤية آنية"( 1 )
حيث يرى (عبد السلام أقلمون) أنه بإمكان الرواية أن تستقبل موادا تاريخية لتشيّيد كيان سردي
دالا فنيا ، ويكون بإمكان التاريخ أن يستفيد ما يحتاجه من مواد روائية ليشيد كيانا سرديا " (2)
وفي رواية (الشيطان يخرج من أزمير ) نرى أن الكاتب قام بإلقاء الضوء على الكثير من الأمور التاريخية ، فقد صور لنا في بداية الرواية قصة خروج اليهود من اسبانيا ، وما تعرض له اليهود والمسلمين من تعذيب وتهجير بأسلوب روائي مُتقن وفيه الكثير من الإبداع ، ثم لمح وذكر محاكم التفتيش في أكثر من مرة " لماذا هذه المحاكم إنها بشعة ، إنها تقتل فينا كل شيء ، لماذا هذا التهافت على خدمتها ، وما هي المهام التي ستقوم بها ، حتما ستقضي على اليهود . انه حقد دفين بمحاكم التفتيش ، لن يبقى أحد منا على قيد الحياة " (3 )
محاكم التفتيش: أقيمت محاكم التفتيش في أجزاء واسعة من أوروبا، ولكن محاكم التفتيش في اسبانيا نالت الشهرة الأكبر. وأشهر المحاكم الإسبانية تلك المحاكم التي أقامها فرديناند الخامس وزوجته إيزابيللا للتجسس على أهل الأندلس الذين تم فرض الدين المسيحي عليهم بالقوة، عملت محاكم التفتيش الاسبانية على التنكيل بالمسلمين بطرق وحشية جداً.
______________________________________________________
2 . )1 1)نضال محمد الشمالي: الرواية والتاريخ، عالم الكتب الحديث، ط 1، الأردن، 2006 م، ص 112،111
2) عبد السلام أقلمون: الرواية والتاريخ، دار الكتاب الجديدة المتحدة، ط 1، ليبيا، 2010 ، ص 102)
الرواية ص12(3
وأراد فرديناند وإيزابللا أن يؤسسا أسبانيا القوية المتحدة. واعتبرا المسلمين واليهود خطراً على هذا الهدف. وفي عام 1480م قاما بإنشاء محاكم التفتيش، التي كانت تقوم بسجن أو قتل الأشخاص الذين يُشتبه فيهم أنهم لا يتبعون تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. واستمرت محاكم التفتيش لأكثر من 300 سنة. وكان رجال ديوان مجمع قضاة الإيمان الكاثوليكي (محاكم التفتيش) ينظرون إلى ممارسة الشعائر الإسلامية أو حتى مجرد الاتجاه إلى الكعبة لأداء الصلاة أو الصوم على أنه جريمة يعاقب عليها بالموت..
فالرواية منذ الصفحات الأولى تتحدث عن سقوط الأندلس وسقوط غرناطة آخر الممالك الأندلسية، وملكهم أبو عبد الله الصغير آخر ملوك الأندلس ، الذي قام بالتآمر مع الإسبان ورتب معاهدة السلام لتسليم غرناطة .
ثم يستعرض لنا الكاتب كيفية خروج اليهود من غرناطة ، وكيف أن كمال ريس قائد الأسطول العثماني هو الذي قام بإخراجهم.
من الدلالات المهمة في الرواية التاريخية اهتمامها بالزمن ،" يعد الزمن عنصرا هاما من العناصر المكونة للبناء الروائي، حيث لا وجود لأحداث ولا لشخصيات ولا حتى لحوار خارج إطار الزمن، ونعني بذلك الحيز المعنوي اللامرئي والمجرد في الآن نفسه، المشكل للحياة" .( 1 )
في أكثر من مرة نرى أن الكاتب يحدد لنا الزمن بدقة ففي الصفحة العاشرة يذكر لنا تاريخ 2 يناير من عام 1492 وهو تاريخ سقوط غرناطة .
وفي الصفحة ( 20 ) يذكر لنا تاريخ 1626 " ضرب مسعود ولده وهو يطلب أن يكمل قصة الأندلس ولما يأس منه قرر أن يستخدم إحدى أدواته الصوفية ، آلا وهي الكشف ليعود الى أزمير في العام 1626 " ( 2)
في الصفحة (133) ذكر العام 1648 وهو العام الذي أصبح فيه سبتاي حاخاما .
في الصفحة (155) يذكر العام 1961 وهو التاريخ الذي حصل فيه انقلاب في تركيا أطاح برئيس الوزراء عدنان مندريس .
في الصفحة (211) يذكر تاريخ 1985 وهو التاريخ الذي استلم به كنعان ايفرين وبدأ بقمع الحريات .
_________________________________________________
1)حسن نجمي، شعرية الفضاء المتخيل والهوية في الرواية العربية، ط 1، المركز الثقافي العربي، د.م، 2000 م، ص65
الرواية ص20(2
تحديد الزمن له أهمية في تسلسل الأحداث التاريخية ، فهذه الأحداث التي تم ذكرها آنفاً ، تدل على مدى أهمية الزمن في الرواية التاريخية وفي أطروحة لنيل شهادة الماستر للطالبة نسمة لحويشي ذكرت أهمية الزمن في البناء الروائي :
أولا: لأن الزمن محوري وعليه تترتب عناصر التشويق والإيقاع و الاستمرار.ثم إنه يحدد في الوقت نفسه دوافع أخرى مثل السببية والتتابع واختيار الأحداث..
ثانيا: لأن الزمن يحدد إلى حد بعيد طبيعة الرواية ويشكلها، بل أن شكل الرواية يرتبط ارتباطا وثيقا بمعالجة عنصر الزمن، ولكل مدرسة أدبية تقنيتها الخاصة في عرضه ولذلك فإن الرواية "أو بمعنى أصح فن القص" تطورت من المستوى البسيط للتتابع والتتالي إلى خلط المستويات الزمنية من ماض وحاضر ومستقبل خلطا تاما، مما أدى بالرواية الجديدة إلى تداخل وتلاحم بين المستويات الثلاثة يصعب معها تتبع قراءة النص.
ثالثا: أنه ليس للزمن وجود مستقل نستطيع أن نستخرجه من النص مثل الشخصية أو الأشياء التي تشغل المكان أو مظاهر الطبيعة، فالزمن يتخلل الرواية كلها ولا نستطيع أن ندرسه دراسة تجزيئية فهو الهيكل الذي تشيد فوقه الرواية.( 1 )
يستطيع المتلقي من خلال قراءة النص الروائي التاريخي استخلاص بعض المعلومات التي قد لا يسعفه الوقت للبحث عنها في كتب التاريخ ، ولكن يبقى العمل الروائي عملا أدبيا فنيا غير معتمد كوثيقة رسمية للأمور والأحداث التاريخية ، بل ربما كان مفتاحا لذلك ، فمن الأحداث التي نجد أن الكاتب أولى لها الأهمية في هذا النص ، السلطانة (كوسم سلطان ) ، فقد استطاع الكاتب أن يبين لنا الدور السياسي والتاريخي الكبير لهذه المرأة ، فقد كانت تتدخل في أمور الحكم مع جميع السلاطين التي عاصرتهم ، حتى غضب ابنها السلطان إبراهيم وحذرها من ذلك فكان عقابه القتل على يد والدته (كوسم سلطان) .
أدرك السلطان العثماني إبراهيم الأول أن أمه تتدخل في الحكم فقال لها :
- يجب أن تتوقفي عن التدخل في الحكم يا أمي هل تفهمين ما أقول ؟؟
غضبت كوسم سلطان وقالت :
ماذا تقول يا بني ؟-
أقول ما سمعت . -

___________________________________________________________
الحويشي،نسمة، جماليات الزمكنة في رواية (مدن بلا نخيل ) لطارق الطيب ،ص27(1
أنا سيدة القصر وتقول لي لا تتدخلي في شؤون الدولة ، لمن سأتركها لك هل تستطيع إدارتها ؟ -
نعم -
لقد اضطربت أمور الدولة -
سأعيدها الى ما كانت عليه -
لن تعود بهذه الطريقة . -
لقد قلت لك ألا تتدخلي انه الإنذار الأخير وإلا سأنفيك الى قبرص -
- كما تريد (1)
وبالتعاون مع الانكشارية استطاعت كوسم سلطان من خلق الفوضى وقيام الثورة ، وقامت بعزل ابنها إبراهيم وبعد عشرة أيام قامت بإعدامه .
وظلت كوسم سلطان لها الهيمنة على الدولة وعلى السلاطين حتى علمت خديجة تارخان أن كوسم سلطان سوف تغدر بابنها محمد التي هي جدته ، فقررت قتلها بالتعاون مع الخدم الذين قاموا بخنقها بواسطة حبل الستارة .
وفي الرواية نرى أن الكاتب قد قام بتوثيق بعض التواريخ المهمة مثل الانقلاب الذي أطاح برئيس الوزراء التركي عدنان مندريس عام 1961 وعلى أثره تم إعدام عدنان مندريس .
فرواية (الشيطان يخرج من أزمير) رواية تاريخية ، فقد اتكأ الكاتب على مجموعة من الأحداث التاريخية التي كان لها الدور الأكبر والاهم في الرواية ،" فالرواية التاريخية عمل فني يتخذ من التاريخ مادة له ،لكنها لا تنقل التاريخ بحرفيته ، بقدر ما تصور رؤية الفنان له وتوظيفه لهذه الرؤية ،للتعبير عن تجربة من تجاربه ،أو موقف من مجتمعه يتخذ من التاريخ ذريعة لقوله". (2 )
ويظل هذا العمل الإبداعي إضافة نوعية الى رفوف مكتبة الرواية العربية .


_______________________________________________
1)الرواية ص 141
ص33 ( )ٗ بناء الرواية في الأدب المصري الحديث، ص.(2.



#محمد_رمضان_الجبور (هاشتاغ)       Mohammad_Ramadan_Aljboor#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأبعاد الاجتماعية والنفسية والرومانسية في رواية (خيمة مشرعة ...
- شوق وعناق /قصة قصيرة جدا
- ثنائيات السرد في رواية (شَمتو) للروائي مصطفى القرنة
- المكان في رواية (المدرج الروماني) للروائي مصطفى القرنة
- عشتار –ارش ، شاعرا في رواية بنسمايا /للروائي الاردني مصطفى ا ...
- قراءة في رواية ( دموع على حدود طنجة ) للروائي مصطفى القرنة
- ثلج ونار


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد رمضان الجبور - بناء الشخصية والبعد التاريخي في رواية( الشيطان يخرج من أزمير )